أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سيومي خليل - ابن ُ رشد حَزين ٌ















المزيد.....

ابن ُ رشد حَزين ٌ


سيومي خليل

الحوار المتمدن-العدد: 4614 - 2014 / 10 / 25 - 02:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ابن رُشد حَزينٌ
الكاتب : سيومي خليل
---------------------------------
الحُزن القَاتم البادي على ملامح ابن رشد أَفزعني . هَذا الرَّجل الذي عَرفته منذ فترة دِراستي الثانوية ، وازداد حُبي له بَعدها ،مَا كان يوما حَزينا هكذا ، رغم أنَّه حكى لي مراتٍ عدة نَكبته ، سرد وَقائِعها بفنية القَاص المُّحترف ، وبَرر وقُوعها بِعلل مَنطقية جِدا ،كي يخلُص في الأَخير أنه تَقدم زمنه حينها بأَعوامٍ كثُر ٍ، لذا لم يُخبرني باحتقراه لمن أَوقعوا به وحقده عَليهم ،كَان مُتسامحا حتى مع حَمل نعشه على أتان ، وتَهجيره إلى غير موطنه .

ابن رشد اليَوم حزينٌ جدا ،تَظهر عليه وساوس قَهرية لا يستطيع مَعها فكاكا . كنت وإياه فِي مقهى سُوفوس ،يَجلس أمامي مُتبرما ،حاصِر الرَّأس ، لا رغَبة له في الكلام . كأْس البابونج لم يَرشفْ منه رشفَةً صغيرة ، كَما وضعه النادِل ما زال . فَكرت أَن أَسأله ما به ، لكن المُريدين لا يَسألون شيوخهم عن أحوالهم الشَّخصية ، إنما يسأَلونهم عن المَعارف، لَكنه كان حَزينا ، وحُزنه ظننته سَيفتت كَبده ، وسَيجعله يبكي .

نظر من نَافذة مقهى سوفوس ،وجَمع قبضة يده كأنَّه يريد أَن يبعد فكرةً نطت عليه من خارج النافذة .كان الناس خَارج مقهى سوفوس عاديين جِدا ، نُسخٌ متكررة إلى ما لاَ نهاية ،لا شَيء فيهم يُغري على التَّدبر ، أكيد أَن ابن رشد لم يكن يتدبر فيهم، ولا في تِلك البنايات الصَامتة . أعرف ابن رشد جَيدا ، وأَعرف أَن تدبره فوق المَعقول ، ويَنظر إِلى أَبعد ما يُمكن للآخرين النَّظر إليه ، لكنه هذا اليوم ينظرُ في النَّاس كأنه لم يَعش يوما معهم .

أستدار ابن رشد جِهتي ، وقال :

- هل سمعت آخر الأَخبار ؟؟؟.

لا أَخبار عندي ، وإن كَانت معي فَحضرتي مع ابن رُشد تُنسيني إيَاها ، فما الذي يُمكن معرفته أَمام قاضي قضاة قرطبة؟. صَمتت كأني غير موجود . قال :

- كيفَ يَمنحون جائزة باسمي لشخصٍ يُقدم النَّقل على العقل ؟؟؟. هَذا خطأ في تقدير المعَارف ، وفي خلط الحَابل بالنابل .

لم أَفهم شيئا مِما يقوله الوليد ، ما فَهمته هو أن السَّيد غاضب ومُغضب ونفسه مَخنوقة ، ويَتمنى لو يصيح بأعلى صوت يملكهُ. قال كلماته الأَخيرة وحَمل فنجان البابونج، لكنه لمْ يشرب منه شيئا ، وضَعه بسرعة ، واستدرك :

- الأَمر مريبٌ جدا ، أنَا لم أدع يوما أَن ما قلته يُمثل الحقيقة ، فنحن الفلاسفة لا نقول بهذا الأَمر ، إنما اجتهدت كغيري، ولي نصيبُ إن أَصبتُ أو أَخطأت ، لكني وَضعت أُسسا لا يَستقيم فكري بِدونها ، أسس تُمَثلني ومن دُونها أصبح أعرجاً ، وتُمثل مَنهجي في الفَهم والتَّدبر، وتمثل أفْكاري ، ولن أتلاقى يَوما مع من تمثل أَفكاره غيرَ أُسسي ، لكن مَا وقع هو أن جائزة باسمي مُنحت لنَقيض لي ...

