|
متحف مرتضى كامل يرحب بكم
مفيد بدر عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 4606 - 2014 / 10 / 17 - 01:41
المحور:
المجتمع المدني
تتفاوت قدرات الافراد في مساعيهم لتحقيق أهدافهم تبعا لدرجة ايمانهم بتلك الاهداف، فالسطحيون يتملكهم اليأس بعد فترة وجيزة لا تتعدى أياما معدودة، سرعان ما يتقهقرون، فيغيرون وجهتهم صوب هدف آخر أيسر بعدما ينفد صبرهم، ويتفننون باختلاق تبريرات من وحي خيالهم يقنعون بها أنفسهم قبل الاخرين، لكن ثمة رجال أصلاء يمتلكون من الهمم والعزائم ما يجعلهم كجبال شامخة، ليس لعبارة الفشل مكانا في قواميسهم، يسخرون كل طاقاتهم وامكاناتهم لتحقيق تلك الاهداف، ولا يرضون باقل من النصر، أولئك من يستحقون الاقتداء بسيرهم. مرتضى كامل السكيني أحد هؤلاء فقد أمضى اكثر من ثلاثين عاما يبحث عن كل ما هو نفيس من المقتنيات الاثرية بقصد تعريف الجيل الجديد تاريخ أجدادهم المشرف، مسخرا الجهد والوقت والمال، لم تكن رحلته معبدة بالورود، فبعض مقتنياته التي تخطى عددها الالاف تطلب الحصول على الواحدة منها سفر وتنقل بين محافظات عديدة، وهذه تضحية كبيرة وفعل من افعال الاصلاء، لم يكتف بهذا بل خصص منزلا لعرضها، ولتكتمل الصورة في ذهن الزائر طعم المنزل بلمسات فلكلورية وطرزا معمارية تتلاءم ومرحلة رواج تلك المقتنيات وزمن استعمالها، فأضفت له طابعا اثريا تلائم والفنون السائدة آن ذاك، فالأبواب والشبابيك والسقف جعلها من المفردات الحميمة والرائعة المكملة للمشهد، ما يعطي انطباعا للزائر بان الزمن عاد به عقودا للوراء، ليعيش سويعات وهو يتجول بخياله بين من عاشوا خلف تلك الابواب وبين تلك الجدران وتحت ذلك السقف، فيتمالك الزائر شعورا وكأنه يسمع ما يدور من أحاديث جرت خلف (باب الدروازة) وتحت سقف اعمدة( الجندل) المستندة على قضيب صلب من (الهردي) الهندي الاصلب من معاول الازمنة وقساوتها. تبدأ قصة المتحف بفكرة راودت السيد مرتضى كثيرا بعد عودته مع أهله لسكنهم القديم في مركز البصرة بعد ستة أعوام أمضوها في ابي الخصيب، فالمعلمون آنذاك كانوا يقضون في القرى والارياف فترة الزامية بعد تعيينهم، هذا ما حتم عليهم السكن قرب مدرسة أبيه معلم اللغة العربية المتقاعد الان في قرية (أبو كوصرة) أحدى قرى قضاء ابي الخصيب، وبعد عودتهم مركز المدينة وهبه والده ذلك المنزل. الأعوام الست التي امضاها السيد مرتضى في القضاء كانت كافية لتعلقه بالمكان، فقد تركت في مخيلته صور كثيرة تبرق بالتعاطف مع كل ما هو خصيبي جميل، لم يتصرف بشيء مما وهبه والده بل جعل من تلك القرية رئة يتنفس من خلالها عبق الطفولة بكل ما تحمل من ذكريات، رائحة الطين، وشجيرات الاس، والحناء، والنخيل ورطبها، كلها اشياء صارت تشكل جزءا من كينونته، سيما وانه من المولعين بالتراث، قرر السيد مرتضى تحويل المنزل لمتحف يعرض فيه مقتنياته الاثرية