أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زكي رضا - د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة لثانية)















المزيد.....


د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة لثانية)


زكي رضا

الحوار المتمدن-العدد: 4618 - 2014 / 10 / 29 - 15:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



قراءة في كتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي "



زكي رضا

موقف بعض رجال الدين من شريعتي

نتيجة افكار شريعتي الجريئة والمتجددة وقف ضده العديد من رجال الدين أو "الروحانيون الصفويون" حسب تعبيره، ومن بين هؤلاء مرتضى انصاري قمي الذي طالب بسجن واعدام شريعتي، وحذر الحكومة والشعب والروحانيين قائلا:" خلال القرن الاخير ، لم يواجه الاسلام والتشيع عدوا خطرا ووقحا كعلي شريعتي ".

اما ناصر مكارم الشيرازي فكتب مقالة في مجلة " مكتب اسلام " بعنوان (هل الشورى هي اساس الحكومة الاسلامية؟)، خطأ فيها رأي شريعتي قائلا:" ان الشيعة لا يعتقدون بانتخاب الخليفة وفق مبدأ الشورى، لان الخليفة وفق مبدأ التشيع منتخب من الله ورسوله"
(1) .



علي شريعتي مع أنصاره في حسينية إرشاد

وفي احدى المرات زار وفد من طلبة قم كل من شهاب الدين المرعشي النجفي وشريعتمداري واخبروهما ان شريعتي انكر في احدى خطبه في حسينية ارشاد امام الزمان (المهدي المنتظر)، وان لا سند حقيقي لدعاء الندبة. فأجاب المرعشي من انه لا يعرف شريعتي ولكن اذا كان الذي نقلتموه عنه صحيحا فأنه كافر.

اما محمد مطهري فانه وبحضور كل من محمد بهشتي وسيد هادي خامنئي انتقد شريعتي قائلا : "بغض النظر عن افكاره غير الصحيحة واخطاءه وغروره فانه وّجه ضربة قاسية للعلاقات بين الروحانيين والشباب المتعلم وجعلهم ينظرون بعين الشك والريبة للرجال الروحانيين".

وكتب ابو الحسن القزويني جوابا على احد المستفتين قائلا:" على الرغم من مرضي في الفترة الاخيرة وعدم مطالعتي للكتب، لكن استنادا الى مطالعاتي السابقة اعتبر كتب الشخص المذكور "شريعتي" غير مطابقة مع التشيع وهي انكار للنبوة اي انكار للاسلام".

اما محمد حسين الطباطبائي فقد قال:"انا لم اوافق مطلقا على كتابات علي شريعتي ، ان آراءه خاطئة، وهي غير قابلة للتصديق طبقا للمفاهيم الاسلامية". فيما حرّم كاظم المرعشي في اجابة للذين استفتوه بيع وشراء كتب علي شريعتي، واعلن علي اصفهاني ان كتابات شريعتي تشتمل على اباطيل مختلفة (2) .

وقد استمر صدور الفتاوى بحق شريعتي حتى بعد موته، حيث اصدر كل من الخوئي و المرعشي النجفي والشاهروردي وعبد الله الشيرازي ومالك الحسيني وعلي نمازي وآخرين فتاوى مشابهة. وفي نفس الفترة جرت محاولات مع الخميني كي يصدر فتوى بهذا الشأن، ولكنه فضّل السكوت.

وكتب محمد اليزدي في مذكراته حول اجتماع مدرّسي قم قبل الثورة لأتخاذ قرارا بحق شريعتي قائلا:" عقدت تلك الجلسة في منزل نوري الهمداني ووصل النقاش الى حدود الكفر والايمان عند شريعتي، وتوصل السادة المجتمعون بعد نقاشات طويلة الى ان اعلان كفر شريعتي لن يكون له أثر جيد وليس في مصلحة الاسلام والمسلمين بشكل عام . وكان للسيد مصباح يزدي وجهة نظر خاصة على الضد من الاخرين. وعلى هذا المنوال فأن البعض من الروحانيين القريبين من الخميني والذين اشتركوا بعدها في حكومة الجمهورية الاسلامية وبسبب المصلحة فقط لم يكفروا شريعتي .

