|
دستور العراق.. أبو طبر جديد؟؟؟
سعد الشديدي
الحوار المتمدن-العدد: 1297 - 2005 / 8 / 25 - 10:23
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
غطتّ أنباء سباق الماراثون العراقي لإنهاء الدستور المقترح على بقية الأحداث. في الوقت الذي لا تقلّ فيه تلك الأحداث أهمية عن اتفاق القيادات السياسية أو اختلافها ووصولها الى نتائج ايجابية كانت أو سلبية بشأن الدستور. فالدستور في نهاية الأمر ليس سوى القانون الأساسي الذي ينظم علاقة المواطن بالدولة و يحددّ حجم حقوقه وواجباته أمام الدولة وواجباتها هي أمام مواطنيها. وواهمٌ تماماً من يعتقد أن الدستور هو عصا موسى الذي سيشق به البحر وينهي به مشاكلنا ومآسينا ويعيد إلينا شهدائنا وقتلانا. ولكن ماذا نقول للنخب السياسية العراقية التي صورت الدستور وكأنه جبل الجودي التي سترسو عليه سفينة نوح العراقية بعد الطوفان المدمر الذي عاشته بلادنا منذ عقود أربعة من السنين. ومن يمتلك الجرأة ليصرخ بوجه السادة قادة الأحزاب السياسية العراقية أنّ مناوراتهم السياسية ومراوغاتهم طوال الأسابيع الماضية قد تكون بلا نتيجة. فالدستور بحاجة الى دولة ذات مؤسسات يقودها ويعمل فيها المؤمنون بالشرعية الدستورية وبدور القانون في دولة القانون. وهذا ما لا نراه في الدولة العراقية الجديدة التي بنيت على أنقاض الدولة العراقية التي أسستها الخاتون البريطانية المس غرترود بيل، المستشرقة والجاسوسة المحترفة، رحمها الله تعالى وأدخلها فسيح جناته. ودولة اليوم التي ستحمي الدستور تؤسَس كما نرى من عناصر يفضحها تاريخها، في الأمس القريب، عندما كانت أدوات مطيعة لدولة الديكتاتورية الشمولية، التي داست ببساطيلها العسكرية على قيم القانون، ودولة القانون ومؤسسات القانون. وشرّعت قوانينها الخاصة بها بما يتناسب مع مصالح الأفراد ممن قادوا ذلك النظام الموغل في التجاوزات على كل ما يمت للقوانين والدساتير بصلة.
دولة اليوم، في عراقنا الجديد يسيرها أبناء الدكتاتور وتلاميذه المخلصون. ولنقرأ خبر احتجاج عائلة الشهيد الشيخ طالب السهيل الذي اغتالته المخابرات العراقية في بيروت عام 1994 لنعرف ان دولتنا الجديدة، دولة الدستور، يسّير أمورها ذات الأشخاص الذين كانوا يسّيرون أمور دولة صدام حسين البائدة. لقد أحتجت عائلة الشهيد السهيل لدى الحكومة اللبنانية على استقبال الأخيرة للسيد مدير الدائرة العربية في وزارة الخارجية العراقية السيد عوض فخري. ولكن لماذا تحتج عائلة الشهيد طالب السهيل الذي اغتيل غيلةً وغدراً من قبل سفارة النظام البائد وعناصر مخابراتها في بيروت، على استقبال شخصية دبلوماسية عراقية رفيعة المستوى في بيروت من قِبل الحكومة اللبنانية؟؟ الجواب نجده اذا ما بحثنا في تاريخ هذه الشخصية الدبلوماسية رفيعة المستوى. وسنجد دونما عناء ان السيد عوض فخري كان هو القائم بأعمال سفارة صدام حسين في بيروت وقت اغتيال المعارض العراقي البارز الشهيد الشيخ طالب السهيل. وليس هذا فقط بل وورد اسمه كذا مرة في محاضر التحقيق الرسمية اللبنانية مرتبطاً بموضوع اغتيال الشيخ السهيل حسب ما صرحت به ورود ابنة الشهيد.
الطريف في الموضوع أن السيد وزير الخارجية العراقي احتج بدوره على ردود أفعال عائلة الشيخ المرحوم طالب السهيل معتبراً أنهم ظلموا السيد مدير الدائرة العربية في وزارة الخارجية العراقية وأن الإشارة الى دوره في جريمة الاغتيال ليس إلا محض تكهنات. وعلى هذا أجابت نورا طالب السهيل في رسالتها الى الحكومة اللبنانية مذكّرةً أن السيد عوض فخري: حاول تسهيل فرار قاتلي والدي بعد تنفيذ جريمتهما. هو إذن ضالعٌ في الجريمة حتى أذنيه والوثائق الرسمية اللبنانية لا تنفي ذلك. فمن أين عرف السيد وزير خارجية دولة الدستور الجديد بأن احد المدراء العاّمين في وزارته ليس له علاقة بالجريمة المذكورة؟ هل كان السيد زيباري مع السيد عوض فخري في الفترة التي تمت فيها تصفية الشهيد الشيخ طالب السهيل في بيروت ليستطيع الآن أن يبرأ ساحته؟! ولنستمر باستقراء الخبر لنجد ان هناك من العراقيين من يصرخ بأعلى صوته مطالباً قيادات الدولة الجديدة بإظهار ولو بعض الاحترام لشهدائنا الذي داست عليهم ماكنة الديكتاتورية البغيضة وجاءوا هم ليجهزوا على ما تبّقى من ذكراهم.
