أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - اطفئوا مشاعلَهم، نورُها يُعمينا














المزيد.....

اطفئوا مشاعلَهم، نورُها يُعمينا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4608 - 2014 / 10 / 19 - 18:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"عندما نفقدُ الحقَّ في أن نكون مختلفين، نفقدُ امتيازَ أن نكون أحرارًا"، عبارة قالها تشارلز هيوز، رجلُ القانون والسياسة الأمريكي، أواخر القرن 19، وكأنه يصفُنا نحن العرب، في القرن الحادي والعشرين. ورغم أنه كان يرمي للاختلاف الحزبي والتوجّه السياسي في عصره، إلا أن قوله ينطبق على كافة معاني "الاختلاف" و"التعددية" بين بني الإنسان، في كل عصر وفي كل مكان، وعلى الأصعدة كافة: الفكرية، الدينية، الثقافية، اللغوية، وهلمّ جرّا.
ويحكي لنا "پول هازار" في كتابه القيّم: "أزمة الضمير الأوروبي" (الذي كتب مقدّمة نسخته العربية العظيم طه حسين)، عن مملكة سيام (تايلاند الحالية) التي كانت تتمتع، في القرن السابع عشر، بالتعددية الدينية والتعايش المتحضّر، الذي لم تعرفه أوروبا آنذاك، رغم تحررها للتوّ من براثن العصور الوسطى المظلمة وبداية عصر النهضة. ففكر الملك لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، في نشر المسيحية في تلك البلاد النائية، ابنة الشرق الأقصى الأسيوي، وعرضَ على ملك سيام، آنذاك، أن يقبل المسيحية ويفرضها على شعبه. فجاء ردُّ الملك شديدَ الوعي والانفتاح إذ قال: “لو شاء اللهُ أن يسودَ العالمَ دينٌ واحد، فما كان أسهل عليه من ذلك! ولكنْ، بما أن الله يسمح بوجود أديان مختلفة، فينبغي أن نستنتج نحن البشر، أنه يؤثرُ أن يسبِّحَ بحمده عددٌ لا يُحصى من المخلوقات، كلٌّ يمجده طبقًا لأصوله الخاصة، ومعتقده المختلف عن سواه.” وهو ذاته المبدأ الإسلامي الرفيع الذي وضعه لنا ربُّ العزة في كتابه: "ولو شاء الُله لجعلكم أمةً واحدة" صدق الله العظيم. هنا اندهش الفرنسيون (الذين كانوا يتأهبون لإشعال ثورتهم الكبرى) من مدى وعي ذلك الملك الآسيوي، وعمق فلسفته، عكس ما كان سائدًا في أوروبا الناهضة.
هنا تتجلى لنا فلسفةُ ابن رشد، ومن بعده محيي الدين بن عربي وغيرهما من علماء الإسلام المعتزلة والمتصوفة، القائمةُ على منهاج "وحدة" الخالق و"تعدد" سُبل الوصول إليه. لهذا قال ابن رشد: “أكبرُ عدوٍّ للإسلام جاهلٌ يُكفّر الناس.” لكن تلك الفلسفة المتسامحة، التي هي أقربُ إلى روح الله ورحمته، لم تَرُق لتجّار الدين الأندلسيين الذي يستخدمون الدين "سبّوبة" ارتزاق عن طريق تجهيل الناس وتغييب روح الله الرحيمة عن عقول البسطاء، نجحوا في أن يقنعوا العوامَّ بأن ابن رشد زنديقٌ كافرٌ ملحد مارقٌ من الدين (!)، فُحرقت بعضُ كتبه، وحرقَ هو نفسُه بنفسِه البعضَ الآخر للأسف! ثم نفاه الخليفة المنصور، بعد محاكمة صورية هزلية، ليموت في مراكش المغربية، بعدما نهضت أوروبا بعلمه، وفوّت العربُ على أنفسهم فرصةَ أن ينهضوا به! ولستُ أدري إن كان الوليد ابن رشد قد ضحك في قلبه وهو يحمل مخلاته ويمضي إلى منفاه قائلا: "جميعكم تضحكون عليّ لأنني مختلفٌ، وأنا أضحكُ عليكم لأنكم متشابهون"، وهي مقولة الرحالة المستكشف الإنجليزي چون داڤ-;-يز، في القرن السادس عشر.