اما مرتضى مطهري وفي رسالة للخميني اثناء الثورة قال :"أقل ذنب ارتكبه هذا الرجل هو اساءته لسمعة الروحانيين. وجعل العلاقة بين الروحانيين وأجهزة الظلم والجور" السلطة " ضد جماهير الشعب جزءا من الصراع الاجتماعي، وادّعى ان السلطة والحاكم والملا وبتعبير آخر السيف والذهب ( المال ) والعبادة كانوا الى جانب بعضهم البعض ولهم نفس الهدف" .

أقوال في علي شريعتي

ومن المناسب إيراد بعض ما قيل بحق علي شريعتي، فعلى سبيل المثال:

يشير على خامنئي : "ان الاطار التأسيسي الذي يجعل الدكتور شريعتي في اطار الرواد الاوائل، يتمثل في قدرته البيانية الفائقة في اعادة طرح الاسلام بلغة حديثة تتناسب مع ثقافة الجيل يومذاك. واذا كان الكثيرون ولجوا قبله هذا المجال ، فأن النجاح الذي حققه شريعتي لم يحققه سواه (3)".

الدكتور محمد حسين بهشتي : "لقد اوجد الدكتور علي شريعتي طوال السنوات الحساسة من عمر الثورة الاسلامية جوا حماسيا مؤثرا، وكان له دور بناء في جذب الطاقات الشابة المتعلمة نحو الاسلام الاصيل، واجتذب قلوبا كثيرة نحو الثورة الاسلامية. وعلى الثورة والمجتمع أن يقدران له ذلك الدور (4)".

محمود الطالقاني : "ان المرحوم شريعتي ، تميّز بروح مستقصية شكاكة منذ بداية شبابه وأوائل عهده بالدراسة والتحصيل العلمي. كان يشك بكل شيء، حتى بدينه ، فقد كان يشك بالدين السائد بين الناس ، أي بذلك الاسلام الممسوخ، ذلك الاسلام الذي حوّل الى دكان للارتزاق ، ووسيلة للاحتراف وتربية المريدين – اي الاتباع –. كان لابد لشاب واع مثل شريعتي أن يبدأ بالشك ، لكنه لم يبق أسير الشك (5)".

احسان شريعتي : "هكذا رأينا ان شريعتي لم يستخدم قلمه من اجل تفنيد الشيوعية واسقاطها، وانما وّجه رماحه ضد الرجعية، التي سادت في بلادنا منذ العهد الصفوي، وكانت تمسخ الاسلام والتشيّع باظهارهما في صورتهما "الصفوية". لقد وقف شريعتي في وجه الرجعيين الذين تلبسوا الاسلام، ليدّعوا بان محاربة السلطة القائمة انما تخدم الماركسيين في النهاية (6)".

التشيع الاحمر والتشيع الاسود

جاء في مقدمة الطبعة الفارسية للكتاب من انه يتضمن قسمين، الاول بعنوان (التشيّع الاحمر والتشيّع الاسود)، وهو عبارة عن موجز كتبه علي شريعتي كمقدمة توضيحية لمسرحية "سربداران" ( رؤوس على المشانق )، والتي عرضت لليلة واحدة فقط اثناء حكم الشاه، و تحوّلت الى مسلسل تلفزيوني بعد نجاح الثورة الايرانية. وتحوّل هذا البحث الى مقدمة لكتابه ( التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي )، والذي كان بالاساس عبارة عن محاضرة للكاتب القاها ولمدة ثلاث ساعات في احدى ليالي رمضان في حسينة "ارشاد". وقد اجرى المؤلف بعض التعديلات عليها لينشرها في كتاب يتألف من 143 صفحة في ربيع عام 1972 .

