|
وحدة اليسار المقسوم على عشرة! حوار مع نادية محمود
أسعد الخفاجي
الحوار المتمدن-العدد: 1295 - 2005 / 8 / 23 - 13:49
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
قرأتُ للكاتبة الفاضلة ، نادية محمود متفائلاً عنوان مقالتها : "السؤال هو مالعمل؟" ، فحصل لدي أول الأمر ، إنطباع إيجابي مفاده أن الموضوع ، أريد له أن يساهم في توحيد القوى اليسارية والعلمانية والديمقراطية العراقية ، في جبهة صلدة بإمكانها التصدي لجحافل التحديات السياسية والإجتماعية والثقافية ، التي ماإنفكت تعصف بالعراق منذ أربعة عقود ونيف. وسرعان ما خاب ظَنّي لدى الإنتهاء من القراءة ، لأني لم أجد فيها حلاً ناجعاً ، ولا خطة عمل شافية ، لأوضاع الوطن الكارثية.
في البداية تُعَرّفُنا الكاتبة بمضمون الدستور المقترح ، بموجب مسودته المعلنة ، فتصفه بأنه "دستور يدفع البلاد والناس إلى جهنم وبئس المصير" ، وهو مرفوض من الجماهير ، لذلك "يجب أن يذهب إلى المزبلة". وفي ختام المقالة ، وبدلاً من قرائتنا الإستنتاج الذي يلخص "العمل" المطلوب ، تطالعنا العبارة الشاملة الموسوعية الآتية: "كعضو في مؤتمر حرية العراق أوجه الدعوة للعمل المشترك معاً وأدعو كل الرافضين للدستور الإسلامي الطائفي الرجعي ، الى العمل بدأب وبمواظبة معاً وكل في مكانه من أجل إنهاء الإحتلال والإرهاب الإسلامي وإعادة المدنية إلى العراق." ، وكأني بالكاتبة تضع وثيقة برنامجية متكاملة ، لحزب طليعي جماهيري ، يزيد عدد أعضائه على المليون مناضل ، من النخبة الإقتحامية على النمط الكلاسيكي!
في الواقع لم نجد في المقالة عبارة واحدة واضحة تدلنا ، صراحة ، على "العمل" الوطني الفاعل ، الذي سيمكننا من تصحيح الأوضاع ، والخروج بالعراق من عنق الزجاجة. تبدأ الكاتبة مقالتها بذكر المشاكل السياسية المتفاقمة في البلاد ، وتنهيها بذكر وصفة هي أقرب إلى شَعْرِ البنات (تلك الحلوى العراقية المتيسرة ، لأطفال فلاحينا الفقراء ، والتي ما أن يمسكوا بها ، حتى تتلاشى بين أصابعهم الغضة!) منها إلى البرامج الجماهيرية الجادة.
وفي سياق مصفوفة المشاكل ، التي رصدها يراع الكاتبة النقدي بمهارة فائقة ، ولم يلمسها ولو بريشة رقيقة من المعالجة الموضوعية ، أو الحل الواقعي الملموس ، نقرأ ما يأتي:
"لجنة كتابة دستور مشكلة على أساس طائفي" و " غلق محلات التسجيل الى تصفية المسيحيين ، من تحجيب النساء الى التهجم على طلاب الجامعات" و "الشباب الذي لا يذهب الى الجامع يضربون نوافذ بيته". ثم يتنبأ البحث بالصورة الآتية: "حينها لن يرى المجتمع الأمن والسلام ، سيكون الجوع والتعذيب وحرمان البشر مظاهر يومية معاشة ، ستمتلئ السجون بكل معارض وحمامات الدم المسفوح بسيوف الاسلام ستبدأ في العراق؟!".
وقد سمحت لنفسي إضافة مشكلة أخرى ، نراها كبيرة وخطيرة ومتنامية بشكل مخيف ، إلى تلك المشاكل الواردة في المقالة ، معتقدين أنها سقطت سهواً ، ألا وهي مسلسل العنف الدموي الذي يحصد آلاف الأرواح البريئة من الأطفال والنساء يومياً ، في الشوارع والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس ، ومنظمات المجتمع المدني ، وغيرها. أضف إلى ذلك إشكالية مضايقة طلبة الجامعات ، وذبح الحلاقين العصريين ، ومنع لبس الجينز ، وقتل بائعي البيرة ، بحجة النهي عن المنكر.
