|
إشكالية التخييل بين الرواية والسينما
علي عواد عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 4616 - 2014 / 10 / 27 - 18:14
المحور:
الادب والفن
إشكالية التخييل بين الرواية والسينما علي عواد عبد الله مدخل: يبدو أن العلاقة بين الرواية والسينما ستبقى مرهونةً بحالة من الاختلاف والتمايز على الرغم من المسار الفني الذي يجمع بينهما، فالرواية من وجهة نظر السينما هي الرافد النّصي الدال القائم على المحكي المكتوب بأسلوب فني معين، والسينما من وجهة نظر الرواية هي الميدان السمعبصري الذي يحول المكتوب إلى مرئي متمثل بدلالة الصوت والصورة، ومع أن السينما اتكأت كثيراً على الأدب لاسيما الرواية والقصة، وأصبح الفيلم حكاية تروى بالصور مثلما الرواية تروى بالكلمة لكن هناك اختلافات تفرضها وسيلة التعبير نفسها فالتحرير أو(الكتابة) بالكاميرا يختلف عن التحرير أو(الكتابة) بالقلم والتعبير الميكانيكي الذي تفرضه آلة التصوير يختلف عن التعبير الأدبي، ولكن يظل هناك تقارب ما ورؤية ومحاولة طموحة لتقترب الرواية من السينما وان تكون السينما أمينة على ما تقدمه لها الرواية من نصوص. إن طابع العلاقة بين الرواية والسينما متسمٌ بنوع من الشد والجذب من خلال محاور الاتفاق والاختلاف بينهما مروراً بالتقنية والأسلوب والغاية والرؤية والموضوعة والبناء ولا يخفى أن جزء من فلسفة الاختلاف بين الرواية والسينما متأتٍ من هذا التداخل بينهما؛ ولعلنا بحاجة لأن "نوضح حالة الامتزاج التي تعيشها الفنون في العالم اليوم، فقد اقتربت الرواية مثلاً من السينما اقتراباً كبيراً، وتأثرت بها، كما أثرت فيها، فـ"عندما نتأمل مشهد الرواية المعاصرة نجد أن الأسلوب السينما قد أخذ يتسلل إليه عبر مجموعة من القنوات بنسب متفاوتة لدى الكتاب"(1)، وكذلك الحال مع كافة الفنون المعاصرة تقريباً، بحيث صار على الناقد المعاصر الذي يتعرض لأي فن من هذه الفنون أن يكون ملماً بالفنون الأخرى"(2)، وتبقى إشكالية التخييل بين الرواية والسينما من أبرز الإشكالات الخلافية بين هذين الجنسين الفنيين، ولهذه الإشكالية ما يميزها عن بقية الإشكاليات القائمة بينهما من حيث ارتباطها الوثيق بالمتلقي بوصفه واحداً من أهم العناصر التي تشكل العملية الإبداعية في الرواية والفيلم على حدٍ سواء.
التخييل الروائي من أسرار التخييل الروائي، ومع كل رواية وقراءة، ينهض أو يتقوض أو ينعقد أو ينجلي أو يتبسّط سرٌّ أو أكثر من أسرار التخييل الروائي(3)، "إننا كثيراً ما نستخدم الخيال عندما نحاول رؤية أشياء بعين عقولنا بحيث نرى ما هو موجود الآن عند مستوى الإدراك الحسي"(4) ففكرة التخييل في الرواية تنطلق من خلال عملية مركبة ومعقدة في آنٍ واحد فهي مركبة لأنها تتراتب مع منظومة من العمليات الإدراكية الحسية والمجردة التي يشترك بها المؤلف والنص والقارئ كلٌ يقوم بما يقع على عاتقه في إنجاز فكرة التخييل، فالمؤلف يبني نصّه عبر آلته الكتابية الخاصة فيكون محوراً بين قطبين اثنين يتعلق الأول بالفكرة أو المضمون وهو ما يطلق عليه اصطلاح "المتن الحكائي" والثاني يشكّل الإطار الأسلوبي الدال المتضمن هذه الفكرة ويعرف بـ "المبنى الحكائي" أما القارئ فيقع عليه الأثر موقعاً حسياً خالصاً فيُنتج عن ذلك هالةً تخييلية تستجيب