وقد فعل المترجم خيرا وهو يؤكد على صعوبة الترجمة، لان مادة الكتاب كانت اساسا عبارة عن محاضرة على اشرطة كاسيت حوّلت الى كتاب . ولكن المترجم اشار في كلمته بخصوص الترجمة (7) الى استخدام د. علي شريعتي كلمات عربية لا يستخدمها العرب في تلك المعاني الاصطلاحية ، وانه لجأ الى مرادفات عربية شائعة الاستعمال أو اضطراره على ابقائها بنصها الاصلي رعاية على انسيابية النص وحرصا على دقة المعنى. واشار المترجم وهذا هو المهم هنا الى مصطلح " الروحانية الصفوية " والمقصود منها حسب قوله (طبقة رجال الدين عندما تمتهن الدين فتصبح أحياناً شبيهة بوعاظ السلاطين ، وتنعزل أخرى عن الحياة فتصبح قريبة من الرهبنة ، وتصبح فئة ثالثة خليطا من الحالتين). وفضّل المترجم ان يبقي الاصطلاح على حاله لكي يترك للقاريء الحرية في فهم المعنى من خلال السياق العام للكتاب على حد قوله .

يبدأ الاسلام ( في مقدمة الكتاب ) بـاثنتين من حرف "لا " ، الاولى بدأ بها محمد الاسلام كدين توحيد واصبحت شعارا لدينه وهي (لا اله الا الله محمد رسول الله) التي كانت راية العرب في حروبهم واحتلالهم للبلدان الاخرى في حينها، وراية المسلمين لاحقا في معاركهم ضد الشعوب غير المسلمة لنهبها واسلمتها بحد السيف ، اما الثانية فهي " لا " التشيّع والتي كما جاء في مقدمة الكتاب ، هي التي (صدّع بها علي وارث محمد ومظهر اسلام الحق والعدالة. وقد اكتسب التشيّع هويته الحقيقية في التاريخ الاسلامي وتحددت ملامحه ووجهته من خلال كلمة الرفض التي اطلقها "علي" في الشورى جوابا على عبد الرحمن بن عوف الذي كان يمثل الجانب الاخر؛ أي اسلام الجاه والمصالح). وهذا يؤكد ما ذهبنا اليه على ان التشيّع والتسنن لم يكونا في بداياتهما صراعا فقهيا ومذهبيا، بل صراعا سياسيا و تحوّل الصراع منذ حياة الامام الصادق ولليوم الى صراع فقهي وطائفي وسياسي. حيث بدأ الصراع الفقهي والمذهبي في نهاية القرن الهجري الاول وليستمر لليوم . وكلمة الرفض " لا " هذه استمرت كنهج عند شيعة علي في شجبهم للظلم الذي مورس ضدهم، والذي تحوّل بمرور الوقت إلى أن يستقطبوا أكثر الشرائح الاجتماعية فقرا و أضطهادا "وان لم يتشيّعوا" بسبب رفضهم للطغيان الذي كانت تمارسه السلطات ضد الفقراء والمحرومين ومناهضي الحكم من مختلف القوميات التي كانت تئن من ظلم الحكام المسلمين لها، ورفضهم في نفس الوقت للتفسير الخاطيء للدين عند الحكام وابتعادهم عن جوهر الدين المحمدي وتبنيهم لدين وعاظ السلاطين. فكما جاء في كتاب علي شريعتي:" وبهذه الكلمة تحقق الفرز تاريخيا بين جبهتين وحزبين، حزب يؤسس قناعاته ومواقفه على ضوء ما يمليه القرآن والسنة المأثورة عن آل الرسول، وحزب يستمد هذه القناعات والمواقف مما يمليه عليه بنو أمية وبنو العباس أو الغزنوي والسلاجقة أو حتى أحفاد جنكيزخان وتيمورلنك وهولاكو" (8). ومن خلال النص السابق نستطيع ان نرى نقطة خلاف كبيرة بين الطرفين، فالسنة يؤكدون على القرآن والسنة النبوية والشيعة يؤكدون على القرآن وسنة آل محمد في قراءتهم للنصوص الدينية وتفسيرها فما هو السبب ؟ .

