|
طاعون -التحول الدمقراطي الغربي- في بلغاريا
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 4617 - 2014 / 10 / 28 - 21:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جرت يوم الاحد في 5 تشرين الأول 2014 الانتخابات النيابية الاستثنائية في بلغاريا بحضور بعثة من المراقبين الدوليين تألفت من 41 مراقبا جاؤوا من 25 بلدا، كما حضر 12 نائبا من البرلمان الأوروبي، وممثلون رسميون لـ"منظمة الامن والتعاون الأوروبية" (OCCE) والبرلمان الأوروبي. وهذا يؤكد للعالم اجمع ان الانتخابات كانت "دمقراطية" حقا ونزيهة تماما. بداية "التحول الدمقراطي" بإحراق "بيت الحزب" الشيوعي وتصادف هذه الانتخابات مرور 25 عاما، أي اليوبيل الفضي لعملية "التحول الدمقراطي الغربي" في بلغاريا، وهو التحول المشؤوم الذي بدأ بإحراق "بيت الحزب" الشيوعي البلغاري في العاصمة صوفيا، ثم فرض الاستقالة على الرئيس البلغاري الأسبق "الدكتاتور" تودور جيفكوف الذي ترأس الحزب الشيوعي (وبلغاريا) منذ 1954 حتى اسقاطه في 1989. "التحول الدمقراطي" يدمر بلغاريا وبهذه المناسبة لا بد من اجراء جردة حساب عامة والتساؤل: كيف أنقذ "التحول الدمقراطي الغربي" بلغاريا من "الدكتاتورية الشيوعية!"؟؟؟ وماذا قدم لها بديلا عنها؟؟؟ في بحث للمهندس ايفان بيخليفانوف، نشرته الجريدة الأسبوعية "نوفا زورا" (الفجر الجديد)، ترد المعلومات التالية: في سنة 1989، أي حتى بداية "التحول" المشؤوم، كان يوجد في بلغاريا 2593 مؤسسة صناعية، كان يعمل فيها مليون و580000 مهني ومهندس. وكان فرع الالكترونيات وتكنولوجيا الاتصالات يؤلف 20% من الصناعة الوطنية البلغارية. وكان يعمل في هذا الفرع المتقدم حوالى 130000 عامل اختصاصي منهم 8 الاف مهندس رفيعو المستوى. وبالقياس الى سنة 1939 (عشية الحرب العالمية الثانية)، فإن الإنتاج الصناعي في 1989 تضاعف 103 مرات. وفي سنة 1989 (أي سنة التحول) بلغ مقدار التصدير الصناعي 16،2 مليار دولار (بسعر الصرف في حينه)، أي 83 مرة اكثر من سنة 1939. ويذكـّرنا المهندس ايفان بيخليفانوف بمعلومة دولية مهمة جدا وهي انه في سنة 1989 أيضا كان حجم اجمالي صادرات بلغاريا يفوق حجم اجمالي صادرات تركيا واليونان مجتمعتين. وكان اكثر من 50% من الصادرات يتشكل من منتوجات صناعة الآلات والالكترونيات. اما الان (والكلام لي ـ ج.ح) فبفضل دمقراطية "الاشتراكي الدمقراطي" خافيير سولانا واضرابه ومنظمة "المجتمع المفتوح" للمضارب الدولي اليهودي جورج سوروس، أصبحت بلغاريا تستورد حتى البقدونس والبندورة من تركيا واليونان. ويتابع المهندس ايفان بيخليفانوف: ـ في خلال 20 سنة من بدء التحول في 1989 تقلص الإنتاج الصناعي في بلغاريا 40% عما كان عليه في 1989. واستمر الإنتاج في التقلص (والكلام لي ـ ج.ح) بعد ذلك بشكل متزايد المأساوية بفعل ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وفتح باب الاستيراد على مصراعيه، وتقلص الأسواق الخارجية لبلغاريا. وبالنتيجة تم تدمير الاقتصاد الصناعي والزراعي والسياحي تدميرا شبه كامل، وتحولت بلغاريا الى بلد يحتاج الى كل شيء.
العودة الى عصر الفحم الحجري شرط للانتماء الى الاتحاد الاوروبي وفي العقد الأول من القرن الحالي وجهت الطبقة السياسية الانتهازية في بلغاريا طعنة نجلاء الى الاقتصاد البلغاري بوقف العمل في المحطة النووية لانتاج الطاقة الكهربائية، كشرط للدخول في الاتحاد الأوروبي، وذلك بحجة عدم توفر عناصر السلامة في المحطة، الامر الذي نفاه جميع الخبراء البلغار الاكفاء والوطنيين. ومعلوم ان بلغاريا كانت تنتج من الطاقة الكهربائية اكثر من حاجتها وكانت تصدر الطاقة الكهربائية الى تركيا وغيرها، كما كانت أسعار الطاقة الكهربائية رخيصة جدا، الى درجة ان افقر متقاعد بلغاري لم يكن يحسب حساب فاتورة الكهرباء والتدفئة والماء في اخر الشهر. وبايقاف هذه المحطة أصبحت بلغاريا تحتاج الى استيراد الطاقة الكهربائية ومضطرة الى انتاجها باستخدام الغاز والفحم الحجري، مما رفع أسعار الطاقة الكهربائية اضعافا مضاعفة، وصارت الفاتورة الشهرية للكهرباء والتدفئة والماء تساوي اكثر من المعاش التقاعدي لمئات الاف المتقاعدين الفقراء. وبعد ان تمت سرقة صندوق التقاعد وغيره من الصناديق الاجتماعية، عن طريق التضخم والمضاربة على العملة الوطنية والقروض المشبوهة التي كانت تغدق على العملاء والمحاسيب وغير ذلك من الالاعيب المالية "اليهودية" على طريقة جورج سوروس، اضطرت الدولة لتكوين صندوق مساعدة للمحتاجين لتقديم مبالغ لهم تساعدهم في دفع فواتير الكهرباء والتدفئة والماء. الموديل "الدمقراطي" لظاهرة الطوابير لقد كانت البروباغندا الغربية على الدوام تسخر من ظاهرة الطابور في النظام "الدكتاتوري" السابق حيث كان الناس يقفون بالطابور لشراء