|
الصليبيون والصهاينة (هم ونحن )
فضيلة يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4603 - 2014 / 10 / 14 - 18:05
المحور:
القضية الفلسطينية
قد تظهر كلمات مثل "الصليبيين" و "الصهاينة" أكثر وأكثر في كثير من الأحيان كما التوائم. في فيلم وثائقي عن داعش شاهدته للتو، ظهرت تقريباً معاً في كل جملة قالها المقاتلون الاسلاميون، بما في ذلك المراهقون منهم. كتبت مقالاً قبل نحو ستين عاماً عنوانه: "الصليبيون والصهاينة". ربما كان الأول حول هذا الموضوع. وأثار الكثير من المعارضة، في ذلك الوقت، كانت مقالة صهيونية عن الإيمان الذي لا يوجد له مثيل ، توت توت، توت،. على عكس الصليبيين ،اليهود أمة. على عكس ذلك كان الصليبيون برابرة مقارنة مع المسلمين المتحضرين في ذلك الوقت. الصهاينة متفوقون تقنياً ،على عكس الصليبيين، اعتمد الصهاينة على العمالة الخاصة بهم، (كان ذلك قبل حرب الأيام الستة، بالطبع). لقد قلت بالفعل قصة تعلقي بتاريخ الصليبيين عدة مرات ، ولا أستطيع مقاومة إغراء قول ذلك مرة أخرى. خلال حرب 1948 كان وحدة الكوماندوس التي عملت بها تقاتل في الجنوب. عندما انتهت الحرب، ظل شريط ضيق من الأرض على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في أيدي المصريين. أُطلق عليه اسم "قطاع غزة" .وتم بناء بؤراً استيطانية حوله. وبعد سنوات قليلة، وأنا أقرأ "تاريخ الحروب الصليبية" ل Steven Runciman ، لفت انتباهي على الفور مصادفة غريبة: بعد الحملة الصليبية الأولى، تُرك شريط من الأرض على طول البحر في أيدي المصريين، وتمتد على بعد بضعة كيلومترات خارج غزة. بنى الصليبيون سلسلة من التحصينات لاحتوائه. كانت تقريباً في نفس الأماكن والمواقع الخاصة بنا. عندما انتهيت من قراءة المجلدات الثلاثة، فعلت شيئاً لم أفعله من قبل ، كتبت رسالة إلى المؤلف مشيداً بالعمل، وسألته: هل فكرت يوما في التشابه بيننا وبينهم؟ وصلت الإجابة في غضون أيام. ، كتب Runciman، أنا لم أفكر فيه فقط ولكن فكرت في ذلك كل الوقت. في الواقع أردت أن يكون العنوان الفرعي للكتاب "دليل للصهاينة ، كيف لا نفعل ذلك". ومع ذلك، أضاف، "نصحني أصدقائي اليهود أن لا أفعل . "إذا كنت ستمر عبر لندن "أضاف :أنه سيكون سعيداً إذا اتصلت به. حدث أن كنت في لندن بعد بضعة أشهر، واتصلت به. طلب مني أن أذهب عنده على الفور. (كان اسم Runciman مألوفاً لي: كان والده والتر ،أحد النبلاء، أرسله Neville Chamberlain في عام 1938 للتوسط بين ألمانيا النازية والتشيك، وصُدم العالم لأنه حيّا الألمان بتحية "هايل هتلر" ). أجاب Runciman نفسه عندما طرقت الباب ، بريطاني شهم طويل القامة في حوالي الخمسين. يفتخر ببريطانيا ، كنت مسحوراً بطريقته الأرستقراطية المهذبة. بعد كأس من الشيري، غرقنا في مناقشة عن التوازي بين الصليبيون والصهاينة ، وفقدنا معنى الوقت كلياً. لساعات قارنا الأحداث والأسماء. من كان هرتزل الصليبيين ؟ (البابا أوربان)، من كان بن غوريون الصليبيين ؟ (غودفري؟ بالدوين؟)، من هو الصهيوني مقابل رينالد ؟