|
من اجل التكامل بين الوطني والتنموي: المطلوب رؤية تنموية استراتيجية شاملة لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني
عيسى ب. ربضي
الحوار المتمدن-العدد: 1294 - 2005 / 8 / 22 - 06:40
المحور:
المجتمع المدني
لقد لعبت المؤسسات غير الحكومية على اختلاف تسمياتها من مؤسسات خيرية، أهلية، غير ربحية أو مؤسسات مجتمع مدني، دوراً بارزاً في التاريخ الفلسطيني وخصوصاً العقود العشرة المنصرمة وما شملته من محاولات منظمة وعشوائية لتطوير خدمات وسياسات شبه تنموية. فقدمت المؤسسات خدماتها الخيرية والإغاثية لأبناء الشعب الفلسطيني ولعبت دوراً مزدوجاً ضرورياً – وبالتالي طبيعياً- في قيادة الفعل الوطني والتحرري جنباً الى جنب مع التيارات السياسية الوطنية المختلفة. مقدمة تاريخية: ففي بداية القرن العشرين ومع بدايات انهيار الدولة العثمانية وبدايات الاحتلال البريطاني لفلسطين، تصاعدت ظاهرة انتشار الجمعيات الخيرية التي قادتها بالأساس فئات من الطبقات الوسطى كانت تمتلك المال والتعليم، وبالتالي كان يمكن لها أن تطلع على التجارب البريطانية والأوروبية بهذا المجال وتحاول مجاراتها على اعتبارها نماذج ايجابية وثورية في حينه لرفع مستوى الرفاه الاجتماعي في البلد والحد من الفقر والعوز. لا بد أن توجهات الأفراد والجماعات التي بادرت لتبني فكرة العمل الخيري والتطوعي كانت ايجابية وشكلت نقلة نوعية بأساليب العمل المجتمعي وبالتالي مهدت لانتشار العمل الاغاثي، الخيري، التطوعي والتنموي لاحقاً. ما لبثت الجمعيات الخيرية من أن تمحورت حول خدمات الإغاثة والمساعدة في نهاية الأربعينيات كرد فعل طبيعي وضروري على النكبة الفلسطينية، فقامت ببناء برنامج عملها على أساس إغاثة اللاجئين واستمر طابعها يعتمد المساعدات المالية والعينية على اعتبارها الوسائل الممكنة والملحة. بعد انتشار المد القومي العربي على أثر ثورة 1952 في مصر وتأثر قيادات الشعب الفلسطيني بالمد الثوري في العالم والذي وجد انعكاسه على الساحة السياسية الفلسطينية بتشكيل فصائل الثورة الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى، أنعكس الواقع السياسي والاقتصادي الجديد على واقع مؤسسات الفعل الشعبي الاجتماعي وبدأت قدرات الجمعيات والمؤسسات غير الربحية أو الخيرية بالنمو بشكل شبه منظم وتمكنت من الوصول لقواعد الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال بشكل أسهل من القيادات الثورية والعسكرية بسبب خصوصية نشأة وتطور قيادة الثورة الفلسطينية خارج الأرض المحتلة، فقامت بلعب دور (الأذرع) الجماهيرية والنقابية من خلال اتحادات العمال والطلاب والمرأة والفلاحين وخلافه لتقوم بتقديم خدماتها الإنسانية لجماهير الشعب الفلسطيني وتدعم قدراته في مواجهة الاحتلال ولتشارك الشارع الفلسطيني بهمومه اليومية حيث أن ابتعاد قيادات وكوادر الثورة المسلحة والسياسية عن ساحة الداخل شكل ابتعاداً غير محموداً لها عن صفوف الجماهير التي تقودها. في هذه المرحلة لعبت المنظمات غير الحكومية والتي كان أكثر أشكالها انتشاراً النقابات العمالية والاتحادات الطلابية والنسوية، الدور المركزي والحاسم في المشروع النضالي والوطني والاجتماعي. مع نهاية الثمانينات ومع تصاعد زخم الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، أصبحت الأذرع النقابية أكثر نفوذاً وسلطة في ساحة الوطن المحتل واستمرت بتقديم خدماتها النوعية بمختلف المجالات خصوصا بعد تشديد الطوق حول منظمة التحرير الفلسطينية في دول المحيط، حتى