|
الأديان وقصة التفسيرات البديلة.
ألبرت المستوري
الحوار المتمدن-العدد: 4600 - 2014 / 10 / 11 - 23:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد كان الناس مند الأزل،يشعرون بالوحشة والغربة في عالم لا يعرفون من تفاصيله إلا القليل،وكانت كل أنواع الأسئلة تلبس عليهم تفاصيل حياتهم،تائهين بذلك في المجهول.فكان من البديهي جدا أن يبحثوا عن إجابات مستحيلة،والأسئلة لم تفارق يوما عقولهم:من أين نحن؟لماذا نحن هنا؟من صنع كل هذا العجب؟ومع وجود ظواهر خارقة،كالزلازل والبراكين والفيضانات،استفحلت الأمور،وأصبح عقل المراحل الأولى ينتج تفسيرات أسطورية،مدعمة بالطقوس حتى تترسخ،وتنتقل الأساطير من المستوى النضري إلى مستويات فعلية وتطبيقية،وهكذا بدأ الناس يشعرون بطمأنينة في حياتهم،ويجعلون الأشياء الغير قابلة للتفسير أشياء جد اعتيادية،ليظهر مفهوم المسبب أو الالهة،وكاستمرارية للنهج الترسيخي للأسطورة،أصبحت للالهة رموز،تتخذ أشكالا معينة،فيحج إليها الناس،ويقدمون إليها القرابين،ويطلبون ويتوسلون. في مراحل أكثر تقدما في تاريخ البشر،تطورت المسائل،وأصبحت الأساطير القديمة تفقد عقبها وفعاليتها،مع ظهور أشخاص استطاعوا أن يكشفوا حقيقة هذه التفاسير،باعتبارها مجرد أوهام لم تعد تحظى في العقول بأي قبول،فعمدوا إلى نسف هذه الأساطير،لكن الاكتفاء بنسفها كان من شأنه أن يعرضهم إلى أشد أنواع التصفية بشاعة،فكان من الحكمة تقديمهم لتفسيرات بديلة،أكثر إقناعا وقبولا لدى العامة،وظهرت الاسئلة الكلاسيكية:"أتعبدون ألهة صنعتها أناملكم؟"... واستطاعت زعزعت العقائد،واجاد مكانها كنوع متقدم من التفاسير الأسطورية..وبهذا ظهرت الديانات السماوية،التي تدعوا إلى الإيمان بإله لا يرى ولا يمكن أن يرمز له،لأن قدسيته لا تسمح بذلك.وفي نفس السياق الترسيخي للأسطورة،ظهرت الشرائع-الطقوس،كممارسة فعلية للأساطير-العقائد.وظهر مفهوم الرسول،كواسطة بين الله والعباد،وكان مع الرسول أصدقاء يعرفون اسراره وخباياه،ويعينونه على ما يدعوا إليه،ويجعلون له المعجزات،حتى تزداد مصداقيته لدى العامة،ويصنعون نسقا متكاملا من القصص والأساطير،يدونونها في الكتاب المقدس،ويضيفون إليها نصوصا مثالية..مما يخرج الدين من مجرد قصص تتوارث بشكل حكائي،إلى كتاب تعتبر مجرد تلاوته عبادة في حد داثها..وتستمر سلسلة الأديان بظهور أنماط دينية جديدة،بحيث يحافظ الدين الجديد على ما سبقه من التفسيرات والقصص الأسطورية،لإضفاء نوع من المصداقية والقبول من جهة،ومن جهة أخرى لتجنب إنتاج تفسيرات جديدة،تقيم تعارضا كليا بينها،وتعرضها للمقارنة..فلو كان هناك إله آخر وقصص أخرى غير قصة أدم ونوح وغيرهما،لأقام العامة مقارنة بين الأمرين ولاكتُشفَت "اللعبة"..ولكن المسيحية حافظت على نفس التفسير،وعلى نفس القصص التي جاءت بها اليهودية،وأنتجت قصصا أكثر قبولا،على رأسها قصة صلب المسيح،وانتقاله للسماء ليتولى مهام الإله وهكذا،فقد أصبحت قصصا بنكهة عاطفية،تحظى بالإقبال الواسع لدى العموم الناقمين على شراهة الكهنة اليهود،واحتكارهم لتفسير الأوامر الإلهية،بطريقة تتفق مع مصالحهم... وكاستمرار لنفس السلسلة ظهر الإسلام على يد محمد،الذي بدوره،رأى عدم جدوى،وهشاشة تلك الممارسات الطقوسية التقليدية،ومع اطلاعه على ما سبق من ديانات،ووجود كهنة يلتجئ إليهم لمعرفة التفاصيل عنها.