|
تراجع أسعار النفط : بين تأثير العوامل الجيوسياسية ، و مفعول قوانين العرض والطلب
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 4611 - 2014 / 10 / 22 - 14:08
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تراجع أسعار النفط : بين تأثير العوامل الجيوسياسية ، و مفعول قوانين العرض والطلب
ليس من السهل ( حتّى على الخبراء ) تقديم تفسير مقنع للتراجع في اسعار النفط العالمية في هذه الأيام . غير ان بالأمكان حصر الأختلاف في وجهات النظر بهذا الصدد ، من خلال التركيز على عاملين أساسيين : العامل الأول : هو العامل التقليدي ، المتمثل بقوى العرض والطلب .. و يمكن ايجاز أهم متغيراته بما يأتي : 1- تمارس تغيرات العرض النفطي ( وبالذات زيادة المعروض ) العامل الأهم في التراجع الحالي لأسعار النفط . فهناك طفرة في الانتاج العالمي للبترول ، بسبب دخول دول منتجة جديدة باتت مصدرة للبترول بعد ان كانت مستوردة له ( مثل البرازيل ، وغانا ) . كما أدى المستوى المرتفع لأسعار النفط المنتج من مصادر تقليدية ( والذي لم ينخفض عن سقف الـ 100 دولار للبرميل في السنوات الأخيرة ) ، وتقدم تقنية الحفر الأفقي ، إلى زيادة انتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية ، بسبب القدرة على تغطية تكاليف الأنتاج المرتفعة لهذا النوع من النفط . وهكذا فأن الأسعار المرتفعة باستمرار ستشجّع على المزيد من إحلال البدائل ، والمزيد من عمليات الأستكشاف في مناطق جديدة ، والمزيد من العرض . وتقدر كلفة استخراج برميل النفط الخليجي بـ 16 دولار للبرميل ، مقارنةً بكلفة استخراجه المقدرة بـ 48 دولار للبرميل في الولايات المتحدة الأمريكية . اما كلفة انتاج النفط الصخري فتقدّر ( كمتوسط ) بـ 75 دولار للبرميل . وتنتج الولايات المتحدة حالياً 3.5 مليون برميل يوميا من النفط الصخري . ومن المتوقع أن يرتفع حجم الأنتاج إلى 4.0 مليون برميل يومياً في عام 2015 ، وإلى 6.0 مليون برميل يومياً في عام 2020 . و يزيد حجم المعروض العالمي من النفط الخام حالياً ، مقارنة بالطلب عليه ، بمقدار 1.0 إلى 1.5 مليون برميل يوميا . واذا لم يتمكن الشتاء القادم من امتصاص هذه الزيادة ، و بما يفضي الى ارتفاع الأسعار من جديد ، فأن سعر النفط سيبقى في حدود معدلاته السائدة حالياً . 2- هناك تراجع في الطلب العالمي على النفط بسبب ضعف اداء الأقتصادات الرئيسة في العالم . وأيضاً لأسباب هيكلية تتعلق بمستويات الأستهلاك في هذه الدول . فالأسعار المرتفعة لمدة طويلة تركت آثارها الهيكلية على هذه المستويات ، وعملت على خفضها . كما ان الدول المستهلكة الرئيسة قد نجحت في المواءمة بين متطلبات نموها الأقتصادي ، وبين معدلات استهلاكها للنفط ، بحيث لا يؤثر خفض الأستهلاك على خفض معدلات النمو الأقتصادي فيها . و تجدر الأشارة هنا إلى أن الضرائب المرتفعة جداً المفروضة على المشتقات النفطية في البلدان الصناعية الرئيسة ، لا تجعل المستهلكين في هذه البلدان ينتفعون من انخفاض اسعار النفط الخام في السوق العالمية ، وبما يجعل مستوى ارباح شركات النفط الكبرى، والحلقات المرتبطة بها ، مرتفعاً على الدوام . 3- ان السياسات المتعلقة بضمان أمن الطاقة ، وتنويع مصادرها في الدول المستهلكة الرئيسىة يؤثر على الطلب على النفط من مصادره التقليدية . والمصالح الوطنية لهذه الدول تتطلب انتهاج سياسات كهذه . و ينبغي على الدول المصدرة الرئيسة للنفط ، مراعاة ذلك ، وبناء الأستراتيجية النفطية الكفيلة بمواجهة المتغيرات المترتبة على تلك السياسات ، الآن ، ومستقبلاً . العامل الثاني لتفسير التراجع في اسعار النفط هو : المتغيرات الجيوسياسية . فبسبب ما يشهده العالم الان من متغيرات جيوسياسية هامة ، ثمة من بدأ يتحدث