أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - أدوات قديمة لا تصنع جديدا















المزيد.....


أدوات قديمة لا تصنع جديدا


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 1294 - 2005 / 8 / 22 - 09:55
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كثرت في السنوات الأخيرة مساع السوريين لتأسيس أحزاب سياسية، بحيث تجاوز عدد الأحزاب الليبرالية وشبه الليبرالية منها العشرين حزبا. وإذا ما أضيف إليها ثلاث عشر حزبا كرديا، والأحزاب الخمسة المنضوية في إطار التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب العمل الشيوعي، وتيار قاسيون، والمنظمة الآشورية، وثلاث فصائل(أحزاب) للقومي السوري الاجتماعي، إلى جانب الأحزاب المنضوية في إطار الجبهة الوطنية التقدمية، يمكن القول أن في سورية تعددية حزبية، يدل عليها وجود أكثر من خمسين حزبا سياسيا. وفي المستقبل سوف يتسارع تشكيل الأحزاب السياسية في سورية، خصوصا بعد صدور قانون للأحزاب الذي أوصى به المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث، وكذلك بعد رفع حالة الطوارئ، أو تحديد نطاق سريانها، بحيث لا تشمل الحريات العامة، والحريات السياسية للمواطنين. وهذا أمر طبيعي ومفهوم في مجتمع حرم لعقود طويلة من ممارسة حياة سياسية طبيعية.
من جانب آخر، فإن هذه الأحزاب السياسية المعلنة في سورية، على الرغم من كثرتها، لا تؤشر إلى حياة سياسية طبيعية في سورية، أو إلى سياق معين لتصيرها كذلك، بل إلى مزيد من التشويه، الذي يدفع أكثر فأكثر باتجاه اليأس بجدوى العمل السياسي. بطبيعة الحال أسباب ذلك كثيرة بعضها يعود إلى أثر الاستبداد المزمن في تكوين شخصية المواطن السوري، وبعضها الآخر يعود إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بحياة السوريين، والتي حولتهم إلى كائنات غير سياسية، حدود اهتماماتها يرسمها البيولوجي بما هو بحث عن مقومات الوجود، بالمعنى المباشر للكلمة، ولا يخفى دور ذلك في تعميم مناخات الفساد، بما فيها من قيم وسلوك.
الأحزاب السياسية في سورية، هي أحزاب لا جماهير لها، إنها أقرب إلى التشكيلات الفوقية النخبوية، لا فرق في ذلك بين أحزاب السلطة وأحزاب المعارضة، ولا يشذ عن ذلك حتى حزب البعث بمنتسبيه الذين يقارب عددهم المليوني عضو، فهم ليسوا أكثر من أرقام دفتريه، سرعان ما سوف ينكشف عدم جدواها مع زوال كابوس الاستبداد، وتعميم مناخات الحرية والديمقراطية.
وهي أيضا، في غالبها الأعم، أحزاب تناسلت بعضها من بعض، فتلك التي في السلطة لها مثيلات في المعارضة، لا تكاد تختلف عنها كثيرا، ربما إلا من حيث مصالح ومزاج الأشخاص الواقفين عليها. الأحزاب في سورية أحزاب استبدالية تتحدد سلبا بعضها ببعض الآخر. وحتى الأحزاب التي تدعي العلمانية والليبرالية، لا تشذ عن ذلك، بل أن بعضها (الليبراليون الجدد)،يكاد يكون أكثر تتطرفا في تحدده السلبي بدلالة الأحزاب الأخرى المختلفة.
وهي أيضا، على الرغم من صخبها الديمقراطي، أحزاب غير ديمقراطية، لأن من تصير في ظروف غير ديمقراطية لا يمكن أن يكون ديمقراطيا، خصوصا وان كابوس الاستبداد لا يزال يملأ جميع مسام الحياة الاجتماعية في سورية.
واقع الحال يشير إلى أن الأحزاب في سورية هي أقرب إلى الأخويات التي تجمعها طقوس السرية، أو طقوس الخطاب السياسي بمفرداته الخشبية التي تدل عليه ويعرف من خلالها. الحقيقة بالنسبة للخطاب الطقوسي دائما كاملة، فهي مسطرته التي يقيس بها مواقف الآخرين، والتي يحدد بالقياس إليها علاقاته الممكنة مع غيره من الأحزاب، أو القوى والشخصيات العامة. وبالتالي لا يزال الخطاب السياسي في سورية محكوم بثنائية الأبيض والأسود، ويرفض منطق المساومات والحلول الوسط.
