|
المندائية :المقدس وهو يتدفئ بمعطف النور
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1295 - 2005 / 8 / 23 - 13:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إلى العم أبو نبيل > ترتيلة مندائية قديمة
تتمتع الروح المؤمنة بالثبات وتتصل الخيمياء العلية بمتبدلات الذات وهي تعصف بهواجس البشر نحو الكينونة الأخيرة وما يطلق عليه في الغنوصية القديمة : وسادة السماء . ولكي تفترض لوجودك أزلاً لآخرة مطمئنه أذكره في كل حين فهو متجسد بكل ما حولك النور ، الماء ، الشجر ودموع الأطفال وهو أي الواحد الأحد موجود قي الشهقة والنظرة وهديل حمام صباح انتظار المصير يوم يعتقد العبد بأن الراحلة بدأت تحرك سيرها صوب الموطن النوري وهناك تجد حياتك أمامك خيرها وشرها وتجد ملائكة الحسبة يمسكون موازين أدق من ميزان الصائغ المندائي يحسبون الهفوة والغفوة وتراتيل صلاة العيد وسباب الشجار وحتى الظن موجود في قرطاس من رصاص أو فخار أو ورق البردي . المهم سترى التدوين لحياتك محسوب بكل شاردة وواردة عندها ستعرف مدى قدرة الرائي الأول على كشف غيب الأزمنة والأمكنة وأن النور لا يبعث في الرقدة سرور إلا لمن ذبح الطير برق وكره الرق وقول الصدق .. والمندائية من توحيدات الأزل احتفت بكل تلك الإشارات المدونة ببدء الكلام وقالت في ألواح الرصاص الموجودة في تلال الكشف بمدن ميسان وبطائح المنتفق والبصرة وكتابتها شكلا لحرف آرامي وجمل لها شكل الكلمة السريانية قال عنها علماء اللغة والميثولوجيا أنها مفردة المندائيين الأوائل الذي هم من سومر أو ربما سومر من بعضهم وهم من ساروا في الترحال الأول إلى أمكنة الضوء تلك التي أسس فيها أجدادنا مدن الحلم ورؤى سرمدية الحرف ونشوء السنبلة وتطويع الحديد والحفر على الحجر الثمين أور ولارسا وأريدو والدير وأشنونا ونفر وأكد وتلو والعبيد ومدن اختفت عن ذاكرة الجغرافيا كانت تعوم في الأديم الأخضر لسلف الماء حيث أقام المندائيون مدن السياحية التي نسجت للقرى منذ لحظة التعميد حكمة الغنوص وقالوا ما بعد يحيا نحن من بدن النور والنور من أبداننا غير أن تعاليم يحيا ع حفلت بالوهج وصارت في ديدنها وعيا نورانيا يذهب بالروح المندائية إلى تخيل حرفة تجنيس الكون بالمكنون وذلك ما أخذه المتصوفة وذهبوا به إلى ما يسمى في عرفه < الغياب السامي ولحظة الإلهام العظمى > ووصايا هي التي حفظت في الذاكرة واللوح والقرطاس هي بعث في تمجيد فكرة الربوبية وإنها بعد الكنز العظيم تمثل الصلة الموصولة بالوعي الذي يربط السماء بنظرة الاستحياء التي تشملنا ونحن نفكر بتجاوز الحال إلى المحال والتفكير بما يمكن أن يكون حافزا لتوحيد رغبتنا بالسلام والهيام على بساط الفكرة العظيمة التي أطلقها يحيا بن زكريا في لب التوراة عن لسان الرب :< أنا صوت صارخ في البرية ، هيئوا طريق الرب وأفعلوا سبله مستقيمة >. يشغل يوحنا المعمدان المشهور بقدرته على مزاولة مباركة التعميد ، يشغل في المندائية حيزا كبيرا ، أنه يطل منها أو هي تطل منه إلى عالم الفسحة التي يقول عنها كهنوت الصابئة المندائيين ( إنها روحنا التي تلبس ثوب النور وتقودنا إلى الصلاح والتقوى وهي فرض وعقيدة نتمسك بها ليكون لنا الشأن عند صاحب الشأن الواحد ذو الملكوت الجليل موحد صوتنا وصلاتنا وزارع الآس في طرقات العمل والخير والنور ). وهو بتعاليمه العظيمة لا يعطي الموعظة فقط بل