|
حقيقة الإيمَان بالإله الواحِد
ماريو أنور
الحوار المتمدن-العدد: 1293 - 2005 / 8 / 21 - 08:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"نؤمن بإله واحد..." أخذت المسيحية عن اليهودية إيمانها بالإله الواحد، ثم أخذ الاسلام عن المسيحية واليهودية معاً إيمانه بالإله الواحد. فالإيمان بالإله الواحد هو اذاً عنصر مشترك بين هذه الديانات الثلاث. أما أن يقول بعض المسلمين عن المسيحيين إنهم مشركون لأنهم يؤمنون بالثالوث الأقدس فهذا دليل جهل مطبق للمبادئ الأولية في الديانة المسيحية، سنردّ عليه في الجزء الثاني من هذه المقالات، في معرض حديثنا عن الروح القدس والثالوث الأقدس. نكتفي الآن بالقول أن المسيحية هي من الديانات التي تؤمن بالإله الواحد. ماذا نعني بذلك؟ 1- أسماء الله في مختلف الحضارات إنّ كلمة "إله" مشتقّة من كلمة "إيل" وهو الاسم الذي كانت جميع الديانات الساميّة تدعو به آلهتها، ويعني "القوة والقدرة". أما كلمة "الله" فناتجة من إدخال ال التعريف على كلمة إله، فأصبحت "الإله"، ثم من إدغام الألف في وسط الكلمة باللام التي قبلها وتشديد اللام، فأصبحت "الله". فالله هو الإله الأعظم بين سائر الآلهة، عند العرب قبل الاسلام. أما في اليهودية والمسيحية والاسلام، فالله هو الإله الوحيد. أسماء الله في اللغات اليونانية واللاتينية (Deus) واللغات الاوروبية المشتقّة من اللاتينية، كالفرنسية (Dieu) والايطالية (Dio) والاسبانية (Dios)، مشتقّة من السنسكريتية وهي أقدم اللغات الهندية الأوروبية؛ ففي هذه اللغة "ديو" تعني "النور". وحتى يومنا هذا كلمة "ديوا" تعني "المصباح الصغير" في بعض اللغات الهندية. أما أسماء الله في اللغة الانكليزية (God) والالمانية (Gott) وسائر اللغات الجرمانية، فمشتقّة من كلمة "غوتو" التي تعني في اللغات الهندية الاوروبية "الذي ندعوه أو نبتهل إليه". في العهد القديم استعمل الشعب اليهودي كلمتين للإشارة إلى الله، كلمة "ايلوهيم" وهي اسم جمع أو تفخيم لكلمة "إيل" التي استعملتها مختلف الشعوب الساميّة للدلالة على الله، وكلمة "يهوه" وهي مشتقّة من فعل "هيا" ويعني في العبرية "كان". فاسم "يهوه" يعني "الذي يكون". ونجد تفسيراً لهذا الاسم في رواية ظهور الله لموسى في العلّيقة المحترقة على جبل سيناء. فعندما سأل موسى الله عن اسمه أجابه "أكون الذي أكون"، ثم قال له: "كذا قل لبني اسرائيل: أكون أرسلني إليكم" (خروج 3: 14). وفي الآية التالية يضيف النص: "وقال الله لموسى ثانية: كذا قل لبني اسرائيل يهوه إله آبائكم إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب بعثني إليكم. هذا اسمي إلى الدهر وهذا ذكري إلى جيل فجيل". 