صاح ابن رشد ...هُراء .

انتبهت أَن رواد مَقهى سوفوس الهادئين دَائما يَنظرون إليَّ ، لمِ تتجه أعينهم جهة ابن رشد ، كأنه غَير موجود ، وكأَن كلمة هُراء صدرت مني أَنا ،ولم تصدر من ابن رشد . تَناسيت رواد مَقهى سوفوس ، ونظرت في عَيني ابن رشد الحزينَتَين، كَأني أقول له مُتسائلاً مَاذا حدث . نَظر إبن رشد جهة السَّماء وبدأَ يتمتم بكلام غَير مسموع . استأنف كلامه من جديد .

- لقد ركزت على العَقل كما تعرف ، الأولوية لَه ، هو مُقدم على النَّقل ،إن تعارضا فمن المَفروض- وليسَ من الواجب فَقط - أن تُؤوَّل الآيات النقلية كي تطابق العَقل ، فلا معنى أن يَمنحنا الله العقل وتَكون أمامنا شَرائع تناقضُ هذا العقل ، لا معنى للأَمر على الإطلاق . لقد عَالجتُ هذا التَّناقض كما رأيته ، وانطلقت من كَون العقل إنساني مُشترك ، في حين أَن الشرائع مَحلية ، وتتخذ طابع قومي وإثني ، ولكي تَكون الشَّريعة الإِسلامية كونية فعليها أن تكون عَقلية لا نقلية ...

تنهد ابن رشد ، وأتم كلامهُ.

- الغريب أن تُمنح جائزة تحمل إسمي ، اسمَ الوليد ابن رشد ، هَذا الإسم العقلاني تُمنح جائزة باسمه لمن يُعطي الأَولوية للنقل على العَقل ، هذا الأَمر كاف لهدم الجائزة بالكامل .

ابتسم ابن رشد .

فهمت ابتسامةَ ابن رشد صرخةً في وجه الزَّيف ، ابتسامةً عبثيةً بدت لي ،كانه يريد أَن يَقول ما نَفع محاولاتي العَقلانية إن كانت سَتربط بمن لا يمثل العقل.

تحدث بَعدها عن راشد الغنوشي ، وكَما عادته يَرى دائما في الأَشخاص ما لا يرونه في أنفسهم . قال :

- راشد الغنوشي له ميزاتُه العديدة ، كل الناس - على كل حَال -لَهم مِيزات ما ، لكنَّ ميزات الغنوشي ميزاتٌ غير عقلية على الإِطلاق وإن حَاول أن يُظهرها كَذلك ، إِسلامه السياسي لا يُعجبني أبدا ، وكَيف يعجبني وكنت ممن دَعوا إِلى ما تسمونه اليوم العلمانية ، لمِ أُحبب يوما إِقحام الدين في السياسة، فهما لا يَستقيمان ، والعُمران لا يَتحقق بهكذا تسيير ، يُمكن أن يكون راشد الغنوشي مُعتدلا ، لكن المبدأَ في الأَصل خاطئ ، فلا يَجب أن تقوم الدَّولة على الدين ، وهو يُقوم الدولة بالدين ، ويُنظر لذلك ،ويُضفي عليها مُسميات الحداثة والعقلانية ، الأَمر يبدو لي عبثيا ، إننا نُمثل خطان متوازيان لن يتلاقيا على مستوى محدود .

أردتُ أن أَعرف من راشد الغنوشي هذا ، فانتبهت أنَّ إحدى الجرائد التي أُمسكها تتحدث عن منح جائزة ابن رشد للفكر الحر للزَّعيم والمفكر التونسي راشد الغنوشي .

