أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - علاء عبد الهادي - السرقات العلمية وخطورتها















المزيد.....


السرقات العلمية وخطورتها


علاء عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 4614 - 2014 / 10 / 25 - 05:42
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


منذ أعوام ثلاثة مضت نشرت الصحف أخبارًا متتابعة عن استقالة رئيس جمهورية المجر, "بول شميت" بعد أن جردته الجامعة المجرية من لقبه العلمي, بسبب انتحال جزء من أطروحته من رسالة جامعية نوقشت في فرنسا, وقد تخلي شميت عن منصبه الرئاسي بسبب هذه السرقة, وقبله قدم وزير الدفاع الألماني "كارل تيودور" استقالته بعد اتهامه بانتحال فقرات من مؤلفين آخرين في رسالته للدكتوراه, وبعدهما استقالت وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي "أنيتا شافان" أيضًا بسبب سرقات علمية في رسالتها للدكتوراه -منذ ما يزيد على عقود ثلاثة- من كتّاب آخرين دون إشارة إلى المصدر, وفي المرات جميعها, لم تتخاذل أية جامعة في سحب الدرجة, بصرف النظر عن تقادمها, أو منصب حاملها.
والانتحال في المعجم العربي لفظٌ من معانيه "نسبة الشيء إلى النفس وهو للغير, أو ادّعاء ذلك. ولا يكون الانتحال بنقل المكتوب فحسب, حيث يذكر المعجم "أن نَحَلَ الشخصُ القولَ يعني أنه نسبه إلى نفسه وليس إلى قائله", فالانتحال يجاوز نقل المكتوب إلى نقل الأقوال والأفكار أيضًا, أما المصطلح الغربي الشائع عن أصل لاتيني فهو "plagiarius", وقد ظهر أول مرة كما تشير المعاجم "في القرن الأول الميلادي بعد استخدامه من الشاعر الروماني "مارتيال", الذي اتهم شاعرًا آخر "بخطف" أبياته الشعرية, "ثم ذاع بنحو أو آخر في أوروبا في القرن الثامن عشر, مع الحركة الرومانسية", ويعني تعبير "سرقة أكاديمية" استخدام كلمات أو أفكار أو نصوص أو أبحاث أو استراتيجيات أو كتابات ونسبها إلى الذات أو الإيحاء بذلك, من كاتب أصلي دون الإشارة إليه, أو للمصدر المنقول عنه, سواء كان ذلك كتابة أو شفاهة, من أجل الحصول على فائدة أدبية أو مادية. وقد قدمتُ هذا الإيضاح بالرجوع إلى تعريفات عدد من الجامعات الكبرى في العالم كتعريف جامعة ييل, أو جامعة أوكسفورد, أو ستانفورد, أو شيكاغو وغيرها. وهذا ما يؤكده أيضًا القانون الأمريكي؛ وذلك باعتبار أية فكرة أصيلة ملكية خاصة, مثلها في ذلك مثل الاختراعات, لا يجوز الاعتداء عليها, وعلى حقوق ملكيتها.
يتداول الوسط الثقافي هذه الأيام الحديث عن آخر سرقة علمية شهدتها الجامعة المصرية؛ فقد انتحل موظف كبير ممن وُظفوا في وزارة الثقافة –من تلاميذ الوزير- ويعمل مدرسًا بقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة, بحثين كاملين من كتاب مشترك للباحث الإنجليزي المتخصص في علم اللغة فيفيان إيفانس, والباحثة اللغوية ميلاني جرين, وعلى الرغم من أن الباحثين متخصصان في علم اللغة المعرفي, والناقل متخصص في النقد! فإن الباحث قد حصل على درجة امتياز في أبحاثه المنقولة! وكما جاء في مذكرة زميله في القسم د. ناصر موافي التي وجهها إلى رئيس جامعة القاهرة يُعْلمُه فيها بعدم أحقية الباحث في الحصول على درجة أستاذ مساعد, وضرورة سحب الدرجة منه, نظرًا إلى أنه قد رُقي بأبحاث مترجمة ومنقولة حرفيًّا من كتاب مشترك لباحثين إنجليزيين.
وتعاني معظم الجامعات العربية في مصر والجزائر والسعودية واليمن والأردن وغيرها, فضلاً عن عدد كبير جامعات العالم الثالث, من هذه الكارثة, ومن ذيوعها سواء عل مستوى شهادات الدكتوراه, أو على مستوى الترقيات العلمية, وقد تكاثرت هذه السرقات الأكاديمية بسبب غياب بنية علمية قوية, وسياق أكاديمي من الطالب والأستاذ معًا متصل بمكتبات الكترونية أو ورقية ضخمة, هذا فضلاً عن غياب فكرة الأستاذ الباحث المتجرد للعلم, ممن لا هم له سوى البحث العلمي, وفي ظل ضعف النظم العلمية القائمة, وتأخر البحث العلمي, وضعف اللغتين الثانية والثالثة للباحث ولأستاذه في أغلب الأحيان, فضلا عن نقص كفاءة عدد كبير من أعضاء لجان الترقية العلمية, خصوصًا إذا كان الفيصل هو الأقدمية لا عمق التخصص, والسمعة العلمية الطيبة, والكفاءة, وفي ظل تراخي الإدارة الرشيدة عن وضع اللوائح والقوانين في مرحلة النفاذ بسبب الإهمال, وبدعوى التسامح المشينة, هذا فضلا عن فضائح الرشى, والمجاملات, وظهور فئات