|
الدين عبر التاريخ
طاهر مسلم البكاء
الحوار المتمدن-العدد: 4605 - 2014 / 10 / 16 - 00:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بما يمتلك الأنسان من مشاعر الخوف والعاطفة والحاجة وعدم الأطمئنان الى المستقبل بدأ يحس بالضرورة القصوى لوجود الآله الذي يمكن ان يحميه ويشد من ازره ويسهل له الصعاب ، وكان الأمل الذي يمعن بالتوسل اليه في هذا السبيل ، ان بنيته الضعيفه وتصوره مواجهة ظروف صعبة في حياته اليومية دفعته الى اللجوء الى الآله والذي جاء على صور مختلفة حسب تفكير الأنسان والبيئة التي يعيش فيها ، وهكذا وجدنا صور عديدة من الآلهة كالأصنام والشجر والشمس والقمر و...الخ وكانت هالة الأحترام والتقديس تتأتى من داخل الأنسان ومن لدن مخيلته وافكاره وبدأ يمعن في افكار أكثر تعقيدا ً كبناء المعابد الفخمة والتي احاطها بهالة من التقديس والتعظيم واصبح لها انظمة خاصة وخدم وكهنة وحاشية . ان الأنسان مذ خلق مجبول على المحاولة لأكتشاف سر المجهول وحبه في السيطرة والتمكن من القوى الطبيعية التي تصادفه وما ينافسه في حياته العادية وتحقيق ما يصبو اليه ،وبالتالي فانه بدأ يوحي الى نفسه بمجموعة من التوسلات والعبادات والطقوس التي يغدقها على الالهة لينال بالمقابل القوة اللازمة والحظ لنيل ما يحلم بالحصول عليه . انسان النيدرتال : لم يتمكن العلماء من الحصول على اي اشارات عن طقوس انسان النيدرتال ( 350 الف سنة ) ، كونه لم يترك اثار سوى ادوات حجرية كان يستخدمها في الصيد غير انه كان يدفن رؤوس الدببة باعداد كبيرة في مكان واحد وكأنه يتفاخر بصيدها ، اما موتاه فقد لوحظ انه يدفنها بالصورة التي يكون عليها الجنين في بطن امه ،مما يدل على اعتقاده بالعودة ثانية .
بلاد مابين النهرين : يســجل نشـوء اقـدم الأفكـار الدينية الموثقة في بلاد الرافـدين (حـوالي 4000 ق . م ) ومع ان العديد من المدن قد نشأت فيها فقد تميزت كل مدينة بمعتقداتها ونظامها الديني ،وبذلك تكون قد سبقت الديانة اليهودية بعشرين قرنا ً ،ويرى الكثير من الباحثين ان الكتاب المقدس (العهد القديم ) قد كتب في بابل وقد تأثر كثيرا ً بالأفكار الموجودة في بلاد مابين النهرين مثل اسطورة خلق العالم والأنسان وقصة الطوفان والخطيئة والموت والتجسيد .... الخ . وكان الطابع المميز للديانة السومرية والأكدية هو تعدد الآلهة ولكل الهة صفاته ووظائفه وكانت اغلب اسماء الآلهة سومرية وبعضها اكدية ،وكانوا يصورونها على هيئة البشرولكنها تتميز بنعمة الخلود ، ويعطونها صفات بشرية من محاسـن وعيوب ولكنهم يحيطونهـا بالأحترام والتقديس المطلوبين . ولكن بعد زوال دويلات المدن الصغيرة وسيطرة دولة واحدة في عهد الأكديين فقد برزت افكار الآله الواحد وهو الآله انليل والذي ذكر في مقدمة قانون اور نمو وفي مسلة حمورابي ،ولكن في اواسط الألف الثاني قبل الميلاد برزت شعبية الآله مردوخ الذي اوكلت له حماية بابل و الذي قارع جميع الآله وانتصر بفضل قوته وحكمته ليتفرد بالعبادة ، وكانت ملحمة الخلق اسطورة شعرية تمجد بالآله وبحكمته وكيف استطاع القضاء على الآلهة المتعددة القديمة والمساعدة في بروز الآلهة الشباب وعلى رأسهم مردوخ . وفي الألف الأول قبل الميلاد برزت الهة مفردة مثل نابو، ابن مردوخ و شمش ،اله الشمس الساطعة ،غير ان كل ذلك لم يمنع بقاء البعض يعبد الهة متعددة على هيئة البشر . ملحمة كلكامش والبحث عن الخلود : تبرز الملحمة الأفكار الأولى عن الموت والحياة والخلود وبحث الأنسان عن الخلود ، وفكرة التجسيد هوانهم كانوا يرون ان الأنسان يتكون من جسد وروح وهو يمكن ان يشارك الآلهة كما هي تشاركه في انسانيته حيث يمكن للملك ان يصعد الى مرتبة الآلهة ويمكن للآلهة الهبوط الى عالمنا كما في هبوط الآلهة عشتار وزواجها من تموز،والآشوريون يعتبرون الههم القومي هو المخلص العظيم للانسان ويبدو ان هذه الفكرة قد اقتبستها المسيحية .
