|
رسالة إلى الدكتور عارف دليلة في سجنه
حسن دليلة
الحوار المتمدن-العدد: 1295 - 2005 / 8 / 23 - 13:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
رسـالـة إلـى الـدكتـور عـارف دليـلة فـي سـجنه
أخي عارف .... بعد السلام سأبدأ مباشرة
عندما صدر قرار اغلاق سجن المزة العسكري وسجن تدمر تفاءل الجميع ونحن منهم بأنه لن تفتح سجون بعد اليوم للمثقفين وأصحاب الرأى الحر ولكن المفاجأة الكبرى عندما تم اعتقالك مع البعض تبين أن غرفاً خاصة وعلى قياسكم تم بناؤها في سجن عدرا المدني لتحل محل بعض الغرف المظلمة التي كانت في السجون المغلقة ... يسألني الكثيرون وأول ما يتبادر الى ذهنهم بأن عارف دليلة مسجون في سجن صيدنايا ( الذائع الصيت ) فأجيبهم وبشىء من الاعتزاز كلا انه في سجن عدرا المدني فيرتاح البعض منهم لشعورهم بأن سجن عدرا المدني هو غير سجن صيدنايا العسكري بما يتمتع به من خضوع لقانون السجون وهذا شيء جيد ولكن لم يدر هؤلاء بأن الغرف التي بنيت خصيصاً لكم معتقلي ربيع دمشق انما بنيت على سطح بناء السجن المدني بحيث تلفحها الشمس صيفاً ويلسعها البرد شتاءً وإنها بنيت وجهزت بأحدث التقنيات لتنقل أدق الصور والأحاسيس والهمسات التي تنتابكم داخلها .....
لا أدري يا أخي وأنا البعثي القديم كيف أخاطبك ...كيف أدافع عن هؤلاء الحزبيين الذين ركبوا موجة الفساد فأفسدوا الحزب والدولة والمجتمع ودّمروا كل القيم الأصيلة في هذا الحزب وساروا به الى غير أهدافه ... ولا زالوا يحاولون الانحراف به الى حيث النهاية المأساة ولكن محاولاتهم ستبوء بالفشل وسيبقى البعث الأصيل الأصيل .... لذلك كان لا بد من قول الحقيقة بعد اعتقالك لأن الحقيقة يجب أن تظهر ولا بد لّليل أن ينجلي مهما طال الظلام .... رغم زياراتي المتباعدة لك في سجنك الانفرادي لم أستطع أن أعبّر عما يدور في ذهني من أمور لأبحثها معك ... فكل زياراتي كانت للاطمئنان عن صحتك لذلك كان لا بد من أن أبعث لك هذه الرسالة بالوسيلة الممكنة رسالة حب وتضامن .
رأيك الحر يا أخي في الاقتصاد ... فهمك لما يجري من تخريب وفساد ... وعيك للمستقبل الأسود الذي يمكن أن تقود اليه قرارات النخبة المتربعة على مصادر القرار الاقتصادي ... قناعاتك بأن تقول وتعمل بما يرفع شأن هذا الوطن ويعلي بنيانه ... كل ذلك كان سبباً في وصولك الى سجنك الانفرادي ... لم ترضخ يوماً ولم تنحني للفساد ولا لصانعيه ... لم تمالىء يومًاً أفكار الجهابذة صغار النفوس الذين عاثوا فساداً في هذا الوطن . هؤلاء الذين كشف أمرهم أخيراً وأحيل البعض منهم الى مزابل التاريخ والبعض الآخر ما زال يدور حول نفسه منتظراًًًًًً مصيره المحتوم .
بعد أربع سنوات في سجنك الانفرادي وبعد تعرضك للضرب داخل زنزانتك من قبل أناس لا أستطيع أن أصفهم الا بأقل ما يوصف به الرجال الساقطون لأنهم كانوا ممعنين في الفساد لا بل كانوا أدوات للفساد والافساد خلال فترة طويلة من عمر هذا الوطن وبعد محاولات لإيصال الحقيقة الى السيد الرئيس التي ربما لم نستطع إيصالها حتى الآن كان لا بد من كتابة هذه الرسالة اليك .