النفيسة، ابوابه مشرعة لكل من يشاء زيارته مجانا، لم يكن الطريق لتحقيق تلك الغاية النيلة معبدا بالورود، فالمعاناة كبيرة، تحدث لي يوما عن أحداها، حيث قال :"في مرحلة تأسيسه وفي مسع حثيث لجلب كل ما هو حقيقي، وبعد جهد جهيد تمكنت من الحصول على العمود الطويل الاثري والذي يدعى (بالهردي) وكان خشب الهندي، اشتريته من صاحب أحدى القصور القديمة بعد ان قام صاحبه بتهديمه، ولأنه العمود طويل ويزن أطنان فقد تطلب استئجار شاحنة طويلة لنقله بعد رفعه برافعة كبيرة (كرين)، وبعد اقتراب الشاحنة من موقع المنزل، أعترض سياج أحد البساتين استدارة الشاحنة، الحل الوحيد هو ازالت جزء كبير من السياج ومن ثم اعادته بعد عبور الشاحنة وهذا ما فعلته، قمت بتعويض المتضرر صاحب البستان". تلك معاناة من عشرات عاناها السيد مرتضى، فكثير من حائزي تلك التحف جشعون ويستغلون الراغبين في الحصول عليها، لكن ما جعله صلبا أمام كل العقبات دوافعه القوية وحبه للتراث والارض . نحتاج اليوم للحديث عن السيد مرتضى وأمثاله أصحاب الانجازات المشرفة أكثر من اي وقت آخر، فمنذ اعوام والشغل الشاغل لكثير من الفضائيات إظهار صور سوداوية عن العراقيين لأهداف مشبوهة أهمها زعزعة معنوياتهم والنيل من هممهم، لذا اعتقد بان إبراز حالات مشرقة تبعث على التفاؤل مثلما تمثل ردا مناسبا على أصحاب النوايا السيئة، وتشكل صفعة قوية بوجه من تنكروا لبلدهم وتجرأت أيديهم الخسيسة تراث البلد وآثاره. يحوي المتحف كثير من النحاسيات والمخطوطات وأسلحة الصيد القديمة المختلفة الاشكال، أضافة للأواني القديمة ومعدت التصوير والعرض الصوتي والصوري واشياء أخرى كثيرة يصعب حصرها، لكن ما لفت نظري فيه (حقيبة الحلاق) القديمة، فقد عرفت من محتوياتها ان الحلاق كان يمارس عدة مهن متوارثة فكان أضافة لمهنته الرئيسة الحلاقة ، يمارس الطهور، وقلع الاسنان، وزرق الابر، فمحتويات حقيبته تفصح عن هذا، ولا يشابهه اليوم في قدراته المتعددة الا أصحاب المناصب فهم يتنقلون بين المناصب ويتبادلون الادوار على الرغم من انها متباعدة الاختصاصات، وهي مقدرة كبيرة تفوق مقدرة الحلاق كونها ليست متوارثة.
#مفيد_بدر_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ياسين صالح عبود معلم الاجيال
-
اعترافات مؤلمة ليلة العيد
-
دمعة تزن أطنانا
-
مقالات بالصاص والعنبة
-
حكمة بَدال التي غابت عنا
-
الى قادتنا الامنين مع التحية
-
صبري الاعمى تاريخ وحكايات
-
مراهقة السياسيين وسياسة المراهقين
-
عباس شعيّع يمتلك مفاتيح الحل
-
كصة بكصة
-
اقرب نقطة دالة
-
الاعيب السياسيين في سوق الخضار
-
لناخبينا ذاكرة
-
الصحة ومحرقتها العجوز
-
مخ ولسان
-
الرقم الابيض وايامه السود
-
ماؤنا مالح كدمعنا
-
بصرتنا لا تزرع الشوك
-
فؤاد المهندس
-
من البصرة الى اسطنبول
المزيد.....
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|