أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟















المزيد.....

هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1294 - 2005 / 8 / 22 - 09:53
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


إن استقراء تاريخ الأمم، وتجارب النخب السياسية تكشف عن أن الذكاء الفعلي للنخب السياسية يمكن قياسه الفعلي زمن الانعطافات الحادة والتحولات المفاجئة والأوقات العصبية واللحظات "المصيرية". ففيها تظهر بجلاء حقيقة مكوناتها و"معدنها" ومستوى ثباتها الذاتي. فهو الزمن الذي يكشف عن الحقيقة القائلة، بان الذكاء الفعلي للنخب السياسية يقوم في ثباتها الوطني والاجتماعي والأخلاقي، وليس في مغامراتها الجزئية. بمعنى وضعها أمام محك ما إذا كانت هي قادرة فعلا على الارتقاء إلى مصاف المكون الضروري لتاريخ الأمة أم البقاء ضمن زمن المغامرات السياسية. وهو زمن عرضة للانحلال والتفسخ شأن كل ما لا يندرج ضمن تراكم التجارب الذاتية للأمم. لاسيما وان التجارب الذاتية للأمم هي الوحيدة التي تعطي للأفراد والجماعات والأحزاب قيمتها، بوصفها عناصر في كينونتها الوطنية والقومية أو حلقات في سلسلة مسارها التاريخي.
وحالما نضع هذه الفكرة العامة على محك الأوضاع الحالية في العراق بشكل عام، وقضية الدستور بشكل خاص، فإنها تكشف حقيقة ومكونات ومعدن اغلب النخب السياسية، التي لا تتعدى "نخبويتها" في الواقع غير اجترار زمن المغامرات الجزئية الميزة للوعي الحزبي. بعبارة أخرى، إننا نقف أمام قوى حزبية وليست سياسية. وهو السبب الذي يفسر غياب الأبعاد الاجتماعية في الموقف من قضية الدستور بوصفه "عاصم" الوحدة الوطنية والدولة الشرعية وفكرة الحق وسيادة القانون.
فمن الناحية المجردة ليس الدستور سوى "الوثيقة" الأكثر تجريدا وتعميما للمبادئ والقواعد التي تحكم بها الأمة نفسها بنفسها والدولة بمؤسساتها حسب القانون. وهو الأمر الذي يعطي له مقدرة على توحيد كمية ونوعية الوعي الحقوقي. وذلك لان الدستور هو الصيغة الأكثر رقيا في تمثل تقاليد الرؤية القانونية، أي العيش حسب قواعد عامة يمكن تخصيصها بقوانين جزئية بوصفها معاملة قانونية متجددة مع مستجدات الحياة، أي تعميم تجاربها بالشكل الذي يجعلها خاضعة للحدود (من عقاب أو ثواب). وبهذا المعنى يمكن النظر إلى الدستور على انه ليس مجرد "وثيقة"، بقدر ما انه معيار لرقي الأمم في مدارج القانون والثقافة الحقوقية، أي مستوى تمثلها لمستوى الحق الحقيقة.
إن بلوغ مستوى الحق والحقيقة في الرؤية القانونية بشكل عام والدستورية بشكل خاص يفترض كحد أدنى الارتقاء إلى مصاف "العام". فهو الوحيد القادر على تقديم مواد قادرة على التوسع والتعمق القانوني، ومن ثم ترسخ وانتشار الفكرة الشرعية بوصفها جزءا جوهريا من منظومة اجتماعية وسياسية عامة. ذلك يعني أن كتابة القانون هي ليست "كتابة" عادية، أو "كتابة" مواد "دستورية" بقدر ما هي تعميم التجارب الخاصة والعالمية بالشكل الذي يجعل من فكرة العام والشرعي في كافة نواحي الحياة حقيقته الفعلية. بعبارة أخرى، إن كتابة الدستور هي ليست مهمة حزبية وليست سياسية، بل مهمة وطنية عامة، من اجل أن يتحول الدستور إلى "وثيقة وطنية" وليس إلى "وثائق حزبية" أو "محاصصة" متنوعة الهويات. فهو أسلوب لا يمكنه أن يصنع إجماعا. على العكس، انه يتحول إلى مكمن الخلاف الباطني، ومن ثم التنازع والصراع والاحتراب، أي انه لا يفعل إلا على تخريب فكرة القانون والشرعية، ومن ثم ماهية الدستور بوصفه "وثيقة وطنية وقانونية عامة".