لو راجعنا الاحاديث النبوية التي يتداولها علماء الطائفتين سنرى امرا غريبا يجعلنا ان نشك في الغالبية منها لسببين، اولهما ان هذه الاحاديث تم جمعها بعد وفاة محمد بسنوات طويلة. وهذا ما يجعل القاريء الفطن والباحث أن يستشف منها المصلحة السياسية للسلطة آنذاك والسلطات التي تلتها، بالاضافة الى طول المدة التي قيلت فيها تلك الاحاديث وزمان جمعها وكتابتها. وثانيهما هو اعتماد الاحاديث على رواة لم يعايشوا محمدا لسنوات طويلة، ومع ذلك نقلوا عنه كم هائل من الاحاديث، في حين تركت واهملت بل ومن الممكن ان تكون قد ضيعت عمدا العديد من الاحاديث عن رجال عايشوا محمدا قبل النبوة وحتى وفاته. ومن هؤلاء الامام علي بن ابي طالب الذي ترّبى في بيت محمد منذ صغره وكان ابن عمه وربيبه وصهره واول من اسلم من الذكور. فلم تنقل لنا الكتب الا بضع عشرات الاحاديث عن لسان علي في احسن الحالات، مقابل المئات التي تم نقلها عن ابي هريرة مثلا. وهذا ما يجعلنا ان نشك في صدق هذه الاحاديث وصحتها. ويطرح سؤال هنا عن سبب عدم نقل الكثير من احاديث محمد منقولة عن الامام علي وهو الذي لازمه منذ ان كان فتى يافعا حتى مماته، في حين تم رواية المئات منها على لسان غيره بالرغم من عدم ملازمة البعض لمحمد او ملازمتهم له لسنوات قصيرة في احسن الحالات ولأشهر عدة أحيانا!؟. إن الجواب على هذا السؤال يكمن في مصلحة من يمسك بزمام السلطة في ذلك الوقت. فالامام علي وان كان قد نقل العشرات من الاحاديث عن محمد، إلاّ أنه يعد خصماً سياسياً، والخصوم السياسيين في أنظمة استبدادية يواجهون خيارين لا غير، فأما التصفية الجسدية أو الأهمال وتشويه السمعة. وهذا ما حصل للامام علي بالضبط، فبعد اغتياله تم شتمه على المنابر وتشويه سمعته من قبل ملوك بني أمية وبني العباس وغيرهم.

ولكن كل هذا لا يمنح الشيعة الحق ( بنظر السنة ) اهمال السُنّة المحمدية والاعتماد على سُنّة آل البيت بشكل أساسي. اننا لو دققنا النظر اليوم في الممارسات والاحاديث والطقوس والمناسبات الشيعية وحكمنا عليها بشكل حيادي، فاننا نرى فيها تراجع محمد الى المقاعد الخلفية في دين كان هو نبيه لصالح ابنته فاطمة وزوجها الامام علي وابنائهما. ولكن هذا لا يمنع من سؤال السنة ايضا عن سبب اهمالهم لعلي وآخرون من أنصاره اثناء حديثهم عن الاحاديث المنقولة عن محمد في مذاهبهم. فهل من المنطق القبول بأن لا ينقل على لسان علي أحاديث لن تصل إلى عشر معشار الأحاديث المنقولة عن أبي هريرة وأمثاله، وهو الذي عايش محمدا مثل ما قلنا منذ الصغر حتى وفاته؟.

إن علي شريعتي، شأنه في ذلك شأن أي شيعي امامي مؤمن ( اثني عشري )، يشعر بالمرارة في عدم تبوأ آل بيت محمد السلطة على مر التاريخ. لذا نراه ينبري قائلاً:" وهكذا طوى الاسلام مسارا تاريخيا غريبا عجيبا، حيث تمكن جميع المستكبرين وطواغيت الزمان وأصحاب البيوتات من العرب والعجم والترك والمغول والتتار من بلوغ سدة الحكم والاستواء على مسند خلافة النبي ، ما عدا آل النبي وأهل بيته من أئمة الحق والهدى". وبهذا ينفي شريعتي شيعية تلك الدول الشيعية التي حكمت لفترات معينة كالدولة الفاطمية في مصر ودولة الادارسة والحموديين والدولة البويهية والحمدانية والزيدية وغيرها، لانها وببساطة لم تكن تدين بالمذهب الامامي ( الاثني عشري ). وبقي التشيّع رافضا للمسار الذي اختطه التاريخ لنفسه ومحتجا عليه لان التاريخ ركب وبإسم القرآن، امواج جاهلية كسرى وقيصر، وعمد بأسم السنة الى التنكيل بتلامذة مدرسة القرآن والسنة !) (9).

