|
قليل من الوقار يا سادة
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 1295 - 2005 / 8 / 23 - 13:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يجري الآن ما يسمى الدعاية الانتخابية لرئاسة جمهورية مصر، وإذا كنا جميعاً متفقين أنها ليست تجربة ديموقراطية حقيقية، وإنما بروفة لتمثيلية الانتخاب الحقيقي، التي قد تتم يوماً ما، في المستقبل المنظور أو غير المنظور، فقد كان من المأمول أن تلتزم جميع الأطراف بقواعد التمثيل المعروفة، أو حتى قواعد بروفات المسرحيات جادة الإعداد، لتخرج البروفة أو المسرحية عالية الأداء، ليس بهدف خداع الذات أو خداع الآخر الغربي، والذي لابد يراقب ما يحدث بحسرة أو إشفاق، ولكن احتراماً للذات أولاً، ولاكتساب احترام العالم ثانياً، والأهم اغتنامها فرصة للتدرب على الأداء الديموقراطي، تدريب أجهزة الدولة التي اعتادت ممارسة مثل هذه الفعاليات في أجواء الشمولية، كذا الجمعيات والتنظيمات الأهلية والأفراد، هي فرصة تكاد تضيع إن لم تكن قد ضاعت بالفعل، لأنها تجري في أجواء خالية من الشد العصبي الناتج عن التناحر على الفوز، كما تخلو من الترقب القلق لما قد تسفر عنه الانتخابات، وما قد يترتب عليها من مصير مجهول للوطن. فالنتيجة محسومة مسبقاً، ليس بفضل التدخل المعتاد لأجهزة الدولة، ولكن لأن التنافس غير متكافئ بين شخصيات المرشحين، مع التغاضي عن العوامل التي أفضت بنا لهذه الحقيقة، ويمكن لأي مراقب أن يستنتج بسهولة أن الانتخابات النزيهة بنسبة 100% لابد أن تسفر عن نجاح بنسبة عالية (قد تتجاوز 65%) لحسني مبارك، ليس رضاء عن الأحوال السائدة في جميع مناحي الحياة في مصر، ولا إعجاباً ببقاء رئيس لمدة ثلاثين عاماً متواصلة يحكم البلاد، ولكن لمجموعة عوامل يمكن أن نعدد بعضها: · الرضى الشعبي عن حكمة مبارك في علاقاته مع العالم، والتي أبعدت شبح الحروب ومصائبها عن البلاد. · رغم التذمر الشعبي العام من جميع الأحوال تقريباً، إلا أن الشعب في وقت الاختيار، لابد وأن يستعيد الإنجازات التي تحققت فعلاً على أرض الواقع في الحياة المصرية خلال الفترة الماضية، بغض النظر عن التجاوزات والانحرافات، أو ما كان يمكن أن يتحقق، خاصة مع اتصاف الشعب المصري بالقناعة التي يعتبرها كنزاً لا يفنى! · نجاح مبارك وإدارته في تحقيق الاستقرار والأمن لمصر، بل وتعتبر الحالة المصرية هي الأكثر نجاحاً في مقاومة الإرهاب، رغم الانتكاسات الأخيرة. · إيمان الشعب المصري بمقولة: "اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش". ليس من أغراضنا بهذا المقال تأييد إعادة انتخاب مبارك، ولا أن نحصر كل ما له وما عليه، ولا أن نحلل جميع الظروف والملابسات المحيطة بما يجري من تجربة، نفضل تسميتها بروفة لتمثيلية ديموقراطية، لكننا نهتم بنقطة واحدة ومحددة، هي أن الشعب المصري يخسر كثيراً، بأن يمارس التجربة الراهنة بذات المواصفات والفعاليات المعتادة، دون ما حاجة إلى ذلك، ففعاليات النفاق والمبايعات هذه المرة مجانية تماماً، فحسني مبارك لا يحتاجها لينجح، بل بالعكس هي تشوه، وربما تقلل من حجم نجاحه الأكيد!! لا يحتاج الأمر أن يخرج البابا شنودة عن حدود مكانته الدينية الرفيعة، ليتطوع بالانتخاب أو المبايعة نيابة عن أقباط مصر، فهذا في الأساس ليس من حقه، ثم أنه يحرم أبناء طائفته أو يحرضهم على عدم التفكير والاختيار، حين يتطوع ليفكر ويقرر نيابة