من المحاسيب, دون رادع أو عقاب للمخطيء, ودون ثواب مستحق للمجتهد, اختلط الحابل بالنابل, وفقد البحث العلمي في مصر وعدد من الدول العربية بوصلته لصالح الارتزاق والتكسب, ولدي من التفصيلات والشواهد المدعومة بمستندات ما يندى له الجبين. بل جاوز الأمر ذلك إلى سرقة العديد من أفكار علماء ومفكرين حول الإعلام أو الثقافة والتعليم وغيرها, وتردادها على ألسنة وزراء سابقين وحاليين, دون إي إشارة إلى حقوق أصحابها الفكرية, وقد شاعت هذه السرقات في الكتب التي تقدم إلى الجوائز الكبرى أيضًا, ربما كان أشهرها سحب جائزة عربية بسبب غفلة لجنة الأمناء ولجان التحكيم عن سرقة أكاديمي جزائري لآخر سعودي...
يفقد المدرس الذي ينظر بشغف إلى يد ولي الأمر عند انتهاء درسه الخصوصي جزءًا من هيبته, ويحطُّ الأستاذ الجامعي الذي يبيع ما يسمى بالكتاب الجامعي من قامته أمام طلابه, ولا يفقد المدرس الجامعي الذي ينتحل من الآخرين في أبحاث ترقيته أمانته أمام زملائه فحسب, ولكنه يسيء إلى تلامذته وسمعة جامعته أيضًا, حتى لو نجا من فعلته -واستمر في عمله الجامعي أو الوزاري دون عقوبة رادعة- استنادًا إلى حجة مكرورة نجا بها عشرات السارقين من قبل تتلخّص في ضرورة إرسال الشكوى من المسروق! فماذا لو كان المسروق أجنبيًّا, ولم يعلم بالسرقة أصلاً؟ وهل يزيل جهل المسروق علمَ السارق, أو اللجنة العلمية, أو الجامعة بالسرقة؟ وماذا لو اعترف السارق بسرقته في الصحافة الأدبية, معللاً ذلك بالسهو والنسيان؟
إن الأستاذ الذي لم يصحح أوراق الطلبة في واحدة من الأكاديميات الفنية فينجح طلابٌ لم يحضروا الامتحانات أصلاً, ويُظلَمُ طلابٌ آخرون, بحجة أن "كلهم يفعلون ذلك", هو نفسه من جعل سائقه يعطي محاضراته بدلا منه في كلية عريقة كانت يوما منيرةً في تاريخها قبل أن يدنسها من كانوا مثله, وهو نفسه من يغش في أبحاث ترقيته, أو يسطو على جهد زميل له دون أن يشير إليه, وهو نفسه من يسرق كتابًا ينسبه إلى نفسه من مؤلف غربي قدير ككتاب "فلسفة البلاغة" مثلاً, وهو نفسه من يقيم علاقة مع تلميذته, أو يراودها عن نفسها, وهو نفسه من يقبل جنيهات ذهبية من طالب يشرف عليه قبل المناقشة, أو يعدّ رسالة لآخرين مقابل أموال ثابته أو منقولة. وهو نفسه من يزوّر شهاداته في دار العلوم مثلاً؛ وقد قرأنا عن سحب جامعة القاهرة قرار مدّ خدمة عدد من أساتذة الفلسفة والشريعة, بعد اكتشافها تزويرهم في شهاداتهم, والغريب أن ينتقلَ اثنان منهم إلى لجان الترقية العلمية بعد ثبوت الجرم, في غيبوبة أكاديمية فادحة! وهو نفس الأستاذ الذي يُحكّم أبحاث أستاذ مساعد ويقبل في الآن ذاته أن يناقش معه أكثر من رسالة في جامعته, في رشوة علمية واضحة, بل إنه قد يأخذ من الطالب المغلوب على أمره بدل انتقال يساوي عدة أضعاف مكافأة المناقشة الهزيلة, وليس مُهمًّا هنا أن يكون عميدًا سابقًا في جامعة أخرى! أو أن المسافة بينه وبين مدينة كالفيوم مثلاً لا تستحق هذا العسف, وهو نفسه من يبيع كتابه المسروق ويجبر طلابه على شرائه, في كارثة مصرية خالصة تسمى "الكتاب الجامعي", هذا الاختراع الذي حرم الطلاب المصريين في جامعاتنا من التعامل اليومي مع المكتبات, وهو في النهاية الأستاذ نفسه الذي تجده على الموائد جميعًا, وفي لجان الجوائز كلّها, بعد أن تراكم صيته عبر انتحال مستمر لمراجع غربية, ترجم منها مذاهب نقدية راسخة كالبنائية والتداولية والألسنية وغيرها, ناسبًا إياها إلى نفسه, في انتحال واضح يكافئه الوسط العلمي عليه, دون أن يدرك أنه يترجم وهو يؤلف, ويؤلف وهو يترجم!
هؤلاء جميعًا أقنعة لوجه قبيح واحد. ربما استطاع أستاذ البلاغة الذي يسرق جهد زميل له في جامعة أخرى متعللاً بالنسيان, تبرير فعلته, وربما استطاع أستاذ مادة دراما مثلاً أن يمثّل البراءة والحُسن والنزاهة أمام الآخرين, وربما استطاع الأستاذ الذي سرق مشرفه إن كان في دار من دور العلم مثلاً الهروب بمساعدة أساتذته بعقد عمل إلى الخارج, أما الأفضل من كل هذا فأن تنتحل بكل ثقة وأنت على يقين من غياب العقاب لأن وزيرًا هنا أو مستوزرًا هناك يقف من ورائك, والأفضل أن يكون لك مع وظيفتك الجامعية منصبًا يساعدك في عتمة مجالس وزارة الثقافة وهيئاتها على الخلاص, لكنك لن تستطيع ذلك بالسهولة نفسها لو كنت طبيبًا أو مهندسًا, ذلك لأن الكارثة حينها سترتبط مباشرة بحياة الناس, وليس بضمائرهم فحسب



