غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1296 - 2005 / 8 / 24 - 11:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن النص يطرد مسبقا التاريخية من متنه على قدر استقواءه فيها: في لحظة نزوله , النص لا يقبل تقاسم السيادة مع أي طرف مهما كان وضعه : سماويا كان أم دنيويا !
النص فاعلا دينيا وفاعلا تاريخيا وفاعلا لغويا وثقافيا , نموذجا للعمل التاريخي مثاليا وسيبقى كذلك , والإسلام السياسي هو من يقوم بتحويله الراهن إلى نموذج عمل تاريخي : يجيب عن
كافة أسئلة الواقع المعاصر والأهم من ذلك على أسئلة المستقبل !!؟؟ فهو العالم وهو الأفق الذي لا يمكن لا للعلم ولا لتاريخ البشر أن يتجاوزه , هو شخصية الأمة وملاذها , هو لغتها
وثقافتها , هو نرجسيتها التي لم تتعرض للجرح أو الخدش , هو الصيرورة والكينونة للفردية المسلمة , إنه كل المسميات والرموز المعاصرة تجد عمقها : المعرفي والعلمي والتاريخي في
هذا النص الخالد , إنه الهوية الجمعية والحاضن الجمعي لتلاقي الأمة واجتماعها : إنه الأيديولوجية المعاصرة للإسلام السياسي وغيره من التيارات القومية , إنه العقيدة مرفوعة على أس
الرد على الاجتياح الغربي : النص دينيا أصلا وبالتالي سيكون حكمه على التاريخ بكل حركيته وتفاصيله ... إنه الاقتصاد والسياسة والأخلاق والثقافة وحقوق الفرد / كعبد لله/ إنه الطقوس
اليومية للعقل وللجسد : إنه المأكل والملبس والمشرب , كل الرموز المحيطة في المؤمن هي نتاجه , إن النص لا يقبل العلمانية !!!وهذه الهوية هي الجزء الأكثر إشكالية في هندسة النشوء
المعاصر للإسلام السياسي , النص لا يقبل العلمنة لأنه نص متعال على التاريخ ويحتوي التاريخ المطلق للحياة بكل صنوفها وأنواعها , وهذا ما يحاول الإسلام السياسي بمعركته المزيفة أن
يقوم به دون أن يدري أو يدري لا فرق فالقضية قائمة : إخضاع النص المطلق للنسبي السياسي والصراعي , إدخاله على حلبة الصراع التاريخي , والمنافحة السياسية والأيديولوجية . وهذه
هي :صيرورة العلمنة الجارية على النص القرآني ولكن ليس للمستعجلين من الساسة الذين يرغبون برؤية كل شيء يتم في أثناء وجودهم في الحياة : إن ما يعرف بالإسلام السياسي هو في الواقع آخر الخنادق التي تدافع عن المطلق في وجه النسبي وعن العقيدي بمواجهة السياسي , وعن التعالي مقابل التجريبي والتاريخي , وعن التاريخ في النص مقابل النص في التاريخ ...
على هذه الأرضية السريعة يجري نقاشنا للعلمانية في العالم الإسلامي , وليس على أرضية : المستوى السياسي وتوازناته ولعبته اليومية ... هذه اللعبة اليومية تأتي تاليا وفي سوريا بالذات
لا بد من عدم إغفال الخاص في الوضعية السورية وعدم البقاء في الأرض المجردة للمفاهيم التاريخية للتجربة الغربية : كمفهوم العلمانية , والديمقراطية , والليبرالية , والتبيئة المفهومية
سوريا لا يعني الخصوصية الثقافية والقومية والدينية , بل يعني خصوصية نموذج العمل التاريخي في الواقع السوري والذي هو : النموذج الغربي : في العلمنة والديمقراطية وحقوق الإنسان,
هذا النموذج الغربي : هو ما نعمل على منواله وعلى شاكلته ونحاكيه بالمعنى الفعلي والتاريخي الخلدوني والماركسي لعملية المحاكاة : فهو النموذج الأرقى حتى هذه اللحظة من عمر البشرية ...
الأرقى في صيانة حق الإنسان : بالمعنى النسبي للعبارة , كما أننا لا نطرح في واقعنا نموذجا يتجاوز هذا النموذج لا نظريا ولا عمليا , وخصوصا بعد الجرح في مقتل الذي أصاب التجربة التاريخية
للفكر الماركسي : كفكر كان مطروحا لتجاوز النموذج القائم في المشروع الغربي نحو نموذج آخر أكثر عدلا وإنسانية , لهذا فإن هذه التبيئة المطروحة علينا في الحوار الدائم حول إشكالية الواقع
السوري في التغيير الديمقراطي .. الواقع السوري الذي يجب مناقشته بمعزل عن الحمولة العربية والقومية في اللاشعور المعرفي : نحن لسنا تونس ولسنا اليمن أو السعودية أو الجزائر ......
