|
في دولة تكبيييرستان : كش ملك ، انتهت اللعبة !
محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 4618 - 2014 / 10 / 29 - 14:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أخذا في الاعتبار أن الحرب ضد الإرهاب في ليبيا ، ستكون طويلة و معقدة و متعددة الأشكال و متنقلة بين الساحات .. على امتداد جغرافيا الوطن المختطَف ، و مع العلم يقينا بأن المصالح - و المصالح وحدها دون سواها - هي ما يدفع بالدول و المجموعات و المنظمات الإقليمية لاتخاذ المواقف السياسية (بما فيها مواقف التدخل العسكري لفض النزاعات المحلية المسلحة) ؛ فإن أي تدخل دولي (أكرر : أي تدخل دولي) مسلح ، لردع الميليشيات الإسلاموية المتغوّلة التي تضع يدها على ليبيا : وطنا و دولة و شعبا ، و لحماية المدنيين من جرائم القتل و الخطف و الترويع و التهجير و التجويع ، التي يرتكبها مجرمو الميليشيات المسلحة كافة .. بحق أمن الوطن و هيبة الدولة و السلم الاجتماعي والأملاك و الأموال العامة و الخاصة و حياة الناس ، هو تدخل مُرحبٌ به . و لولا العلم بأن الصهاينة اليهود و الصهاينة الإسلاميين هم ملة واحدة ، لما استبعدت إسرائيل من الحسبان ، فجرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين ، هي أهون كثيرا من جرائم (الدولة الإسلامية) المعلنة في العراق ، بحق الإيزيديين و المسيحيين و الشيعة و حتى المسلمين السنة : تصفيةً دينيةً للأقليات ، و قتلاً جماعياً على الهوية للرجال ، و سبياً للنساء و بيعهن كجواري في أسواق الرقيق ، و نهبا للأملاك و الأرزاق و الأموال . أما وقد وصلت طلائعها الإرهابية متعددة الجنسيات الى ليبيا ، لنصرة ميليشيات ما يسمى (مجلس شورى ثوار بنغازي) و ميليشيات ما يسمى (عملية فجر ليبيا) ؛ فإن كل حاضر الوطن و مستقبله قد صار على المحك ، و الخيار قد صار بين الوجود و العدم . و بقراءة موضوعية للواقع كما هو ، فإن الحقائق التي لا تحتاج إلى تدليل لإثبات كونها حقائق ثابتة ، قائمة على أرضية صلبة في دولة : تكبيييرستان (ليبيا سابقا) ، هي : - قوات (فجر ليبيا) قد انتصرت في (الحرب الأهلية) بالغرب الليبي ، وهي السلطة القائمة فعليا في العاصمة و المسيطرة على أغلب و أهم المناطق من سرت شرقا إلى زوارة غربا . - قوات تنظيم (أنصار الشريعة) ظلت تبسط سيطرتها - شبه المطلقة - على بنغازي حتى الأمس القريب ، و سيظل لها حضور مؤثر في المشهد العام . و مجلس شورى (ثوار !) بنغازي ، هو السلطة الفعلية في الشرق الليبي . - قوات تنظيم أنصار الشريعة (فرع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و سوريا) ، هي السلطة المطلقة في درنة . - قوات التنظيمات الإسلامية ، التي تُعتبر - أيديولوجياً - فروعا و تفريخات محلية لتنظيم (القاعدة) الإرهابي ، تضع يدها على سرت و مسراتا و صرمان و نالوت و صبراتا و الزاوية و غريان و ككلة و تاجورا و سوق الجمعة و أحياء و مواقع هامة في طرابلس . - قوات تحالف الإسلاميين - بمختلف فصائلهم - تضع يدها على الجنوب الليبي ، بصورة شبه كاملة ، فضلا عن كون الجنوب فضاءً طوبوغرافيا آمنا لمعسكرات تدريب الجهاديين من كل الجنسيات . - الشعب الليبي بأغلبيته المطلقة .. إسلاموي الهوى متعصب لإسلامويته إلى أقصى درجات التطرف . و هو تكوين اجتماعي سلفي يشكل خزانا لا ينضب للتعصب الديني .. المهيأ لإنتاج رصيد متجدد من الخلايا النائمة لأنصار الشريعة و السلفية الجهادية التكفيرية . فلولا الحاضنة الشعبية السلفية ، لَما كان لتنظيمات و جماعات الإسلام السياسي كل هذا الحضور القويّ و الفاعل على الأرض الليبية . - جماعة (الإخوان المسلمين) هي الجسم الحزبي الأكثر تنظيما و تماسكا و