|
الماركسية ادراك وليس اجترار مدرسي
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 4608 - 2014 / 10 / 19 - 09:40
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ان اهم ما يميز الماركسية عن غيرها من النظريات الاقتصادية والفلسفية هي ثوريتها، اي سعيها الدؤب لاحداث انقلاب ثوري يقضي على الاستغلال الطبقي وعلى تسيد شلة من المنتفعين وشقاء الغالبية من العاملين. فلو لم تكن الماركسية ثورية لما كان لها كل هذه الاهمية العالمية ولا كل هذه الخطورة على الرأسمالية. وثورية الماركسية ليست ثورية نظرية، بل ثورية عملية، ذلك انها تقول بضرورة تأسيس الحزب الماركسي الذي يفعل فعل الخميرة في تهيج عوامل الثورة والانقلاب، صحيح ان هناك رأيا يقول بحتمية التحول كنتيجة منطقية لسلسلة معادلات الديلالكيتك، لكن هذا الايمان بالحتمية كان سببا للعزوف الثوري والقعود عن العمل، وهو في حقيقته لا يختلف عن ذلك الانتظار اللانهائي للشيعة لظهور المهدي لاشاعة القسط والعدل واراحتهم من عذاب الاضطهاد والقمع. ان ما يفرغ الماركسية من ثوريتها هي تلك النقاشات العقيمة والكتابات السقيمة التي تحاول التركيز على الجانب الاقتصادي وتحيل ماركس الى اقتصادي بارد لا تهمه الا لغة الارقام ووسائل وطرق الانتاج ودون الحديث عن شعوره الثوري والانساني ضد الظلم المسلط على طبقات المقهورة ودون الاشارة الى ان كل جهود ماركس والماركسين الكبار في دراسة وشرح الاقتصاد الرأسمالي وتبيان طبيعته الاستغلالية ليست جهودا اقتصادية بحد ذاتها، انما جهودا ثورية للانقضاض على الرأسمالية والقضاء على الاستغلال، ليس المادي فقط، بل القانوني والاجتماعي والعنصري والجنسي. ومثلما عرف ماركس بان الحرية هي وعي الضرورة Freedom is the consciousness of necessity فلا يكفِ معرفة الحقائق او مجرد الاطلاع عليها، اذ ان المعرفة والاطلاع لا يختلفان عن مطالعة الانباء في الصحف او سماعها من الراديوهات او من الفضائيات، انما وعيها. ان الوعي هنا لا يعني المعرفة والاطلاع انما يعني الادراك، ونقصد بالادراك هو وعي وفهم المتطلبات والمستلزمات لنشوء اي وضع او اي صيرورة او حالة. ان هذا الادراك هو الاختلاف الكبير الذي يميز الثوريين عن غيرهم من ادعياء الماركسية، الذين يحيلونها الى مدرسة اكاديمية يدرس فيها الاقتصاد والفسلفة مثلما يدرس التلاميد الرياضيات دون ادراكهم ولا معرفتهم فائدة الرياضيات لهم في المستقبل او اي نفع لها في المجتمع. ماركس كرجل ثوري يختلف عن ماركس ذلك الذي يدعي بعض الماركسين الانتساب له، انه لا يحمل شعار الاقتصاد من اجل الاقتصاد ولا الفسلفة من اجل التفلسف كما تحاول بعض الكتابات الساذجة الايحاء بذلك ظنا بان ذلك تعظيم واشادة به وبدوره وقدرته. ماركس لم يكن اقتصاديا بل كان شارحا لطبيعة الاقتصاد الرأسمالي الاستغلالية، ولم يكن فيلسوفا الا بالقدر الذي يسعى به الى تفنيد نظريات الدين التي تدعم وتثبت الاوضاع وكانها اقدار يستعصى تغييرها، ماركس كان رجل ثوري. ومن لم يدرك هذه الحقيقة فهو لا يدرك الماركسية ولا يفهمها الا بمعانها المدرسي البائس الذي كان اساس لانهيار الاحزاب الشيوعية وعاملا مهما لفقدان ثوريتها. The philosophers have only interpreted the world in various ways the point, however, is to change it الفلاسفة فسروا العالم بطرق مختلفة لكن المسألة هي تغييره، وهنا هو لب الماركسية، التغيير الثوري. نحن نعتقد ان كل الكتابات التي دبجها اصحابها حول فائض القيمة وكل الشروحات والنقاشات حولها كانت تدور في متاهة لا تجد لها مخرجا سوى في الخلاص الى شروحات مدرسية حول المصطلحات اللغوية اوحول انتقادات ساذجة للترجمة ، لكن هذه الكتابات والمقالات لم تشر ولو مرة واحدة لنقطة جوهرية هي لماذا ان فائض القيمة يشكل الحجر الاساس في الماركسية؟ لنوجه السؤال التالي للماركسين المدرسيين الذين لا يفهمون من الماركسية الا الاجترار: هل يمكن لاي عاقل ان يقوم بعمل دون منفعة او فائدة تعود عليه، اكانت هذه المنفعة مادية او معنوية او رغبوية؟ المجانين هم وحدهم الذين يقومون باعمال دون هدف، فكيف لنا ان نفترض او قل نبخس رأسماليا اشترى قوة عمل شخص اخر دون ان يهدف الى الانتفاع والاستفادة من هذه الشروة؟
هل لنا ان نلومه على استثمار امواله في شراء ما ينتج له منفعة وربحا وفائدة؟ الا يبدو ذلك حماقة وسذاجة موقف وغبن اغبر بحقه؟ ولماذا يعتبر ماركس ذلك سرقة؟ الماركسيون المدرسيون يخصون فائض القيمة بشروحات طويلة هي في حقيقتها ليست سوى اجترارا هزيلا لما كتب ولما بحث ولما دار حولها في جميع اللغات فيبدون وكانهم ياتون بجديد غير مكتشف ولا مطروق مع ان كل ما يكتبونه ليس سوى اقتباسا واستنساخا بتصرف او ترجمة هزيلة لمواضيع قديمة. في الرأسمالية تحتكر القلة البخسة وسائل الانتاج وتحظى بالثروة والرفاهية والعيشة الرغد وتفرض قوانينها واخلاقها وقيودها على الغالبية التي تعيش في شقاء. فاذا كان فائض القيمة هو اساس ربح الحفنة الرأسمالية التي تتحكم بوسائل الانتاج وتتملكها وتفرض من خلالها قوانينها واخلاقها على الغالبية، فلماذا لا تقوم الغالبية بالاستيلاء على وسائل الانتاج والاستفادة من فائض القيمة لمصلحتها الذاتية بصفها الاغلبية وتحطم قوانين الاستعباد والاستغلال؟ ان ذلك ايضا يوضح معنى الاستغلال، اذ عندما يجبر العمال والكسبة والحرفيون وغيرهم على بيع قوة عملهم لاجل معيشتهم هم وافراد عوائلهم في شروط مرحلة تطور معينة، بينما تحضى القلة القليلة برفاهية وبذخ اهوج، فقط لانها تملك وسائل الانتاج وقوة القانون الذي تفرضه بكل عنفه ولا تتيح اي فرصة للخلاص من هذا المأزق سوى بيع قوة العمل، فان ذلك يعبر تعبيرا ساطعا عن الاستغلال. هذه هي المسألة الجوهرية في الماركسية، الاستيلاء على وسائل الانتاج حيث ربح فائض القيمة الذي ينتجه العامل من خلال فيض قوة العمل ويقدمه للكومونه بعد تطمين كل احتياج رفاهيته، يكون اكثر مما يقدمه دافعي الضرائب للدولة في النظام الرأسمالي الحديث.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خدعة الوحدة الوطنية
-
بين نائبيتين: فيان دخيل وميسون الدملوجي
-
هل تختلف شريعة الدواعش عن الشريعة الاسلامية؟
-
بعد تحاصص المناصب هل يتحاصصون الجغرافية؟
-
من اقليم السنة الى اقليم الدواعش
-
الوهابية والصراع بين السنة وبين الشيعة في العراق
-
في العراق: اهي حروب الطوائف ام حروب طائفية؟
-
هل انحسر الابداع الفني والادبي؟
-
ديالكتيك: الجدل والديالكتيك والالتباسات الفكرية(1)
-
التناقض بين ثقافة المكونات وبين ثقافة المواطنة.
-
قانون الاحوال الشخصية الجعفري اهانة للاسرة الشيعية
-
لا تكذبوا فان للارهاب دين
-
المرأة الشيعية
-
اللا معقول في قانون الاحوال الشخصية الجعفري.
-
ترويض الدواب
-
النفعية في مناشدة الصدر عدم الاعتزال.
-
الكرة في ملعب النجيفي.
-
مهمة شيعية.
-
المسلمون وهيرو اونودا
-
هل الشيطان شريك الله؟
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|