أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - نضال العبود - تهميش حملة شهادات الدراسات العليا و تداعي القطاع العام في سوريا















المزيد.....

تهميش حملة شهادات الدراسات العليا و تداعي القطاع العام في سوريا


نضال العبود

الحوار المتمدن-العدد: 1297 - 2005 / 8 / 25 - 09:53
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


تهميش حملة شهادات الدراسات العليا و تداعي القطاع العام في سوريا
نضال العبود*


العلاقة بين العلم و تطور المجتمعات علاقة طردية. فكلما ازداد اعتماد المجتمعات على معطيات العلم و نتائجه، تطورت هذه المجتمعات و حققت استقلاليتها و أحرزت منعتها و قوتها.
فبفضل العلم يتم رد النتائج و ربطها بأسبابها الموضوعية البعيدة كل البعد عن الخرافة و الأسطورة و التفسيرات الاعتباطية التي تتنافى مع أساس العقل و جوهره. و الملاحظ أن تقدم المجتمعات و تقدمها مرتبط ارتباطاً جذرياً بمدى امتلاكها لناصية العلوم و الحيّز الذي تشغله فيها. و بحسب موقع العلم في مجتمع ما يصنف على أساس أنه منتج للمعرفة أو مستهلك لها. و مجتمعنا العربي للأسف يصنف ضمن خانة المجتمعات المستهلكة للمعرفة، و لذلك أسبابه و عوامله التي أصبحنا نعرف أكثرها. فإذا كان ذلك من قبيل تشريح المرض فإن العلاج ما زال يصطدم بعقبات لا يبدو أنها ستذلل بدون تغيرات جوهرية في البنية السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للمجتمع العربي. لابد من الإشارة في هذا السياق إلى أنه في بعض الدول العربية كانت تفرض قيوداً على البحث العلمي، لا بل الأنكى من ذلك أنها سنت قوانين تعاقب فيها المخترعين بحجة أنهم يهددون أمن الوطن!!
إن القطاع العام في سوريا يشهد بوجود الآلاف الكثيرة من حملة شهادات الدراسات العليا و في مختلف مجالات التخصص العلمية، إلا أن دورهم كان و ما يزال محدوداً و محصوراً في نطاق ضيق مما كان له أبلغ الأثر مع عوامل أخرى في تقهقر واقع القطاع العام و خسارته. هذا ما حدا بعدد لا بأس به بالدعوة إلى خصخصته للحد من حجم الخسائر التي أصبحت عبئاً حقيقياً على مسيرة التنمية الوطنية. لم تعد تقتصر هذه الدعوة على المراقبين فقط بل أصبحت عنصراً أساسباً من عناصر الخطاب الحكومي لإصلاح القطاع العام و إعادة هيكلته من جديد.
يعاني حملة الشهادات العليا من أشد أنواع الإحباط. فمن جهة يرون أن خبراتهم التي اكتسبوها في جامعات عريقة تعتبر إحدى الوسائل الأساسية للنهوض بواقع القطاع العام الذي يتداعى أمام أعينهم، و من جهة أخرى شعور العجز عن المشاركة فيه لا بل تحجيم دورهم و جعلهم على هامش عملية التنمية التي تحتاج لكل فرد من أفراد هذا الوطن، كل في موقعه و بحسب مقدراته. لذلك انكفأ البعض على ذاته و راح يجتر آلامه، بينما قرر البعض الآخر الانسحاب نهائياً من المجتمع بالهجرة إلى البلدان التي درسوا و حصلوا العلم فيها.
تشترك العوامل الاقتصادية و الاجتماعية بعلاقة جدلية معقدة في التحكم بموقعهم و في الحالة التي آلوا إليها.
العامل السياسي
يتمثل في الإدارات غير الكفوءة للقطاع العام التي تم اختيارها بمعايير و شروط لم تأخذ في معظم الأحيان الكفاءة و النزاهة بما تستحق من العناية و التركيز مما أدى على ممارسات خاطئة في مقدمتها الفساد و الهدر و حتى عندما تتولى قيادات جيدة كان أداؤها مقيداً و محدوداً بسبب الخلل الواضح بين المسؤوليات و الصلاحيات. فالإدارات غير الكفوءة التي أتت عن الواسطة و المحسوبية و شراء الكراسي همشت هؤلاء لأنها رأت فيهم تهديداً حقيقياً للكراسي التي اشترتها بطريقة أو أخرى، فأقامت أمامهم شتى أنواع العراقيل و العقبات البيروقراطية و بخست من قدرهم حتى وصل الأمر بتهديدهم و إلصاق التهم بهم و تسليط أزلامها لمحاربتهم و رصد تحركاتهم للانقضاض عليهم في أول فرصة لتهمشهم بذلك إلى الأبد و لتعيق بالمحصلة عملية التنمية. في ظل هذا القمع الفكري يتراجع العلم كأحد أهم الأدوات المنتجة للمعرفة و تتراجع الحرية نتيجة انخفاض الإنتاج المعرفي في علاقة جدلية من التأثر و التأثير المتبادل.