جاءت اتفاقيات اوسلو لتضع حداً لنفوذ هذا الشكل من المؤسسات غير الحكومية وتفرض عليها قالباً جديداً أكثر تنظيماً ومهنية فأصبح معيار عمل ونجاح هذه المؤسسات – أو جزء كبير منها على الأقل – هو قدرتها على تلبية احتياجات مجتمع المنتفعين بفئاتهم المختلفة وتجنيد الأموال واستقطاب المهنيين المؤهلين والقدرة على تحسس احتياجات المجتمع وتلبيتها، تمكنت المؤسسات غير الحكومية من أن تبني شكل من أشكال الهوية الخاصة بها وأن ما زالت أسيرة لحسابات فئوية وتنظيمية تربطها بتعقيدات فئوية ضيقة. لقد شكّلت اتفاقيات أوسلو وما تبعها من اتفاقيات هزيلة، هزّة قوية في الشارع الفلسطيني وتباينت المواقف السياسية بين مؤيد ومعارض وكلٌ له أسبابه ومسوغاته، لكن ما لاشك به أن هذه الاتفاقيات شكلت نقطة تحول حاسمة لمؤسسات العمل المجتمعي التي أصبحت أمام خيار الذوبان في أجهزة الدولة أو الانحلال أو أن تصبح مؤسسات مجتمع مدني تقارع السلطة الوطنية من أجل تطوير الواقع المعيشي الاجتماعي، السياسي، القانوني، البيئي...الخ. على اعتبار أن السلطة الوطنية تشكل مدخلاً محتملاً لدولة فلسطينية وهو الأمر الذي لم يحدث حتى اليوم، تاركاً مؤسسات المجتمع المدني أمام مرحلة انتقالية طويلة بين التحول من السياسي الفئوي المطلق إلى المهني المؤسساتي المطلق إن جاز التعبير فبقيت لسنوات تراوح في هذه المرحلة الانتقالية تصارع من أجل وجودها وحقها بالعمل السياسي والاجتماعي أحياناً نجحت في حسم اتجاهها المهني وتمكنت من تقديم مستوى عالي من المهنية ولنا تجارب مميزة بهذا المجال بمقابل عدد من التجارب التي لم تثبت فشلها فحسب بل أثبتت دورها التخريبي على حركة التطور السياسي والاجتماعي الفلسطيني عموماً. سمات مؤسسات القرن العشرين: لابد من الإشارة الى في هذا السياق أن الجمعيات الخيرية وغير الحكومية وغير الربحية في مرحلة ما قبل استقدام السلطة الوطنية تميزت بعدد من السمات التي يمكن تحديدها بشكل محوري بعدد من الممارسات الرئيسية. فقد تميز عمل المؤسسات والجماعات بالعشوائية، بالعادة قامت المؤسسات والجمعيات بتقديم خدماتها بدون تخطيط استراتيجي واضح المعالم وبالتالي كانت خدماتها اقرب الى ردة الفعل منها الى الفعل وكانت خدماتها ومواردها تهدر دون حساب ودون تحقيق بعد تنموي قابل للاستثمار. لا نريد أن نزاود على جمعيات القرن العشرين فالتخطيط الاستراتيجي يتطلب شكلاً من أشكال الوضوح السياسي والاستقرار المادي الذي كان شبه معدوماً، ويتطلب خبرات مهنية وكادر متخصص الأمر الذي كنا نفتقده. لكن هذه الضبابية السياسية والمالية والضعف المهني والتخصصي ليس مبرراً مقبولاً لضعف وأحياناً انعدام التنسيق والتشبيك بين المؤسسات المختلفة بل أنها احياناً قامت – أي المؤسسات – بإدارة صراعاتها الخاصة لتقوية نفوذها على حساب القضية الأساس، فكانت الموارد الشحيحة أصلا تستنفذ في احتياجات ثانوية وخاصة بدلاً من تركيزها في دورها الخيري، الإغاثي أو التنموي. ما يؤخذ لهذه المؤسسات ويوزن بميزان إيجابياتها، دورها الطليعي في بلورة الهوية الوطنية الفلسطينية وتحضير أرضية صلبة من الخبرة والتجربة لما سيلحق من بناء لمؤسسات ما أصبح يعرف بمؤسسات المجتمع المدني أو المؤسسات غير الحكومية وهي التي من المفترض لها أن تلعب دوراً ريادياً ليس في تقديم الخدمات الاجتماعية والمهنية فحسب بل في ضمان الحكم الصالح وتوزيع الخيرات المجتمعية بعدل واستثمار الموارد المحلية والعالمية بأفضل صورة. ولادة السلطة الوطنية – نقطة تحول: لقد شكلت اتفاقيات اوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين هزة كبيرة، ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستويات المؤسساتية القانونية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية. فهذه الاتفاقيات التي استقدمت السلطة الفلسطينية لأول مرة الى فلسطين وان كان بشكل أكثر شبهاً بالحكم الذاتي منه الى الدولة، إلا أن هذا التغيير ألقى بظلاله على الشارع الفلسطيني بكل قطاعاته. وكان لابد أن تكون المؤسسات الجماهيرية، غير الحكومية، غير الربحية من ضمن من تأثر بهذه الهزة، ففقد ما فقد من سلطة واكتسب ما اكتسب من صلاحيات وموارد. وان كانت هذه المؤسسات قد فقدت شكل سلطتها القيادية على حركة الجماهير الشعبية النضالية، فإنها اكتسبت سلطات اكبر وموارد أعظم لتشكل نداً ورقيباًً لمؤسسات السلطة. وهذا أمراً ضرورياً وطبيعياً في ظل وجود دولة ديمقراطية لا بد له أن يحدث حتى تقوم الحكومة بدورها في خدمة الشعب وليس استغلاله. أن ما حدث في فلسطين كان شكلاً عكسياً الى حد ما، فاتفاقيات اوسلو لم تنجب دولة فلسطينية مستقلة رغم طول فترة الحمل وبقيت الضبابية السياسية وانعدام الاستقرار هي السمة الغالبة فكيف لمؤسسات المجتمع المدني أن تولد ولادة طبيعية وتمارس دورها في حماية الشعب والنضال من اجل مصالحه في ظل عدم وجود بنية سياسية واجتماعية اقتصادية واضحة؟ لقد كانت مؤسسات المجتمع المدني أكثر قوة وسلطة وموارد ودعم من السلطة السياسية الفلسطينية وهذا ما جعل هذه السلطة تشعر بخطر من هذه المؤسسات وتهديدها لقوة السلطة السياسية وقد يكون هذا احد أسباب تشكيل وزارة المنظمات الأهلية لتشكل رقابة حكومية على نشاطات وعمل المؤسسات غير الحكومية التي كانت تتلقى دعماً مالياً كبيراً مقارنة بما تتلقاه السلطة السياسية من دعم وبالمقابل لا يوجد عليها نفس الرقابة والمحاذير التي تم فرضها على السلطة السياسية وأجهزتها المختلفة. أن الولادة المشوهة للسلطة الفلسطينية من خلال الحمل غير الطبيعي الذي أصبح متعارفاً عليه باسم اتفاقات أوسلو، كان لا بد أن يجرّ خلفه نمواً متعسراً لمؤسسات المجتمع المدني على الرغم من النوايا الطيبة ووجود تراكم نوعي للخبرات الفردية والجماعية التي ساعدت في تخفيف حدة النزاع الداخلي في بنية المؤسسات لكنها لم تنجح في ازالته. أن هذه العلاقة بين مؤسسات الحكم ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني التي تبدو طبيعية للوهلة الأولى في الحقيقة هي بنية مشوهة أٌنتجت في ظروف سياسية مشوهة ولابد لها أن تنتهي في يوم ما وأو تستبدل بشكل طبيعي. الدور المتوخي لمؤسسات المجتمع المدني: أن لمؤسسات المجتمع المدني دوراً محورياً بانتظارها، فكما كان وما زال لها دوراً طليعياً في النضال السياسي والنضال الاجتماعي – اللذان لم ينتهيا بعد رغم إرادة البعض لهما بذلك – فلابد أن يكون لهذه المؤسسات دوراً طليعياً في عملية البناء والتنمية حتى تستحق اسمها كمؤسسات مجتمع مدني لا أن تشكل عبئاً على كاهل الاقتصاد الوطني والتنمية بجميع أشكالها. إن تحليلاً أعمق لتطور عمل مؤسسات المجتمع المدني الحديثة ما بعد قدوم السلطة الوطنية يمكن له أن يساعدنا في فهم الدور المزدوج الذي تقوم به هذه المؤسسات وهو دور مهم من حيث خطورته وحتميته. خطورته لأنه يمكن أن يخضع لاعتبارات سياسية وفردية أحياناً، وحتميته لأنه يمثل الشكل الطبيعي – وبالتالي الضروري – للتطور التاريخي للدولة الحديثة. عدة عناصر يمكن لها أن تشكل العمود الفقري لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني والتي تحدد مدى خطورته وأهميته وتلعب دوراً محورياً في تحديد هوية هذا القطاع ودوره النضالي والمهني بنفس الوقت. التمويل المشروط سياسياً، والموجه بالعادة بناء على رغبة الجهة الممولة وليس حسب رغبات واحتياجات الشعب مثل المشاريع التي تمولها جهات إسرائيلية كمركز بيرس للسلام وجهات أمريكية مثل الوكالة الأمريكية USAID. لعل من العناصر الأساسية التي تشكل مفصلاً حيوياً في تاريخ وحياة مؤسسات المجتمع المدني المعاصرة هو التمويل وجهات التمويل. لا يغيب عن ذهن أي شخص عايش حركة تطور مؤسسات المجتمع المدني دور التمويل وجهات التمويل في بلورة هوية وثقافة وخدمات هذه المؤسسات. العديد من جهات التمويل قدمت ملايين الدولارات لمؤسسات المجتمع الفلسطيني تحت تسميات مختلفة، مساعدة الشعب الفلسطيني، تقوية مؤسسات المجتمع المدني وتمكينها، دمقرطة المجتمع الفلسطيني، رفع مستوى الرفاه، محاربة الفقر...الخ. بغض النظر عن الهدف أو التسمية كان بين دوافع الجهات الممولة في الغالب بعداً مخبأ أو أجندة مخفية بلغة المؤسسات يتعلق بالسيطرة ورغبة العديد من الجهات بان يكون لها موطئ قدم في الصراع و/أو العملية السلمية في الشرق الأوسط. مع أن هذا البعد لم يكن معلناً إلا انه كان موجود وازدادت حدته ووقاحته بإطلاق بعض جهات التمويل شرطاً صريحاً معلناً للتمويل وهو التوقيع على وثيقة ما يسمى بنبذ الإرهاب والتي تربط صراحة بين نضال الشعب الفلسطيني التحرري والإرهاب بحجة أنها تسعى لتجفيف موارد الإرهاب المالية. إن التمويل الخارجي وتحديداً المشروط سياسياً يعتبر سمة مميزة لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وبالتالي فان لأولئك الممولين بصماتهم الواضحة على أجندة عمل عدد من هذه المؤسسات الفلسطينية بينما عدد كبير من المؤسسات مازالت تناضل لترسم سياستها الخاصة بها وهذا كان نتاجاً لنضال المؤسسات من اجل استقلالية القرار فيها وفرضها لشروطها الخاصة بسبب مهنيتها والتفاف الناس من حولها. إن تجارب قطاع مؤسسات المجتمع المدني تقودنا لاستنتاج أهمية "تفتيت" التمويل الخارجي وتقسيمه على عدد من الجهات الممولة وعدم الاعتماد على جهة واحدة بحيث لا تستطيع فرض شروطها على صناعة القرار في المؤسسة وبالتالي لا تتمكن من السيطرة على مؤسسات المجتمع المدني وقيادته نحو مصالح خارجية بعيدة عن الاحتياج الحقيقي للشعب الفلسطيني. من جهة أخرى لابد من توسيع دائرة التمويل الذاتي والداخلي بحيث يتم تجنيد الأموال من مصادر محلية مثل الشركات الخاصة وحتى المنتفعين بحيث يتم تحصيل رسوم ولو رمزية مقابل الخدمات من المنتفعين القادرين على المساهمة. ومن جهة ثالثة من المهم التركيز على ضرورة استثمار أموال وموارد المؤسسة بمشاريع وبرامج تنموية وإنتاجية قابلة لدر الدخل حتى ولو جف التمويل أو انعدم. إن زيادة التمويل الداخلي والذاتي وتفعيل مساهمة الجمهور الفلسطيني تستدعي بالضرورة تغييراً في الثقافة التنموية وتعزيز مفاهيم المشاركة والعطاء مقابل ثقافة "الأخذ" والكسب وهذا بدوره يتطلب رؤية تنموية شمولية وطنية تشارك بها غالبية مؤسسات المجتمع المدني والأطياف السياسية والمهنيين على غرار ما جرى في القدس في العام 2001 حينما تم دراسة قطاعات الحياة الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية في المدينة تمهيداً لبناء الخطة الاستراتيجية الوطنية المتكاملة من اجل تطوير هذه الخدمات وتعميق بعدها التنموي. ليكن شعار المرحلة (شبك تسد): إن احتياجنا لخطة تنموية وطنية شاملة