انضباطية ، و هي القيادة السياسية - الفعلية و الفاعلة - لتيار الإسلام السياسي ، المنتصر و المسيطر على الأرض بقوة سلاح الميليشيات . و هم مطمئنون تماما إلى التأييد الأميركي ( و الغربي عموما) لتسوية سياسية - خارج قواعد اللعبة الديمقراطية - تمكّنهم من سلطة اتخاذ القرار ، رغم خسارتهم ثقة الناس احتكاما إلى صناديق الاقتراع . - لولا أن زمن المعجزات قد انتهى ، فربما يتعرض عشرات الألوف من الشباب الليبي (المنخرطين في صفوف التنظيمات الإرهابية) لصدمة قوية تستعيدهم من الغيبوبة ، فيدركوا أنهم وقود حرب قذرة ، يديرها حفنة من اللصوص و العملاء و الخونة ، ضد الدولة و الوطن و الشعب ، و أنهم يموتون مجانا .. في حين يحيا أولاد أولائك اللصوص و العملاء و الخونة متنعمين في عواصم الغرب (الكافر) و يدرسون في جامعاته . لكن هيهات فالكوما أعمق من كل صدمات الوعي المتاحة . - ما لم يتدخل المجتمع الدولي بقوة - على كل الصعد - لاستنقاذ ليبيا من دكتاتورية زواج المتعة بين الإسلاميين و الوكلاء التجاريين الفاسدين ؛ فإن أي حرب قادمة بين الأطراف في ليبيا ، ستنتصر فيها قوات تحالف الإسلام السياسي ، بعد معارك طاحنة يسقط فيها مئات المتقاتلين و الضحايا ، و يتشرد الاف - آخرون - من المواطنين ، و يلحق مزيد من الدمار بالعمران . لكن المجتمع الدولي لا يشاء إلا إذا شاءت أميركا ، و أميركا لا زالت تراهن على الإخوان المسلمين في ليبيا . - المحكمة العليا (الواقعة تحت أقدام دواعش فجر ليبيا) ستجد نفسها على الأرجح مضطرة للنطق بلسان الدوشكا و الميم طاء ، و سيصدر الحكم (التوفيقي التلفيقي) بشرعية مجلس النواب المنتخب .. و لا شرعية اجتماعاته و قراراته في طبرق ؛ ما لم تعلق المحكمة جلساتها ، تأسيسا على عدم الاطمئنان إلى حيادية تكوين عقيدتها في قضية الشرعية . فالقضاة فضلا عن كونهم مواطنين عاديين .. و ليسوا مناضلين ثوريين جيفاريين ، فإنهم في ليبيا مجرد موظفين .. بحكم قوة الأمر الواقع .
- مجلس النواب الليبي شرع بتكريس ليبيا دولة دينية ؛ حيث تم افتتاح جلسة أداء اليمين القانونية للسادة (معالي !) أعضاء حكومة عبد الله الثني ، بآيات من الذكر الحكيم ! تلاها مقرئ من أعضاء البرلمان ! . و (الله) ، و ليس (الشعب الليبي) .. على ما يقولون شهيد ! و لن يصدر دستور ليبيا الجديد دون النص على المرجعية (الملتبسة) للشريعة . - ليس من ضمان لسيادة الدولة على إقليمها الجيوسياسي غير الجيش الوطني (النظامي المحترف) القوي . لكن أي جيش وطني هذا الذي تنتظرون منه الخلاص ؟! أي جيش وطني هذا الذي يصيح رئيس أركانه : " حيّا على الجهاد " ؟! أي جيش وطني هذا الذي يشكل شباب الحركة السلفية الجهادية إحدى أهم تشكيلاته الحربية في بنغازي ، و تشكل القبلية أهم وحداته القتالية في طرابلس ؟! . و لولا ضمان عسكرية الجنرال حفتر ، لخاب الرجاء في أداء اللواء الشيخ الناضوري . - من المفارقات ذات الدلالة السلبية والانعكاسات الأشد سلبية ، أنه بينما تتوعد رئاسة الأركان (التابعة لمجلس النواب) ضباط الجيش - في المنطقة الغربية - بالطرد من الخدمة العسكرية ما لم يلتحقوا بـ (قوات) عملية الكرامة ، فإنها لم تفكر برفع معنوياتهم (المحبطة حتى الحضيض) و لو بمساواة مرتب العقيد بمرتب عضو ميليشيا درع الوسطى ، و لا بتحريك ترقياتهم المجمدة منذ أربع سنوات ، و لا حتى بإلغاء العقوبات التأديبية الموقعة بهم من قبل النظام السابق ، و لا بأي شكل من أشكال إعادة الاعتبار للمؤسسة العسكرية . فماذا تنتظرون من عسكري محبط المعنويات ؟! خاصة مع احتمال أن يجد نفسه - فعليا - تحت إمرة (قائد ميداني) لا يفقه في العلوم العسكرية شيئا ! - في ظروف تغييب الدولة ، و