أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عز - ثلاثية الجهل والفقر والإهمال














المزيد.....

ثلاثية الجهل والفقر والإهمال


محمد عز

الحوار المتمدن-العدد: 4607 - 2014 / 10 / 18 - 10:25
المحور: حقوق الانسان
    


شاءت الأقدار أن أقضي بعضًا من الوقت في مستشفي الصدر بالمنيا الجديدة. وسط مشاكل الناس وهمومهم وأمراضهم تسيل دموعك في اليوم عشرات المرات، وينفطر قلبك حزنًا على ما ترى من الحالات الحرجة. في العنبر رقم 3، كان يرقد في الركن الأيسر أ ش، ذلك الشاب الذي ابتلي بتليف في الرئة وفشل في التنفس قبل أن "يدخل دنيا".
- قصة (أ) جزء 1
(أ) شاب في نهاية العقد الثاني من عمره، بشوش الوجه، متهلل الأسارير، يضحك كثيرًا ليداري همومه وآلامه، لا تتحدث معه حتى تنجذب اليه، لو لم تعرفه يبادرك بمداعباته ويجبرك على أن تجاريه. وعكات المرض أغلقت عينه اليسرى قليلاً، وآلامه جعلت وجهه شاحبًا، لكن غطى هذا الشحوب إبتسامه دائمه مرسومة على شفتيه. لا تجده شا كيًا ولا باكيًا ولا فاترًا ولا يائسًا من قضاء الله وقدره، فمعظم كلماته "الحمد لله على كل شئ".
نشأ (أ) لأسرة فقيرة في إحدى قرى محافظة المنيا، لأب مزارع بسيط يستأجر الأرض، ولأم ربة منزل بسيطة، يمتلكان أربعة أبناء وبنت واحدة. بدأ (أ) –الذي ترتيبه الأكبر في أخوته- العمل منذ أن كان طفلًا في المرحلة الابتدائية ثم في المرحلة الإعدادية ليكسب خمس جنيهات يومياً. وفي المرحلة الثانوية انتقل (أ) للعمل في القاهرة ليكسب ما يقضي حاجته حتى يستطيع اكمال مرحلة الدبلوم. عمل (أ) في بادئ الأمر في سوبر ماركت، ومع ضغوط الحياة وغلاء الأسعار وعدم جدوى العائد من عمله في السوبر ماركت، انتقل (أ) للعمل في "فرن خبز بلدي".
- هامش 1
أسرة تعيش بالكاد وتنجب خمسة أولاد؛ لا شك أن هذا نتيجة للجهل وعدم التفكير وعدم الوعي بضرورة توفير حياة كريمة لأولادهم، وينتج عدم الوعي من الوقوع ضحايا الجهل والتفكير الخرافي "كالمولود بييجي برزقة" أو "ربنا مبينساش حد" وقد نسوا "أن الله يرحم أمرئ عرف قدر نفسه"، أدى ذلك الى عدم تخطيطهم لمستقبل أبنائهم، وماذا سيحدث بعد انجاب الإبناء؟. لقد دفع الجهل هذه الأسرة–وغيرها الكثير- الى العيش على شفا حفرة من الفقر المدقع بل في الفقر المدقع بعينه.
لم تكن الحكومة والنظام السياسي بمنأى عن المشهد الراهن، فالأنظمة السياسية المتعاقبة لم تضع حلا لكل هذه الإشكاليات، ووقفت في معظم الأحوال مكتوفة الأيدي، فلا هي التي تضع القوانين الصارمه التي تجبر الفرد على ألا ينجب أكثر من ثلاثة أبناء أو أربعة كما هومعمول به في عدد من الدول المتقدمة –كأن ترفع عن المولود الزائد عن العدد المسموح به أي دعم مستحق لذويه- ولا هي التي استطاعت أن توفر الحاجات الأساسية لهذه الأسر كالحق في التعليم الجيد، والرعاية الصحية المتميزة في أبسط الحالات.

