|
عائد من مؤتمر علمي ... بورتريه وانطباعات
العربي عقون
الحوار المتمدن-العدد: 4613 - 2014 / 10 / 24 - 19:28
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
في سلسلة النشاطات العلمية التي تنظمها جامعة تبسة (الجزائر) قامت كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بذات الجامعة بعقد مؤتمر علمي دام يومين موضوعه الهوية والدين والمجتمع المدني دعت إليه نخبة من أساتذة الجامعات الجزائرية وكذا من بعض الدول العربية. وبعد كلمة رئيسة الملتقى الدكتورة وسيلة بروقي والاستماع الى السلام الوطني الجزائري جاء دور السيد عميد الكلية ممثلا لرئيس الجامعة الذي أعلن عن افتتاح أشغال الملتقى مرحبا بالجميع متمنيا لهم النجاح في أعمالهم. وقد جرت فعاليات المؤتمر في جو علمي اتسم بحسن التنظيم وكرم الضيافة وعلى الخصوص ثراء المادّة العلمية التي قدّمت على مدار يومين شملت 25 مداخلة في قاعة المحاضرات الكبرى بالتوازي مع 39 مداخلة موزعة على ثلاث ورشات، ولقد كانت هذه المداخلات جميعها موزعة حسب مادّتها على محاور هي : 1. الهوية والدين والمجتمع المدني : مقاربات مفاهيمية ونظرية . 2. الهوية والدين والمجتمع المدني : تصورات ، اتجاهات وممارسات. 3. أثر الهوية والدين في تشكيل المجتمع المدني . 4. اثر المجتمع المدني في تكريس مفهوم حركي لكلّ من الهوية والدين. 5. الهوية والدين والمجتمع المدني في ظل التحولات العالمية الراهنة. لقد كانت أغلب المداخلات المقدَّمة عبارة عن محاولات لتفكيك بعض المفاهيم والنظريات من قبل متدخّلين دارسين لم يصلوا بعد إلى استيعاب ثلاثية الهوية والدين والمجتمع المدني ولم يتجاوزوا ذلك الى التنظير ، ولأن الجدل الديني حاضر بقوة في الثقافة العربية عموما فإنّ الانتصار للهوية الدينية الإسلامية بالأساس كان حاضرا بقوة في المداخلات وفي النقاش الذي يلي جلسات المؤتمر كما أن الهوية في أغلب المداخلات كانت الهوية العربية الاسلامية العابرة للحدود والقارّات دون التطرّق إلى الهويات المذهبية المتفرعة عنها والتي أضحت محسوسة أكثر في المشرق العربي والتي تزحف على مناطق وشعوب أخرى لم تعرف هذه الهويات المذهبية. وكنا ننتظر في هذا السياق أن تطرح قضية هامّة وهي هل العرب هم الذين أسلموا أم أنّ الإسلام هو الذي تعرّب لتعرية انتهازية القوميين العرب الذين أطلقوا عبارة : عربنا الاسلام لتحويل الاسلام إلى مجرد أيديولوجية سيطرة وتعريب مفروض على معتنقي الاسلام من غير العرب لطمس لغاتهم وهوياتهم لتكوين إمبراطورية من المحيط إلى الخليج في عهد غادرت فيه كل الشعوب عهد الامبراطوريات وتحررت من الأباطرة والقياصرة والأكاسرة والخلفاء والأمراء . هذه الانتهازية هي التي جعلت القوميين العرب يصفون الايرانيين يوميا - رغم ما لهؤلاء من أيادٍ بيضاء على الحضارة العربية الاسلامية - بعبارات المجوس والصفويين لأنهم احتفظوا بلغتهم وهويتهم ولم يحدث لهم ما حدث للمصريين والسوريين والأمازيغ الذين انقرضت لغاتهم وطمست هوياتهم. لقد استحدثت الهرطقة البعثية عبارات ومصطلحات أطلقتها في الساحة الثقافية العربية في المدارس والجامعات وعبر الصحافة