وفي هذا السياق يأتي ما ذكرته ورود ابنة الشهيد الشيخ طالب السهيل: إذا كان زيباري لا يعرف من يعمل معه في وزارة الخارجية فإننا نضع بعض الحقائق أمامه عن البعثيين الذين يعملون في اكثر من سفارة عراقية في عدد من الدول، فإيناس محمد جاسم الجبوري، وهي ابنة قائد القوات الجوية في عهد صدام حسين، ومن عائلة بعثية وشقيقتها متزوجة من ابن سبعاوي، الأخ غير الشقيق لصدام حسين، هذه المرأة عينت قبل شهرين سكرتيرة أولى في مندوبية العراق في الجامعة العربية.
في رسالة وصلتني من أحد العراقيين الشجعان ويعمل طبيباً في أحدى المستشفيات العراقية كتب قائلاً: "أن احد وكلاء وزير الصحة وهو من دورتي كان حتى قبل تخرجنا بثلاثة اشهر يطاردني لكي انتسب الى حزب البعث القذر في العام 1980والآن أجده وكيلا لوزير الصحة". وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي يعرفها العراقيون. وبعد كل ذلك أيأتي السادة قادة الأحزاب ليوهمونا بأنهم حققوا لنا المعجزة التي طال انتظارنا لها حواليّ تسعين عاماً؟ من حقنا أن نسألهم: من الذي سيسهر على تطبيق هذا الدستور الذي لم يتذوقوا طعم النوم بسببه، يا حرام، منذ شهر كامل؟؟ أهو السيد وكيل وزير الصحة الذي أصبح بعثياً عندما اقتضت الضرورة ذلك وقام بتطويل لحيته وأصبح مسؤولاً حزبياً مرموقاً في دولتنا الجديدة بعد التحرير؟ أم السيد مدير الدائرة العربية في وزارة الخارجية العراقية الذي تصرّ عائلة أحد شهدائنا الكبار على محاكمته بصفته متورطاً في جريمة اغتيال معارض عراقي بارز للنظام الديكتاتوري؟ أم السيدة ابنة قائد القوة الجوية في عهد الديكتاتورية البغيضة أم ربما زوج شقيقتها ابن السيد سبعاوي التكريتي؟ وأقول السيد سبعاوي لأنني أخشى أن يعود قريباً الى منصب مهم في دولة الدستور الجديد ويحاسبني على عدم تسميته بالسيد.
لمن الدستور أيها السادة؟؟ أللشعب الذي ذاق الأمرّين على أيدي رجال نظام الديكتاتور الذين ينسلوّن واحداً بعد الآخر ليصبحوا من قيادات الدولة الجديدة التي نفترض انها ستكون دولة الدستور؟؟
الهوسة الإعلامية التي شهدناها في الأسابيع الماضية تذكرنا بقصة "ابو طبر" الذي اقضّ مضاجع العراقيين لأسابيع وحرمهم لذيذ النوم ليالي كاملة. وأتضح بعد ذلك انه كان من صناعة النظام وأداة لإلهاء الشعب وتحويل نظره الى اتجاه آخر كي يفعل السيد النائب، الذي اصبح فيما بعد دكتاتور العراق بلا منازع، ما يحلو له وينفذ خططه بهدوء. ويبدو ان بعض القيادات السياسية تتعمد إثارة اللغط وتسريب الأنباء حول المفاوضات بين قيادات الأحزاب والجماعات العراقية الجارية بصدد الانتهاء من مسوّدة الدستور المقترح. ربما ليصرفوا أنظار العراقيين عمّا يفعلون في الخفاء ووراء ظهورنا جميعاً، من بناء مؤسسات دولة يسيرها من داسوا منذ أعوام قليلة على الدستور وعلى الشعب وعلى الوطن بأكمله.
مأساة حقاً اذا ما كان دستورنا العراقيّ الجديد مجرد ابو طبر آخر.
#سعد_الشديدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عراقنا المغدور ما بين الحجاب والسفور
-
تصريحات الحكيم.. عشرة عصافير بحجر واحدة
-
هل تدعم إيران الإرهاب السلفي في العراق؟
-
السادة والعبيد في العراق الجديد
-
من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه
-
لمحمد الوردي..والنار التي في قلبه
-
عاشِروا الأكراد بالمعروف.. أو.. طلّقوهم بالمعروف
-
سجّل أنا شيعي...
-
كولاج عراقي لسماء قاتمة
-
سوناتا القيامة
-
قصيدة: اور..الناصرية..اوروك الورقاء
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|