سلعة معينة كانت مفقودة او ناقصة عن حاجة السوق، بسبب أخطاء ونواقص الشبكة التجارية في العهد السابق. ولكن على كل حال كان الناس يملكون النقود لشراء السلعة التي يحتاجونها وينتظرون نزولها الى السوق. اما الان فقد انتقلت الطوابير من امام المخازن الى امام شبابيك المكاتب الخاصة بتوزيع المساعدات الشهرية الشحيحة للمحتاجين. وفي مطالع كل شهر يقف امام هذه الشبابيك مئات الاف المواطنين البلغار الشرفاء وخصوصا المتقاعدين رجالا ونساء، الذين جلل الشيب رؤوسهم. انهم يقفون بالطوابير امام تلك الشبابيك ليس لشراء أي سلعة، بل لتلقي "حسنات" الدمقراطية التضليلية لدفع فواتير الكهرباء والتدفئة والماء التي يعجزون الان عن دفعها وهو ما كانوا لا يحسبون له أي حساب في عهد "الدكتاتورية". وان هؤلاء المواطنين، الذين تلقي لهم "الدمقراطية" البوم بالفتات، هم الذين وهبوا أعمارهم لبناء وطنهم، فبنوا الصناعة الحديثة والضخمة، الزراعة الحديثة والتعاونية، البنية التحتية للمدن والبلدات، المرافئ، المطارات، الملاعب الضخمة والمدن الرياضية، الحدائق العامة، المسارح، المكتبات العامة، الاوتوسترادات، الجسور والانفاق، السدود، شبكة الكهرباء الوطنية ومحطات توليد الكهرباء الكلاسيكية والنووية، دور الحضانة ورياض الأطفال، المدارس والمعاهد والمدن الجامعية، المستشفيات والمصحات والمدن الطبية. وبفضل جهودهم الخلاقة، كما بفضل الدعم الاخوي من قبل شعوب الاتحاد السوفياتي السابق وعلى رأسها الشعب الروسي العظيم، استطاعوا في خلال اقل من خمسين سنة (1944 ـ 1989)، أن يخرجوا بلادهم تماما من العصور الوسطى، ويصنعوا اعجوبة تحويل بلغاريا من دولة زراعية فقيرة ومتخلفة الى دولة صناعية ـ زراعية معاصرة ومتقدمة. التدمير المجتمعي بخطة مطبوخة سلفا في واشنطن وبروكسل وحسب توصيف المهندس ايفان بيخليفانوف كانت آلية التدمير الاقتصادي محكمة جدا. وتضمنت عددا من الضربات الستراتيجية: انهيار الأسواق، تداعي الإدارة الاقتصادية، ضربات قاضية للبنوك والمؤسسات المالية، زعزعة البنية التحتية الوطنية والمحلية، التدمير الكامل للصناعة والزراعة، وأخيرا لا آخر حملة تقويض عامة ضد العقول الصناعية البلغارية. الانهيار الدمغرافي وبسبب تحول بلغاريا الى افقر بلد في الاتحاد الأوروبي، وبسبب البطالة والفقر المدقع وسوء التغذية والعجز عن تأمين الدواء وتدهور الخدمات الصحية، وما اشبه من مميزات "التحول الدمقراطي"، وكنتيجة حتمية لتزايد نسبة الوفيات، وتناقص نسبة الولادات، وتزايد نسبة الهجرة، بدأت ظاهرة الانهيار الدمغرافي في بلغاريا. وتفيد الإحصاءات انه في السنة الأولى من تحرر بلغاريا من النير التركي في 1876 كان عدد السكان 3،15 ملايين نسمة. وفي 1947، وبعد اربع حروب، بلغ عدد السكان 7 ملايين. وفي 1990، بعد 45 سنة من الحكم "الدكتاتوري"، ارتفع العدد الى 8،99 ملايين نسمة. اما في سنة 2006 فقد هبط عدد السكان الى 7،3 ملايين نسمة، منهم حوالى مليون نسمة لا يزالون مسجلين كمواطنين بلغار، الا انهم اصبحوا يعيشون بشكل دائم في الخارج. ويقول الخبراء ان نقص السكان بأكثر من 1،6 مليون نسمة هو اكبر كارثة وطنية حلت ببلغاريا منذ تحريرها من النير التركي الى اليوم. تبديد الثروة الوطنية من الادمغة ان بلغاريا لا تمتلك ثروات طبيعية استثنائية كبعض البلدان. ولكنها تمتلك ثروة وطنية كبرى في ما يمكن تسميته "بنك الادمغة"". وفي هذا السياق تفيد الإحصاءات انه في الفترة ما بين 1951 ـ 1990، تخرج من المعاهد العليا في بلغاريا اكثر من 450 الف اختصاصي. وعدد كبير من هؤلاء هم الان متقاعدون، اما الشبان فهاجروا للعمل في الخارج، وغالبية الأقلية الباقية هم عاطلون عن العمل او يعملون في غير اختصاصاتهم في اعمال ثانوية لسد الرمق. امثلة على التخريب المقصود... ولصالح تركيا ويورد بحث المهندس ايفان بيخليفانوف، الذي ذكرناه آنفا، بعض الأمثلة على التخريب الاقتصادي المقصود لبلغاريا. من ذلك: ـ ان آلات تكنولوجية عالية الدقة، كان ثمن كل منها نصف مليون دولار وما يزيد، بيعت ببضعة الاف الدولارات، وبشكل خاص الى تركيا، كما بيع بعضها بوصفها "خردة". ـ ان مصنع انابيب الغاز في بلغاريا، دمر من أساسه، بحجة سخيفة هي ان آلاته قديمة. ولاحقا تم بناء مصنع انابيب غاز في تركيا بالتكنولوجيا ذاتها (في ما يشبه عملية سرقة المصانع في حلب ونقل الالات والتجهيزات الى تركيا ـ ج.