عنهم، وما عليهم إلا السمع والطاعة، وربما تطور الأمر أيضاً لاستخدام سلاح حرمان المخالفين من التناول من الأسرار المقدسة، كما سبق له استخدامه في قضية زيارة القدس. الأقباط يا قداسة البابا ليسوا كياناً سياسياً واحداً، إنهم مع إخوانهم من أبناء الوطن، موزعون على مختلف التجمعات السياسية: الوفد والتجمع والناصري والغد وحتى حركة كفاية، وإن كنت تحب شعبك حقيقة (وأظن أنك كذلك) عليك أن تشجعهم على هذا، ويا ليتك تتوقف تماماً عن مثل هذه الممارسات، احتراماً لشعبك، واحتراماً للديموقراطية، واحتراماً لقداسة منصب البابا الذي لا نحب الاختلاف مع الجالس على سدته، وأخيراً إرساء لشعارنا الأسمى وهو "فصل الدين عن الدولة"، والتزام رجال الدين بأدوارهم داخل دور العبادة، وترك السياسة لرجالها ولأمواجها المتلاطمة، والتي لا نحب أن يصيب ثوب قداستكم بعض من رذاذها!! نفس هذا نقوله عن لافتات وتصريحات المبايعات التي تصدر من جهات وهيئات لم يطلب منها أحد الاستمرار في هذه الممارسات، التي نرجو أن يمضي زمانها إلى غير رجعة، أجهزة الإعلام ستكون قد قدمت خدمة جليلة للوطن، ولحسني مبارك شخصياً، إذا توقفت عما تفعل، وتفتح أبوابها لجميع المرشحين الذين لديهم فعلاً ما يقولونه للشعب، وليس أن تأتي بنماذج من مرشحين لم يكتسبوا هذه الصفة إلا بفضل القيود الرهيبة المفروضة على الساحة السياسية، وعلى الترشيح لرئاسة الجمهورية، أن تبرز وسائل الإعلام هؤلاء لتجعل منهم مادة للتندر، كأنما تريد أن تقول أنه لا يوجد بمصر من يصلح لهذا المنصب غير مبارك، فهذا خداع واستهتار بعقلية الشعب، وتبديد لأموال دافعي الضرائب، في صرف مرتبات لمن لا يستحقون ولا ينتوون خدمة هذا الشعب!! نريد من المتسلقين والمهرجين أن يمتنعون. نريد من المؤيدين أن يؤيدوا بوقار واتزان، على الأقل حتى يحترمنا رئيسنا المقبل، ويشعر أنه قد بذل جهداً كي يقنعنا بأدائه وبإعادة انتخابه. نريد أن يرفع الجميع أصواتهم منبهين على مبارك أنه لا بد أن يلتزم بتنفيذ البرنامج الذي سوف ننتخبه على أساسه، وأن نوضح له بأننا لن نقبل بعد اليوم وعوداً تنسى بعد حين، ككلام الليل المهون بزبدة في المثل المصري!! نريد أن تعلو الأصوات لتعلم مبارك أننا إذا كنا قد قبلنا انتخابه لفترة رئاسة سادسة، فإن هناك وجوهاً كثيرة حوله لا نريد بعد الآن أن نرى طلعتها البهية، وأن الأوان قد آن لأن تجلس تلك الوجوه في بيوتها معززة مكرمة، ويا دار ما دخلك شر!!
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلى ما يسمى تيار الإخوان المعتدل
-
الإخوان والحنان الليبرالي اليائس
-
خطوة تكتيكية إلى الخلف
-
رائحة سرور تلك - كتابة عبر النوعية
-
هكذا تكلمت إيزيس
-
عصفور الشرق المغرد في لندن - صنديد العروبة الذي لا يخجل
-
معضلة المرض العقلي
-
السباحة في بحر الظلمات إهداء إلى د. سيد القمني.
-
د. سيد القمني لا تحزن من سفالتهم
-
العظيم سيد القمني والبيان القنبلة
-
الليبرالية الإنسانية-دعوة إلى صرخة في واد
-
ألف باء ليبرالية
-
د. شاكر النابلسي عفواً
-
الإخوان المسلمون والإخوان الحالمون
-
الليبراليون الجدد في مواجهة خلط الأوراق
-
العلمانية ومفهوم الوطنية
-
الخصوصية والذاتية وجذور الليبرالية
-
رسالة مفتوحة إلى د. أحمد صبحي منصور
-
العلمانية ومفهوم الهوية
-
العلمانية وجذور الصراع مع الغرب
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|