وأصبحت على كل لسان دون استشعار مدلول هذه الاصطلاحات الأيديولوجية وهي اصطلاحات تردد صداها في المؤتمر بل يتردد في كل المؤتمرات مثل مصطلح "الوطن العربي" فالعلم والتاريخ يقول الوطن العربي هو شبه الجزيرة العربية ولا وطن للعرب خارج شبه الجزيرة العربية وإذا افترضنا مثلا أن الاسبان فعلوا ما فعله العرب خلال غزوهم لأمريكا وتنصيرهم لأهلها إلا أن الارجنتين والمكسيك لا يقال عنهما أبدا أنهما وطن إسباني لمجرّد أن اللغة في البلدين هي الإسبانية. إذا كانت بعض شعوب المشرق قد استعربت مثل الكلدان والانباط والسريان والأقباط فإنها احتفظت ولو جزئيا بدينها المسيحي وإذا كان الأمازيغ قد أسلموا جميعا واستعرب بعضهم فإن جزءا منهم لا يزال يحتفظ بلغته الأمازيغية فهل تقوم الحركات الاسلامية اليوم بعسكرة الهوية العربية – الإسلامية لتكمل ما بدأ به الغزو الأموي لتبيد نصارى المشرق أو تفرض عليهم الاسلام قسرا كما تفعل "داعش" وكذا لتبيد أمازيغ شمال أفريقيا كما كان يحلم الإنقاذيون وفرقهم الارهابية ؟ هنا يأتي دور المجتمع المدني الذي يناضل بجد لترسيخ ثقافة الدولة المدنية لإيقاف الزحف الأصولي الذي يستدعي اشباح الماضي لإنتاج حروب دينية طائفية احيانا وعرقية عنصرية احيانا اخرى وهو أي المجتمع المدني الذي يستطيع دحض الخطاب الدغمائي المغرِّر بالعامة التي تتخذها الحركات الدينية المعادية للدولة المدنية دروعا بشرية ومادّة احتراب وميليشيا وجيش احتياط ، وإذا تمكن المجتمع المدني من التموقع والتوغّل داخل المجتمع بخطاب عقلاني حداثي يعقبه عمل جادّ وعناية بالشأن العامّ ومشاركة وجدانية وملموسة فإنّ من شأن ذلك أن يقوّض أركان تلك الحركات الظلامية خاصة وأنّ ما يعيشه العالم العربي الآن يسهم في الكشف عن مخططات هذه الجماعات والحركات. ان ما يجمع بين بلدان العالم العربي هو الحضارة وبنسبة أقل الثقافة أما الهوية فكل بلد له هويته لآن فكرة الهوية الواحدة تعني إلغاء الهويات الحقيقية وإنشاء كيان إمبراطوري تحت مسمى الخلافة ويومها سنبحث عمّن يكون الخليفة وأنّه لا بد أن يكون من سلالة نبوية ويأتينا الملايين بمشجرات أنساب نبوية منحولة لا تعدّ ولا تحصى وندخل في تناطح أحمق بعيد عن الاحتكام إلى الرؤية العلمية للأشياء والمجتمع المدني الذي يحسن التنظيم ويتقن توظيف آليات الحراك الاجتماعي هو وحده الذي يمكن أن يغادر بنا مستنقع التراكمات الاركائيكية المذهبية والطائفية الدينية لجعل الهويات الوطنية متعايشة بعيدا عن صدام الهويات أو هيمنة هوية "أعلى" تباركها الآلهة والكتب المقدسة أو تسندها أنظمة حاكمة دكتاتورية على هويات "أدنى" . لا يجمع بين الوافدين إلى المؤتمر من بلدان العالم العربي في الغالب إلا خيط رفيع وهو اللغة ومع أن اللغة واحدة إلاّ أنّ فهم المتدخلين بعضهم لبعض ليس متيسرا كثيرا لأنهم قادمون من بيئات مختلفة ومن تجارب سياسية ترعاها أنظمة حاكمة مختلفة وبلغة اصطلاحية لها خصوصيتها ومع ذلك تَمكّنّا من خلال المداخلات من معرفة الخطوط العريضة لرؤية كل بلد وتجربته ومنهجه في تعريف الهوية وعلاقتها بالدين وطبعا لا يمكن أن يحصل تقارب على سبيل