ح). اما بلغاريا فسقطت من لائحة منتجي انابيب الغاز. إسرائيل تدخل مباشرة على خط النهب والتخريب كما نشرت جميع وسائل الاعلام في حينه ان الشركة اليهودية ـ الإسرائيلية "زئيفي" قد اشترت شركة الطيران الوطنية البلغارية "بلقان إير" بمبلغ رمزي تافه هو 150 الف دولار بحجة ان الشركة مفلسة. وكانت الشركة تملك عشرات الطائرات العاملة في الخدمة والحديثة، وعشرات المكاتب في عشرات العواصم العالمية. ونشرت بعض الصحف ان احد الوزراء اليهود (وكان يلقب "مستر 10%") قد قبض حينذاك مبلغ 5 ملايين دولار اجرة سمسرة للصفقة. وعمدت شركة "زئيفي" الى بيع الطائرات والمكاتب وحقوق الهبوط في المطارات العالمية في افضل أوقات النهار، وحصلت على عشرات ملايين الدولارات وسرحت الطيارين والمهندسين والاختصاصيين والعمال والموظفين وأوقفت الشركة و... اختفت بسحر ساحر، وصارت شركة "البلقان" في خبر كان. التناوب "الدمقراطي" على سرقة الشعب البلغاري كما يذكر جميع معايشي تلك المرحلة السوداء في التاريخ الحديث لبلغاريا انه على خلفية الخراب الاقتصادي والفقر والبطالة والهجرة والتفسخ الاجتماعي وتفشي المخدرات وزيادة نسبة الجريمة، نشأت طبقة كاملة من حديثي النعمة الذين كسبوا الملايين من الصفقات المشبوهة والسرقات المنظورة وغير المنظورة، دون ان يستطيع احد ان يسألهم: من اين لك هذا؟ وكان يتم استبدال بعض المسؤولين الذين "فاحت روائحهم" الكريهة بالفساد، ليس من اجل محاربة الفساد، بل من اجل ان يأتي غيرهم و"يأخذ نصيبه" أيضا. وحينما كان يتم تبديل الوزارات بين مختلف القوى السياسية، كانت كل وزارة جديدة تبدل الهيئات الإدارية السابقة، وتأتي بـ"جماعتها" الى الإدارة، فكان الوزير او المدير او المسؤول او الموظف الجديد يدخل "فاضي" ويخرج "مليان" على حساب هذا الشعب الكادح والمظلوم. واذا سمحنا لانفسنا ان نستخدم بعض تعابير القاموس السياسي اللبناني نقول ان ظاهرة "الحريرية" (أي الربط بين الانتماء السياسي وبين الفساد والرشوة والسمسرات والصفقات المشبوهة والاغتناء غير المشروع) قد عمت الحياة السياسية في بلغاريا، وتميزت بها الاحزاب والقوى السياسية اليمينية، ولكنها شملت ايضا حتى الحزب الاشتراكي (الشيوعي سابقا) ذاته، الذي اصبح بعض قادته وممثليه متهمين بالفساد جنبا الى جنب توجههم الموالي لـ"اقتصاد السوق" وتوجههم السياسي الموالي لـ"الدمقراطية الغربية" (التي صارت تسمى "القيم الأوروبية") والاتحاد الأوروبي والناتو وأميركا. "مكافحة الشيوعية" غطاء للخيانة الوطنية ولـ"تغطية السموات بالقبوات"، والتستير على نهب البلاد بأسرها، ولتفكيك كل مقومات الدولة البلغارية، كانت تشن في جميع أجهزة الاعلام والمؤسسات الثقافية والتعليمية وحتى الاكاديمية حملة شعواء تحت شعار "محاربة الشيوعية"، وهو الشعار الذي اخترعه جهابذة دوائر المخابرات الغربية، والذي كانت تتم بموجبه محاربة جميع حركات التحرير في العالم، ومحاربة كل فكر تقدمي ووطني وتحرري، الى جانب محاربة شعوب بلدان المعسكر "الاشتراكي!" السابق. وكانت هذه الحملة تدار من السفارة الأميركية في صوفيا، التي انتقلت الى مبنى جديد ضخم، هو بالأحرى مجموعة مبان، وتضخم عدد موظفي تلك السفارة الى اكثر من الف موظف. وقالت بعض الانباء الصحفية ان مركز قيادة المخابرات المركزية الأميركية (السي آي ايه) في دول البلقان قد انتقل من أثينا الى السفارة الأميركية الجديدة في صوفيا. كما ان رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق الجنرال داني ياطوم اصبح مقيما دائما في صوفيا وافتتح "مكتب خدمات امنية" فيها. والى جانب عملية النهب العام القائمة على قدم وساق، وتحت شعار "مكافحة الشيوعية"، جرت بوتيرة محمومة ووقحة حملة تشويه وتزييف لتاريخ الشعب البلغاري وهويته القومية والحضارية وتراثه النضالي، فطرحت موضوعة ان البلغار القدماء ليسوا سلافيين، بل تتار؛ وانه لم يكن يوجد "نير تركي" في بلغاريا، والامر لم يكن يتعدى "حضورا تركيا"، وان الشعب البلغاري والمسيحيين البلغار كانوا يعيشون بأمن وسلام في عهد الإمبراطورية العثمانية (بدليل ان ملايين البلغار المسيحيين بقوا احياء يرزقون)، وان "ضريبة الدم" التي كان يدفعها المسيحيون البلغار الى السلطان (أي الصبيان المسيحيين الذين كانوا يؤخذون عنوة من اهاليهم وتتم أسلمتهم بالكرباج وتحويلهم الى عسكر انكشارية) كانت "ضريبة إنسانية" لمصلحة الشعب البلغاري المسيحي، لان العديد من أولئك الفتيان وبعد ان يكتشفوا اصولهم حينما يكبرون كانوا يوفرون الحماية لاهاليهم واقاربهم ويرسلون لهم الطعام ويحمونهم من الموت جوعا في تلك الظروف القاسية. وان بعض أولئك الصبية النابهين قد اصبحوا بكوات وامراء دافعوا عن استمرار وجود الشعب البلغاري. كما طرحت موضوعة انه لم يكن يوجد فاشستية في بلغاريا، ولم يكن يوجد احتلال نازي الماني في بلغاريا، بل ان بلغاريا كانت "حليفا" له كلمة مسموعة لدى هتلر، بدليل ان بلغاريا الملكية منعت تنفيذ قرار إبادة اليهود على أراضيها وحمت اليهود البلغار من الإبادة، وان بلغاريا الملكية لم تعلن الحرب رسميا على الاتحاد السوفياتي. ومن ثم فإن رجال المقاومة الشعبية "الأنصار" الذين كانوا يقاتلون ضد