2- من تعدّد الآلهة إلى الإله الواحد: خبرة الشعب اليهودي في العهد القديم نشأت الديانة اليهودية وسط شعوب وحضارات كانت العقيدة السائدة فيها الايمان بتعدّد الآلهة، كالبابلية والمصرية والفينيقية واليونانية. وقد توصّل الشعب اليهودي إلى الايمان بوحدانية الله تدريجياً مع ابراهيم وسائر الآباء وبشكل واضح ونهائي مع موسى. وتكرّس هذا الايمان في الوصية الأولى من وصايا الله: "أنا يهوه (الرب) إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من دار العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي" (خروج 20: 2، 3). أ- إله الحياة وإله الخلاص لم يكن وصول الشعب اليهودي الى الايمان بوحدانية الله نتيجة تفكير فلسفي في ضرورة وجود كائن مطلق يملك كمال الكيان، كما توصّل إلى ذلك بعض فلاسفة اليونان كأفلاطون وأرسطوطاليس، بل كان نتيجة خبرة حياتية عرفها الشعب في تاريخه الطويل. فمع ابراهيم ظهر الله للشعب إله الوعد وإله الحياة. فبينما كان ابرام بعد في حاران دعاه الله ووعده بأن يعطيه أرضاً جديدة ويجعل منه أمّة كبيرة: "قال الرب لأبرام: انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك الى الأرض التي أريك، وأنا أجعلك أمّة كبيرة وأُباركك وأُعظِّم اسمك وتكون بركة" (تكوين 12: 1، 2). ومع موسى ظهر الله إله الخلاص الذي أخرج شعبه من أرض العبودية إلى أرض الحرية: "كلَّمَ الله موسى وقال له: أنا يهوه. أنا الذي تجلّيت لابراهيم واسحق ويعقوب إلهاً قادراً على كلّ شيء. أما اسمي يهوه فلم أُعلنه لهم. وأقمت معهم عهدي على أن أُعطيهم أرض كنعان أرض غربتهم التي نزلوا بها. وأيضاً قد سمعت أنين بني اسرائيل الذين استعبدهم المصريون، فذكرت عهدي. لذلك قل لبني اسرائيل: أنا يهوه، لأخرجنّكم من تحت أثقال المصريين وأُخلِّصكم من عبوديتكم، وأفديكم بذراع مبسوطة وأحكام عظيمة، وأتّحذكم لي شعباً، وأكون لكم إلهاً، وتعلمون أني أنا يهوه إلهكم، الخرج لكم من تحت أثقال المصريين. وسأُدخلكم الأرض التي رفعت يدي مُقسماً أن أُعطيها لابراهيم واسحق ويعقوب، فأُعطيها لكم ميراثاً، أنا يهوه" (خروج 6: 2- 8). في كلام الله هذا لموسى يأخذ اسم "يهوه" كل معناه. ان الله "يكون مع" شعبه ليخلّصهم. فالله هو، في العهد القديم، إله الوعد والحياة والقدرة وإله الخلاص والفداء. وإيمان اليهود بالله، في العهد القديم، لم يكن إيماناً نظرياً فلسفياً، بل كان إيماناً وجودياً عملياً بأنّ الإله الوحيد الذي خلق السماوات والأرض قد اختارهم له شعباً وصنع معهم عهداً أبدياً، وانه سيبقى معهم إله الحياة وإله الخلاص مهما انتابهم من محن ومصائب. لذلك في أثناء سبيهم في بابل نسمع أشعيا الثاني يعدهم بالخلاص: "هكذا قال الله، يهوه، خالق السماوات وناشرها، باسط الأرض مع ما ينبت ما، الذي يعطي الشعب عليها نسمة والسالكين فيها روحاً. أنا، يهوه، دعوتك لأجل البرّ وأخذت بيدك وحفظتك وجعلتك عهداً للشعب ونوراً للأمم" (اشعيا 42: 5، 6). "هكذا قال يهوه، خالقك يا يعقوب وجابلك يا اسرائيل: لا تخف فانّي قد افتديتك ودعوتك باسمي. انّك لي. اذا اجتزت في المياه فانّي معك، أو في الأنهار، فلا تغمرك، واذا سلكت في النارفلا تُلذَع، ولا يلفحك اللهيب" (اشعيا 43: 1، 2). ب- أُبوَّة الله على هذا الإيمان باختيار الله لشعبه بنى العهد القديم فكرة "أُبوَّة الله". نقرأ في تثنية الاشتراع هذا النصّ الذي يعود إلى القرن السابع قبل المسيح: "أبهذا تكافئ يهوه، أيها الشعب الأحمق الذي لا حكمة له؟ أليس انه هو أبوك الذي فطرك وأبدعك؟" (تثنية 32: 6). وقد أكّد الأنبياء على تلك الفكرة. فالإله الوحيد هو أيضاً الأب الوحيد لشعبه. يقول النبي ملاخيا: "أليس أب واحد لجميعنا؟ أليس إله واحد خلقنا؟" (ملاخيا 2: 10). ويقول النبي اشعيا مخاطباً الله في صلاته: "انك أنت، يهوه، أبونا وفادينا. منذ الدهر اسمك... الآن، يهوه، أنت أبونا. نحن الطين وأنت جابلنا، ونحن جميعاً عمل يديك" (اشعيا 63: 16؛ 64: 8). ويصف هوشع أُبوَّة الله بتعابير مليئة بالعطف والحنان: "إذ كان اسرائيل صبياً أحببته ومن مصر دعوت ابني... أنا درّجت افرائيم وحملتهم على ذراعيّ" (هوشع 11: 1- 3). ان الإيمان بوحدانية الله، الذي نعدّه اليوم أمراً طبيعياً، لم يصل إليه الحدود إلاّ من خلاله خبرة عاشوها على مدى تاريخهم. وتلك الخبرة قد قادتهم إلى رفض تعدّد الآلهة وإلى الإيمان بوجود إله واحد خلق الكون والبشر جميعاً واختار الشعب اليهودي ليصنع بواسطته عهداً مع جميع أُمم الأرض وشعوبها. ج- الإيمان بالإله الواحد في عصرنا الحاضر لم يبقَ اليوم أي مشكلة بالنسبة إلى الاعتقاد بتعدّد الآلهة. فجميع الذين يؤمنون اليوم بالله يؤمنون بإله واحد. فالله هو كمال الكيان، ولا يمكن أن يكون الكمال منقسماً بين اثنين. والله هو مبدأ الكون، ولا يمكن أن يكون للكون مبدأان. فمن يؤمن بالله يؤمن بأن الخلائق كلها متعلّقة بكائن مطلق كامل هو أصل جميع الكائنات ومبدأها وغايتها. لذلك ينقسم الناس اليوم، بالنسبة إلى الإيمان بالله، إلى فئتين: فئة تؤمن بوجود الله، وهم المؤمنون، وفئة ترفض وجود أي إله، وهم الملحدون. مَن مِن الفئتين على حق ومَن منهما على ضلال؟ هل يستطيع المؤمن أن يبرهن للملحد بالبراهين العقلية الجازمة انه على ضلال وان الله موجود؟ ومن جهة أخرى هل يستطيع الملحد أن يبيّن للمؤمن بالبراهين العقلية الجازمة انه على ضلال، وان لا وجود لأي إله؟
#ماريو_أنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور المسيحيين الثقافى فى العالم العربى -الحلقة الثالثة
-
ما هى أسباب إستضعاف المجتمع للمرأة؟ الجزء الخامسة
-
ثلاثية أبعاد الحب
-
دور المسيحيين الثقافى فى العالم العربى -الحلقة الثانية .
-
دور المسيحيين الثقافى فى العالم العربى -الحلقة الأولى
-
ما هى أسباب إستضعاف المجتمع للمرأة؟ الجزء الرابع
-
ما هى أسباب إستضعاف المجتمع للمرأة؟ الجزء الثالث
-
ما هى أسباب إستضعاف المجتمع للمرأة؟ الجزء الثانى
-
ما هى أسباب إستضعاف المجتمع للمرأة؟
-
مشكلة الشر 2
-
مشكلة الشر
-
تعددية الانسان
-
فلسفة الاختلاف بين الجنسين
-
غريزة المراة
المزيد.....
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|