العقل المنتج لهذا الخطاب هو عقل ديني طقوسي بامتياز، لا يستطيع التفريق بين ما هو ممكن نظريا وبين ما هو ممكن عمليا، يتوهم أن ممكناته دائما عملية وواقعية، وممكنات الآخرين نظرية، بل خاطئة أيضاً. وبصفته هذه فهو عقل تكفيري بالضرورة، يقف في مواجهة الأخر بصفته مبشرا وهاديا، أو نافيا له، لا بصفته طرفا في علاقة حوارية، يبحث عن فسحة رمادية للتلاقي. وهذا يفسر عجز القوى السياسية السورية عن التلاقي والعمل المشترك، في إطار حركة عامة، أو تيار..الخ. في الواقع هذه المفاهيم الأخيرة لا تزال غريبة عن العقل السياسي السوري، أو ليست متأصلة لديه.
يكاد يكون حزب البعث الحاكم في سورية منذ أكثر من أربعة عقود، نموذجيا، من حيث دلالته على طبيعة الحياة الحزبية والسياسية في سورية. فهو منذ انطلاقه كان حزبا استبداديا في حياته الداخلية وفي علاقاته مع غيره من القوى والأحزاب السياسية، وتعزز ذلك لديه بعد استلامه للسلطة في سورية عام 1963، وخصوصاً بعد عام 1970، لذلك كان من الطبيعي والمنطقي أن يفرض نموذجه الاستبدادي للسلطة والحكم. تجلى ذلك في تفرده بالسلطة التي استولى عليها بالقوة عبر الانقلاب العسكري، وفي منعه قيام حياة سياسية طبيعية، ومنع الأحزاب التي لا ترى رؤيته من الوجود والعمل. وحتى الأحزاب التي جمعها حوله في إطار الجبهة الوطنية التقدمية، ليست أكثر من هياكل كرتونية لا فاعلية لها، ولا تستطيع أن تعبر عن رأي مخالف له في أية مسألة أو قضية. وقد عمل جاهدا على تجفيف منابعها من خلال منعها من العمل في أوساط الطلبة، وقد رضيت هي بذلك. إنها في وضعيتها أقرب إلى الهياكل الملحقة به، ديكور يخرجه في المناسبات.
في الفترة الأخيرة جرى حديث كثير حول التحديث والتطوير، ومن ضمن ذلك تطوير الحياة السياسية في سورية، وفي هذا السياق انعقد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث، وصدرت عنه في المجال الداخلي توصيات هامة، غير أن الوقائع بعد المؤتمر تشير إلى أن لا تغيير يذكر في العقل السياسي للحزب، ولا في طريقة تعاطيه مع القضايا الداخلية، ومنها ضرورة الإصلاح السياسي. فالتعاطي الأمني لا يزال هو الأسلوب الوحيد المتبع، وكما تشير الدلائل في الفترة الأخيرة، فهو في وضعية الاستنفار الكامل في مواجهة القوى المعارضة، على العكس مما كان متوقع، خصوصا بعد إعلان السلطة نيتها بإصدار قانون للأحزاب، وتعديل قانون المطبوعات، والحد من نطاق سريان حالة الطوارئ، وإلغاء المرسومين 6 و4 وكذلك القانون رقم 53. لقد منعت السلطة منتدى الأتاسي من متابعة حوارياته الديمقراطية، ومنعت لجان إحياء المجتمع المدني من عقد اجتماع دوري لها، وكذلك منعت اجتماع عدد من الليبراليين السوريين للإعلان عن مشروعهم السياسي، وتوسعت في إجراءاتها لمنع العديد من الشخصيات الوطنية المعارضة من السفر، هذا عداك عن استمرار مسلسل الاعتقالات، والمحاكمات الصورية..الخ.
إن عجز البعث خلال أربعة عقود من حكمه لسورية،وفي ظروف مواتية نسبيا، عن إنجاز مشروع تنموي شامل، يطرح تساؤلات جوهرية، مشحونة بالشك، حول إمكانية إنجازه لمثل هذا المشروع في المستقبل،وفي ظروف غير مواتية، طالما لم يتغير نهجه، ولم تتغير طرائق التفكير لديه.
لنأخذ نموذجا آخر للحياة السياسية في سورية، أعني التجمع الوطني الديمقراطي في سورية الذي يضم من الناحية الرسمية خمسة أحزاب وطنية، غير أنه من الناحية العملية يضم ثلاثة أحزاب، بل قل حزبان فقط. ومع أن الفرصة أتيحت له أكثر من مرة لكي يتحول إلى وضعية حزبية وسياسية فاعلة، غير أنه عجز عن التحول، محافظا على شكلانية وجوده وفعاليته. ولم يعد مقنعا تبرير ذلك بكون الظروف السائدة غير ملائمة، وأن القبضة الأمنية لا تزال قوية، بل لا بد من البحث في طبيعة العقل السياسي الذي يحكمه كتجمع أو كأحزاب، إنه ذات العقل الذي وجدنا نموذجا عنه لدى حزب البعث، ويمكن مصادفته بأشكال مختلفة لدى الأحزاب السياسية الأخرى.
من المؤسف حقا أن لا يستطيع التجمع الوطني الديمقراطي الانتقال من وضعية تقديم المطالب، إلى وضعية تقديم الحلول والعمل عليها، سواء في مواجهة السلطة، أو من اجل تكريس وعي ديمقراطي بها، يمهد لاستجماع القوى المجتمعية حولها، لممارسة مزيد من الضغوط لإنجاز التحولات المطلوبة من وضعية الدولة الأمنية إلى وضعية الدولة الديمقراطية.