النازية والنظام الملكي، لم يكونوا "مناضلين لاجل الحرية"، بل كانوا لصوصا وقطاع طرق وقتلة يسرقون المزارعين والمواطنين الشرفاء الميسورين ويعتدون على رجال الشرطة والامن الذين كانوا يقومون بواجباتهم لحفظ النظام العام. وبموازاة هذه الحملة التزييفية، تمت سلسلة كاملة من عمليات نسف تماثيل شهداء المقاومة الشعبية البلغارية ضد الفاشستية، كما جري اكثر من مرة تلطيخ النصبين التذكاريين للجندي السوفياتي المجهول، في صوفيا وبلوفديف، والمطالبة بازالتهما. ولكن الموقف الروسي الحازم منع هذه المهزلة. وفي ظل حملة النباح المتواصل "ضد الشيوعية" (التي لم يعد لها وجود لا في بلغاريا ولا في دول الاتحاد السوفياتي ذاته) بدأ في وضح النهار تفكيك وتدمير وإزالة مقومات الدولة البلغارية، كالشرطة وجهاز امن الدولة وجهاز المخابرات الخارجية ومكافحة التجسس، والقوات المسلحة الرئيسية في الجيش. فتم تسريح الاف ومن ثم عشرات الاف الجنرالات والضباط ورجال المخابرات والعسكريين والفنيين الاكفاء، الذين كان حلف الناتو يحسب لهم ألف حساب، وتم اتلاف الصواريخ التي كان يمتلكها الجيش الوطني البلغاري، وكذلك بيعت او اتلفت وبيعت الدبابات ومدافع الميدان كحديد خردة، وتركت الطائرات الحربية تصدأ في مرائبها واصبح ترميمها وتجديدها يكلف اكثر من ثمن طائرات جديدة، وقلص بشكل دراماتيكي عديد الجيش الوطني البلغاري الذي كان يعتبر من اهم جيوش منطقة البلقان وشرق ووسط أوروبا، كما تمت تصفية قطاع صناعة الأسلحة البلغاري الذي كان يعود على ميزانية الدولة بمليارات الدولارات سنويا. وخلال ذلك كله كان يجري العمل على تغيير العقيدة الوطنية العسكرية للجيش بهدف ادخال المفهومة الغربية والغريبة الى تلك العقيدة وهي "ان روسيا هي العدو". وكل هذه الاعمال والارتكابات انما تدخل ببساطة في خانة "الخيانة الوطنية" المكشوفة التي ينبغي ان يساق أصحابها الى المحاكم. القواعد العسكرية الأميركية مشروع "سياحي"! ونجحت حمى السياسة الموالية للغرب في تحقيق كل ذلك تحت شعار "نزع الشيوعية" (decommunisation) كشرط ضروري للانتماء الى حلف الناتو و"الاتحاد الأوروبي" الكفيلين بتوفير "الامن القومي" لبلغاريا. وكانت البروباغندا الموالية للغرب تدعي ان الانتماء الى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو سيضمن امن بلغاريا ويفتح امامها افاقا واسعة للتطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وبعد ان تمت إقامة قاعدة الطيران العسكرية الأميركية في مدينة بورغاس على البحر الأسود، والتي من مهماتها الطيران في الأجواء القريبة من روسيا تنفيذا للمهمات الستراتيجية والتجسسية ضد روسيا، مما يهدد الامن القومي للبلد الذي تنطلق منه تلك الطائرات، لان روسيا لن تتسامح مع كل من يهدد امنها القومي، ومع العلم ان هذه القاعدة تخرق السيادة الوطنية لبلغاريا، لان الطائرات الأميركية تطير بأجندتها ولا تخضع للقيادة البلغارية، ـ مع كل ذلك بلغت وقاحة وزير الخارجية الأسبق سولومون باسي (وهو يهودي كان ابوه ـ البروفسور إسحاق باسي ـ شيوعيا محترما، اما هو فيقول: انه يفتخر انه صهيوني) انه اصطحب مرة معه بعض الأطفال في عمر الزهور، واصعدهم الى كابينة طائرة حربية أميركية حيث اخذ الصور التذكارية معهم، وصرح بأن وجود الطيارين الاميركيين في بورغاس هو لتشجيع "السياحة" في بلغاريا. الى هذه الدرجة يريد ارباب "الدمقراطية الغربية" الاستخفاف بعقول أبناء الشعب البلغاري. الغرب الامبريالي لا يسلح الجيوش الوطنية ويتساءل المراقبون المحايدون الان: بعد ان نجحت "الدبلوماسية السرية" الغربية في ضم بلغاريا الى الناتو والاتحاد الأوروبي، ونزع الاسلحة الروسية من الجيش البلغاري، فلماذا لا يقدم الناتو والاتحاد الأوروبي على تسليح الجيش الوطني البلغاري؟ والجواب هو: ان الثقة بين الغرب الامبريالي وشعوب الشرق قد انتفت منذ زمن بعيد، والدول الغربية وحلفاؤها يمكن ان يسلحوا عصابات ومجموعات عميلة كـ"القاعدة" و"داعش" و"جبهة النصرة" و"الجيش السوري الحر" و"جيش تحرير كوسوفو" و"القوات اللبنانية"، ولكنهم يمتنعون ـ مثلا ـ عن تسليح الجيش الوطني اللبناني، ويقفون حائلا دون تسليحه من أي طرف آخر، وذلك لان الغرب الامبريالي لا يثق بالجيش الوطني اللبناني؛ كذلك الامر هم لا يثقون بالجيش الوطني البلغاري، فإن الغرب لا يوافق على تسليحه لانه ـ أي الغرب ـ لا يثق بهذا الجيش، ولا يثق بالشعب البلغاري كله، بل هو يتآمر لاضعاف الدولة البلغارية وافقارها وافراغها من المواطنين البلغار، تمهيدا لتحويلها الى محمية تركية، او لتقسيمها وانتزاع جنوب بلغاريا وضمه الى تركيا، او إعلانه "جمهورية تركية مستقلة" على طريقة كوسوفو. التحركات الشعبية المأجورة ولا يسع المراقب المحايد الا ان يلاحظ ان التوتر السياسي