الديانة اليهودية :
هي اقدم ديانة توحيدية بين الديانات الأبراهيمية الثلاث الكبرى وهي تعود الى موسى خلال الفترة التي كان فيها اليهود في مصر الفرعونية ،والله في اليهودية واحد أحد ومفهوم الآله هو المستمد من الأسفار الخمسة الأولى في التوراة فالله هو فرد صمد قادر رحيم عادل خلق الناس لتعدل وترحم بعضها ،وجميع الناس تستحق ان تعامل باحترام وكرامة . وتتميز في اعتبار الخلاص في الحياة الأخرى لايكون بالعقيدة بل بالأعمال الصالحة ،ويعتبر اليهود انفسهم شعب الرسالة او شعب الله المختار .اهم كتب اليهودية هو التوراة او العهد القديم ،وهم ينتظرون المخلص الذي سيعيد السلام الى الأرض ،ويؤدون ثلاث صلوات يوميا ً صباحا ً وبعد الظهر وبعد المغرب كما يؤدون صلاة جماعة في الكنيست ايام السبت والأثنين والخميس وايام الأعياد ،ويحرم من ضمن المأكولات الدم ولحم الخنزير والسمك اللاحرشفي . المسيحية :
ديانة ابراهيمية متمحورة حول الكتاب المقدس والمسيح الذي هو متمم النبوءات المنتظر وابن الله المنتظر والذي ايد اقواله بافعاله ،وكان مخلّص العالم بموته وقيامته ،وهو الوسيط الوحيد بين الله والبشر وينتظر المسيحيون مجيئه الثاني الذي يختمه بقيامة الموتى ،حيث يثبّت الله الصالحين بملكوت سعيد ابدي .والمسيحية نشأت من جذورو بيئة يهودية في فلسطين ،غير ان انتشارها السريع بفعل التبشير وبفعل اكتسابها للثقافة اليونانية ساعد على اكتساب سمتها الحضارية الخاصة بها وبالتالي انفصالها عن اليهودية والوحي في الكتاب المقدس هو من الله وهو يتألف من مجموعة كتب تسمى اسفارا ً ،تعتقد المسيحية ان الله خلق الكون بدافع محبته ،وهومستقل عن الكون ومنزه عنه ،لكنه يقوده الى كماله النهائي،والله وان منح الأرادة للمخلوق ولكنه يوجهه بالأرادة الآلهية .