ولكن ، هل يمكن إستنباط خطة "العمل" التي يدعو إليها العنوان الجيد ، بالإستناد إلى الإفتراضات الآتية المذكورة في المقالة هنا وهناك؟ ولنقرأ مع الكاتبة بعضاً منها:
"لقد طرحنا مبادرة تأسيس مؤتمر حرية العراق ، تحدثنا عن تنظيم ديمقراطي يضم القوى التحررية ، العلمانية ، المناهضة للإحتلال الإسلامي ومن أجل إعادة المدنية للمجتمع في العراق" ثم نقرأ في مكان آخر من المقالة: "إبتدأ مؤتمر حرية العراق اعماله بتنظيم الجماهير بعقد الاجتماعات في بغداد والبصرة والفلوجة."
بعبارة أخرى ، تدعو الكاتبة إلى قيام تنظيم ديمقراطي ، يضم القوى اليسارية ، التحررية ، العلمانية ، المناهضة للإحتلال "الإسلامي". نؤيد الكاتبة فيما تقترحه ، ونرى أن أغلبية الشعب العراقي تؤيدها في ذلك المشروع الوطني الخلاق. لكننا نلفت إنتباه الكاتبة إلى إعادة النظر في عبارة "الإحتلال الإسلامي" ، لأن الإحتلال الحالي في العراق ، كما يفهمه الأخضر الإبراهيمي ، وأشرف قاضي ، وكوفي عنان ، هو إحتلال أمريكي. كما وتنظر الكاتبة بشدة ، لتنظيم الجماهير ، بعقد الإجتماعات في "بغداد والبصرة والفلوجة" ، لغرض التحريض ضد الإحتلال والتطرف الإسلامي. ونود هنا الشد على يد الكاتبة ، في مشروعها هذا ، مع تقديم مقترح لتوسيع الساحة الجماهيرية ، التي تريدها الكاتبة منطلقاً للتحرير ، من "بغداد والبصرة والفلوجة" إلى جميع أنحاء الوطن العراقي. لأننا نرى أن إقتصار التنظيم الجماهيري على البصرة ، "التي ما يفعله الإسلاميون فيها يبدو متطرفاً في إيران" ، والفلوجة (المدينة الملقبة بأم المساجد ، والتي تشتهر بكونها أول مدينة عراقية حكمت بالشريعة الإسلامية للفترة من نيسان 2004 ولغاية تشرين الثاني 2004) ، معناه حرمان سائر أرجاء الوطن من هذه الفرصة ، مما قد يثبط عزائم الشعب العراقي في كردستان والوسط والجنوب.
أود الإعتراف بأني وجدت ردة فعل الكاتبة على مسودة الدستور ، وجدتها أمراً منطقياً ، أثلج صدري ، حيث لمستُ بالفعل في المسودة سيئة الصيت ، تجاوزات رهيبة على الحقوق المدنية للإنسان العراقي ، ولاسيما المرأة ، التي تحولت بموجبها ، إلى كائن بائس مضطهد ، ومستسلم لإرادة وهيمنة الرجل.
وبهذه المناسبة أستميح الكاتبة العذر ، فإذا كانت تطمح في مقالتها ، مخلصة ، إلى صياغة دستور ديمقراطي علماني ، بعيد عن التطرف الديني ، وإلى إنهاء الإحتلال الأمريكي ، وإنهاء معاناة آلاف العراقيين من الإرهاب الذي يقتل على الهوية ، ومحاربة الفساد الإداري ، وتدني مستوى الخدمات ، فكيف يتسنى لها أن تنجح في دعوتها تلك ، إذا لم تستند إلى قاعدة جماهيرية عريضة؟. لقد إستثنت في مقالتها الأحزاب الإسلامية القادمة من "المنفى في إيران" ، وحزب الدعوة الإسلامي القادم من لندن ، وأحزاب الأكراد الذين "يقايضون الدين بالفدرالية" ، والوفاق العلماني لأياد علاوي القادم من لندن ، والمؤتمر الوطني العلماني لأحمد الجلبي القادم من لندن ، والحزب الشيوعي القادم من روسيا ، والحزب الإسلامي السني ، ومجموعة الشيعة المستقلين ، ومجموعة الياور السنية المستقلة ، وغيرهم. من الذي بقي إذن من قوى الشعب العراقي ، التي "تعمل" الكاتبة على زجها في حرب تحرير شاملة للوطن ، من براثن الإحتلال الأمريكي ، أكبر قوة دولية غاشمة ، منفردة بصنع قرارات العولمة الكونية؟!