تعطيل مؤسستي الأمن الوطني (الجيش و الشرطة) ، و تعميم الفوضى الأميركية الخلاقة ؛ فإن ليبيا هي الساحة المرشحة موضوعيا لقيام مشروع الدولة الإسلامية (برعاية أميركا و إشراف التنظيم الدولي للإخوان المسلمين) . - ليس أمام القوى الديمقراطية .. الضعيفة ، المفككة ، الهشة ، المعزولة اجتماعيا ؛ إلا الإعتراف بالخسارة و التعاطي مع الواقع بمقاربات و آليات مغايرة ، أو الانتحار على الطريقة اليابانية ، أو الرحيل .. و البحث عن ملاذات في الشتات . - و ليس أمام مَن تبقى مِن أقليّة (الوطنيين الشرفاء ، و شظايا اليسار غير المدجن) غير التجمع في جبهة نضالية مقاومة ، على قاعدة الولاء للوطن و الالتقاء على برنامج للثورة الاجتماعية ، أو البحث عن أوطان بديلة في ديمقراطيات الغرب (الكافر) ، يجدون فيها إنسانيتهم و يعيشون كبشر ، من استطاع منهم إلى ذلك سبيلا . و الخلاصة .. في دولة : تكبيييرستان (ليبيا سابقا) ؛ لم يعد ثمة من أمل في الحرية ؛ فالأيديولوجيا الإسلاموية ، تقع على طرفي تناقض حاد مع الحريات العامة و الخاصة كافةً . و لا أمل في العدالة الاجتماعية (عدالة توزيع ثروة الوطن بين أبنائه) ؛ فالإسلاميون كافة يؤمنون إيمانا مطلقا بأن الناس قد خُلقوا درجات بعضها فوق بعض ، و أن الله يفضل بعض الناس على بعضهم الآخر في الرزق ؛ فالفقر قدَر الفقراء و الغنى قدر الأغنياء .. هكذا مزاجيا و بلا سبب موضوعيّ (!) . ولا أمل في الكرامة الإنسانية ؛ فلا كرامة لمحتاج و لا كرامة لعاطل عن العمل و لا كرامة لجائع و لا كرامة لمن لا يملك بيتا و لا كرامة لعامل - أجير - محكوم بمصلحة و مزاج رب العمل الخاص .. تطابقا بين الفقه الإسلامي (الأمويّ) و الراسمالية المتوحشة . ولا أمل في الديمقراطية ؛ فالديمقراطية هي أول ضحايا الإسلاميين عندما يصلون الى السلطة . و لا أمل في التمتع بحقوق الإنسان و حقوق المواطنة ، و لا في الرفاه و تحسن مستوى المعيشة ، و لا في القضاء على الفقر .. الذي يفتك بالأغلبية الساحقة من الشعب (المستلب ثقافياً) . و لا أمل في القضاء على ظاهرة البطالة .. التي تفتك بالشباب و تدفع بهم إما للهجرة و إما للكآبة و الموت البطيء و إما للمخدرات و إما للالتحاق بالدواعش . لم يعد ثمة من أمل في تحقيق أي هدف من الأهداف التي انطلقت من أجلها انتفاضة فبراير ، فقد سقط حاضر ليبيا و مستقبلها المنظور في الثقب الأسود لمشروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين - و مشتقاتهم - بالتقاطع مع مصالح الليبرالية الجديدة المحلية و الدولية . و إلى أن يثبت العكس ، ليس لهذا الليل - في الأفق المنظور - من صباح ، و ليس من بواكيَ لشهداء الحرية في هذا الوطن المستباح ، و قد ضاعت كل صيحاتنا لإيقاظ النيام أدراج الرياح . و أختم بآهة الإمام علي : " قول الحق لم يترك لي صاحبا " .
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو إقامة الدولة الإسلامية في ليبيا
-
التخلف الاجتماعي و البدْوقراطية
-
التأسيس لدولة النهب القانوني
-
النبي والنساء
-
الناسخ والمنسوخ والمفقود والمرفوع
-
المارشال السيسي و سؤال الهوية
-
أم ريكا مستاءة و ريكا غاضبة
-
الأسطورة و الدين
-
انتبهو ! الشعب يمهل و لا يهمل
-
أردوغان و مسمار جحا العثمانيّ في سوريا
-
ظاهرة السيسي
-
مات الملك .. عاش الملك !
-
فصول من تراجيديا الربيع العربي
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
-تدمير دبابات واشتباكات وإيقاع قتلى وجرحى-.. حزب الله ينفذ 3
...
-
ميركل: سيتعين على أوكرانيا والغرب التحاور مع روسيا
-
السودان.. الجهود الدولية متعثرة ولا أفق لوقف الحرب
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|