الان عن " حرب باردة نفطيّة " ، وعن بداية تشكّل " نظام نفطي عالمي جديد " . و يمكن إيجاز أهم الحجج التي تدعم هذا التفسير بما يأتي : 1 – الضغط على روسيا ، التي تعد من أهم واكبر منتجي النفط في العالم . وهذا الضغط إقتصادي بطبيعته ، وبضروراته المعلنة ، ولكنه يمارس لأغراض سياسية صرفة بالأساس . و هو على صلة مباشرة بالمتغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم بشكل عام ، و منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد ، وعلى الدور المحوري الذي تمارسه روسيا في الحالتين . لقد أدت الضغوطات الأقتصادية على روسيا ، مع التراجع في اسعار النفط ، الى تخفيض سعر النفط المعتمد في موازنة عام 2015 إلى 94 دولار للبرميل ، بعد ان كان مقدراً بـ 114 دولار للبرميل في موازنة عام 2014 . وفي حال استمرار تراجع اسعار النفط ، فأن روسيا ستكون الخاسر الأكبر من هذا التراجع ، لأنّ الأقتصادات النفطية الأخرى لن تتأثر بانخفاض اسعار النفط بذات الدرجة التي تتأثر بها روسيا ، لأسباب تتعلق بطبيعتها الريعية ، التي تختلف اختلافاً جذريا عن طبيعة و بنية الأقتصاد الروسي ، في الكثير من التفاصيل ، والكثير من المجالات . 2- سيؤدي ما تم ذكره بصدد روسيا ، وبصدد أنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة ، وبصدد التحكم باسعار النفط في السوق العالمية على وجه الخصوص ، إلى تغيير نظام انتاج النفط العالمي القائم الان . و يتم ذلك من خلال الضغط على دول الأوبك لخفض حصتها من الأنتاج التي تشكل الآن ثلث الأنتاج العالمي من النفط الخام لصالح دول منتجة اخرى . 3- ومع استمرار تراجع اسعار النفط من مصادره التقليدية ، سيتم تحجيم الأنتاج الروسي والصيني من النفط الصخري ، والمكتشف بكميات هائلة في الحدود المشتركة بين البلدين . ذلك أن هذا النوع من النفط لا يمكن انتاجه ، وتغطية تكاليفه ، إلاّ في ظل سعر للنفط لا يقلّ عن 150 دولار للبرميل . كما ان مزيداً من الأنخفاض سيؤدي الى تحجيم عمل أكثر من 200 شركة ، تعمل حالياً في مجال انتاج النفط الصخري ، في مختلف دول العالم . وبذلك فأن النظام النفطي القائم ، يتعرض الآن إلى " حرب باردة " جديدة ، ميدانها الرئيس هو النفط . وتهدف هذه الحرب إلى تحجيم انتاج بعض الأطراف الرئيسة في هذا النظام ، لصالح دول منتجة أخرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، و بما يؤدي الى تأسيس نظام نفطي عالمي جديد . وهذا العامل الجيوسياسي هو الذي يقدم التفسير المنطقي للتراجع الحالي لأسعار النفط في السوق العالمية ، وليس قوى العرض والطلب . ورغم ان ضمان أمن الطاقة ، وتنويع مصادرها هو حق مشروع لكل الدول ، وبما يخدم مصالحها الوطنية العليا . إلاّ أن البعد السياسي ، الوثيق الصلة بعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين ، مع روسيا ، ومع ادارة الرئيس بوتين بالذات ، لا يمكن التقليل من شأنه لتفسير التراجع الحالي في اسعار النفط . وقد سبق لمراكز بحوث ودراسات ، ومستشارين سياسيين واقتصاديين ، وكتّاب أعمدة ورأي ، في اشهر الصحف الأمريكية ، وأكثرها تأثيراً ( كـ توماس فريدمان ، في النيويورك تايمس ) ، أن توجهت بالدعوة لرؤساء الولايات المتحدة ، ممن عاصروا الرئيس فلاديمير بوتين ، وآخرهم باراك أوباما ، لتحجيم هذا القيصر الجديد ، والحد من دوره ، والكف عن مكافأته ، من خلال حرمانه من التمتع بعائدات نفطية هائلة ، ناجمة عن شراهة الولايات المتحدة الأمريكية في استهلاك النفط ، ومن خلال خلق البيئة الملائمة لأرتفاع اسعار هذا النوع من مصادر الطاقة في الأسواق على حد سواء . 