وعندما نطبق ذلك على أوضاع العراق الحالية في كيفية "كتابة" الدستور والخلاف العلني والمستتر والقوى القائمة وراء ذلك، فإننا نقف أمام غباء سياسي وانحطاط اجتماعي واضمحلال للهوية الوطنية العامة عند النخب الحزبية الأكثر تأثيرا وقوة في مرحلة "الانتقال إلى الديمقراطية". وهي قوى كشفت في غضون سنتين بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية عن حقيقة معدنا بوصفها قوى عرقية وطائفية. وهو الأمر الجلي في طبيعة الصراع الدائر حول "كتابة" الدستور. فهو ليس صراعا من اجل تعميق فكرة الشرعية والحق والحرية والنظام، بل حول كيفية إدماج وإدراج "المطالب السياسية"، أي الحزبية في الدستور. وهي ممارسة لا يمكنها أن تصنع في أفضل الأحوال غير ما يمكن دعوته بدستور الوفاق الحزبي والمحاصصة الطائفية والعرقية.
إن دستور الوفاق الحزبي والمحاصصة الطائفية والعرقية لا يمكنه أن يصنع هوية وطنية عامة، أي هوية عراقية. وهو سبب كاف لوحده لإفقاد الدستور من كل قيمة ومعنى واثر ايجابي محتمل في بناء "العراق الجيد". على العكس، انه سوف لن يفعل إلا على إعادة العراق إلى الخلف. وليس مصادفة أن يقف العراق بعد مرور قرن من الزمن على ظهور "الحديث" أمام نفس الحالة التي وصفها الرصافي في إحدى أبياته الشعرية الناقدة للأوضاع العراق قبل عقود عندما قال "علم ودستور ومجلس امة، كلّ عن المعنى الصحيح محرّف". وهو نقد يمكن فهم باعثه بمعايير الحماسة الشعرية والرغبة المعتملة في قلب كبير من اجل عراق اكبر، إلا انه أكثر انطباقا على أوضاع العراق الحالية. فقد كان دستور العراق وعلمه ومجلس أمته في مرحلة تكون ونشوء، بينما مجلس الأمة وأعلامه واختلاف حول "كتابة الدستور" يجري بعد قرن من الزمن. والأول أفضل من الثاني في اغلب مكوناه ومستوى تأسيسه. وهو أمر يشير إلى أن تاريخ العراق الحديث بهذا الصدد كان مجرد زمنا. ذلك يعني أن حياة ونشاط النخب الحزبية الحالية هو جزء من زمن ضائع، لان جهودهم الكبرى والصغرى، الخاصة والعامة تهدف إلى إرساء قواعد المغامرة ولعبة المصالح الضيقة وليس منظومة الحقوق الضرورية لبناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني. وذلك لان المتحكم فيها هو فكرة الوفاق والمحاصصة. في حين أن الوفاق يتعارض مع فكرة الثبات والدائم، والمحاصصة الطائفية تتعارض مع فكرة الكلية، أما المحاصصة العرقية فإنها تتعارض مع العراقية. بعبارة أخرى، إن فكرة الوفاق الحزبية لا يمكنها أن تصنع منظومة الثبات الضرورية للدولة والمجتمع بوصفها قاعدة تطوره الدينامكي، التي يشكل الدستور منظمها القانوني. بينما لا يمكن للمحاصصة الطائفية أن تصنع رؤية كلية جامعة للأطياف العراقية، في حين أن المحاصصة العرقية لا يمكنها أن تصنع وحدة وطنية. أما النتيجة الحتمية فهو إفلاس فكرة الثبات والديمومة والجمعية والشرعية، مع ما يترتب عليه من سقوط وانحطاط الفكرة الوطنية العراقية في المبادئ والغايات.