والاستقطاب الحزبي الحاد هو الذي كان يميز مرحلة "التحول الدمقراطي" على امتدادها طوال 25 عاما. وكان وسط العاصمة، وغيرها من المدن الكبرى لبلغاريا يمتلئ على الدوام بالمظاهرات والمظاهرات المضادة والاعتصامات التي تدوم عدة اشهر أحيانا. ويؤكد العارفون انه في ظل البطالة السائدة، والفساد والافساد، فإن المشاركة في المظاهرات والقاء الكلمات والهتافات وقرع الطبول وصدح الموسيقى الصاخبة وكتابة اليافطات ورسم اللوحات في الكثير من هذه المظاهرات والاعتصامات، من قبل "اليمين" و"الوسط" و"يمين الوسط" و"يسار الوسط" وغير ذلك من التسميات "الدمقراطية الأوروبية"، صارت ـ على الطريقة "الحريرية" تماما ـ مهنة مدفوعة الاجر، لها سماسرتها واربابها و"بورصتها" الخاصة (والرزق على الله!). XXX "اللعبة الانتخابية" لتضليل الجماهير ماذا كانت تفعل البرلمانات والحكومات البلغارية من مختلف الطيف السياسي، طوال مدة ربع قرن من "التحول الدمقراطي"؟ وكيف تركت البلاد تنهار بهذه الصورة؟ الواقع ان العلامة المميزة للحراك السياسي، بشكل عام، في بلغاريا، ان مختلف اطراف هذا الحراك كانت تتسابق نحو ترسيخ التوجه نحو الغرب و"الدمقراطية الغربية" وما يسمى "القيم الأوروبية" و"القيم الأطلسية". وكان هذا الحراك يضرب تماما عرض الحائط بالوقائع وبالمصير المأساوي للبلاد وبالتذمر الشعبي المتزايد لكن شبه المكتوم. وما كان يشجع الطبقة السياسية الحاكمة على متابعة غض النظر او تشجيع السير في الطريق الفسادي والخياني، هو ان "القاعدة الشعبية الانتخابية" التي تبدي تذمرها من الوضع القائم، كانت تعود فتدلي بأصواتها الى الأحزاب والقيادات ذاتها، التي تتذمر تلك القاعدة منها. وجاءت الانتخابات النيابية الأخيرة في بلغاريا، في 5 تشرين الأول 2014، أي بعد 25 سنة من بداية "التحول الدمقراطي"، لتضع حدا فاصلا لهذه الحلقة المفرغة. اليمين واليسار والحزب التركي فحتى الان سارت "اللعبة الانتخابية" خاصة والسياسية عامة ضمن الخطوط التالية: ـ1ـ في العقد الأول من مرحلة "التحول الدمقراطي"، أي في تسعينات القرن الماضي، كان الانقسام الحزبي ـ السياسي بين كتلتين رئيسيتين هما: اليمين ممثلا بما يسمى "اتحاد القوى الدمقراطية"، واليسار ممثلا بالحزب الاشتراكي البلغاري (الشيوعي سابقا) وحلفائه. وكان التكتل اليميني يتألف من عدد كبير من التنظيمات والتيارات يمكن تصنيفها في مجموعتين رئيسيتين: الشخصيات والزمر العميلة المرتبطة مباشرة بالسفارات والدوائر الاستخبارية الغربية، بالإضافة الى بعض المجموعات الليبيرالية وانصار البيئة الذين تستهبلهم وتتلاعب بهم المخابرات الغربية. اما اليسار فكان يتمحور بشكل رئيسي حول "الحزب الاشتراكي البلغاري" (الحزب الشيوعي سابقا، الذي حكم بلغاريا منذ "انتفاضة 9 ايلول 1944" حتى الانقلاب اليميني الموالي للغرب في 10 تشرين الثاني 1989). وقد تناوب هذان اليمين واليسار النجاح في الانتخابات النيابية ومن ثم في تشكيل الحكومة، حتى انتخابات سنة 2001. وكان يأتي في المرتبة الثالثة الحزب المسمى "D P S" "حركة الحقوق والحريات" التركي، المرتبط بالسفارة والمخابرات التركية، وكان يقوده العميل احمد دوغان. القوى اليمينية "المعتدلة" تعوّض افلاس اليمين "المتطرف" ـ2ـ وبالتدريج بدأت شعبية كل من اليمين واليسار تتآكل، وفي العقد الأول من القرن الحالي اخذت تظهر قوى "ثالثة" صنفت بأنها "وسط" و"يمين الوسط". وفي انتخابات سنة 2001 فاز بالأغلبية حزب الملك السابق (يمين وسط). وحصل على نسبة 42.74% ، بينما حصل الحزب الاشتراكي على 17.15%، وحصل الحزب التركي على 7.45%. وتولى الملك السابق رئاسة الوزارة حتى سنة 2005، حينما جرت انتخابات جديدة فاز فيها الحزب الاشتراكي من جديد بنسبة 30.95%، ونال حزب الملك السابق 19.88%، بينما نال "اتحاد القوى الدمقراطية" اليميني 7.68% فقط، ونال الحزب التركي 12.81%. وشكل الحزب الاشتراكي حكومة ائتلافية مع حزب الملك شارك فيها لأول مرة الحزب التركي، الذي كان الحزب الاشتراكي حتى ذلك الحين يعتبره حزبا منافيا للدستور الذي يمنع تشكيل أحزاب على الأساس الاتني او الديني او القومي. وفي انتخابات 2009 عاد "يمين الوسط" الى السلطة، ولكن هذه المرة بشخص حزب جديد هو (G E R B) بزعامة الجنرال بويكو بوريسوف، ونال الحزب 39.7% من الأصوات، مقابل 17.7% للحزب الاشتراكي، و 14.0% للحزب التركي. وتشكلت وزارة برئاسة الجنرال بوريسوف. وفي أيار 2013 استقالت وزارة بوريسوف بسبب اصطدام الشرطة مع المتظاهرين ضد الازمة الاقتصادية، وجرت انتخابات جديدة فاز فيها حزب (GERB) بأكثرية اقل مما حصل عليه في السابق وهي 30.5%، وفاز الحزب الاشتراكي بنسبة 26.6%، والحزب التركي بنسبة 14.0%. ومرة أخرى شكل الحزب الاشتراكي حكومة ائتلافية شارك فيها أيضا