لنأخذ مثال آخر الأحزاب الكردية، فهي على كثرتها وتعددها لا تعبر عن وضعية سياسية طبيعية، بل إن كثرتها موضع تساؤل: هل الجماعة الكردية في سورية بحاجة فعلا لهذا العدد الكثير من الأحزاب لتعبر عن مصالحها؟ أم هو ذاته العقل السياسي في تجلياته القبلية والعشائرية، والمحكوم بنزوات المثقفين الكرد. ربما ثلاثة أحزاب كردية فقط، يمكن أن تكون أكثر فاعلية، وأكثر تعبيراً عن الميول السياسية للمواطنين السوريين الكرد، من هذه الكثرة من الأحزاب غير الفاعلة، أعني حزب لليمين وحزب لليسار وحزب للوسط.
الأمر ذاته ينطبق على الأحزاب الليبرالية في سورية، فهي على الرغم من تكاثرها في الآونة الأخيرة بصورة انشطارية أو غير انشطارية، لا تعدو كونها تساوقا مع الموجة الجديدة من التغيرات العالمية، واستلهاما تأمليها لما قد أصبح متجاوزا، ومحجوزا بالمعنى التاريخي، وليس تعبيرا عن حق البرجوازية السورية وحاجتها للعب دور سياسي مميز. هنا أيضا نلاحظ بجلاء نزق المثقفين، الذين لا يرضون بالتنازل عن "دورهم" في نقل الوعي الجديد إلى الطبقة البرجوازية، التي يفترض أنه وعيها الذاتي. بل وصل الأمر في بعض تجمعاتهم( عدل) إلى مستوى لا يليق، فأساءوا لأنفسهم، وللحركة التي يودون رفدها بتيار "جديد".
ومع أن هناك محاولات جادة، من حيث الشكل على الأقل، أو لنقل من حيث توفر النية، للخروج من هذه الوضعية الآسنة للحياة السياسية في سورية، يمكن ملاحظتها عند هذا الحزب أو ذاك، خصوصا في المعارضة، أو لدى تجمع هنا أو تجمع هناك ممن مارسوا السياسة والتحزب في أوقات ماضية، إلا أن القضية بمجملها لم تخرج عن الإطار الثقافي النخبوي العام. إن الأحزاب السياسية في سورية محكومة بالتجاوز، إنها أدوات قديمة لا تصنع جديدا!.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو حزب بلا تاريخ- مرة اخرى
- محددات السياسة الامريكية في الوطن العربي
- وأخيرا عقد البعث مؤتمره
- السوريون يكسرون القاعدة الذهبية لنظامهم
- في سبيل مشروع وطني ديمقراطي لإنقاذ سورية
- نحو حزب سياسي منفتح على المستقبل
- مساهمة في نقد العقلية البعثية
- الليبرالية وحذلقة المثقفين
- بحث في طبيعة السلطة في سورية واحتمالات انفتاحها على العصر
- حتى لا يخطئ أحد في قراءة التحركات الشعبية
- نحو حزب بلا تاريخ-ضروراته وهويته
- مبروك للشعب المصري
- حرية المرأة من حرية الرجل
- اغتيال الحريري:اغنيال لمشروع العلاقات المميزة
- حول محاضرة نائب رئيس الجمهورية العربية السورية السيد عبد الح ...
- كيف ستبدو سورية بعد الانسحاب من لبنان
- مستقبل العلاقات السورية اللبنانية
- ملاحظات على البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي السو ...
- ملاحظات حوا البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي 2
- ملاحظات على مشروع البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماع ...


المزيد.....




- -أسوأ معاملة إنسانية-.. قائد شرطة يتحدث عن رجل زُعم أنه كان ...
- مباشر: كييف تبدأ بتشكيل فريق لمراقبة هدنة محتملة وويتكوف ينق ...
- حماس توافق على الإفراج عن جندي إسرائيلي-أميركي وجثامين 4 من ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير 29 بلدة في كورسك و4 بلدات في دونيت ...
- مهرجان الألوان الهندوسي يجذب الملايين
- مصر.. الأمن يلقي القبض على مسن بتهمة التحرش بطفلة
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في كورسك
- -حماس- تعلن موافقتها على مقترح تسلمته من الوسطاء لاستئناف ال ...
- حاسوب أمريكي يحل مشكلة معقدة أسرع بمليون سنة من الحواسيب الع ...
- سوريا.. أهالي السويداء يرفعون علم الموحدين الدروز في ساحة تش ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - أدوات قديمة لا تصنع جديدا