4- يمكن لأنخفاض اسعار النفط ان يمارس دورا ضاغطاً وأكثر تأثيراً على أيران ( حليفة روسيا في الكثير من الملفات ، وأهمها ملف الأزمة السورية ) وبما يجبرها على تقديم تنازلات صعبة ومؤلمة في ملفّات اخرى ( كالملف النووي ، وملف الوضع في لبنان ) . فأيران التي تكبلّها العقوبات قد تواجه زيادة في انتاج نفط المملكة العربية السعودية ، ( الحليف الرئيس للولايات المتحدة الأمريكية ) ، والتي بأمكانها ان تستمر بالأنتاج حتّى لو هبط السعر إلى 50 دولارا للبرميل ( لأنها تمكنتْ من تغطية التكاليف الأستثمارية لأنتاج نفطها ، ولم تعد ملزمة سوى بالدفاع عن سعر يكفي لتغطية تكاليفها التشغيلية فقط ) . وهذا يعني مزيداً من التراجع في الأسعار ، ومزيدا من الضغط السعودي على ايران ، لتحجيم دورها في منطقة الخليج ، ودفعها الى الكف عن التدخل في شؤون البحرين واليمن ، وتحجيم قدرتها على دعم حركات الأحتجاج بدوافع طائفية في المنطقة الشرقية من المملكة . غير ان المفارقة هنا هو ان الصين ( ويفترض انها حليف لأيران و سوريا في الكثير من تلك الملفّات ) ، ستكون هي المستفيد الأكبر من هذا الوضع ، لأنها المستورد الرئيس للنفط السعودي . وبطبيعة الحال فأننا لا نتوقع ان تقف الصين بالضد من سياسات انتاج وتسعير كهذه للنقط الخام ، لأن مصالحها الأقتصادية الوطنية ( الأستراتيجية ) ستبقى لها الأولوية على أية تحالفات سياسية قصيرة الأمد . و بصدد ما يتم تداوله بصدد دور " داعش " في تراجع اسعار النفط بسبب سيطرتها على بعض الحقول النفطية في سوريا والعراق ، ينبغي التاكيد هنا على ان الكميات التي تتحكم " داعش " بأنتاجها متواضعةً جداً . وانها حتّى لو قامت ببيع هذه الكمية من النفط بسعر يقل عن 25 دولار للبرميل ، فانها لن تؤثر على مستوى سعر النفط السائد في الأسواق العالمية . وتشير بعض التقديرات الى ان السعر لن يعود ثانيةً الى سقف المائة دولار ، الذي اعتبرته منظمة الأوبك سعرا معقولاً للبرميل ، وأصرّتْ عليه .. وانه سيتراوح بين 80 – 90 دولار للبرميل ، الاّ اذا حدثتْ تغيرات دراماتيكيّة ليست بالحسبان . واخيراً فأن لا ضرر من انخفاض اسعار النفط في اقتصاد متنوع . ولكن الكارثة ستحلّ حتماً عندما يكون هناك بلد كالعراق ، تشكّل الأيرادات النفطية اكثر من 95% من أجمالي ايراداته العامة ، ويقوم بتقدير ايراداته في الموازنة العامة على اساس سعرغير متحفظ للنفط لا يقل عن 90 دولار للبرميل للسنوات الخمس الأخيرة . و بأمكانكم أن تتصوروا ما الذي يمكن ان يحدث في اقتصاد ريعي ، كالأقتصاد العراقي ، ليس اذا انخفض سعر النفط الى مستويات متدنية ، بل حتّى لو انخفض الى 80 دولار للبرميل ، كما حدث في الأيام الأخيرة ، أو الى سعر أغلاق ( لخام برنت ) لم يزد عن 82 دولار للبرميل ليوم 16- 10 – 2014 ، ( علما بان العراق يبيع نفطه بسعر أقلّ من سعر خام برنت بـ 7 دولار للبرميل على الأقل ) . و لا يمكن الحفاظ على مستوى معقول ، ومناسب ، للأنتاج والأسعار ، وعلى استقرار السوق النفطية ، الاّ من خلال استراتيجية يشترك في صياغتها جميع المنتجين والمستهلكين . فلا يوجد " راكب مجانيّ " في هذا المجال ، وعلى الجميع تحمّل مسؤولياتهم من أجل ضمان " سعر عادل " ، وامدادات كافية للجميع .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة الطائر إلى العش
-
إيمانويل كانت
-
كلماتٌ .. للذاهبين ، والقادمين
-
هذا العالَم
-
ضدّ الدولة
-
رسالة
-
بغداد .. مساء الخير سيدتي الحزينة
-
كان - القائد - .. يقول
-
قبلة .. في وجه العالم
-
خيبات صغيرة .. خيبات كبيرة
-
في رمل الحبّ العظيم
-
أنا أحبّكِ حقاً
-
لا بأس عليك
-
المرء لا يموتُ في احلامه
-
إزعاجٌ ليليّ
-
عيدٌ سعيد
-
عندما يحبو - الشبّوي - .. وحدهُ في الحديقة
-
إنتباهٌ عاديّ
-
لأنّكِ لستِ أنتِ
-
علاقات عاديّة
المزيد.....
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|