|
كوباني .. هذه المدينة البطلة
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4599 - 2014 / 10 / 10 - 12:44
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
اعتادت المجموعات الإرهابية المسلحة ، الاعتماد على حركة تحضير الهدف المزمع تنفيذه مسبقاً ، التي تقوم بها القوى المحلية والإقليمية والدولية الداعمة لها . وذلك بشراء وخداع بعض الرموز العشائرية ، والعسكرية ، والإدارية ، بالمال والوعود المخادعة ، وبالتضليل السياسي ، والديني ، والأيديولوجي ، ولا تتردد باستخدام التهديد الإرهابي إن احتاج الأمر ذلك ، التي تثمر ، انشقاقات ، وحاضنات . وتمهد مسرح العمليات .. وتستقبل الهجوم المقرر . ومن ثم تصبح هذه الرموز من مكونات مأسسة السيطرة الإرهابية ، في المواقع التي يتم اجتياحها بسهولة مذهلة . وقد تبين موضوعياً ، أن هذه الحركة لا تقل شأناً عن الدعم المادي والسياسي والإعلامي الخارجي .
تفاصيل هذه الحركة ، المتضمنة أسماء المنشقين والمخدوعين ، من عسكريين ، وسياسيين ، وإداريين ، وشيوخ عشائر ، ومتنفذين دينيين طائفيين في قطاعات ريفية ومدينية ، وليبرالية مأجورة ، لم تعد هناك حاجة لتكرارها في المقالات المتوالية ، فهي صارت تظهر على شاشات الفضائيات وفي وسائل الإعلام الأخرى . ولو أن هذه الحركة قوبلت بالرفض ، لكان مفعول الجماعات المسلحة محدوداً ، وفرص التخلص من جرائمها بوقت قصير ، وبأقل الخسائر المادية والبشرية بكل تأكيد . وقد شكل انكشاف هذه الحقيقة المؤلمة ، التي تسببت بالمزيد من آلام السوريين .. قتلاً .. وتدميراً .. وتهجيراً .. شكل إحدى الخلفيات الهامة لصمود كوباني البارز الآن .
إن كل الدعوات الطائفية البشعة ، وكل الوعود " الخشوعة المقدسة " بإعادة دولة "" الخلافة الإسلامية " التي تجاوزها التاريخ والواقع واحتياجات الحضارة المستدامة ، وكل النفاق الدولي الغربي ، بدمقرطة .. ولبرلة .. البلاد على حساب الوجود الوطني والمصير الإنساني ، تساقطت على أسوار " كوباني " . فمن جهة هناك الوعي السياسي ، اليساري ، الديمقراطي ، القومي ، المتعدد . وهناك من جهة أخرى ، إشهار الدواعش حقدهم وعداءهم الأسود القبيح للكرد ، ولكل الأقليات القومية والمذهبية والدينية . وهناك من جهة أخرى صدى المذبحة الوحشية التي قام بها داعش ضد الكرد الأيزيديين في العراق .. الذين ما تزال دماؤهم البريئة تبرق تحت الشمس ، تصرخ مناشدة ضمائر العالم الخامدة ، وداعية الذين يستهدفهم الإرهاب الدولي ، إلى الرسوخ في أرضهم والدفاع عن وجودهم .
إن عظمة " كوباني " ، مهما كانت الرياح التي ستهب على حربها البطولية ، أنها لأول مرة ’تفشل حركة الشراء والانشقاق الممهدة لهجوم الإرهاب الدولي . وأنها رفضت الاستسلام لداعش ولأردوغان . ورفضت .. إلاّ أن تكون لأبنائها . وأنها وهي المدينة الصغيرة المحاصرة من الجهات الأربعة ، ما زالت منذ ثلاثة أسابيع .. صامدة .. تقاتل .. معتمدة على إرادة شبابها وبناتها وكل فرد فيها ، قبل أن تعتمد على طيران التحالف الدولي المريب ، الذي أعلن بوقاحة ، أن إنقاذ " كوباني " من المذبحة ، ليس ضمن استراتجيته . ما معناه أنه موافق على سيطرة داعش عليها ، أو الاعتماد على نجدة من الأهل في سوريا ، الذين يواجهون الموت في مئة " كوباني " أخرى في مختلف البقاع السورية . أو على الجامعة العربية والأمم المتحدة المفلسة سياسياً وأخلاقياً . وهذ ما يفسر بجلاء ، لماذا سقطت مدينة الرقة خلال ساعات قليلة .. ولماذا ما زالت "" كوباني " تقاتل أسابيع متوالية .. في حرب مفتوحة على الزمن .. وعلى المزيد من التضحيات والبطولات .
