|
استنساخ الكهنة!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1295 - 2005 / 8 / 23 - 10:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما مصدر القانون : الله ام الإنسان ؟ وبالتالى ما مصدر السلطات : الشريعة أم الأمة؟ السؤالان قديمان ومطروحان عل جدول أعمال البشرية منذ بزوغ شمس الدولة حتى الآن . ورغم دخول الإنسانية إلى الألفية الثالثة على جناح "العولمة" وثالث ثورة فى تاريخ الإنسانية – ثورة المعلومات بعد الثورتين الزراعية والصناعية- لم يختفى "كهنة" العصور الغابرة من قلب المشهد. كل ما هناك انهم اكتسبوا هيئات جديدة و " عصرية " كان نصيبنا منها فى العالم العربى والإسلامي تشكيلة متنوعة ومتعددة من الجماعات التى تختلف فى أمور كثيرة لكنها تشترك فى أمر أساسي هو " تسييس الدين" أو " تديين السياسة". ورفعت فى وجوهنا شعارات مختلفة بدءاً من " الإسلام هو الحل" وانتهاء بتقسيم البلاد ، والعالم ، والبشرية، إلى " فسطاطين" ، فسطاط للكفر وفسطاط للإيمان ، واعتماد لغة وحيدة للتعامل مع كل من هم ليسوا أعضاء فى " حزب الله"، هى لغة الرصاص والإرهاب التى لا تفرق بين أنور السادات ونجيب محفوظ ومكرم محمد احمد وفرج فودة والبنتاجون فى واشنطن ومبنى مركز التجارة العالمى فى نيويورك وراكب غلبان فى مترو الأنفاق فى لندن أو قطار فى مدريد أو مواطن اكثر بؤساً ترك أهله فى صعيد مصر بحثا عن لقمة عيش تبقيه على قيد الحياة فى شرم الشيخ. وبين " الأخوان المسلمين" والجماعات الإسلامية المتلفعة بالعنف يوجد مجال طيف واسع يضم درجات متنوعة من " الإسلاميين" و " المتأسلمين" ، بعضهم لا يرفض الديمقراطية بل ينادى بها ويعترف بمتطلباتها وقواعدها واستحقاقاتها . بما يعنى أن ليس كل من أطلق لحيته او لاذ بالدين إرهابيا أو داعية للاستبداد . لكن الملفت للنظر، والمثير للدهشة، أن هؤلاء لم يكونوا وحدهم الذين لعبوا دور كهنة العصور الغابرة فى مطلع الألفية الثالثة، بل نافستهم الدولة فى ذلك وحاولت "تأميم" الدين لصالحها وحسابها، فوضعت العمامة على رأسها، وبعد أن كان دستور 1923- الذي هو أول دستور لمصر فى العصر الحديث- ينطلق من أن المصريين لدى القانون سواء وانهم "متساوون فى الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم بسبب الأصل أو اللغة أو الدين"، جاء الرئيس الراحل أنور السادات ليطلق شعاره الشهير ، الذي دخلنا بعده فى دوامة لا نعرف كيف نخرج منها حتى الآن ، حين قال " أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة" .. فاتحا الباب لأن تنص المادة الثانية من دستور عام 1971 على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الاساسى للتشريع. وفى ظل هذا "التنافس" بين الدولة وجماعات الإسلام السياسي عل اختطاف العمامة الإسلامية، جرت تطورات دراماتيكية عديدة وصلت ذروتها باغتيال الرئيس السادات الذي لعب بهذه النار غير المقدسة فاكتوى بها. لكن اغتياله لم يضع حداً للتدهور الذي عاشته البلاد. وهو التدهور الذي رصد الأديب الكبير جمال الغيطانى أهم ملامحه الفكرية والثقافية – فى حلقة النقاش التى نظمها المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية بالاشتراك مع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية لـ " الأهرام" وأدارها الدكتور على الدين هلال وشارك فيها إلى جانب الغيطانى الدكتور احمد الربعى المفكر والوزير الكويتى السابق ، والشيخ إسماعيل الدفتار والدكتور وحيد عبد المجيد والدكتور سيف الدين عبد الفتاح وقام بالتعقيب الدكتور احمد عمر هاشم والدكتور قدرى حفنى وكاتب هذه السطور. كانت كلمة الاديب الكبير جمال الغيطانى مفعمة بالمرارة والحسرة والغضب لما آل إليه حالنا. وكأن كلمته كانت مرثية لزمن جميل زرع فيه أجدادنا زهوراً ساحرة داسها أحفادهم بالأحذية وأغرقوها فى صحارى من القبح والجهل والتعصب . يكفى ان نعيد قراءة دستور 1923 لنرى كيف نتراجع عن بديهيات أرست الجماعة الوطنية المصرية دعائمها من قبل، ثم نكصنا عنها وعدنا إلى الوراء قروناً سحيقة . واستعاد جمال الغيطانى شريط التذكارات الوطنية حين كان الأقباط هم أول من رفضوا إقامة حزب قبطى فى مصر، وحين كانت روح التسامح بين أبناء الجماعة الوطنية تسمح بان يكتب أحد المفكرين فى عشرينيات القرن الماضى "لماذا أنا ملحد"؟ فلا يهدر دمه أحد أو يرفع عليه قضية للتفريق بينه وبين زوجته وإنما يكون الرد على مقاله بمقال آخر " لماذا أنا مسلم"؟ هذه الواقعة تعبر عن المناخ الذي كان سائداً فى النصف الأول من القرن العشرين.. حتى وصلنا إلى ستينيات القرن الماضى . عند هذه الحقبة يتذكر (صاحب التجليات) محاكمة سيد قطب أمام محكمة عسكرية، باعتبارها نقطة فارقة فى تاريخنا الثقافى ، مضيفا انه ضد أفكار سيد قطب التكفيرية لكنه أيضا ضد محاكمة اى مفكر أمام محكمة عسكرية ، ناهيك عن إعدامه. وأضاف جمال الغيطانى ان سياسة التعذيب التى ثم انتهاجها بعد ذلك ضد الأخوان الملمين ، وغيرهم ، دفعت بعضهم إلى طريق الانتقام والعنف والإرهاب. ولا تقف مسئولية الحكومة، او الحكومات المتعاقبة ، عند هذه الحدود، بل تتعداها إلى التورط فى جريمة حملات مصادرة الكتب، التى وصلت إلى مصادرة "ألف ليلة وليلة" و "الفتوحات المكية" الذي توقفت إعادة طباعته عند المجلد الرابع عشر ومازالت الدولة، حتى هذه اللحظة، خاضعة لابتزاز القوى الظلامية التى حرضت على خنقه فى صمت! وكانت نتيجة هذه السياسة المنافقة هى أن ثقافة العنف أصبحت هى الموجودة اليوم على الأرصفة، تباع بملاليم وتحظى بالترويج .. بينما الثقافة الجادة محاصرة وتضعف وتتراجع! وفى الحقيقة فان ما قاله الأديب الكبير جمال الغيطانى لم يكن فقط مرثية لمشروع نهضة واستنارة وعقلانية تعرض لـ " الخيانة" والنكوص والطعن فى الظهر .. وإنما كان أيضا دفاعاً من القلب عن حرية الضمير والاعتقاد والتفكير والتعبير والاجتهاد وتجديد الفكر الدينى وتحديث الأزهر باعتبارها كلها مقدمات ضرورية لاى إصلاح حقيقى، فضلا عن إنها المدخل الطبيعى للتناول النقدى النزيه لظاهرة الإسلام السياسى المعاصرة . وفى رأيي أن استعادة روح التسامح ومناخ الحرية، بمعناها الشامل، لن تكون متاحة بدون إعادة الاعتبار إلى مبدأ " المواطنة" والتمكين له. وهذا ليس مجرد لافتة أو شعاراً يكفى التشدق به، وانما هو مبدأ يحتاج إلى آليات كثيرة ومتشابكة، على رأسها إعادة النظر فى المادة الثانية من الدستور وفض الاشتباك بين الدين والسياسة.. فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية –بجدية- دون الاعتراف بدون لف او دوران بان الأمة هى مصدر السلطات وان الإنسان هو مصدر القانون .
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تراجيديا الكولونيل والشيخ
-
دموع في عيون استعمارية
-
(1-2) الدين.. والسياسة : سؤال وقديم إجابات معاصرة
-
واقع الحال في مصر.. دون مساحيق تجميل
-
الأسلحة الفاسدة
-
الصحافة القومية .. سقطت فى أول امتحان
-
مبارك يطبق شعارات المعارضة .. برجال الحزب الوطنى
-
أهميــة العلــم.. يــا نـــاس!
-
شارون يطلب مساعدة مصر في مكافحة الإرهاب!
-
شرم الشيخ ترتدي ملابس الحداد.. ولا عزاء للمتهاونين
-
رياح التغيير تهب علي الصحافة القومية
-
وزير الصحة .. مصطفى النحاس باشا!
-
! مطالبة علي الهواء باستقالة وزير الخارجية
-
!من الذى شن الهجوم على لندن.... ولماذا؟
-
لعنة صفر المونديال تطارد الدبلوماسية المصرية
-
إيهاب الشريف : ثلاثية الحزن والسخط والدهشة
-
مطلوب حوار وطني حول مستقبل صحافة تبحث عن هوية الصحافة »القوم
...
-
إنقاذ السفير المصري المختطف.. كيف؟!
-
تقرير الأرقام القياسية للفساد يدق أجراس الخطر
-
طوارئ.. في دارفور فقط
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|