لدالة القراءة الروائية وتحاكي أسلوبها الوصفي والسردي بشكل دقيق، أما التعقيد في عملية التخييل هذه فهو كامن في أن انبناء المراحل التخييلية بين عناصر الإبداع الثلاثة قائم بالأساس على نتائج بعضها البعض فالقارئ محكوم بمدى انفتاح النص في نسقه الحكائي والمضموني على الأخيلة ومدى استجابته لطبيعة التخييل وفكرته وأسلوبه، والنص هو تمظهر دلالي منسرح عن المؤلف الكاتب الذي نتج عن الواقع الحسي الذي عاشه في مرحلة حياتية معينة. يمكن الوثوق بحتمية التخييل في الرواية من خلال الدور الذي ألقاه المنظرون في مجال القراءة والتأويل والتلقي على عاتق القارئ في عملية الإدراك ومن ثم التخييل وتنشيط حساسية "أفق التوقع"(5) فمتلقي الرواية يواجه الرواية على أنها نص مكتوب متضمن حكاية لها محدداتها ومدلولاتها ومحمولاتها، يقوم بقراءة المكتوب وفقاً للنظام اللغوي الرمزي الاجتماعي المتواضع بينه وبين المؤلف، ومن ثم يجنح إلى تأطير هذه القراءة بالمعرفة والثقافة حتى يتمكن من الوصول إلى المفاتيح النصية التي تساعده في التعرف على وجهة النص وتوجهه الدلالي ومن ثم يسعى إلى الفهم إذ ترتبط عملية الفهم مباشرةً بالإدراك الناتج فعلياً عن طريق الحواس (العين الناظرة) ومن ثم تنتج عن هذه العملية كلها آلية التخييل التي تراعي حبكة النص وانتظامه الدلالي والفكري فيتابع القارئ الصورة الروائية من خلال قدرته الفكرية على تلقيها بمضامين تضاهيها في التشكل والرؤية. إن التخييل في الأدب أو الرواية بشكل عام يمكن أن يأخذ مساراً متميزاً عن التخييل في باقي الفنون البصرية كالسينما والتصوير والتشكيل والرسم، كون الرواية التي يشترك في قراءتها عدد كبير من القراء لن تتطابق قراءاتهم لها على أية حال فكل منهم سيتخيل المشهد الروائي النصي على وفق رؤيته الخاصة فتنشأ على إثر ذلك أشكال متعددة من التخييل تتغير وتتبدل بتغير وتبدل وتنوع القراء الذين يقرأون النص الروائي، كما أن التخييل في الرواية يمكن اعتباره تخييلاً مفتوحاً لا نهاية له فهو يتمدد بتمدد القراء وأشكالهم وكلما ازداد القارئ ثقافة وفكراً ووعياً زادت فرصة إنتاج تخييل روائي يضع الرواية بأحضان المتخيلة الخصبة الفاعلة. التخييل السينمائي يبدو أن التخييل في السينما أسهل بكثير من التخييل في الأدب والرواية على وجه الخصوص لأن اللغة الأدبية تقوم على الكلمات والحروف أما اللغة السينمائية فسمعية مرئية تعتمد على الإضاءة والكاميرا والمونتاج والصوت والموسيقا واللون والملابس في إثراء المادة(6)، فالسينما عالم من الصور عالم يشبه الواقع لكنه ليس هو الواقع ذاته، والكاميرا التي هي العصب الحقيقي للسينما ،حين تتحرك في هذا الواقع تختار ما تظهره للمشاهد، تقتطعه من الواقع وتبرزه في إطار محدد داخل الشاشة، وأهم خاصية للتصوير السينمائي هي النظر إلى هذا الجزء المقتطع من الواقع والمعروض على الشاشة، وقد أشار بعض المهتمين بصناعة الفيلم إلى أن الحياة عالم متصل أما السينما فعالم محدود نراه على الشاشة مضافا إليه تقطعه إلى لقطات يتم جمعها وترتيبها عن طريق المونتاج، من هنا يمكن لنا أن ندرك أن التخييل في السينما يعيش في إطار محدود إذا قارناه مع التخييل في الرواية فالسينما تطلب منا أن نشاهد الفيلم ثم نفكر في المغزى والدلالة