|
تصدير الديمقراطية الغربية
نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري
(Nayf Saloom)
الحوار المتمدن-العدد: 1294 - 2005 / 8 / 22 - 09:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مساهمة مني في النقاش المقترح بما يخص "مشروع الإصلاح الديمقراطي" الذي تحاول الولايات المتحدة الأميركية ومن معها من دول غرب أوربا تسويقه في الشرق الأوسط ومنه العالم العربي كمشروع لإعادة إنتاج الهيمنة والسيطرة الغربيتين ، وإعادة إنتاجهما بشكل أكثر تطميناً للنظام الغربي الإمبريالي الرأسمالي ودعماً لوجود إسرائيل وتمكينها كجزء من هذا النظام. مناقشة العنصر الأول المقترح من قبل المنتدى: هل ينجح تصدير الديمقراطية خارج الغرب؟ الديمقراطية ليست بضاعة ولا رأسمال نقدي أو بضاعي أو حتى تقني حتى يمكن تصديرها أو استيرادها . لأن الديمقراطية شكل للسلطة السياسية ، وصيغة للصراع الاجتماعي / الاقتصادي بما فيها التسويات الاجتماعية المشروطة تاريخياً . لذلك تتوجب دراسة كل بلد بعينه على أساس أنه أثر فعل الامبريالية العالمية اقتصادياً وسياسياً في البلد أو المجتمع المعني بالدراسة، أي أثر فعل الامبريالية واشتغالها كطرف مسيطر عالمياً في البنية الاجتماعية/ الاقتصادية المعنية . من هنا يخفي الحديث عن تصدير للديمقراطية خارج الغرب نزعة استعلائية ونوع من التبجح والنرجسية الغربية . وكأن الصراع الاجتماعي / الاقتصادي والتسويات الاجتماعية حكر على المجتمعات البورجوازية الكلاسيكية ، احتكار يعطي صفة الجوهرية على هذا الملمح للمجتمعات الغربية بعيداً عن تاريخها الاجتماعي السياسي الحافل. فالتخلُّع الاجتماعي/ الاقتصادي والانقسامات العمودية الطائفية والإثنية التي تعاني منها البلدان الرأسمالية الطرفية ليست سمة جوهرية وعنصرية لهذه البلدان وهذه الشعوب بل هي في جانب أساسي ومهيمن جزء من تطور الغرب الرأسمالي بل وأحد جوانب هذا التطور والنمو الأساسية . وهو ما يسم نمو الغرب بالطابع الرجعي على المستوى التاريخي اعتباراً من تبلور الظاهرة الامبريالية في الرأسمالية أواخر القرن التاسع عشر. .إن التفجر والتخلُّع الذي أصاب ويصيب المجتمعات الطرفية المتخلفة هو في أساسه ناتج الانسداد التاريخي أمام تحديث هذه المجتمعات بسبب سيطرة طبقات اجتماعية رجعية تاريخياً مدعومة من الغرب ذاته ، وعندما حاولت الطبقات الوسطى في الأقطار العربية القيام بتحديث جزئي واجهت مقاومة إمبريالية خارجية ومقاومة إسرائيلية ، ومؤامرات داخلية في محاولة لإعادة توجيه العملية الاقتصادية من الاشتراكية - الشعبويّة نحو الليبرالية العصبوية الفاسدة . فالغرب بهذا الشكل يلعب دوراً خارجياً معيقاً لتحديث وتقدم هذه البلدان من جهة أولى ، ويلعب دوراً داعماً لأوضاع اجتماعية وطبقة متواطئة معه لا بل هي أوضاع إمبريالية داخلية بامتياز من جهة ثانية. هذا الانسداد هو المسؤول الأول عن تفجر هذه المجتمعات وانتشار الإحباط والسلفية الدينية في داخلها. إن سؤال تصدير الديمقراطية الغربية يخفي مسؤولية الغرب الرأسمالي عن تخلع المجتمعات الطرفية وتفجرها ، ويخفي نزعة استعلائية استعمارية وعنصرية أحياناً تجاه شعوب هذه البلدان العنصر الثاني المقترح من المنتدى: ما مدى التلازم بين الديمقراطية والرفاهية؟ يتوجب قلب هذا السؤال بحيث يأخذ صيغة مضادة : ما مدى تلازم السيطرة الامبريالية مع غياب الرفاهية في مجتمعات الأطراف الرأسمالية ، وما مدى علاقة هذا الغياب للرفاهية باحتكاره من قبل قلة مسيطرة كونياً وقطرياً؟ ما من شك أن الرفاه عنصر مهم في تمكين الطبقات الهامشية من ممارسة حقها في المشاركة في السلطة السياسية وتوزيع الثروات القومية . لكن الرفاه بذاته هو نتيجة قبل أن يكون سبباً للصراع الاجتماعي /الاقتصادي ولا يصلح لأن يكون منبعاً لتفسير التسوية الطبقية بين البورجوازية المسيطرة والطبقات الهامشية خاصة الطبقة العاملة في الغرب الإمبريالي. "الديمقراطية" الليبرالية القطرية في الغرب الرأسمالي هي نتيجة صراع طويل في أوربا والعالم ، وهو ناتج تحويل الصراع الاجتماعي الطبقي الداخلي في أوربا إلى غزو خارجي واستعمار للبلدان الزراعية. هذا التاريخ معمد بالدم عبر عشرات الحروب الإقليمية والعالمية وقد حقق الغرب موقعاً مسيطراً في التقسيم الدولي للعمل وهو يجاهد بجميع السبل بما فيها الغزو والحروب العدوانية للإبقاء على الوضع القائم . وغياب الديمقراطية في الأطراف هي أحد نواتج عملية السيطرة هذه ، وناتج هذا التقسيم الدولي للعمل. لذلك لا يمكن تطبيق نظام حكم المسيطر على المحكوم ، من هنا فساد السؤال أصلاً . لقد تم الرد ضمناً على العنصر الثالث ، ولذلك ننتقل إلى العنصر الرابع والأخير من عناصر النقاش وهو : مستقبل الديمقراطية الغربية من وجهة نظر المفكرين الغربيين ؟ بمعنى آخر كيف يفهم مفكرو العالم المتخلف أطروحة مفكري البورجوازية الغربية بخصوص مستقبل الغرب عموماً ونظامه الاجتماعي والسياسي خصوصاً؟ من وجهة نظري ينقسم سؤال مستقبل الديمقراطية الغربية ومستقبل الرأسمالية عموماً إلى تيارين رئيسيين في الغرب . الأول هو سؤال متفائل لدرجة الغبطة والغرور بمستقبل الرأسمالية يمثله فرانسيس فوكوياما ، الذي يعتبر النظام الإمبريالي الرأسمالي في تمظهره الأميركي نهاية التاريخانية ونهاية التشكيلات الاجتماعية لذلك يعتبره قيميّاً آخر شكل للإنسان على وجه البسيطة . إن جواب فوكوياما المتبجح يأخذ طابعا ساخراً أحياناً خاصة حين يبالغ في مدى جدية انتصار الغرب الرأسمالي على المحاولات الاشتراكية في أقطار متفرقة ، وحين يُظهر النظام بصحة جيدة بالرغم من التفاوت العالمي المخيف في بنية النظام كبنية كونية وليست قطرية فحسب. هناك سؤال آخر تمثله بشكل واضح فلسفة ما بعد الحداثة . وهذه الفلسفة تقيم اعتراضها التهكّمي على حداثة لم يبق منها سوى عقلانيتها التقنية العارية وباتت رجعية في السياسة والفكر والإيديولوجية . وهذه إشارة إلى انحطاط مشروع الرأسمالية الديمقراطيّ فجر صعود الطبقة كقوة محلية وعالمية . لقد شكلت الامبريالية كاحتكار وميل للسيطرة العالمية والغزو في النظام الرأسمالي بداية انحدار مشروع الغرب الديمقراطي وانحطاطه الإنساني. 20/8/2005
#نايف_سلوم (هاشتاغ)
Nayf_Saloom#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حياة سَيّد محمود القمْني - إعلان براءة صريحة وتوبة
-
أجوبة على أسئلة موقع الحوار المتمدن-الماركسية وأفق البديل ال
...
-
في مخاطر المواجهة بين الديمقراطية والحريات السياسية
-
الحركة الشيوعية في المشرق العربي-خصوصية النشأة
-
الازدهار القطري للرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية
-
الحادي عشر من أيلول/سبتمبر اللبناني
-
شبح الليبرالي العائد، قراءة نقدية في مشروع البرنامج السياسي
...
-
المطلق والنسبي-نهاية النضال النظري
-
قراءة نقدية لـ مشروع ميثاق العمل الاسلامي لـ الدكتور محمد شح
...
-
خطوة تالية أم إعلان نوايا
-
من الشيوعية الستالينية إلى المنتدى الاجتماعي
-
جاك ديريدا --المعارضة البرلمانية للبنيوية أو بغض الكتاب
-
قراءة نقدية لـ -الميثاق الوطني في سورية- المنبثق عن المؤتمر
...
-
قراءة نقدية في ميثاق شرف الشيوعيين السوريين
-
قراءة نقدية في البرنامج السياسي والنظام الأساسي للتجمع الوطن
...
-
ديالكتيك الانعكاس في الفن
-
نداء إلى شعوب إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين
-
علمانية ، أم نقد جذري للتراث القومي العربي و الديني؟
-
الاشتراكية أو البربرية محمد الخضر
-
حول نظرية الانعكاس
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|