يخطط للقادم من حياة ذريته ومناصريه ويقول المندائيون عنه : أنه يرانا ونراه . وهذه العبارة تمثل في منطقها الوحداني والفلسفي روح الغنوص الذي يمثل اتجاها عميقا في سلوك الذات المشرقة التي يراها المؤمن بمعطيات تفوق تصور الذات العادية لمسببات الخلق والانتماء أليه كما في المقطوعة النثرية التالية المتشكلة على جلد غزال وجدت في خرائب حران في واحدة من محطات التصور المندائي قبل جنوح البعض للتعلق بسر النجوم وضوئها فأبتعدت عنهم المندائية الحقيقية إلى بطائح الجنوب الرافديني ليجدهم أهل سومر يسكنون المكان قبل أن يضعوا تصور الخلق في كف ألههم آنو السومري لهذا ترى المندائيون يقولون نحن كنا مع إبراهيم ع وربما كان النبي الكبير يرى في ارثهم الكهنوتي المدون الذي يرجعوه إلى الذرية القريبة من آدم ع مادة للتفكير بحقيقة التبشير للآله الواحد يوم نادى عليه منادي السماء وهو يرعى غنم أبيه في البرية : < أن النور المخلوق بروح الضوء سيكون رفيقنا في الرحلة السرمدية الواحد المضيء في الزاوية السماوية المشعة سيكون معنا وسننحر له النعاج والثيران وسيأمرنا بمشاركته وفقراء البر كله هو عظيم بمحبته ونوره وسوف يظلل بالآس الأخضر بيوتنا في البطائح المائية هناك لنا معابد من القصب ولنا اخوة يصلون له دائما > في النص أزلية للتبشير المندائي وتاريخية واضحة لمسار الديانة ومرجعيتها وهو تأكيد على اتصال الديانة بآصرة الزمن المطلق . ذلك الزمن الذي يعود بنا إلى أزلية الخلق والبدء الذي تناثرت فيه أحلام الرؤيا يوم قرر آدم أن يصنع ذريته على هذا الكوكب المبارك . يشكل المقدس المرئي والمدون لدا المندائي أمرا مهيبا ومبجلا . والمقدس في كل الديانات هو ما يتعلق بالذات الخالدة . ذات الرب والمفاصل التي تقود إليه كالصلاة وفروض الولاءات السماوية الأخرى . والتقديس لا يكون فرضا مستحقا بل أنه رؤية الطاعة المفروضة وليست مفترضة لأن شأن الذات الإلهية هو أن نكون نحن المنقادون إلى رحمتها وعاطفتها وأننا بعض من صيرورتها أي كان شكل هذه الصيرورة لذا فأن رهبة التقديس والالتزام بمنطقها يقودنا إلى التقرب من النور وفهم جزء من مساحة المودة القائمة بين البشر وخالقهم ولأن رؤى التقديس في أغلبها هي عبارة عن تدوينا لطقوس ومبادئ تعميد وحكم فكان الحفاظ على الموجود المدون فيه هذا المقدس هاجسا تاريخيا عند المندائي ومثل لهم حرج في الحفاظ على هذا الموروث بسبب أن عيشهم الدائم كان في أكواخ القصب مما يعرضها للحرق وبالتالي احتراق هذه الكتب وثمة حكاية تتلوها المستشرقة الليدي دراوور في هذا الجانب فيما يتعلق بالكتب المقدسة لدى الطائفة في الصفحة 67 من كتابها ( الصابئة المندائيون ) : ( أن أحد أسباب ندرة الكتب القديمة يعود إلى حقيقة أن أكثر أفراد هذه الطائفة كانوا يعيشون في أكواخ من القصب توقد فيها النار شتاء وتشب فيها الحرائق بشكل عام ، وقد شاهدت نسخا ذات حواش محترقة أكد لي أصحابها بأن أكواخهم دمرتها النار إلا أن الكتب المقدسة بمعجزة لم تمس بأي ضرر ) . أقترن المقدس المندائي بكتب حققت في أبد التكوين ذات الأخيلة والرؤى المتحققة في الكتب السماوية الأخرى ففي كتاب ( الكنز ربا ) صورة تعظيم للخلق عبر تمجيد الخالق وأنه أي كتاب ( الكنز ربا ) يشتغل على هاجس التوحيد كأساس في تنشئة الذات المندائية قديما وحديثا حتى أنه يسمى في لفظ آخر ( كتاب آدم )وقد تناقلته