من اللافت للنظر التناقض الحكومي الصارخ فيما يتعلق بحملة الشهادات العليا في القطاع العام. تطلب الحكومة سنوياً من الوزارات التابعة لها تزويدها بحاجتها من الاختصاصات المختلفة و خاصةً شهادات الدكتوراه. تحيل الوزارات بدورها الطلب إلى المؤسسات و الشركات التابعة لها، و يتم في النهاية تحديد الاختصاصات بقوائم طويلة ليتم إيفاد الطلاب و تصرف عليهم عشرات الملايين من الدولارات. يعود هؤلاء بشهاداتهم و كلهم أمل في أن يطبقوا دراساتهم على أرض الواقع، سيّما أنهم يعوون تمام الوعي حاجة القطاع العام لاختصاصاتهم. لكنهم يصطدمون بصخرة الواقع ليجدون أن جهات الإيفاد قد تنكرت لهم و حتى أن بعضها ينقلب و يقول أنههم لم يطلبوا هذا الاختصاص أو ذاك و هم ليسوا بحاجة لأحد و القطاع العام يسير بهم و بدونهم!!
يبدأ حامل الشهادة رحلة أخرى من العذاب تفرضها التعقيدات الإدارية البيروقراطية التي تنشأ من جهة، من قصور القوانين و اللوائح التنظيمية السائدة في استيعاب هؤلاء و الإبقاء على دورهم الذي يتصف بعدم الوضوح و التحديد. أما من جهة ثانية فتعود إلى محاربة الإدارات لهم و تهميشهم لينضووا تحت رغباتها و يقدمون فروض الولاء و الطاعة لها.
يضطر حامل الشهادة للرضوخ لهذا الواقع المؤلم بعد أن استنفذت قواه ليقوم بالأعمال المناطة به من قبل رؤسائه الذين يدّعون الخبرة، مع العلم أن هذه الخبرة هي عبارة عن تقليد أعمى لا حراك فيه أرساه الأجنبي قبل التأميم و بعده و أصبح يتوارث بدون أي زيادة أو نقصان و بدون الأخذ بعين الاعتبار تطور وسائل الإنتاج التي تحتاج إلى التفكير العلمي لاستيعابها و التعامل مها. إن الأعمال الموكلة بحملة الشهادات العليا لا تتناسب مطلقاً مع إمكانياتهم العلمية و هي في كثير من الحالات لا تتعدى إمكانيات حامل الشهادة الثانوية أو المعهد المتوسط، و يعود ذلك لسببين : الأول يتمثل في عدم قدرة أولئك الرؤساء من سبر الإمكانيات العلمية للوافد الجديد لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فهؤلاء يعينون في مناصبهم على أساس القدم الوظيفي (في حالات أخرى حتى هذا المعيار لا يراعى) بدون الأخذ بعين الاعتبار الكفاءة و النزاهة و حتى دورات التأهيل و التدريب التي اتبعوها لها شكل صوري و لم تحقق الغرض منها سيما أن معظم هؤلاء لا يتقنون أية لغة أجنبية و خاصةً الإنكليزية التي هي الأساس في التعامل مع شركات الخبرة الأجنبية و ما أكثرها في أيامنا. فضلاً على أن الكثيرين منهم يعتبرون هذه الدورات فرصة للكسب المادي فقط دون أي اعتبار آخر حتى أصبح ذلك الحافز الوحيد لإتباعهم لها و الصراع من أجلها. أما السبب الثاني فيعود إلى بنية القطاع العام نفسه القاصرة عن استيعاب أصحاب الشهادات و عدم قدرتها على تسهيل انخراطهم في عملية الإنتاج و تطويرها. لذلك فإن المقترحات العلمية التي يقدمها هؤلاء لا تلق آذان صاغية و يشكك بها قبل أن توضع موضع التجريب مما نتج عنه الجمود الذي نراه لا بل انهيار كثر من مؤسسات القطاع العام.
العامل الاقتصادي
يلعب العامل الاقتصادي أهمية كبيرة من حيث أن القانون الأساسي للعاملين في الدولة لم ينصف حملة الشهادات العليا فبالرغم من سنوات الدراسة الطويلة فإن راتبه لا يزيد عن حامل الشهادة الجامعية إلا بحوالي (500 ل.س) هذا في أفضل الأحوال لأن هناك حالات تم فيها إضاعة الترفيعات الدورية التي يتقاضاها العامل في الدولة بسبب وجودهم في بلد الإيفاد (هذا ما حصل مع كاتب هذه المقالة و بعض زملائه) و ليس من سبيل لاستردادها سوى رفع قضية على الشركة أمام المحاكم التي تأخذ سنوات لتفقد في النهاية قيمتها و الغرض المطلوب منها. يمكن أن يصبح راتبه في هذه الحالة أدنى من راتب زميله من أصحاب الشهادات الجامعية. ينهمك حامل الشهادة العليا في النهاية في البحث عن المسكن و مصاريف الزواج في سباق ماراتوني. الحالة الاقتصادية هذه تجعله يحجم عن تقديم إمكانياته العلمية و الزج بها بغية تحسين عملية الإنتاج و تطويرها و بذلك يفقد جدواه.
العامل الاجتماعي