كان المقال بالجريدة يَتحدث عن مُساهمات راشد الغنوشي في إِغناء الإسلام السياسي المعتدل، والأَكثر هو مساهمته في إنجاح السلم الإجتماعي والسياسي بتونس بعد ثورة الياسمين التي خَرجت من جَسد البوعزيزي المَحروق .

فرحتُ بهذه المساهمة للغنوشي ، لكني تَذكرت صديقتي التُّونسية الإفتراضية ،التي تُقدم لي على الفيس آخر أخبار تونس ، والتي تُجيد تحليل الأَوضاع السياسية التونسية . استحضرتُ صديقتي ، تَمنعت أولاً عَن المجيء إلى مقهى سوفوس ، لكني حِين أَخبرتها أن ابن رشد معي جَاءت بسرعة .

جلست صديقتي قرب ابن رشد ،كَانت تتملى في مَلامِحه كأنه شَابها الوسيم الذي تهيم في حبه . قَدمتُ لها الجريدة التي تَتحدث عن إنجازات راشد الغنوشي ، ما إن انتهت من قراءة المَقال حتى رمت الجريدة على الأرض ، وقالت :

- هذا كذب ... كذب وزيف ، لَم يُسهم راشد الغنوشي في شيء ، ولمِ تقدم حركة النهضة ولا حِزبها الكثير للتونسيين ، إِننا ندين لتاريخنا وهويتنا ، إننا ندين لبورقيبة ، ولأبي القاسم الشابي، ولغَيرهما ، وللحَداثة التي أصبحت ديدن حياتنا وديننا ، لم تَكن النهضة قادرة على فرض شروطها على شعب حر، إن بيان النهضة الصادر سَنة ألفٍ وتسعمائة وسبع وثمانين 1987 يَدل على أَنها أَرادت أن تفرض شُموليتها على الشعب ، لكنه كَان أكثر حداثة منها ، فرضت صاغِرةً بأن يكون الدستور حَداثيا ، وإن تأملت في مَشروع دستورها ومُسودته ستجد مدى إنغلاقها ، لو استطاعت أن تمرره لمررته ، ولجعلتنا بلدا مثل السودان أو إيران أو غيرهمَا .

كانت صَديقتي التونسية تَتحدث بحنق واضح ، أَردت أَن أُخبرها أن نتائج الإنتخابات تُزكي حركة النهضة ، لكني صَمتت ،أَحسست أنها علمت مَا فكرت فيه ، ابتسمتْ ، وبدأَت تضحك ، وقالت :

- الانتخابات ...لا يَعني تصدر النهضة الإنتخابات شَيئا على الإطلاق ،هُناك فئة مغيبة تَمامَا مازالت تراهن عليها حركات الإسلام السياسي ، لكنها فئة ستزول مع مرور الأَيام ...

انتبهت إلى أن ابن رشد غادرنا في لحظةِ ما ، الصديقة التونسية هي الآخرى غادرت .

كنت جَالسا مع فنجان البابونج وحيدا حزينا لنكباتِ ابن رشد الدائمة .



#سيومي_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فئران بالألوان
- آلو ...معكم غزة .
- سرقة موصوفة وقضايا الحرب والحب.
- الملائكة تبعث رسائل SMS
- صمتنا المريب أو حول الجرف الصامد
- محمد أبو خضير ومؤتمر شبيبة لشكر
- الياغورت والموت السياسي
- الاستعباد الاجتماعي والاستعباد
- أناقة الصعاليك
- بين الصوم الصحي والصوم التعبدي
- جحود
- منكم داعر ومنا داعر .
- النفي المنهجي أو عدمية نيتشه
- صورة وطن في منفى شاعر ٍ
- اقسم باليسار
- سيجارة آخرى مع الماغوط
- المرجو اعتقالي
- يمشي كأنه يحلق
- بنكيران يستدعي الحجاج بن يوسف الثقفي
- بشار بن برد في مسيرات فاتح ماي .


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سيومي خليل - ابن ُ رشد حَزين ٌ