الدين الأسلامي :
لقد جاء دين الأسلام الحنيف الى مجتمع جاهلي في فكره وعاداته واهوائه ، فكان ثورة ونقله من عالم متخلف يلفه الجمود الى عالم متقدم ومتنور ينظر الى الحياة بأفق واسع ، يتجاوز جزيرة العرب ليشمل اكبر مساحة من الأرض التي نعيش عليها ،لقد كان آنذاك فكر متقدم وفق كل المقاييس ،وبالتالي فمن الخطأ ان نعود اليوم في عالم جديد هو اشبه بقرية من حيث قربه واحتكاك بعضه ببعض ، الى تقييد ديننا الذي جاء سماحة لكل البشرية بسلاسل واغلال تربطه وتقيده بأفكار خاصة تنشأ في عقول بشر تتملكه عقد النقص والأهواء ،قال الله تعالى : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف ] . في عالمنا المتجدد الواسع يجب ان يكون لدينا تفكير وتفسير يسمح بالتجديد ورفض الأنحباس والأنعزال عن التقدم الواسع للكون ، ومن حيث ان ديننا هو خاتم الأديان السماوية يحتم علينا الأنفتاح على العوالم الموجودة على الأرض ويستوعب افكارها ومتناقضاتها ، فكيف بنا اذا اغلقناه فلا يمكن استيعاب متغيرات دولنا ذاتها !، و من اكبر الضرورات ان نعي ونفهم افق ديننا الواسع وجرم اولئك الذين يقيدونه وفق اهوائهم ومعتقداتهم الشخصية . قد نكون بأمس الحاجة الى العودة الى ديننا ولكن الى حيث المنابع الصافية التي تجعلنا والعالم نرتشف ماءه العذب ،وان ندرك ان هدف الأسلام كان الوصول الى سعادة البشرية ونستشف ذلك واضحا ً من . ان الله تعالى جعل الأسلام مدينة فاضلة للمجتمع الأنساني ،للأنسان حق الموعظة والأرشاد والتبصر ولكن ممن لايهتدي يكون عقابه الدار الأخرة ،ولم يأمرنا ديننا ان نقتل بعضنا بقدر ما امرنا ان نوحد الكلمة ضد اعدائنا ،يقول الله تعالى : {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)} [يونس : 40 - 44]. والناس حسب المنظور القرآني كانوا في فطرتهم الأولى امة واحدة لا أختلاف بينهم ولكن تعقد الحياة وتوسعها أظهر تشابك الحاجات والمنافع ، وحتم ظهور الأختلاف في الصراع من اجل العيش ولكن هذا لايعني عدم امكانية اتفاقهم على مبادئ ومثل وقيم سامية تيسر الحياة ،وتخدم المصالح المشتركة المتبادلة بين بني البشر : {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)} [يونس ] . والأسلام لم يقل اننا يجب ان نلغي الدنيا التي نعيش فيها من تفكيرنا كي نحصل على الآخرة بل امرنا بان نتمتع بملذاتها مادمنا لانسلك طريق الحرام وان نشارك في كل ما نستطيع تقديمه من خدمة انسانية وعمارة الأرض : {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)} [القصص ] . ان فشل اولئك المتدينين في السياسة لاينسحب على الدين بشئ ،بقدر ما هو مؤشر على قصر نظرهم وعدم فهمهم لشمولية الدين جميع جوانب الحياة ،ومن انه مثل وقيم تجذب الأخرين ببريقها فينخرطون لأعتناقها ولم يكن سلاسل وشباك ترمى للي اعناق الناس وقهرها بالقوة .
#طاهر_مسلم_البكاء (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرد على التحديات
-
الجنائن المعلقة اجمل العجائب
-
اعتذار بايدن وذيول امريكا
-
ما لم ينجزه ملك قبلي قمت بأنجازه
-
حسن الظن بامريكا جهل
-
اسرار كنوز سومر
-
الحلفاء يرتدون ثوب داعش
-
العراق الشغل الشاغل لأمبراطورية امريكا
-
حقائق الموقف العسكري
-
التواصل .. ملح الحياة
-
حب ممنوع
-
لماذا تستهوينا حكايات التاريخ
-
اوكرانيا كمين شبيه بالكويت
-
انت تحبني .. كيف ولماذا !
-
ديمقراطية المال والعصا الغليضة
-
من الذي سيخرج رابحا ًفي العراق
-
هل فشل الأمريكان في التعامل مع العراق
-
الوداع الأخير
-
شباب الناصرية ومهرجان دعم النازحين
-
زوال دويلة الدواعش وبروز دويلة الكرد
المزيد.....
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|