لقد قام الشيعة وعلى مر التاريخ بعشرات الثورات المسلحة والتي رفعوا خلالها شعارات تؤكد آهلية آل البيت في الحكم دون غيرهم، استناداً إلى نص مختلف على تفسيره حتى اليوم وهو آخر خطبة لمحمد في غدير خم. وعلى العموم فإن الشيعة أعرضوا " عن المساجد الفاخرة والقصور العامرة التي شيدها ( خلفاء الاسلام )، ووجد الشيعي ضالته في بيت فاطمة المشيد من الطين ". ومن مطالبة فاطمة بحقها في قرية "فدك"، بدأت أولى بوادر الصراعات بين الطرفين السني والشيعي سياسيا كمتممة لنتائج السقيفة، ولتستمر حتى اليوم. فأصبحت فاطمة مظهر ( الحق المهضوم ) وعلي مرآة ( العدل المظلوم ) والحسن ممثلا لـ (آخر خطوط المقاومة في جبهة اسلام الامامة في مواجهة الخط الاول في جبهة اسلام الحكومات )، ومن بعده كان الحسين باعتباره ( شاهدا وما يزال لكل شهداء الظلم والجور على طول التاريخ ووارثا لجميع احرار العالم ومن ينادون بتحقيق العدالة والمساواة من عهد آدم الى زمانه والى الابد، ورسولا للشهادة ومظهر نداء الثورة ). وأخيرا أضحت ( زينب الشاهدة على كل الاسرى العزل في ظل سطوة الجلادين ، ورسول ما بعد الشهادة ومظهر نداء الثورة ).