تتضافر العوامل السياسية و الاقتصادية لتحديد الدور الاجتماعي لحامل الشهادة العليا بالإضافة إلى طبيعة المجتمع نفسه. فلا ينال حقه من الاحترام و التقدير الذي تفرضه القدرات العلمية التي يحملها و الضرورية لتغيير عقلية المجتمع و نقله من مجتمع يعتمد على الخرافات و الغيبيات و التقاليد المتخلفة إلى مجتمع يعتمد على المنهج العلمي في تشخيص مشاكله و أسباب تخلفه و وضع الحلول العلمية لها للحاق بالمجتمعات المتقدمة.
المشكلة و الحل
أصبح من الواضح أن الدور المحدود و الضيّق الذي أنيط بحملة الشهادات العليا أعاق تطور القطاع العام و جمده عند مرحلة تاريخية معينة ضمن جملة من العوامل الأخرى. فبدلاً من العمل على تجنيد هؤلاء في عملية التنمية الشاملة تم تهميشهم و الضغط عليهم ليهجروا اختصاصاتهم و يقوموا بأعمال لا تتناسب في حال من الأحوال مع خبراتهم العلمية التي اكتسبوها في جامعات عريقة تتصف بالصرامة العلمية. بالرغم من أن القطاع العام نفسه يصرف عليه عشرات الملايين من الدولارات سنوياً إلا أنه عجز عن استيعابهم و فشل في الاستفادة من خبراتهم مع حاجته الماسة لها، و أصبح هناك مسافة واسعة جداً بين الشعار و التطبيق.
إن الحل يكمن ببساطة بإعادة تفعيل دورهم في المجتمع و القطاع العام و إعطائهم الأولوية في عملية تطوير الإنتاج و وسائله لما يمتلكونه من خبرات علمية عزّت على غيرهم و دراسة اقتراحاتهم بجدية و وضعها موضع الاهتمام و التجريب و التنفيذ و لابأس من إنشاء مراكز بحث صغيرة أو كبيرة في الشركات و المؤسسات و رصد كافة الإمكانيات المادية و المعنوية و التسهيلات اللازمة لإنجاحها و جعلها همزة الوصل بين الشركة و المجتمع.
لابد لسير هذه العملية من تشريع قوانين واضحة و صارمة تحدد دور حملة الشهادات العليا و تعزز تواجدهم في القطاع العام، فليس من المنطقي أن يكون المرؤوس من حملة الشهادات العليا (ماجستير أو دكتوراه) و رئيس العمل من حملة الشهادات الأدنى لأن أي اقتراح علمي لتطوير العمل من الأول لن يلق صدىً عند الثاني ففاقد الشيء لا يعطيه كما أسلفنا و ما الادعاء بالخبرة كما أسلفنا إلا وهماً ليس له أي رصيد على أرض الواقع بعد أن رأى الجميع تداعي القطاع العام و عدم قدرة هؤلاء على إبقائه متماسكاً ناهيك عن تطويره و دفعه قدماً إلى الأمام و جعله قطاعاً تنافسياً في ظل النظام العولمي القادم من كل حدب و صوب.
في النهاية لا بد من الاهتمام بجدية بالوضع الاقتصادي لحملة الشهادات العليا و تعديل القانون المتعلق بهم و جعله منصفاً لهم و متناسباً مع السنوات الطويلة التي قضوها في الدراسة. فليس من المعقول أن يكون ما يتقاضوه فيما لو لم يوفدوا أفضل أو مساوٍ تقريباً لراتبهم بعد الإيفاد ففي ذلك إجحاف كبير بحقهم مما يجعل الآخرون يفكرون ألف مرة قبل أن يسلكوا طريقهم المليء بالأشواك.
و علينا ألا ننسى أنه مهما قدمت لهم من إمكانيات مادية و معنوية فإن ذلك لا يشكل إلا جزءً يسيراً مما يطلبه الأجنبي للقيام بنفس العمل، ناهيك عما يحققه هؤلاء من استقلالية و منعة لوطنهم و تحديثاً و تطويراً لمجتمعهم.
--------------------------------------
* دكتور مهندس في العلوم النفطية و الجيولوجية من سوريا



#نضال_العبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصلاح العلاقة بين الدولة و المجتمع‏


المزيد.....




- السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت ...
- وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا ...
- -خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس ...
- أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
- أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
- قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
- السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب ...
- نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات ...
- اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ ...
- تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - نضال العبود - تهميش حملة شهادات الدراسات العليا و تداعي القطاع العام في سوريا