الشرط الذي لا غنى عنه في الواقع السوري هو المشترك بين قوى المجتمع أولا علينا البحث فيه والمشترك بين القوى التي تطرح التغيير .. هذه القوى المشروطة بالمعازل الاجتماعية كما سماها الصديق ياسين أو مشروطة لتهتك الانتماء للدولة : الوطن هو الدولة مجسدة في الحمولة الوجدانية للفرد وليس الوطن هو عشق للمجرد الوطن هو المحسوس مرفوعا للوجدان كقيمة
إنسانية ... ويصح هذا الفهم الشاعري للوطن عند العرب عندما كان الوطن أرضا وعشيرة تدفئ الكائن الفرد وتكافل الدم ..الخ
على هذا الأساس نعود مرة أخرى لنقاش ما يطرحه ياسين في رؤيته للعلمانية .. ونحن وإن كان خلافنا قائما فهو يقوم على ما أسميناه تبيئة المفهوم بغض النظر عن الطريقة المفهومية التي يعالج فيها ياسين هذا المفهوم , والذي هو مؤسس لدينا على أنه : المشترك الوضعي المدني في اجتماع البشر طواعية وحقوقيا في : مجتمع ودولة ..
ونعود للسؤال الذي لم يجب عنه ياسين في مداخلته الثالثة حول العلمانية وهو: ما هو المشترك المدني بين الحزب الدرزي وحزب الأخوان المسلمين في سوريا في حال اتبعنا رؤية ياسين لموضوع العلمانية ؟؟
إذا أكد هذا الدرزي أو المسيحي بعدم قبوله بالشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع أو اعتبار الدولة السورية هي دولة إسلامية ؟؟ ما العمل في هذه الحالة , وما يمكن أن يكون المشترك بين هذين
الطرحين ؟؟ على الأخوان المسلمين والقوى الإسلامية عموما في سوريا : أن تجد حلا : مثال أن تقبل مثلا بتواجد قانون مدني إلى جانب القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية في قضايا
الزواج مثلا أو في قضايا كثيرة, كحرية المرأة , وكما قالوا في بيانهم في منتدى الأتاسي كما سمعت بأنهم لا يمانعون في مجيء رئيس مسيحي أو امرأة للدولة السورية , هذه خطوة على غاية من
الأهمية ومطلوبة لكن علينا أن نؤسس لها دستوريا على الأقل في ميثاق شرف كما طرح من قبل الحزب نفسه ..؟؟
وهذا يساعد في الدفع بحالة الثقة التي يدعو إليها ياسين والكثير من القوى السورية ... لتطرح وثيقة للنقاش كرؤية لمستقبل سوريا .. وعلى القوى السياسية القائمة الآن طرح هذه الورقة ..
بمعزل عن الفيتوات المتبادلة بين هذه القوى واقترح كلبنة أولى : التجمع وحزب العمل الشيوعي واليكيتي الكردي والمنظمة الآثورية والأخوان المسلمين في سوريا .. على سبيل المثال لا الحصر .. وليس بالضرورة أن تكون ورقة نهائية .. ليسمونها ورقة العمل الديمقراطي في سوريا , وإذا رغبت السلطة في المشاركة سيكون أفضل بالطبع ولكن ....!؟
لتطرح هذه الورقة على كل الشارع السوري وفعالياته السياسية والمدنية والأهلية .. كي لا نبقى ندور في نفس الدائرة الغيتوية والتي لا تخدم سوى النهج الأمني والفاسد داخل السلطة والمجتمع على حد سواء .. ولتقدم هذه القوى نموذجها العياني للتقاطع السياسي والمدني والأخلاقي ــ وهذه الأخيرة هي الجزء المهم والمغفل في عمل المعارضة #1 تطرح فيها نقاط الاتفاق كرؤية مشتركة
ونقاط الخلاف لكل طرف وتترك للحوار والنقاش والتعميق ونحمد الله أن المنابر باتت كثيرة ولم يعد الأمر شاقا كما كنا نوزع في تلك الأيام منشورا سريا ..وكي نحدد أكثر :
1ــ العلمانية : رؤية كل قوة لها وتصورها عن مستقبل سوريا .. 2ــ الديمقراطية : بين ديمقراطية سياسية وديمقراطية طائفية ...3ــ القضية الكردية .. 4ــ نزع الفتيل العنفي والعصبية الطائفية من الشارع السوري ....الخ هذا اقتراح من مواطن سوري وليس استنفارا لأية حساسية حزبية أو دينية أو طائفية ...الخ
ولا أظن ــ حتى لو اعتبرت ساذجا من قبل بعضهم ــ أن رموز المعارضة عندنا لا يعرفون أرقام هواتف بعضهم بعضا ... !!! إلا إذا كان الوضع في سوريا لا يستدعي ذلك فعندها لا داعي حتى لهذا
الحوار .. وللحديث صلة....
هامش :
#1ــ أقصد أنه مغفل لو نظرنا إلى الحساسيات الموجودة داخل صفوف هذه المعارضة ... أي على طرف ما أن يبادر في التواصل المباشر وهذه قضية أخلاقية مهمة
في فصل الشخصي عن السياسي وما شابه من مخزونات لا قيمة لها لونظرنا إلى ما هو مطلوب من هذه المعارضة ... وطنيا وديمقراطيا ..
غسان المفلح
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