ويتسلسل شريعتي بمسيرة نضال الشيعة ( والذين يلوذون بهم من الطبقات المسحوقة ) وادواتهم وافكارهم تاريخيا برفع شعار " ولاية علي " للتخلص من الجور والظلم والطغيان ورفع شعار ( الامامة ) لأماطة اللثام عن الوجه الحقيقي لنظام الخلافة، لان لفظ " امام " مثلما يقول حسين مروة يحمل المفهوم الالهي للخليفة عند الشيعة، أما لفظ " الخليفة " فيحمل مفهوم سلطة "الأمة" في مصطلح جمهور اهل السنة ، ولاسيما الاشاعرة) (10). ووقعت على عاتق الشيعة مهمة رفع شعار ( العدالة ) من أجل انهاء التمييز العنصري ضد القوميات غير العربية من مسلمين وغير مسلمين والقضاء على الفوارق الطبقية التي تعمقت كثيرا بعد اتساع رقعة الدولة الاسلامية واستحواذ العرب المسلمين على اموال الجزية والخراج والضرائب الاخرى والتي كانت من نصيب النخب السياسية والقبلية والدينية (الطائفية) خصوصا اثناء الحكم الاموي والعباسي. لقد سعى السلاطين ( الحكام ) ووعاظهم وحاشيتهم إلى صرف انظار الناس عن المظالم، حسب شريعتي:" عن طريق الفتوحات واقامة الفرائض وبذل الهدايا والنذور والاوقاف وتعظيم الشعائر والاهتمام بالمظاهر وكأن الامور تجري على خير ما يرام وعلى النحو الذي يرضي الله وعباده الكرام". وتوجب على الشيعي ان ينبري لها ويفضحها من خلال رفع شعار " الانتظار "، ومن اجل تنسيق العمل ومركزية النهضة. وكان على الشيعي ان يلوذ بشعار ( المرجعية ) و ( التقليد ) لكي يعبئ الطاقات للتحرك بشكل منهجي وموّحد بقيادة مسؤول هو (نائب الامام) (11) . ومن مقولة نائب الامام هذه نستطيع ان نشير الى التمايز الواضح والجلي بين الشيعة الامامية والسنة من ناحية تأمين الاموال والموارد لاستخدامها في المجالات المختلفة. فالمذاهب السنية كانت ولازالت مذاهب سلطة، وتسخر هذه السلطة مواردها المالية لتحقيق اهدافها بالفتاوى التي تحتاجها كلما انغمرت في نزاع ما سواء كان هذا النزاع سياسيا او فكريا او غيره. اما المذهب الشيعي فاعتمد ماليا على ( سهم الامام ) الذي هو سهم واحد من الخمس المتكون من خمسة اسهم لتسيير امور الطائفة حيث: " يقسم الخمس نصفين، نصف للإمام (عليه السلام) خاصة، ويسمى (سهم الإمام) ونصف للأيتام الفقراء من الهاشميين والفقراء وأبناء السبيل منهم، ويسمى (سهم السادة). ونعني بالهاشمي من ينتسب إلى هاشم جد النبي الأكرم (ص) من جهة الأب، وينبغي تقديم الفاطميين على غيرهم" (*)، أضافة الى تبرعات الميسورين والتجار الشيعة. ومن المهم الاشارة الى استمرار تحصيل هذا السهم حتى اثناء قيام دول شيعية في ازمنة واماكن مختلفة. اما الوسيلة المتبعة للتذكير بكفاح الشيعة على مر التاريخ والوقوف ضد حملات التحريف والتشويه لمساره هو ممارسة (مجالس العزاء) التي يشار بواسطتها الى حوادث الظلم والغضب والخيانة والخداع والكذب والانحطاط وفي الوقت نفسه استثمار مجالس العزاء هذه في أحياء ذكرى الشهداء". ويستمر شريعتي في تسلسله هذا ليصل الى حادثة الطف في كربلاء أي يوم عاشوراء والذي يطلق عليه ( نداء عاشوراء ) ، اذ يعتبرها شعارا لتصعيد العمل المعارض لسلاطين الجور ورفض البيعة لهم ، في حرب تاريخية مستمرة بين ( ورثة آدم وورثة ابليس ) ليصل الى توضيح الحقيقة التالية بنظره وهي ان:"الأسلام الحكومي هو اسلام القتلة متشحا بوشاح السنة، بينما الاسلام الحقيقي والواقعي ما زال غائبا يرتدي ثوبه المضرج بالدماء ! ".

وتوجب أن يستمر هذا الصراع بكل اشكاله ضد السلطة الغاصبة في ظل عدم تكافؤ ميزان القوى بين المعسكرين، ولوجود وعاظ سلاطين جاهزين لتنفيذ مطالب هذه السلطات بفتاوى جاهزة تصاغ على ضوء ما يشتهيه الحكم، ووجود العامل المهم جدا والذي يعتمد عليه نجاح الحكم في تمرير سياساته، اي الناس الجهلة او كما ينعتهم شريعتي بالمغفلين الجاهزين دوما وفي كل زمان ومكان وخصوصا في حالات غياب العقل وتجلياته للعمل لصالح الجهل والتخلف وما يترشح منهما من خزعبلات واساطير، وأن يكونوا قاعدة للقتل وسحق النهضة. وعليه فمن أجل أن يستمر الشيعة في مشروعهم التغييري هذا وليواصلوا النهضة ويصّعدوها، فعليهم رعاية الضوابط الامنية وكتمان الاسرار، هذا المعلم من معالم المنهج العلوي أي ( التقية ) التي سنأتي على ذكرها لاحقا .