لقد تابعتك يا أخي في حياتك داخل العائلة وفي دراستك داخل وخارج الوطن وفي عملك ومهماتك داخل الجامعة والمجتمع . تابعت خطواتك كلها فوجدت فيها أخطاء كثيرة شخصية واجتماعية ولكنني لم أجد خطأ يمس أمن هذا الوطن وهذا المجتمع في وحدته وتقدمه ... والأخطاء هي موجودة لدى كل الناس ولولا وجود الخطأ لما وجد الصحيح . وإذا أردت هنا الدخول في السياسة قليلاً فأقول لولا وجود أخطاء سابقة في الحكم لما وجدت الحركة التصحيحية ....
بحثت كثيراً عن خطئك القاتل الذي أوصلك الى السجن فلم أجد إلا خطأ واحدًاًً وحيدًا وهو قولك كلمة الحق جريئة ...... إشارتك إلى مواطن الخلل والفساد في أجهزة الدولة ومصادر القرار الاقتصادي .... وضعك الحلول والمقترحات لإصلاح الإقتصاد في سـورية ....... هـذه الأخطاء إن كان يعتبرها بعض
المتنفذين في أجهزة الدولة كذلك فإنما لأنها تعرقل مسيرتهم الإفسادية وتعرقل مشاريعهم في نهب ثروات ومقدرات هذا البلد الذي استطاعوا بفعل هيمنتهم أن يشفطوا الأموال العامة ويضعوها في البنوك الأجنبية حيث تصب جميعها في مصلحة أعداء الأمة وعلى رأسهم اسرائيل .
أخي عارف لم أنس يوماً وأثناء تتبعي لجلسات محاكمتك في محكمة أمن الدولة العليا عندما كنت أحضر بصفتي أحد محامي الدفاع عنك تلك اللحظة التي رفعتًََََََ فيها محارم الكلينكس البيضاء الملوثة بدمائك والتي تملأ جيوبك لتضعها على طاولة رئيس وأعضاء المحكمة أمام مرأى جميع المحامين الحاضرين ورجال الأمن قائلاً ( هذه التسجيلات التي أمامكم والتي أطلب منكم سماعها وإسماعها للجميع تثبت زيف إدعاءات أجهزة الأمن وزيف التهم الموجهة من قبلهم ومن أجل الإعتراف بها قاموا بضربي داخل السجن وهذه آثار الضرب والدماء أمامكم) . لن أغوص يا أخي في المناقشات التي دارت في جلسات المحاكمة ولا في الأدلة والتهم الموجهة إليك خاصة عندما انتهى الحكم إلى ما انتهى عليه في لحظة كانت من أسوأ لحظات حياتي ولن أعّلّق على جواب رئيس المحكمة آنذاك بقوله ( أنا أحميك داخل قاعة المحكمة فقط ) فسأترك التعليق على ذلك لمن يريد مستقبلاً .