تكتب الأستاذة نادية في مقالتها عن الإسلاميين ، واصفة إياهم بأنهم تمكنوا من "تأسيس وفرض حكمهم في كل حي في كل شارع" ، وأنهم "فرضوا حكمهم على كل إنسان". ولتسمح لنا بطرح السؤال الذي نراه مشروعاً: كيف يتسنى لليسار العراقي ، ذلك التيار المغلوب على أمره ، والمقسوم على عشرة ، أن يكتسح الإسلاميين المُوَحَّدين ،الذين "فرضوا حكمهم على كل إنسان" ؟ ، كيف يستطيع اليسار العراقي ، الممزق ، المتناحر ، المتشرذم إلى تيارات ، وأحزاب ، تعادي بعضها البعض ، تحويل "هاتين السنتين إلى معركة له"؟ ، وكيف يكون بمقدوره أن "يشكل قوته على الأرض"؟ ويضع "نصب عينيه الإستحواذ على السلطة؟". وعن أية "فرصة أخيرة" تتحدث الكاتبة في مقالتها؟ ، من جانب آخر ، إذا كان العراق بالفعل معروفاً "بيساريته على إمتداد قرن بأكمله" ، فكيف أفلح إذن ذلك "الإرهاب الإسلامي" (وأتوقع أن الكاتبة في مقالتها ، تعد شبكة الزرقاوي والقاعدة وأنصار السنة وجيش محمد ، أجزاء منه) ، في فرض "حكمهم على كل إنسان"؟!!!
شئ أخير نود الإشارة إليه ، ماذا تعني عبارة: "من أجل إعادة المدنية للمجتمع في العراق"؟ الواردة في المقالة؟ أهي دعوة للعودة إلى المجتمع ، الذي كان قائماً في ظل نظام صدام؟ ومتى كان مجتمع صدام العسكري الشوفيني الطائفي الفاشستي ، مجتمعاً مدنياً يتغنى به اليساريون المعاصرون؟! أكاد لا أصدق عيني فيما أقرأ! فهل تجدين قارئتي العزيزة ، وهل تجد قارئي العزيز ، بعد هذه الجولة السريعة في مقالة "السؤال هو مالعمل؟" مشروعاً يسارياً جاداً ، أم مجرد شَعْر بنات؟!
******************************** السؤال هو.. ما العمل؟ نادية محمود الحوار المتمدن - العدد: 1281 - 2005 / 8 / 9 http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=42773
#أسعد_الخفاجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحفظ الأنظمة العربية من إدانة الإرهاب
-
الهوية الوطنية كونترا الإنتماء القومي
-
يوميات عائد الى الوطن: الجهل يقتل أهل الفلوجة
-
حكايات في عيد الميلاد
-
الثوابت والمتغيرات في فكرنا السياسي
-
واقعة عاشوراء الدروس والعبر
-
نهاية الثقافة الانعزالية
-
العولمة الإسلامية والتغيير الأمريكي
-
مستقبل الديمقراطية مرهون بدستور عقلاني
-
دمعة على الشهيد أبي جناس
-
الطاقة النووية سيف ذو حدين بين بشاعة الاستخدام العسكري وحتمي
...
-
الضالان- في غابة شيكاغو لمحمود سعيد متن روائي واقعي مفعم بال
...
-
وجهة نظر لإغناء جدل قائم - عجز الخطاب الطائفي عن إطفاء الحرا
...
-
ثلاث نصائح ذهبية للمقاومة أبعثها مع -شيخنا الجليل -
-
السلطة السياسية العراقية اختيار القيادة الجديدة للعراق اشكال
...
-
الأحزاب العراقية والديمقراطية أول أختبار حقيقي للحياة الحزبي
...
-
قراءة نقدية في قصة ( سلامة ) للكاتبة أميرة بيت شموئيل
-
أشكالية العلاقة بين المبادئ ومعتنقيها
-
مازن والكابوس
-
ذريعة الوطنية في مناهضة الحرب القادمة
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|