المثال بين متدخِّل قادم من اليمن الجنوبي عاش المرحلة الاشتراكية في جمهورية اليمن الجنوبي وزميله القادم من المملكة السعودية التي تقوم مناهجها الجامعية في العلوم الانسانية على "تفنيد ودحض" كل ما جاءت به العلوم الانسانية والاجتماعية الحديثة من رؤى ونظريات ومناهج والنظر إليها على انها "هرطقات" قادمة من الغرب يراد لها أن "تقوِّض" أركان ديننا الحنيف وحضارتنا العربية الاسلامية الراقية ... ومن ثَمّ تقديم القرآن على أنه المرجعية في كل شيء وعلى ضوئه يتم البحث والتمحيص وهو الحكَم على كل العلوم وأن الكلمة الأولى والأخيرة للفقهاء ... ونحن هنا ليس لنحكم على هذا أو ذاك ولكن ما استفدناه هو التعرف من خلال المداخلات على المنهج الفكري السائد في الدوائر الأكاديمية هنا وهناك لا غير. لا ريب ان الملتقى وهو في طبعته الأولى قد أثار موضوعا جديرا بالنقاش وأن أهمّ خطوة بعد هذا النجاح الذي حققه هي طبع أعماله كما وعد بذلك منظِّموه وهذا للتمكن من إيصال موادّه العلمية والفكرية إلى جمهور عريض من القراء في مختلف مواقعهم وهو ما نتمنى أن يتحقّق في القريب. اختًتِم الملتقى بتعاقب منظميه على منصة الخطابة حيث ألقى كل منهم كلمة شكر للمشاركين وخاصة القادمين من بلدان العالم العربي وجاء دور مقرر المؤتمر الذي تلا على الحضور توصيات الملتقى ثم كانت الكلمة الختامية للسيدة رئيسة الملتقى وللسيد عميد الكلية نيابة عن رئيس الجامعة. في الأخير أتوجه بالشكر لكل المؤطرين والمشرفين على هذا المؤتمر العلمي الهامّ على حسن الاستقبال وكرم الضيافة وعلى العناية وحسن الرعاية التي تلقيناها من قبلهم وتحية لكل من التقينا بهم من طلبتنا القدامى ومن زملائنا الذين احتفوا بنا فلهم مني كل التقدير والاحترام.
#العربي_عقون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عروض التكوين في الجامعة الجزائرية وكارثة ارتجال المناهج الدر
...
-
غزة وهونغ كونغ
-
تنظيم إداري أم تفتيت للبلد
-
الحضر والبدو ؛ المدينة والبادية : حال البنتابوليس المزابية P
...
-
علوم الاستعمار : الأنثروبولوجيا والاثنوغرافيا والاثنولوجيا -
...
-
علوم الاستعمار : الأنثروبولوجيا والاثنوغرافيا والاثنولوجيا .
...
-
عيد بأي حال عدت .....وتعود
-
أيام العرب
-
ماسينيسا أو بدايات التاريخ
-
ضرورة دق ناقوس الخطر..... التعليم الجامعي ينهار !!!
-
التعليم والخطاب الأيديولوجي في الجامعة الجزائرية
-
الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (8)
-
الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (7)
-
الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (6)
-
الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (5)
-
الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (4)
-
الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (3)
-
الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (2)
-
الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (1)
-
الجامعة ... هذا وصف للداء فهل من دواء ؟
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|