والفكرة مباشرة دون أن نثقل المخيلة بالتخييل لأن الشاشة ستحل محل المخيلة الأدبية وهي تقدم التخييل جاهزاً للمشاهد دون أن يبادر إلى رصد سياقات لغوية تحتاج إلى تخييل ما، وهذه السمة تشترك بها معظم الفنون البصرية التي تقدم الأفكار بأسلوب مرئي تدركه الأبصار مباشرةً دون مروره بسواقة التخييل، وهذا يقودنا إلى أن التخييل في السينما نسبي ومحدود غير مطلق، يتماثل لدى المشاهدين كلهم، فالمشاهد الذي يرى شجرة البرتقال على الشاشة لن يراها مشاهدٌ ثانٍ شجرةً للرمان، لأن المرئي متمثل للبصر على نحو واحد لذلك فإن الفيلم لا يعول على المُشاهد كما يعول الأدب على القارئ في إنتاج الدلالة وتأويل المعطى الفني، فتتشابه كل القراءات السينمائية للفيلم على خلاف ما موجود في الرواية التي تؤمن بضرورة ظهور القارئ بوصفه عنصراً فاعلاً في إنتاج المعنى وتأويله، الخلاصة إن الاختلاف بين الرواية والسينما يتمظهر من خلال الرمز والتخييل كذلك فمُشاهد الفيلم يختلف عن قارئ القصيدة عبر الأثر الفني الواقع عليه إذ إن الفيلم يحدد شكل كبير كل الأدوات المستعملة في تصوير الموضوع ويصل مستوى التماثل بين الواقع والفيلم إلى التطابق في كثير من الأحيان لذا فإن مستوى التخيل لدى المشاهد يكون محدوداً فهو لا يحتاج إلى أن يشغل أداته التخيلية حتى يفسر أشياء لا تختلف عن واقعه الذي يعيشه أو أنه تبدو مألوفة على أقل تقدير، بينما تكون مهمة قارئ القصيدة أكثر تعقيداً فالأدب نظام من الإشارات واللغة نظام من الرموز تحتاج بطبيعة الحال إلى كثافة تخيلية لفك هذه الرموز والإشارات وتفسيرها وصياغة العبارة أدبياً تترك مجال التخيل مفتوحاً أمام القارئ وكلما كانت ثقافته القرائية عالية ويتمتع بأفق معرفي عالٍ زادت فرص ذهاب إلى أبعاد تخيلية بعيدة وهنا يمكن القول إن الفيلم لا يعول كثيرًا على دور المشاهد في تحليله كما تعول القصيدة على دور قارئها في إعادة إنتاج الدلالة فيها ولا يعني هذا القول اضمحلال دور المشاهد في تحليل مشاهد الفيلم بل إن دور في تشكله وإخراجه لكن دوره هذا يبدو ضعيفًا عند مقارنته بدور القارئ في تلقي القصيدة، لذا فإن التخييل في الرواية مطلق بينما نجده في السينما محدوداً، كما أن قارئ الرواية أهم من مشاهد الفيلم من حيث الدور الذي يلعبه كل منهما في تلقي المنجز الفني الرواية أو الفيلم. المصادر والمراجع: (1) أساليب السرد في الرواية العربية، صلاح فضل، مركز الإنماء الحضاري، 2009: 189. (2) تعريف النقد السينمائي، علي شلش، دار الشؤون الثقافية العامة والهيئة المصرية العامة للكتاب : 7. (3) أسرار التخييل الروائي، نبيل سليمان، اتحاد الكتاب العرب، دمشق: 7. (4) عصر الصورة "السلبيات والإيجابيات"، شاكر عبد الحميد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2003: 66. (5) الإبهام في شعر الحداثة "العوامل والمظاهر وآليات التأويل"، عبد الرحمن محمد القعود، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2002: 294. (6) صراع الرواية والفيلم، حسن حداد، فضاءات الوسط، القاهرة، العدد 2127، 2008: 4.
#علي_عواد_عبد_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية التخييل بين الرواية والسينما
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|