الأجيال المندائية عبر عصور هادئة وحرجة مدونا بالسريانية القديمة والآرامية وقد بدء الالتفات إليه من قبل دارسي الديانة المندائية كواحد من أهم المصادر الروحية للطائفة حين ترجم لأول مرة من قبل السويدي ( ماثيو نوربيرغ ) في عام 1813 وبعدها توالت التراجم إلى شتى اللغات وهو كتاب يكاد يكون موثقا للحظة الأزلية عند الطائفة ومنه يمكن أن نعرف أن الهاجس المندائي الأول كان مدونا للحظة الآدمية كما في التوراة والنجيل والقران الكريم وهذا النص المستل من كتاب ( الكنز ربا ) فيه ذكر لآدم ومشاعر للحظة اليأس التي هبط بها على الأرض : ( أهدأ ولاتحدث صخبا يا آدم ستحيط بك سكينة الناس الطيبين أحرس حين تكون مريضا أو خائفا حذار أن تلعن ياثيل لاتلعن الكائن السماوي ياثيل الكائن السماوي الذي من غير دنياك ) وهكذا هو المقدس في كل ديانة يقترن بصوت نبي وهذا الصوت مرتبط بجدلية كتاب مصدره العلا وهذا العلا مكون من ذات مطلقة ، واحدة ومهيمنة ومعها تدور في ذات الفلك مسخرات هي في أغلبها وسيط بين ذات العلا والذات البشرية كما في المنطوق المأخوذ نصا من كتاب أصول الصابئة ومعتقداتهم الدينية للسيد عزيز سباهي في الصفحة 161 من الكتاب : ( حين تعترض النفس المندائية سبيلها إلى النور تعترضها الكواكب السبعة التي تكن لها العداء وتحول بينها وبين مواصلة مسيرتها وتسألها : بقوة من وصلت إلى هنا ، وأسم من نطق عليك ؟ فتجيب : أنا أغذ السير بقوة الحي ، وأسم ملك النور ملكاد نهورا ، منطوق علي . والماء الحي أمسكه بيميني ، وأخذ سبيلي بعيداً نحو النور ..) لقد أوجد المقدس في المندائية وغيرها تماسات كونية ومسيرة وهي بذلك أي الديانة إنما تعود إلى أصل الوعي وقدريته المنطوقة على الطين والصلصال ومن ثم تكونت الذات المقدسة الأولى ( البشرية الثنائية ، آدم وحواء ) . وعبر عصور سحيقة ظلت الصورة مدركة وفق المصور القادم من تدوين الأجيال لهذا يرى المندائيون بلزموية وتقديس هذا المدون على أكمل وجه ومعه تقف مدونات كثيرة على شكل ألواح وكتب وتعاويذ محفوظة بالشفاه وجميعها هي المنظم الأساس للحياة الدينية والدنيوية للفرد الطائفي ويتلقاها من خلال التعميد أو الدرس أو الصلوات وهناك أفرادا من الطائفة بدرجات دينية مختلفة يساعدونه على استيعاب القيم والتعاليم في المدون المقدس وكما الحال في بقية الديانات .
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة العراقية العربية بين عولمة الدستور وحلم المتنبي
-
قصائد لحلمة النهد فقط
-
حوار مع الشاعرة اللبنانية جمانة حداد...أنا أتحدى أي سلطة ولي
...
-
كائنات حية تعمل وتفكر وتشتغل بالسياسة
-
الجوع عندما يكون قاسياً كالنساء ..(.........)
-
رؤية للزمن المفترض بصورته الفيثاغورسية
-
ميثولوجيا الأهوار ..مستوطنات الحلم السومري والطوفان المندثر
-
قلوب معلقة تحت أهداب الشعر
-
غادر مبتهجاً وعاد مع سلة تمر
-
أمنيات وجنود ورز التموين
-
حب وعولمة وقبعة جيفارا
-
ليل وطني أغنية للعشق
-
لتكن أنت الأشبين
-
مشاعر من ذهب لأمي وحبيبتي
-
خاتم أمي الوحيد وتسريحة كوندليزا رايس
-
قمر يولد من رحم وردة .أمي تصفق لتلك الندرة
-
وطني ومعطف غوغول
-
وخزة دبوس
-
الفهارس في تصوف الأطالس أو رحلة السعيد الى القبرالبعيد
-
رومانس لايعطله حزن امرأة او ذوبان وردة الثلج
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|