الحزب التركي. الفشل العام في حل الازمة الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ3ـ ان ما يميز العقدين الاول والثاني من بداية "التحول الدمقراطي" في بلغاريا هو تناوب جميع الأحزاب الرئيسية القديمة والجديدة على السلطة، وفشلها جميعا في حل الازمة الاقتصادية ـ الاجتماعية العميقة التي ادخل فيها هذا "التحول" الشعب البلغاري. بل انها جميعا، بما فيها الحزب الاشتراكي، ساهمت في تعميق الازمة بمعادلة طردية مع كسب رضا اميركا والناتو والاتحاد الأوروبي عن تلك الأحزاب. الحزب التركي قنبلة موقوتة لتفجير بلغاريا من الداخل ـ4ـ في حين تشكل الحزب التركي (DPS) (حركة الحقوق والحريات) خلال الاضطرابات التي رافقت بداية التحول في تشرين الثاني 1989، كبؤرة مخالفة للدستور، ولم يكن الحزب الاشتراكي وغيره من الأحزاب الوطنية البلغارية تعترف به، فإن مرحلة "التحول الدمقراطي" كرست "شرعنة" الحزب التركي بوصفه "الممثل الشرعي" للاقلية الكبيرة التركية ـ الإسلامية في بلغاريا. إذ ان الحزب التركي يدعي تمثيل الاتراك واتنية البوماك الاسلامية. وهناك خلاف كبير في بلغاريا حول الهوية القومية للاتنية المسماة "البوماك". فالوطنيون البلغار يعتبرون هذه الاتنية مواطنين بلغارا سلافيين اصليين، تمت اسلمتهم بمختلف الطرق في العهد التركي. في حين ان تركيا والحزب التركي في بلغاريا يعتبران "البوماك" اتراكا، كغيرهم من الاتراك الذين ظلوا يعيشون في بلغاريا بعد تحريرها من النير التركي. وقد نجح الحزب التركي الى درجة كبيرة جدا في استقطاب اقلية "البوماك"، ولا سيما عن طريق اغداق الأموال (بناء الجوامع وتقديم المساعدات والقيام ببعض المشاريع الإنمائية) التي يحصل عليها الحزب التركي من تركيا وبعض الدول الإسلامية الغنية الموالية للغرب الامبريالي. ويمكن القول ان الحزب التركي قد تحول بقدرة قادر الى "دولة تركية صاعدة" داخل "الدولة البلغارية الهابطة". وفي السنة الماضية صرح طيب الذكر الرئيس رجب طيب اردوغان انه "ينبغي علينا ان نستعيد أملاك اجدادنا". وبالتزامن مع هذه التصريحات صرح مؤسس الحزب التركي في بلغاريا العميل احمد دوغان ان رسم الحدود الاتنية والقومية ينبغي ان يتم بالتوافق والتسامح، وهذا افضل من ان يتم رسمها بالدبابات والمدافع. وأعطت السلطات البلغارية الاذن الطرشى لهذا التصريح الذي يهدد السيادة والامن القوميين لبلغاريا. فقدان الامل بالإصلاح بواسطة "اللعبة الانتخابية" ـ5ـ في بدايات مرحلة "التحول الدمقراطي" كان قسم كبير من الجماهير البلغارية مخدوعا ويعتقد ان "التحول" سيكون خطوة الى الامام نحو إزالة شوائب ونواقص النظام السابق وإيجاد نظام افضل منه. حتى ان قطاعا واسعا من الجماهير المؤيدة للفكر الاشتراكي كان يعتقد ان "التحول" سيكون خطوة نحو الانتقال الى ما يسمى "الاشتراكية الإنسانية". وجاءت الوقائع لتخيب كل امل وكل تفاؤل. وانعكست خيبة الامل تماما في الانتخابات النيابية الدورية والاستثنائية. ففي انتخابات 1991 بلغت نسبة المشاركة في التصويت 84.82%. وهي من اعلى النسب في المقاييس العالمية (وطبعا نحن نسقط من الحساب نسبة الـ99.99% الدكتاتورية المزيفة، المؤسفة والمضحكة). ولكن هذه النسبة انخفضت الى 75.82% في انتخابات 1994. اما في انتخابات 1997 فقفزت نسبة المشاركة نزولا الى 62.40%، لتعود فترتفع الى 66.01% في انتخابات 2001. وأخيرا بلغت نسبة المشاركة 51.3% لا غير في انتخابات 2013. XXX انفضاح كذبة الدمقراطية وفي الانتخابات الأخيرة في 5 ـ 10 ـ 2014 بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 43% فقط، أي ان نسبة عدم المشاركة هي 57% من المواطنين البلغار بشكل عام. ولكن اذا اخذنا بالاعتبار انه "بفضل" التعبئة العنصرية والدينية وانفاق الأموال على "الخدمات" و"المساعدات" لانصار الحزب التركي، فإن مشاركة المواطنين الاتراك والبوماك في الانتخابات هي اعلى بكثير من مشاركة المواطنين البلغار السلافيين ـ المسيحيين؛ واذا حذفنا فارق الزيادة بين الفئتين فان نسبة المشاركة الفعلية للمواطنين البلغار تبلغ اقل بكثير من 43%، وبالتالي فإن نسبة عدم المشاركة في الانتخابات من قبل المواطنين البلغار غير انصار الحزب التركي هي حسب تقدير العديد من الخبراء حوالى 75% "فقط!". وهذا يعني ان 3 ارباع الشعب البلغاري لم يعد يؤيد "التحول الدمقراطي الغربي" في بلغاريا. ويعني ان النسبة التي حصل عليها الحزب الفائز في الانتخابات (حزب الجنرال بوريسوف) وهي 30% لا تعني انه يحوز على ثقة 30% من الشعب البلغاري بمجمله، بل تعني انه يحوز على ثقة 30% من ربع الشعب البلغاري أي على ما يقارب 8% فقط. لان المشاركين في الانتخابات هم ربع الشعب البلغاري فقط. فأين هي الدمقراطية؟ ان يقرر 8% من الشعب مصير الشعب كله، هل هذه دمقراطية ام انها تماما دكتاتورية الأقلية بقالب انتخابي "دمقراطي"؟. XXX طاعون امبريالي بلباس دمقراطي وهذا الواقع يدفعنا الى تقديم الملاحظات التالية: ـ1ـ لقد انفضحت اكذوبة "التحول الدمقراطي الغربي" انفضاحا تاما، بالشكل والمضمون في بلغاريا. فقد تم تدمير المجتمع والدولة البلغاريين، بدون حرب، تدميرا كاملا، مقابل الحصول على الدمقراطية، التي تبين أخيرا انها ليست اكثر من كذبة، ولكنها كذبة على شعب بأسره. والانتخابات النيابية الأخيرة تؤكد بالأرقام ان غالبية الشعب البلغاري، بمقاطعتها للانتخابات، "صوّتت" عمليا ضد هذا التحول. ـ2ـ لقد ظهر "التحول الدمقراطي الغربي" كوباء طاعون أصاب بلغاريا دولة وشعبا، فدمر الاقتصاد الصناعي والزراعي والسياحي والمالي، ونشر اللصوصية والفساد والجريمة المنظمة وغير المنظمة، والمخدرات، والدعارة، والبطالة، والانهيار السكاني، والهجرة الكثيفة، والمرض، والفقر والجوع. وأعاد بلغاريا مئات السنين الى الوراء الى عهد العبودية التركية. لا اصلاح في ظل هذه "الدمقراطية" ـ3ـ وقد اثبتت التجربة الواقعية انه لا يمكن معالجة هذا الطاعون "من داخله"بالذات. فكل جهود الإصلاح ومكافحة الفساد الخ قد باءت بالفشل. ونقدم على ذلك مثالين: الأول ـ حينما عاد الحزب الاشتراكي الى الحكم في أواسط التسعينات من القرن الماضي، ترأس الحكومة رئيس الحزب حينذاك جان فيدينوف. وحاولت حكومة فيدينوف وقف التدهور الحاصل والذي كان في بداياته. وقام فيدينوف بزيارة روسيا والصين في محاولة لاعادة التوازن الى العلاقات الدولية لبلغاريا، خصوصا على الصعيد الاقتصادي. فكانت النتيجة ان شنت حملة شعواء على حكومة فيدينوف، وجرت حرب حقيقية ضد العملة الوطنية (الليفا)، وفرض التضخم فرضا، وارتفع سعر صرف الدولار من 10 ليفات الى اكثر من 3200 ليفا، وتمت مهاجمة البرلمان (بروفة مسبقة عما جرى في أوكرانيا في شباط 2014) والاعتداء على النواب المؤيدين لفيدينوف، واجبرت حكومته على الاستقالة بالقوة في مطلع سنة 1997 ، وأخيرا تم فصله من قيادة الحزب الاشتراكي، والتجريح به شخصيا والصاق لقب "الساذج" به، وفي النهاية اضطر هذا الرجل الوطني الشريف ان يتحامل على نفسه وينزوي في بيته ويعود لممارسة عمله كاستاذ جامعة. والثاني ـ وفي كانون الثاني 2008، وكان غيورغي بارفانوف رئيس الحزب الاشتراكي سابقا رئيسا للجمهورية، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة رسمية الى بلغاريا، ووقع مع الرئيس بارفانوف ثمان اتفاقيات اقتصادية، منها ثلاث في غاية الأهمية وهي: أ ـ اتفاقية عبور خط أنبوب الغاز القاري الروسي المسمى "السيل الجنوبي" من البحر الأسود عبر الأراضي البلغارية الى البلدان الأوروبية الأخرى. ب ـ اتفاقية عبور خط انابيب النفط القاري الروسي من البحر الاسود عبر الأراضي البلغارية نحو الساحل اليوناني، ويمتد الخط من مدينة بورغاس البلغارية على البحر الأسود نحو مدينة الكسندروبوليس اليونانية على البحر الابيض المتوسط. ج ـ اتفاقية بناء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية الرخيصة في "بيلينيه". وقدرت كلفة المحطة بثلاثة مليارات دولار، تعهد الجانب الروسي بتقديمها بصفة قرض ميسر لبلغاريا لتغطية شراء الآلات والمعدات اللازمة للمحطة وتركيبها. وكان من الواضح ان هذه الاتفاقيات ستضطلع بدور رافعة قوية لاعادة انهاض بلغاريا اقتصاديا: أولا، عن طريق الاستخدام الرشيد للموقع الجيوستراتيجي لبلغاريا لتحويلها الى مفصل رئيسي لتوزيع الغاز والنفط في أوروبا، مما يرفع الى درجة كبرى مكانة بلغاريا في أوروبا وحاجة أوروبا الى بلغاريا، بكل ما يقتضي ذلك من تبعات اقتصادية وسياسية وامنية وثقافية. وثانيا، ضمان حصول بلغاريا على الغاز والنفط بأسعار مخفضة جدا. وثالثا، ضمان حصول بلغاريا على مبالغ طائلة كرسوم مرور الغاز والنفط (ترانزيت) في أراضيها. ورابعا، ضمان حصول بلغاريا مجددا على طاقة كهربائية رخيصة بكل ما لذلك من أهمية لرفع مستوى معيشة السكان وتأمين الطاقة الكهربائية الرخيصة للصناعة والحرف والخدمات السياحية وغيرها، بالاضافة الى إمكانية العودة الى تصدير الطاقة الكهربائية وبيعها في الخارج بأسعار تنافسية. وخامسا، تأمين العمل لشريحة واسعة من المهندسين والاختصاصيين والعمال المهرة. وسادسا، تسهيل حصول بلغاريا على القروض الميسرة وجذب الاستثمارات، استنادا الى تحسين وضعها الاقتصادي. وسابعا، تحريك الوضع الاقتصادي برمته لبلغاريا، استنادا الى الإيجابيات التي ستنشأ عن تطبيق هذه الاتفاقيات. وأخيرا لا آخر، فإن تطبيق هذه الاتفاقيات كان من شأنه ان يجعل لروسيا مصلحة ملموسة في الدفاع عن بلغاريا في حال تعرضها لاي عدوان او مؤامرة على سيادتها وامنها وكيانها الوطني كما جرى لصربيا بالأمس وكما يجري لاوكرانيا اليوم. فما الذي جرى بعد توقيع هذه الاتفاقيات الهامة؟ بدأ وضع العراقيل امام تنفيذ هذه الاتفاقيات التي تأخرت الى اليوم، ثم تم فصل برفانوف وانصاره من الحزب الاشتراكي، فاضطر لتشكيل حزب جديد هو (A B V) (المبادرة لاجل انهاض بلغاريا) الذي خاض الانتخابات الأخيرة وحصل على 4% من أصوات الناخبين و16 مقعدا نيابيا من اصل 240. ويعني ذلك ببساطة انه لا يمكن معالجة طاعون "التحول الدمقراطي الغربي" من ضمن آليات "الدمقراطية الغربية" ذاتها. القنبلة التركية الموقوتة ـ4ـ خلال مرحلة "التحول الدمقراطي الغربي"، وبفضل الدعم اليهودي العالمي والامبريالي الغربي لتركيا وللنزعات الاسلاموية ـ العثمانية للطبقة التركية الحاكمة الجديدة، وامام تخاذل ولاوطنية شريحة القيادات السياسية البلغارية، فإن كل بلغاريا كانت تضعف على جميع الأصعدة، بعكس الحزب التركي الذي استأسد وتحول الى دولة ضمن الدولة. ويتحرك هذا الحزب الان بين فاصلين: ابتزاز الدولة البلغارية واجبارها على الإذعان والسير في ركاب الامبريالية واليهودية العالمية وأميركا والناتو والاتحاد الأوروبي، ضد المصالح الأساسية وضد الوجود القومي ذاته للشعب البلغاري؛ او... تفجير بلغاريا من الداخل، وربما اقتحامها من قبل القوات التركية أيضا، وتقسيمها، كما جرى في قبرص في 1974، وفي صربيا في تسعينات القرن الماضي، وكما يجري اليوم في سوريا والعراق واليمن وليبيا وأوكرانيا. ويمكن باختصار القول ان الحزب التركي هو "البيضة الذهبية" لـ"التحول الدمقراطي الغربي" بكونه القنبلة الموقوتة التي نجح طاعون "التحول الدمقراطي" في زرعها داخل بلغاريا. "الشيوعية" و"الدمقراطية الغربية" ـ5ـ بعد سقوط المنظومة السوفياتية فإن آلة البروباغندا الغربية والموالية للغرب ملأت جميع طبقات الفضاء الإعلامي نباحا مسعورا ضد الشيوعية والأنظمة الدكتاتورية والشمولية. وبدون أي دفاع عن أي نظام استبدادي ودكتاتوري، فقد اثبتت تجربة بلغاريا بالملموس ان أسوأ أنظمة الحكم الشيوعية، حتى في الصيغة الستالينية، هي افضل من أي "دمقراطية غربية" هي ليست اكثر من وسيلة لتضليل الجماهير ونهبها واستغلالها واذلالها واستعبادها. بلغاريا امام المجهول ـ6ـ ان تآكل الحياة السياسية في بلغاريا، وانكفاء القطاع الجماهيري الاوسع، ولا سيما الشباب، عن المشاركة في الحياة السياسية، كان له تأثير سلبي كبير وهو انه لم تظهر حتى الان أي حركة شعبية وطنية قادرة على قيادة هبة وطنية شعبية واسعة هي الامل الوحيد لإنقاذ بلغاريا من الوضع الذي تردت اليه ومن الاخطار التي تتهددها. واذا لم يتحقق هذا الامل، فإن بلغاريا تقف الان على حافة خطر الانهيار او الانفجار. ويلخص احد المسنين الوضع الراهن في بلغاريا بالقول: اما ان الطاعون الغربي سيمحو بلغاريا من الخريطة، واما ان الشعب البلغاري الصبور ولكن صاحب التاريخ النضالي العريق سيجد طريقه للقضاء على هذا الطاعون "الدمقراطي" المزيف وكل من اتى به ويتمسك به! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
بداية "التحول الدمقراطي" باحراق "بيت الحزب" الشيوعي في صوفيا
"الدكتاتور" تودور جيفكوف بعد اجباره على الاستقالة: انا شخص عادي!
"الوقت هو لنا" هكذا كانت تقول مهرجانات اليمين في 1990
تكسير بلاط الشوارع والهجوم على البرلمان لاسقاط جان فيدينوف في مطلع 1997
الوطني الشريف و"الساذج" جان فيدينوف يقدم استقالته
الرئيسان بوتين وبرفانوف بعد توقيع الاتفاقيات بين روسيا وبلغاريا
احدى المظاهرات الاحتجاجية في صوفيا
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الكتلة الغربية تهدد السلام وأمن الشعوب وكل الحلول تأتي من مو
...
-
روسيا ستحطم التحدي الغربي في اوكرانيا
-
الحرب الاقتصادية الروسية ضد الكتلة الغربية
-
اوروبا ستدفع ثمن العنصرية الغربية ضد روسيا
-
حرب البدا ئل وسقوط الائتلاف الحاكم في اوكرانيا
-
الناتو بمواجهة روسيا: نمر من كرتون
-
تيوس الناتو تتنطح للصخرة الروسية
-
الفاشودمقراطية الاميركية تنتحر سياسيا وعسكريا في اوكرانيا
-
روسيا تهز العصا لليابان ايضا
-
روسيا تنتصر على ازمة الانهيار الدمغرافي
-
المحور الروسي الصيني
-
الفاشستية الاوكرانية تكشف عن وجهها الوحشي
-
سقوط -اتفاقية يالطا- والسياسة الاقتصادية الجديدة لروسيا في ا
...
-
انتهت خرافة القطب الاميركي الاوحد
-
اوكرانيا تتجه بسرعة نحو الحرب الاهلية
-
المحور الروسي الصيني العتيد يشق طريقه على الساحة الدولية
-
المنتصرون على النازية الهتلرية كابح حازم للعدوانية الفاشية ا
...
-
انتصار جديد للديموقراطية الشعبية على الديموفاشية الاميركية ف
...
-
الاسباب الجيوستراتيجية لتراجع الناتو امام روسيا
-
نحو دور تنموي ثقافي وانساني لجامعة الدول العربية
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|