إن معركة " كوباني " ، فضحت زيف التحالف الدولي المؤلف من خمسين دولة في تحديد أهدافه ، بادعائه العجز عن ، إبعاد وحشية داعش عن عمرانها وأبنائها . فيما هو يناور ويخادع باسم الحرب على الإرهاب لإسقاط الدولة السورية وتدميرها . وفضحت انتهازية ولؤم الديكتاتور العثماني أردوغان ، الذي يشاهد المذبحة في كوباني بأم عينه ، ولا يتحرك ضد داعش ، بل يتآمر لاقتناصها والتمثيل بوجودها وانتمائها الوطني والقومي . وفضحت كذب وتقاعس المجتمع الدولي ، الذي يتقن عقد المؤتمرات وإطلاق التصريحات من أجل " الإنسانية المعذبة " . ولا يقوم بأي عمل جاد لإنقاذ " كوباني " من المحرقة .
إن معركة " كوباني " درس في الوطنية والانتماء القومي . ودرس في الدفاع عن الوجود لكل السوريين .. ولكل المستهدفين في حروب الإرهاب الدولي . وهي مثال يحتذى في مواجهة أعتى وأسوأ جيوش الإرهاب الدولي ، فهذا الوحش الذي يقطع الرؤوس ، ويأكل قلوب وأكباد ضحاياه ، ويسبي الحرائر ، ويخطف ويغتصب الأطفال ، ويدمر البيوت والتراث والتاريخ ليبدأ تاريخاً همجياً متوحشاً .. لم يرهب " كوباني " . بل واقتحم شبابها وصباياها مواقعه وأثاروا الرعب بين مقاتليه .
إن معركة " كوباني " منحت كرد سوريا شرف حق تقرير المصير .. وشرف الصمود في حرب سوريا المصيرية الكبرى .
وسواء سميت هذه المدينة السورية البطلة .. الصغيرة مساحة وعدداً .. الكبيرة بصمودها وتضحياتها .. " كوباني " أم سميت عين العرب .. أو عين العرب " كوباني " .. هي في عيوننا وقلوبنا . لقد سّعر تحديها الأسطوري للإرهاب الدولي والتوحش .. سّعر فينا مشاعر الشموخ والعزة والوطنية وحب الحياة .. وشّد بدواخلنا أكثر إرادة التمسك بالوجود الوطني والإنساني والكرامة
لك النصر يا " كوباني " على الإرهاب المتوحش وكل أعداء الحرية والإنسانية .. ولك كل الإجلال والاحترام ..
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضد الإرهاب وحرب الخديعة الجوية
-
بدر الدين شنن - كاتب يساري ونقابي عمالي سوري - في حوار مفتوح
...
-
وليمة لذئاب حرب الإرهاب
-
مع غزة .. أم مع .. تل أبيب ؟ ..
-
السؤال المستحق في اللحظة العربية الراهنة
-
متطلبات مواجهة الإرهاب الدولي
-
أنا والحرية والحوار المتمدن
-
أنا مقاوم من غزة
-
غزة تستحق الحياة والحرية
-
غزة لاتذرف الدموع .. إنها تقاتل .
-
المؤامرة والقرار التاريخي الشجاع
-
السمت .. وساعة الحقيقة
-
خديعة حرب الإرهاب بالوكالة
-
الإرهاب ودوره في السياسة الدولية
-
ما بين حرب حزيران وحرب الإرهاب
-
دفاعاً عن شرعية الشعب
-
الانتخابات وحرب التوازن والتنازل - إلى المهجرين ضحايا منجم
...
-
حلب تحت حصار الموت عطشاً
-
من أجل سوريا جديدة .. وديمقراطية جديدة
-
أول أيار والإرهاب والحرب
المزيد.....
-
التقرير الصحفي الأسبوعي عن أخر تطورات العدوان وأشكال التضامن
...
-
وسائل إعلام إسرائيلية: سماع دوي انفجار قرب قيساريا ويجري الت
...
-
الإعلام العبري: سماع دوي انفجار قرب قيساريا شمال فلسطين المح
...
-
رحلة في تاريخ البيتزا.. من خبز الفقراء إلى موائد العالم
-
عرض ساعة ذهبية لجمال عبدالناصر مهداة من السادات في دار مزادا
...
-
تيسير خالد : يدعو وزير الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية الفلسط
...
-
حماس تعلق على حوار الفصائل الفلسطينية في القاهرة
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي بوجدة يخلد الذكرى 39 الشهيد أمي
...
-
سفينة صواريخ إسرائيلية تعترض مسيّرة في المجال البحري قبالة س
...
-
م.م.ن.ص// قافلة تضامنية مع معركة المعطلين بتاونات في يومها
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|