يقودنا بالضرورة لاحتياجنا لعنصر ثابت من عناصر تشكيل وبناء المجتمع المدني في فلسطين وهو التنسيق والتشبيك والتعاون بين مؤسسات وقطاعات المجتمع المدني من جهة وبين هذه القطاعات والقطاعات الحكومية والخاصة من جهة ثانية. لقد كان لتجربة الشعب الفلسطيني في الاحتلال على مختلف جنسياته ومآربه تجربة طويلة في التعاطي مع السياسة المعروفة باسم (فرق تسد) بحيث كانت محاولات التفرقة السياسية والاجتماعية والدينية وحتى العشائرية بين أبناء الشعب الواحد هي الممارسة الأكثر نجاعة في محاربة نضال الشعب الفلسطيني التحرري والاجتماعي. اليوم تمارس هذا الدور جهات سياسية وتمويلية مختلفة وتقوم بلعب نفس اللعبة مع مؤسسات المجتمع المدني وبين هذه المؤسسات والمؤسسات الحكومية الفلسطينية بحيث تفرق بينها وتشتت جهودها إدراكاً منها لخطر تحالف هذه المؤسسات والقطاعات وبالتالي إمكانية بناءها لفلسفة تنموية حقيقية تضرب بها عرض الحائط بالسياسة الاستهلاكية المادية والفكرية التي تحاول بعض الجهات الممولة والمانحة فرضها. إن أي امة لا تنتج فكراً أو خبزاً تبقى عرضة لاستهلاك خبز وفكر الآخرين، من هنا لابد لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني أن تتبنى استراتيجية تعاونية تشبيكية فيما بينها اولاً ثم بينها وبين القطاع الخاص والحكومي تحت شعار مضاد وهو (شبك تسد) لتبدأ من هنا بإنتاج السياسات والفكر التنموي وبالتالي تتمكن من إنتاج الخدمات الحقيقية وتلبية الاحتياجات الواقعية للشعب الفلسطيني. لن نكتفي بعملية التشبيك والتنسيق التقليدية بحيث يكون هنالك نشاط أو فعالية مشتركة، بل يجب أن نتجاوزه لوجود بناء تعاوني بين المؤسسات وشراكة قائمة على أساس المنفعة المتبادلة والاستثمار المشترك. الدراسات العلمية قاعدة متينة للتنمية: العنصر الثالث من عناصر بناء إطار المجتمع المدني وردم الفجوات فيه يتمثل بالاعتماد على الدراسات العلمية المهنية التي تحدد احتياجات الشعب الفلسطيني الحقيقية وتسعى لوضع التصورات والخطط الشمولية لتلبيتها معتمدة على الخبراء والمهنيين في المجالات المختلفة. ولابد من الإشارة الى أن عدة محاولات جادة تستحق التقدير في هذا المجال قد حدثت فعلاً لكنها غير كافية وتحتاج الى المزيد من التعاون من قبل المؤسسات الفلسطينية حتى يكتب لها النجاح. يبقى الإشارة الى عناصر داخلية لا تقل أهمية عما ذكرنا لابد لمؤسسات المجتمع المدني مراعاتها من اجل الارتقاء بأوضاعها الداخلية تمهيداً لتعزيز مكانتها وقدراتها الذاتية تتركز بالأساس باعتماد أنظمة الرقابة والشفافية المالية والإدارية داخل جسم المؤسسة جنباً الى جنب مع اعتماد التكنولوجيا الحديثة المتوفرة من طرق اتصال الكتروني وغيرها. أن الدور المحوري الهام لمؤسسات المجتمع المدني يفرض علينا أن نرتقي بواقعنا للاستجابة لهذه المسؤولية وتعزيز مكانتنا بحيث نتمكن من رسم الخطوط العريضة لخطة تنموية وطنية شمولية وقد يكون الأوان قد آن للمؤسسات والمهنيين المأخوذين والمبهورين بعظمة التجربة الغربية والمقتنعين بسقوط الحلول الأخرى أو انعدامها، لان يعودوا لممارسة دوراً طليعياً في العملية التنموية.آن الأوان للكف عن إتباع السياسات الإغاثية التي لا تسمن ولا تغني عن جوع واستبدالها بسياسات تنموية شاملة منطلقة من رؤية إنسانية تنموية مهنية ومستجيبة لاحتياج وطني فلسطيني.
#عيسى_ب._ربضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تهافت التهافت
المزيد.....
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|