إن حصيلة كل هذا الانحراف والانحطاط هي التي تتحكم في نفسية وذهنية الأحزاب والنخب السياسية في ظروف العراق الحالية تجاه "كتابة" الدستور. بمعنى أن الهمّ الجوهري بالنسبة لها هو ليس الدستور بوصفه الوثيقة الوطنية العراقية الجامعة لفكرة الشرعية والحق والمواطنة، بل بكفيفة كتابته، أي بكيفية تضمينه مطالبا حزبية أو طائفية أو عرقية ضيقة. وهي ممارسة لا تؤدي إلى إلا الخراب. وتجربة العراق الحديث هي خير دليل على ذلك. فالصدامية ومصيرها الخائب هو ليس من نصيب صدام، بل من نصيب كل فعل يتعارض مع حقيقة الهوية الوطنية العراقية. وحالما يصبح الدستور غنيمة سياسية، فانه يتحول إلى صنم من أصنام الوثنية الجديدة. أما مواده فإنها لا تنتج غير "آلهة" صغيرة مهمتها إثارة الوساوس والهلوسة القامعة للعقل والكابتة للضمير والفاعلة في توجيه الطاقة البشرية صوب الانعزال والتخريب. وهي تجربة تذوق العراق مرارتها "النموذجية" في التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. وهي تجربة الماضي البائد، بينما العراق بحاجة تجربة المعاصرة ودستور المستقبل.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق-2 من 2
- إشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق+1 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - التصنيع العرقي 2 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - الهمّ الكردي والهمّ العراقي ...
- مرجعية السواد أم مرجعية السيستاني? 9 من 9
- الأهمية الفكرية للمرجعية-8 من 9
- الاهمية السياسية للمرجعية 7 من 9
- الأهمية الروحية للمرجعية 6 من 9
- المرجعية الشيعية ومرجعية التقليد - الواقع والآفاق 5 من 9
- المرجعية الشيعية - الفكرة والتاريخ الفعلي 4 من 9
- فلسفة المرجعيات في التراث العربي الإسلامي3 من 9
- مرجعية الروح المتسامي ومرجعية النفس السيئة 2 من 9
- فلسفة المرجعية والمرجع في العراق1 من 9
- الديمقراطية في العراق - خطوة إلى الأمام
- الفدرالية القومية في العراق - خطوة إلى الوراء
- النخبة السياسية في العراق – الهوية المفقودة
- هل العراق بحاجة إلى مساعدات؟
- جنون الإرهاب الوهابي - خاتم الإرهاب التوتاليتاري 4 من 4
- جنون الإرهاب المقدس – الحنبلية الجديدة 3 من 4
- جنون الإرهاب الأصولي – تحطيم العدل والاعتدال 2 من 4


المزيد.....




- انقلاب ناقلة نفط ترفع علم جزر القمر قبالة سلطنة عمان
- بعد إطلاق النار.. سفارة أمريكا في سلطنة عُمان تصدر تنبيها أم ...
- -بلومبرغ-: بعض الدول الأوروبية تدرس فتح سفارات لها في أفغانس ...
- -نائب ترامب- يتجاهل مكالمة -نائبة بايدن-
- اكتشاف يحل لغزا محيرا حول -متلازمة حرب الخليج- لدى قدامى الم ...
- العراق بين حزم -خروتشوف- وبندقية -سبع العبوسي-!
- -روستيخ-: صواريخ -إسكندر- الروسية تضرب بـ-دقة القناصة- ولا ت ...
- محاولة اغتيال ترامب.. أجهزة الأمن تتخوف من عمليات انتقامية
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف مواقع لـ-حزب الله- في جنوب لبن ...
- لافروف يصل نيويورك لترؤس اجتماعات وزارية في مجلس الأمن الدول ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