بحثت عن أخطائك يا أخي فوجدت الكثير منها ولكني لم أجد الخطأ القاتل الذي أودى بالحكم عليك عشر سنوات في زنزانة انفرادية مع التجريد من الحقوق المدنية وأنت قد تجاوزت الستين من السنين ... حكموك بضعف المدة التي حكموا بها الذين اعتقلوا معك لنفس السبب ولنفس التهمة .... لماذا ؟؟ .... إ ذا قضى الله أن تعيش فسيكون خروجك من السجن وقد تجاوزت السبعين من السنين فماذا يبقى يا أخي . ؟ . شهد العسل يكون قد تم قطافه أما الفائدة منه فتكون قد انتهت الى غير رجعة ... إن اعتقالك يا أخي هو اعتقال للعقل والفكر الحر في هذا البلد . وإن الحكم عليك هو حكم على العقل العربي الحر بالسجن فأي أمة تعتقل مفكريها وتحكم عليهم بالسجن انما تحكم على نفسها بالتراجع وتقدم خدمة كبيرة لأعدائها المتربصين بها . لقد قرأت كل ما كتبته ونشرته من كتب ومقالات ومحاضرات فلم أجد ما يسيء فيها إلى أمن هذا البلد أو يؤدي إلى زعزعة الإستقرار فيه بل على العكس وجدتها كلها تصب في خانة الإصلاح ومحاربة الفساد . اتهموك بالإعتداء على الدستور وكنت الوحيد في سورية الذي قدّم محاضرة في الدفاع عن الدستور . كنت دائماً مشخّصاً للداء بكل وضوح وواصفاً الدواء الصحيح له . بوحي من خطاب القسم عملت وكان انطباعك الإيجابي بما يمثله السيد الرئيس من قبول للرأي الآخر وفهم للواقع ودعوة للمشاركة في مسيرة التحديث والتطوير ومحاربة الفساد هو الضوء الأخضر الذي أعطى المثقفين السوريين ومنهم أنت يا عارف لأن تدلي بدلوك في هذه المسيرة فجاء لقاؤك مع السيد الرئيس تتويجاً لهذه المسيرة التي كنت ونحن جميعاً نأمل استمرارها بزخم وفاعلية . إلا أن الذين زرعوا الفساد في كل مفارق الطرق وزرعوا الألغام في كل الإتجاهات لم يعجبهم ذلك فكانت مكيدتهم التي رسموها بإتقان لإيصالك إلى السجن الذي لم يستطيعوا إيصالك إليه في زمن المرحوم الرئيس حافظ الأسد ... هنا أسألك يا أخي لماذا تجرأت على مقابلة السيد الرئيس قبل أن تأخذ الإذن من قبل السيد فلان ... وفلان ... ؟ . لماذا تكلمت يا أخي أمام السيد الرئيس بكل جرأة ومصداقية عن كل مناحي الفساد ومرابعه والمتربعين على عرشه ووضعت النقاط على الحروف وسميت الأمور بأسمائها ...؟. أليس ذلك بخطأ قاتل ... نعم ...ولكن لم يكن بد من فعل ذلك لأن مصلحة البلد العليا تقتضي فعل ذلك ... هنا أقول ولست مقتنعاً لا أنا ولا أنت بهذا القول ...أليس من الأجدر أن تكون قد اتبعت ما يرغبون .. . ولكن ماذا يرغبون .؟. أقول لك بكل صراحة إن رغبتهم في أن يكون طريقك إلى مكتب السـيد الرئيـس من خلال ممرات إجبارية عليك المرور بها فتأخذ التعليمات عن ماذا تلبس . وكيف تدخل ... وكيف تتصرف أثناء
الدخول وأثناء الجلوس والأهم من ذلك كله عن ماذا تتكلم وماذا تطرح وكبف ستجيب عن كل سؤال يوجه إ ليك من قبل السيد الرئيس أي يجب أن يكون لديك أجندة كاملة تحفظها عن ظهر قلب لتقولها أمام السيد الرئيس بدون أن تحيد عنها ... وليس هذا كل شيء فلا بد بعد الإنتهاء من المقابلة أن تعود بنفس الطريق لتقدّم تقريرًا مفصّلاً وكاملاًً عما دار في خلوتك مع السيد الرئيس ... ويا ويلك يا أخي إن كنت قد أخطأت في تنفيذ تعليماتهم أو ذلًًًّ لسانك من قريب أو بعيد ... إذا كنت في مقابلتك الأولى قد عريّت الفساد والمفسدين أمام السيد الرئيس فكيف إذا تمكّّنت من مقابلة سيادته مرّة ثانية .... وثالثة .... هكذا