(موشيه ديان)، من هو ريمون طرابلس الاسرائيلي ، الذي كان يؤيد السلام مع المسلمين؟ (أشار Runciman لي). بعد سنوات، دعاني Runciman وزوجتي إلى اسكتلندا، حيث انتقل للعيش في قلعة قديمة بالقرب من لوكربي، بُنيت للدفاع ضد انكلترا. كان يخدمنا على العشاء خادم وحيد تحدث عن الأشباح التي تخيم على المكان. اندهشت أنا وراشيل عندما أدركنا انه يعتقد فيها حقاً. رغم أنه يفصل بين الحركتين التاريخيتين ستة قرون على الأقل، واختلاف الخلفيات السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية بشكل تام، بطبيعة الحال،. لكن بعض أوجه التشابه واضحة. اجتاح كل من الصليبيين والصهاينة (وكذلك الفلسطينيين" Philistines" من قبلهم) فلسطين من الغرب. عاشوا وظهورهم إلى البحر وأوروبا، ويواجهون العالم العربي المسلم، كانوا يعيشون في حرب دائمة. في ذلك الوقت، كان هناك ترابطاً بين اليهود و العرب. وما زالت المجازر الرهيبة ضد الجاليات اليهودية على طول نهر الراين التي ارتكبها بعض الصليبيين في طريقهم إلى الأراضي المقدسة مطبوعة عميقاً في الوعي اليهودي. بعد قهر القدس، ارتكب الصليبيون جريمة بشعة أخرى بذبح جميع السكان المسلمين واليهود فيها، الرجال والنساء والأطفال، وخاضوا "إلى ركبهم في الدم"، كما وصفها المؤرخون المسيحيون أنفسهم. كانت حيفا، آخر المدن التي سقطت بيد الصليبيين، دافع سكانها اليهود، جنباً إلى جنب مع حامية المسلمين بشراسة عنها . لقد ترعرعت على كره الصليبيين، ولكن لم أكن أعي الكراهية العميقة التي شعر المسلمون بها حتى سألت الكاتب العربي الاسرائيلي اميل حبيبي التوقيع على وثيقة للشراكة الإسرائيلية الفلسطينية على القدس ، وكنت قد سردت في الوثيقة كافة الثقافات التي أثْرَت المدينة في الماضي. عندما رأى حبيبي انها شملت الصليبيين، رفض التوقيع، وصاح: "كانوا حفنة من القتلة "! واضطررت الى حذف الصليبيين منها. عندما يقارننا العرب مع الصليبيين، يريدون بوضوح أن يقولوا أننا، أيضاً، دخلاء ،أجانب، غرباء عن هذا البلد وهذه المنطقة. هذا هو السبب أن المقارنة أمر خطير جداً. إذا كان العرب يحملون مثل هذه الكراهية العميقة للصليبيين بعد ستة قرون، كيف يمكنهم التوافق معنا؟ بدلاً من إضاعة وقتنا في الجدل حول ما إذا كنا مماثلين لهم أو لا، يستحسن أن نتعلم من تاريخ الصليبيين. الدرس الأول يتعلق بمسألة الهوية. من نحن؟ هل نحن الأوروبيون الذين يواجهون منطقة معادية؟ هل نحن "جدار ضد البربرية الآسيوية"، كما أعلن تيودور هرتزل؟ هل نحن "فيلا في غابة"، وفقاً للمقولة الشهيرة لايهود باراك؟ باختصار، هل نرى أنفسنا أننا ننتمي إلى هذه المنطقة أم أننا الأوروبيون الذين سقطوا بطريق الخطأ على القارة خاطئة؟ في رأيي، هذا هو السؤال الأساسي للصهيونية، أن تعود إلى يومها الأول، وتراجع كل شيء قامت به حتى يومنا هذا. في كتيب "الحرب أو السلام في المنطقة الساميّة"، الذي نُشر عشية حرب عام 1948، كنت قد طرحت هذا السؤال في الجملة الأولى. لم يكن هذا سؤالاً بالنسبة للصليبيين على الإطلاق ، كانوا زهرة الفروسية الأوروبية وجاؤوا لمحاربة المسلمين. اتفقوا على (الهدنة) مع الحكام العرب، وعلى رأسهم أمراء دمشق، لكن قتالهم كان ضد الإسلام في حد ذاته. احتقروا وأبعدوا الأقلية من دعاة السلام والمصالحة، مثل ريمون المذكور من طرابلس. إسرائيل الآن في وضع مماثل. صحيح أننا لم نعترف بأننا نريد الحرب، دائماً العرب الذين يرفضون السلام. ولكن من يومها الأول، رفضت دولة إسرائيل تثبيت حدودها، ودائماً نحن على استعداد للتوسع بالقوة - تماماً مثل الصليبيين. اليوم، وبعد 66 عاماً من تأسيس دولتنا، وأكثر من نصف الأخبار اليومية في وسائل إعلامنا مخاوف من الحرب مع العرب، داخل وخارج إسرائيل. (في الأسبوع الماضي، طالب وزير الزراعة في اسرائيل ، يائير شامير، أن نتخذ تدابير عاجلة للحد من معدل المواليد البدو في النقب - مثل فرعون في القصة التوراتية) .تعاني إسرائيل من شعور عميق الجذور بانعدام الأمن الوجودي، الذي يجد تعبيره في أشكال لا تعد ولا تحصى. وبما أن إسرائيل تمثل قصة نجاح واضحة وقوة عسكرية من الطراز العالمي في نواح كثيرة ، فإن هذا الشعور بانعدام الأمن غالباً ما يثير العجب. وأعتقد أن جذوره هو الشعور بعدم الانتماء إلى المنطقة التي نعيش فيها، لكوننا ليس فيلا في غابة، وإنما غيتو محصن في المنطقة. يمكن القول أن هذا الشعور طبيعي، لأن معظم الاسرائيليين منحدرين من أصول أوروبية. ولكنّ هذا ليس صحيحاً ف 20٪-;- من مواطني إسرائيل هم من العرب. وأتى ما لا يقل عن نصف عدد اليهود هنا (هم أو أجدادهم) من الدول العربية، حيث تحدثوا العربية واستمعوا الى الموسيقى العربية. أعظم مفكري السفارديم، موسى ابن ميمون (رمبام في العبرية) تحدث وكتب باللغة العربية وكان الطبيب الشخصي للعظيم صلاح الدين (صلاح الدين الأيوبي). وكان يهودياً وعربياً كما كان باروخ سبينوزا برتغالياً ويهودياً وموسى مندلسون يهودياً وألمانياً. هل كان الصليبيون أقلية ارستقراطية صغيرة في دولتهم، كما يؤكد المؤرخون الصهاينة دائماً ؟ يعتمد هذا على كيفية تقديرك للأمور. عندما وصل الصليبيون الأوائل إلى فلسطين، كانت غالبية السكان من مختلف الطوائف المسيحية الشرقية. ومع ذلك، نظر الغزاة الكاثوليك لهم كغرباء وأدنى منهم . مارسوا التمييز ضدهم وأسموهم "المُهر". شعرت الطوائف المسيحية الشرقية أنها أقرب إلى العرب من المكروه "فرانكس"، ولم تحزن عندما تم طردهم في النهاية. تحوّل معظم هؤلاء المسيحيين في وقت لاحق إلى الإسلام، وهم أجداد كثير من الفلسطينيين المسلمين اليوم. والدرس الآخر هو علاج الهجرة بجدية. في المجتمع الصليبي، كان هناك الذهاب والاياب ثابتاً . يجري نقاش حول الهجرة المشتعلة في إسرائيل الآن، يترك الشباب، ومعظمهم من المتعلمين جيداً، مع أطفالهم، لبرلين ومدن أوروبية وأمريكية أخرى، كل عام، ويتطلع الإسرائيليون بفارغ الصبر في الميزانية العمومية: كم هاجروا إلى إسرائيل بسبب معاداة السامية، وكم هاجروا منها بسبب الحرب والتطرف اليميني إلى أوروبا ؟ كانت هذه مأساة بالنسبة للصليبيين. أحد الأسباب الرئيسية للرفض الصهيوني للمقارنة بالصليبيين هو نهايتهم المؤسفة. بعد ما يقرب من 200 سنة في فلسطين، ومع العديد من الصعود والهبوط، أُلقي آخر الصليبيين حرفياً في البحر من رصيف عكا. كما كان رئيس الوزراء السابق ، اسحق شامير، "والد يائير"، مولعاً بالقول: "إن البحر هو نفس البحر والعرب هم نفس العرب". بالطبع، لم يكن عند الصليبيين قنابل نووية ولا غواصات ألمانية. عندما تستخدم داعش وغيرها من العرب مصطلح الصليبيين، فإنها لا تعني فقط الغزاة في القرون الوسطى. إنها تعني كل المسيحيين الأمريكيين والأوروبيين. وعندما يتحدثون عن الصهاينة، فإنهم يعنون اليهود الإسرائيليين، وغالباً كل اليهود. وأعتقد أن هذا الربط بين المصطلحين خطير للغاية بالنسبة لنا. أنا لا أخاف من القدرات العسكرية لداعش والتي تكاد لا تذكر، ولكن من قوة أفكارهم. لا تستطيع القاذفات الأمريكية القضاء على هذه الأفكار. والوقت ليس متأخراً. يجب علينا اجتثاث أنفسنا من المقارنة مع الصليبيين، القدماء والحديثون. بعد 132 عاما من وصول أوائل الصهاينة إلى فلسطين، حان الوقت بالنسبة لنا لتعريف أنفسنا كما نحن حقاً: دولة جديدة وُلدت في هذا البلد، ينتمون إلى هذه المنطقة، وحلفاء طبيعيون لنضالها من أجل الحرية. مترجم URI AVNERY
#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل مقاطعة إسرائيل هي الطريق الصحيح للنضال من أجل حقوق الفلسط
...
-
اغتيال الصورة : عبد الله نصر وال Hermes-900
-
أمة استبدادية
-
صهاينة وليبراليون
-
نخوة بلا حدود :غزة ونهاية -الشهامة العربية-
-
محاكمة اسرائيل لجرائم الحرب
-
غزة : المكافآت والعقاب
-
باولو فيريري والوعد بالتربية الناقدة
-
اسرائيل :الاستيطان والغرب المتوحش
-
الاقتصاد السياسي للفصل العنصري الإسرائيلي، وشبح الإبادة الجم
...
-
التضحية بالفقراء ( من غزة لأمريكا )
-
دولة الجبناء
-
لماذا نرفض الخدمة في الاراضي الفلسطينية المحتلة
-
غزة:كسر آخر المحرمات
-
جز العشب في غزة
-
فشل في غزة
-
اسرائيل تستخدم فيديو من 2009 لتبرير تدمير مستشفى الوفاء
-
عائلة غزاوية دمرتها القنابل الإسرائيلية
-
مجزرة ريشون لتسيون - قاتل غزة
-
توجيه هانيبال: كيف قتلت إسرائيل جنودها وذبحت الفلسطينيين لمن
...
المزيد.....
-
بعد تفاعل محمد بن سلمان.. -مات ليث من ليوث آل سعود- بقصيدة ع
...
-
تحديث.. انفجار طائرة سقطت في فيلاديلفيا بأمريكا قرب مركز تجا
...
-
انتشال جثتي طياري المروحية العسكرية المنكوبة بحادث اصطدام بط
...
-
ما هو تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على كندا والمكس
...
-
ما مستقبل الشراكة بين أميركا والجزائر بعد عودة ترامب؟
-
كارثة جديدة في أجواء أميركا.. كيف سقطت -طائرة الطفل المريض-؟
...
-
القوات الروسية تسيطر على بلدة جديدة شرقي أوكرانيا
-
ترامب يعلق على تحطم طائرة صغيرة في فيلادلفيا
-
سوريا.. فيديو ودلالة هدية أحمد الشرع إلى أمير قطر ورد فعل ال
...
-
السعودية.. فيديو ما فعله وافد يمني ومواطن بالشارع العام يشعل
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|