#علاء_عبد_الهادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح العربي, ونقد خطاب التأصيل
- في المسرح العربي والتأصيل
- في المسرح العربي وخطاب التأصيل
- في نفي وجود الدراما في التراث العربي
- جائزة نوبل للآداب: -في نقد المركزية اللغوية الغربية-
- الترجمة والتعريب
- اللغة والقوة
- في الهوية القومية والهوية الفردية
- الترجمة الآلية وتأثيراتها 2-2
- الترجمة الآلية وتأثيراتها 1-2
- الإيقاع في قصيدة النثر 3 /3
- الرقابة بين حريتين؛ الجميل والقبيح
- الإيقاع في قصيدة النثر 2 /3
- الإيقاع في قصيدة النثر 1 /3
- قراءة ميتا- نقدية عن كتاب -في الواقعية السحرية- لحامد أبو أح ...
- حق الأرض وحق الإنسان
- هل نحتاج إلى وثيقة جديدة لحقوق الإنسان!
- حول الهوية والثقافة
- تهافت الخطاب النقدي في كتاب زمن الرواية- جابر عصفور نموذجًا ...
- الترجمة وفكرة الأصل


المزيد.....




- تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س ...
- كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م ...
- أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
- ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو ...
- ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار ...
- بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
- -من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في ...
- مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس- ...
- حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال ...
- فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - علاء عبد الهادي - السرقات العلمية وخطورتها