جعل من اللغة والكلام منطلقا أساسيا في دعوته،فقد كانت اللغة العربية سمة بارزة لطبيعة المجتمعات القبلية العربية، وجعل من نفسه هو الأخر،واسطة بين الإله والعباد،فحافظ على نفس القصص السابقة،كالتي تفسر نشوء الكون،وبدايات الإنسان على هذا الكوكب وغيرها.لكنه أضاف قصصا أخرى جديدة،وغير مسبوقة،بهدف جذب الجهلاء من العامة،كقصة إبراهيم وبناء الكعبة،والتي استطاعت ان تحافظ على قدسية الكعبة،وتجعلها نفس العاصمة التي يحج إليها الناس،ولكن بطريقة،تعزى إلى عدة أسباب،منها أن الكعبة تجتذب الكثير من الناس،من كافة النواحي العربية،وليس من الحكمة هدمها او إلغاء إشعاعها،فتصبح مكة بذلك معزولة اقتصاديا وثقافيا،وتفقد إشعاعها.كما كان من البديهي استغلال الرسول المزعوم،لبعض الظواهر السلبية في المجتمع القرشي بالأخص،من قبيل الاسترقاق ونهب الأمول من خلال المعاملات الربوية،والظلم الموجه ضد النساء وغيرها من الظواهر البالغة السلبية،ليلتف حوله العبيد والفقراء والمظلومون،ويعينوه على تحقيق خلاصهم.وحتى يضع محمد ومن كان معه حدا للعبة،جعل من نفسه الخاتم،الذي لا نبي بعده،ووصف نفسه بأفضل الخلق على الإطلاق،واستشرف نهاية قريبة للعالم. بهذه الخطة المحكمة،استطاع محمد أن يغزوا عقول البشر.وكانت كل محاولات النبوة بعده فاشلة،حتى تلك التي اتخذت من قصة المهدي منطلقا..بين هذا وذاك محاولات جدية،لإعطاء تفسير منطقي للوجود البشري،ابتدأت مع الفلسفة اليونانية،مرورا بمحاولات دروين المثمرة،وصولا إلى عصر الأنوار وما بعده إلى حد يومنا هذا،ولا تضل أسئلة الوجود تثار،فهناك من لم يكلف نفسه عناء البحث والتقصي،واختار الاستسلام والخضوع للتفسيرات الدينية الخرافية،والالتزام بالتعاليم،وهناك من تجرأ وتحدى،وقرر أن يميط اللثام عن أوهام،انتجها أناس بدويون،تقف تعاليمهم في طريق التقدم والتحضر،وهناك من اختار النفاق وسيلة يحقق بها مطلبين،مطلب المجتمع الرافض لما يخالف أفكاره ومعتقداته،والمعادي لأي تغيير من شأنها زلزلة النظم الاجتماعية،ومطلب عقله الذي يأبى الانصياع للوهم،وفي أطراف هامشية،يوجد أشخاص لا هم لهم إلا امتلاء بطونهم وإشباع رغائبهم،يؤمنون بالله حين تتيسر أحولهم،ويلعنونه حين تسوء..لكن الأديان تبقى على كل حال،جنة للانتهازيين والوصوليين،يحققون من خلالها أكبر النجاحات،راكبين على عقول السذج والجهلاء،يبيعونهم المواعظ والخطابات،ويشترون دعمهم المادي والمعنوي.
#ألبرت_المستوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
اليهود يغادرون.. حاخام بارز يدعو أوروبا إلى التصدي لتزايد مع
...
-
اقــــرأ: ثلاثية الفساد.. الإرهاب.. الطائفية
-
المسلمون متحدون أكثر مما نظن
-
فخري كريم يكتب: الديمقراطية لا تقبل التقسيم على قاعدة الطائف
...
-
ثبتها بأعلى إشارة .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على ال
...
-
“ثلاث عصافير”.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025
...
-
مؤرخ يهودي: مؤسسو إسرائيل ضد الدين والإنجيليون يدعمونها أكثر
...
-
الشيخ علي الخطيب: لبنان لا يبنى على العداوات الطائفية +فيدي
...
-
اضبط الان تردد قناة طيور الجنة toyor al janah على الأقمار ال
...
-
” بإشارة قوية ” تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 Toyor Aljanah
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|