حسبوها .... وأعتقد أن هذا هو خطأك الذي حوسبت عليه من قبل جهابذة السلطة هؤلاء الذين لم تكن تعترف بهم لقناعتك بأنك على حق وأنك قلت الحق وقلت الصحيح . لم يكن يخطر في بالك يوماً أنهم سيضعون العصي في طريقك بهذا الشكل وأنه لن تقوم لك قائمة بعد هذه الزيارة لأنك لم تكن تعرف مدى تأثيرهم ولكنّك عرفت ذلك بعد حين وربّما قبل اعتقالك وزادت معرفتك خلال المحاكمة والحكم . سيادة الرئيس هؤلاء الذين نقلوا إليك كذباً وبهتانًا عن عارف دليلة بعد خروجه من مقابلتكم لم يكونوا في يوم من الأيام أدوات إصلاح في هذا البلد . لقد زوّروا الحقيقة وأزاحوا من طريقهم كل دعوة للإصلاح ومحاربة الفساد من أجل بقائهم واستمرارهم في نهب المال العام وإشاعة الفساد في الدولة والمجتمع . سيادة الرئيس إن دعاة الإصلاح ومحاربة الفساد لن يكونوا أبداً أدوات لهدم النظام أو الإخلال بأمن الدولة والمجتمع كما جاء في قرار الحكم . إنهم أداة دعم واستنهاض للنظام للإستمرار بقوّة في وجه كل التحدّيات الداخلية والخارجية وعارف دليلة كان وما زال من دعاة الإصلاح ومحاربة الفساد ...
تطالعنا الأخبار بأن عاهل المملكة العربية السعودية الجديد قد أصدر عفواً عن الليبيين الخمسة الذين قاموا بمحاولة لإغتياله وعن الإصلاحيين المسجونين في المملكة ...... فهل من المعقول أن دعاة الإصلاح ومعتقلوا الرأي في سوريا معتقلوا ربيع دمشق ومنهم عارف دليلة لا زالوا وراء القضبان حتى الآن .....؟؟.. كما تطالعنا الأخبار بأن عاهل المغرب قد أصدر عفواً عن / 417 / سجيناً أدين قسم كبير منهم في عمليات إرهابية وأن المغربي منير المتصدق قد حكم عليه في ألمانيا بالسجن سبع سنوات لإنتمائه لتنظيم إرهابي فأين أنت من هؤلاء جميعاً حتى يحكم عليك بالسجن عشر سنوات ولا يشملك أي قانون للعفو ..... فأي عمل إرهابي قمت به يا عارف ؟؟؟؟ بالله عليك أخبرني يا أخي ...ً
أما أنت يا أخي عارف وبعد مرور أربع سنوات وأنت حبيس زنزانتك الإنفرادية تعاني ما تعاني من آلام نفسية وجسدية وقد أصبحت في عمر الكهولة لن يكون بإمكانك بعد اليوم ولو خرجت إلى الحريّة أن تسهم في أي نشاط أو أن تقدّم أي دراسة أو مقترح لخدمة شعبك ووطنك ...لقد أطفئت شمعة من شموع الرأي الحر الذي كنت تمثّله في رجاحة عقلك وتنوّر أفكارك التي نحن اليوم بأمسّ الحاجة إليها ولكن كما يبدوا أنّنا في هذا البلد لسنا بحاجة إلى عقول مثل عقلك فلدينا الكثير منها وربّما الفائض نصدّره بإرادتنا أو غصباً عنّا .... سنبقى يا أخي مع هذا البلد ضد أعدائه مهما جار الزمن .. لن نكون مع الخارج أبداً ... ولن أنسى ما قلته لي في زيارتي الأخيرة لك // إذا كانت أمريكا ستحررني من السجن فأنا أفضًل البقاء في السجن // إصبر يا أخي وقاوم الظلم فعهدي بك دائماً ذلك ... وسيبقى مطلبنا الوصول الى الحقيقة التي لا بد أن تظهرلنضعها أمام السـيد الرئيـس مهما طال الزمن ........
المحامـي حسـن دليـلة
#حسن_دليلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
-
ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
-
المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد
...
-
-كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر
...
-
نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
-
التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|