ان التشيّع العلوي ولمدة ثمانية قرون هجرية (الى اوان العهد الصفوي)، باستثاء فترة الامام جعفر الصادق الذي امتنع عن ممارسة العمل الثوري بالرغم من الضغوط التي مورست ضده واكتفى بالتنوير والفلسفة وممارسة العلوم التطبيقية والطب، كان عبارة عن ثورة مستمرة فكرا وممارسة ضد الانظمة الاستبدادية وعلماء الزيف والتزوير من الذين كانوا يستغلون عنوان المذهب السني لتمرير سياساتهم في فرض الهيمنة على الشعوب واشاعة الخوف في صفوفهم نتيجة الارهاب المنظم للسلطة ، مما جعل الكثير من ابناء هذه الشعوب او حتى من العرب المسلمين انفسهم الذين كانوا يعانون من التمايز الطبقي الواضح أن ينظموا الى التشيّع وان لم يتشيّعوا مثلما قلنا سابقا. ولذا ونتيجة تغلغل الافكار الشيعية بين اوساط هؤلاء وخصوصا الفلاحين البسطاء والبؤساء، ظهرت حركات شيعية ذات طابع عنفي كحركة حسن الصباح ( الاسماعيلية ) وحركة القرامطة، فيما تمرد بعض اقطاب التصوف من ذوي الميول الشيعية ضد مظاهر التحجر والعنف الديني . وقد جاءت الامامية مثما يذكر شريعتي كمذهب معتدل غني بالمعارف، ليمثل قمة هذا التوجه (الثوري). وارتكز هذا المذهب الى ركيزتين اساسيتين هما العدل والامامة، وشعاره الثوري لم يكن سوى عاشوراء كي يستطيع من خلاله تعبئة الجماهير ضد الاوضاع السائدة انتظارا لظهور المهدي ( الامام الثاني عشر عند الشيعة الامامية )، ليثأر وينتقم للمظلومين ويملأ الارض قسطا وعدلا ! .



(1) " أن الخليفة يحكم بأسم الله لا بأسم الشعب، فيجب والحال، أن يختار من الله بلسان نبيّه، لا من الشعب بطريق الأنتخاب"، محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان ص 39 .
(2) "ويكيبديا بالفارسية"
(3) " التشيع الصفوي والتشيع العلوي لشريعتي ص 5 "
(4) " نفس المصدر ص 6 "
(5) " نفس المصدر ص 9 "
(6) " نفس المصدر ص 16 "
(7) " المصدر السابق ص 23 "
(8) " المصدر السابق ص 25-26 "
(9) " المصدر السابق ص 26"
(10) " النزعات المادية في الفلسفة العربية - الاسلامية هامش 4 ص 37" حسين مروة.
(11) " التشيع العلوي والتشيع الصفوي ص 28 "
(*) " المسائل المنتخبة، العبادات والمعاملات " آيت الله الخوئي"



د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (1)



#زكي_رضا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - قراءة في كتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي -
- النظام الطائفي في بغداد متعفّن وغير قابل للأصلاح
- هَزُلَت وربّ بغداد
- الى كوباني -دل كورد- ليحجّ الأحرار
- لو في يدي لحبست الغيث عن عراق مستسلم *
- إلى متى يا بغداد، وهل سقط الكورد الفيليون من المقالة سهوا؟
- أنطلاق سهام عصابة المالكي نحو حيدر العبادي
- هل سيتقدم ساسة المنطقة الغربية خطوة مقابل خطوة العبادي؟
- لنرفع قبعاتنا عاليا للسيد حيدر العبادي
- -لاله شجر- ودولة رئيس الوزراء وفخامة نائب الرئيس نوري المالك ...
- السيد العبادي في أول ضحكة له على ذقوننا
- مغالطات الميليشياوي هادي العامري حول كركوك و الپيشمرگة
- من يكذب وزير الدفاع أم قائد عمليات صلاح الدين
- قلنا أن حنان الفتلاوي قرچ فقامت علينا القيامة
- مهام ملّحة أمام السيد حيدر العبادي
- المالكي ربُّ الخضراء وللعراق ربُّ - يحميه -
- صدقت ڤ-;-يان ، فتحت راية لا أله الا الله ، يقتل المسلم ...
- أنحراف المثقف العراقي أخطر على وحدة البلاد ومستقبلها من الأر ...
- وا نوريها ومالكيها....!!!
- داعش من عشائر شمّر فمبروك للشمّريين دواعشهم


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زكي رضا - د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة لثانية)