حارقو كتب ابن رشد، ومكفّروه ومزندقوه ومُلحدوه، (الذين سقطوا من التاريخ، بينما خُلّد ابن رشد ) ينطبق عليهم قولُ "أوليڤ-;-ر هولمز": عقلُ المتعصّب مثل حدقة العين، كلما زاد الضوءُ المسلّط عليه، زاد انكماشُه، وضيقه.”
ولم يكن ابنُ رشد إلا دُرّةً مشعّة في عقد طويل من لآليء مضيئة، لم تستطع حدقاتُ عيوننا المكدودة استيعابَ نورِها، لأن نورَها أكثفُ مما تتحمل حواسُّنا الفقيرة. فكان إشعاعُها يسقطُ على شبكيات عيوننا فيُعميها. لهذا كان علينا إطفاءُ ذلك النور وإخمادُ تلك المشاعل لكيلا تتأذى عيوننا المرهفة المرهقة، التي اعتادت العتمة والظلام!
يجب أن نفخر، نحن العرب، بأننا نتقن فنّ إخماد الإشراقات وإطفاء مشاعل التنوير. علينا أن نسجّل في مدونة تاريخنا الدمويّ أننا أهدرنا دُررًا وألماساتٍ لو كُتب لها الوجودُ في الغرب البرجماتي الذكي، لتُوِّجت هاماتُها بأكاليل الغار. أتساءلُ منذ شهرٍ، عن تلك اللآليء التي قتلناها وحرقناها وذبحناها بدم بارد منذ السهروردي والحلاج وابن عربي وابن رشد، والجعد بن درهم، ولسان الدين بن الخطيب، وابن الفارض، وابن المقفع، وحتى محمد عبده وطه حسين وزكي نجيب محمود وفرج فودة وغيرهم، هل ضاعت جهودُهم، وانطفأت مشاعلهم، وكأنهم حارثون في الماء؟ ما أثر أفكارهم علينا الآن؟! لا شيء!!!
أطفأنا مشاعلَ الساطعين، لنحمل ألوية سوداءَ رفعها الأشعريةُ الذين أوصلونا إلى داعش وبوكو حرام مرورًا بحسن البنا وسيد قطب وبن لادن والبغدادي، والدعاشيش الصغار المنبطحين على صفحات الانترنت يكفّرون الناس ويسبّونهم في انتظار "سكين" يجعلهم دواعشَ كبار.
"ملعونٌ في دين الرحمن: مَن يخنق فكرًا، مَن يرفع سوطًا، مَن يُسكت رأيًا، من يبني سجنًا، من يرفع راياتِ الطغيان. ملعونٌ في كلِّ الأديان: مَن يهدرُ حقَّ الإنسان، حتى لو صلَّى أو زكّى وعاش العمرَ مع القرآن." طوبى لكَ، جمال الدين الأفغانيّ.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل لدينا محمد يونس؟ 2-2
- القطة التي كسرت عنقي
- قرّاء العناوين والصحف الصفراء
- رصاصة في رأس يفكر
- والدليل: قالولووو
- هذا قلمي بريءٌ من الدم
- محمود عزب، أزهرىٌّ من السوربون
- بيان حول الكلمات الثلاث التي أغضبت البعض
- بيان بشأن الذبح في عيد الأضحى
- بيان د. حسام بربر بشأن أزمة فاطمة ناعوت مع قضية الذبح
- ليس بالخروف وحده تدخل الجنة | بقم أمير المحامي
- لنذبح فاطمة ناعوت | بقلم أمير المحامي
- رجلان وامرأة
- بيان توضيحي بشأن اللغط المفتعل حول موقفي من الدم
- هل لدينا محمد يونس؟ 2/1
- أول كتاب قرأته
- أبناء مدرس الرياضيات
- حتى لا نؤذي عيون الأحرار
- زغرودة من أجل مازن
- تخريب برمجة الروح المصرية


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - اطفئوا مشاعلَهم، نورُها يُعمينا