- قصة (أ) جزء 2
كانت بداية العمل في "الفرن البلدي" مرحلة فارقة في حياة (أ) ، فقد أثرت طبيعة هذا العمل على صحة (أ) وأصابته "بحساسية على الصدر"، وانتقل (أ) بعدها للعلاج في أحدي المستشفيات الحكومية بعين شمس القريبة من عمله آنذاك، ولكن كل الأطباء قرروا أن حالته بسيطة "شوية التهابات في الرئة وإن شاء الله هيكون كويس". وبدأت حالة (أ) تسوء يومًا تلو الآخر، كان ذلك في العام 2007، وفي عام 2012، في مستشفى المنيا الجامعي عندما أصيب (أ) بضيق شديد في التنفس ونقل إلى هناك –كان قد حدث له ذلك من قبل عدة مرات، ولكن أساتذة عين شمس قرروا أنها التهابات بسيطة- اكتشف (أ) أنه حالته قد تدهورت، وبعد الفحوص الطبية كان تشخيص الأطباء بمستشفى المنيا الجامعي أن (أ) يعاني من تليف في الرئة وفشل في التنفس. يعيش (أ) منذ العام 2012 على جهاز الأكسجين ما لا يقل عن 16 ساعة يوميا، والأن لا بد له من 24 ساعة يوميًا على جهاز الأكسجين، بعدما تدهورت صحته وأصبح لا يستطيع الوقوف على قدميه.
- هامش 2
كان (أ) ضحية لثلاثة عوامل مجتمعه "الفقر والجهل والاهمال". الفقر الذي من خلاله لم يستطع (أ) أن يعالج نفسه على نفقته الخاصة قبل أن تتدهور حالته، ولجأ الى المستشفيات الحكومية التي انعدم في معظم عامليها الضمير، ونظروا الى الفقراء بعين الإهمال والتحقير، الفقر الذي دفع الإطباء الى محاولة الإغتناء أو توفير حياة كريمة لهم ولأسرهم، فقضوا معظم أوقاتهم في عيادتهم الخاصة مستقطعين ذلك الوقت من أوقات عملهم الرسمي التي لا تكفي عوائده احتياجاتهم الأساسية. والجهل الذي طفح علينا في كل المجالات، لا سيما مجال كالطب، ما جعلهم يستهينون بحالات المرضى، أو على أقل تقدير لا يقدرونها بالطريقة الصحيحة، ما جعل حالة ك(أ) تسوء يومًا بعد الآخر، والأهمال الذي صار سمة تسم الحياة من حولنا. (أ) كان ضحية الأنظمة البائدة والنخب الفاسدة والأطباء معدومي الضمير.
(أ) يا سادة، وغيره المئات بل الملايين، يعيش اليوم ولا ينتظر الغد، (أ) يضحك ويعيش ما تبقى له من أيامه التي يعرف جيدًا أن هي الا أيامًا معدودات، يقول (أ) "أنا عارف اني مش هقف على رجليه تاني".
ان الفقر الذي يُنتج وينتج عن الجهل وينتج كلاهما الإهمال في حلقة مفرغة دارت مرارا وتكرارا لن تنتهي دون نظام متكامل واستراتيجية واضحة لانتشال ملايين الأسر من أوضاعها التي تسوء يومًا بعد الآخر، لن تنتهي بدون نظام يضع على رأس أولوياته توفير حياة كريمة لمواطنيه، وتعليمهم تعليماً جيدا يغير العقول والثقافات لا يجمدها، بدون نظام يوفر نظاماً صحياً متكاملا لجيمع أفراده، لن تنتهي بدون نظام يسعى الى تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية وإعادة توزيع للدخول بطريقة عادلة. الى متى سنظل مهمِلِين ومهمَلين؟ إلى متى لن نكافح هذا الثلاثي اللعين؟



#محمد_عز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دلع الشباب الثوري: الرأي والرأي الآخر
- سوسيولوجيا الكلام ومرشحي الرئاسة
- رؤساء مصر بين مقتول ومعزول


المزيد.....




- حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن ...
- 133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا ...
- بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي ...
- قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا ...
- معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال ...
- اتحاد جاليات فلسطين بأوروبا يرحب بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغال ...
- الأمم المتحدة: نتائج التعداد بيانات عامة دون المساس بالخصوصي ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي ينهي الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن ...
- من هم القادة الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عز - ثلاثية الجهل والفقر والإهمال