|
صهاينة وليبراليون
فضيلة يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4593 - 2014 / 10 / 4 - 10:06
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قراءة في الكتب الآتية: Ari Shavit بلدي أرض الميعاد: انتصار ومأساة إسرائيل John B. Judis سفر التكوين: ترومان، اليهود الأمريكيين، وأصول / الصراع العربي الإسرائيلي Norman G. Finkelstein نبيذ معتق، زجاجة مكسورة: أرض آري شافيت الموعودة في هذا الجو المسموم الذي يميز النقاش حول النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، يتركز جزء منه حول الليبراليين الصهاينة و مثل هذا الشخص الذي يقف إلى جانب اسرائيل ويتوق لتغيير سياساتها، يكون مكروهاً من قبل كلا المعسكرين: يحتقره الصقور الصهاينة لانتقاداته ويتهمونه بالخيانة ، لأنه يريح الأعداء فقط. ، في حين يندد به المعادين للصهاينة ، لعدم اتباع منطقهم وموقفهم بما فيه الكفاية. وُصفت الصهيونية الليبرالية بالنفاق . وتنطبق الحالة تماماً على المعاملة التي تلقاها Ari Shavit وهو كاتب عمود في صحيفة هآرتس اليسارية اليومية في كتابه "بلدي أرض الميعاد" ،ارتدى محاربو الكمبيوتر المحمول على كلا الجانبين الستر الواقية وهاجموا الكتاب من اليمين واليسار. "بعيدا عن النقد الذاتي، وهذا هو ببساطة الانحطاط الذاتي" . كتب مسؤول المؤتمر اليهودي العالمي السابق Isi Leibler في صحيفة جيروزاليم بوست، ما يشير إلى أن من بين دوافع شافيت الرغبة التزلف لكسب "تأييد تجمع مشاهير الليبراليين " الذين أصبحت الرغبة في انحطاط الدولة اليهودية مكوناً رئيسياً من مكونات الحمض النووي لهم. "وفي الوقت نفسه، كرس الأكاديمي اليساري نورمان فنكلشتاين كتاباً بأكمله، للحط من كتاب شافيت ، في كتابه " نبيذ معتق، زجاجة مكسورة" ، أصّر على أن رؤى شافيت " تضمنت نفاقاً وغباءً متشددين مضافاً لهما زنجار مبهرج للاستكبار والغطرسة. انه لا يعرف شيئاً عن أشياء يعرفها الجميع ، وسيأتي في المرتبة الثانية في مسابقة أكبر مجانين العالم. وهذا لا يعني أن الكتاب لم ينل إعجاب كتّاب بارزين، فقد تلقّى الثناء من توماس فريدمان، ليون يسلتير، جيفري غولدبرغ، ديفيد ريمنيك، وغيرهم. هذه الحقيقة من غير المحتمل أن تُزعج النقاد. على العكس من ذلك، فإنها سترى الثناء على شافيت من هذا المربع كعمل بسيط لتضامن المجموعة معه، فأسود الصهاينة الليبراليين محتشدون معاً في فخر. إن مأزق الليبرالية الصهيونية ليس بالقضية الجديدة، ولكنه أصبح في السنوات الأخيرة أكثر وضوحاً ، تراجع حركة السلام في إسرائيل، جنباً إلى جنب مع الفشل المتسلسل لحزب العمل الإسرائيلي، قد يكون سبباً في التراجع. تشبه الأسود الليبرالية في الولايات المتحدة، الأنواع المهددة بالانقراض، لأسباب تعكس تلك التحولات على المدى الطويل في إسرائيل. كما أوضح بيتر بينارت في مقالة ناقشت الموضوع في عام 2010، قاد "فشل المؤسسة اليهودية الأمريكية،" اليهود أكثر من أي وقت مضى نحو المواقف المتشددة، ولموقع أصدقاء لليكود في اسرائيل، مما أضعف جيلاً من الشباب اليهود الأمريكيين، الذين كانت وجهات نظرهم بشأن القضايا المحلية على الأقل، تميل نحو الليبرالية. مع النتنياهوية وقيادة ال AIPAC على يمينهم وجيل جديد بشكل متزايد في إسرائيل على يسارهم، أصبح الصهاينة الليبراليون على شريط ضيق من الأرض يتقلص إلى الأبد. أحد الجوانب من هذه على الأقل تستخدم لتكون مختلفة جداً. كتب John B. Judis في سفر التكوين: ترومان، اليهود الأمريكيين، وأصول / الصراع العربي الإسرائيلي، أن قناعة الآباء المؤسسين للصهيونية الأمريكية الليبرالية، وعلى رأسهم قاضي المحكمة العليا لويس برانديز بيهودية الوطن في فلسطين يرجع جزئياً إلى التوفيق بين جوانب هويتهم: يهوديتهم وقيمهم الليبرالية. لم يروا بدعمهم للصهيونية أنهم يدعمون المحاصرين، المضطهدين ،الفارين من أوروبا فقط ، بل يدعمون تجربة الحياة الجماعية أيضاً. أُعجب برانديز بشكل خاص، كما العديدون لعقود قادمة، بحركة الكيبوتسات الجنينية. كما كتب Judis عن برانديز في العقد الثاني من القرن العشرين، " يبني اليهود في فلسطين الديمقراطية التعاونية كما يُريد بناءها في الولايات المتحدة." هناك مفارقة حامضة في الفكرة كان الصهاينة مرة جسراً بين اليهود واليسار الليبرالي. وفي هذه الأيام تُبعدهما الصهيونية عن بعض. 2. لم يكن مفاجئاً استقبال نجوم الصهيونية الليبرالية" بلدي أرض الميعاد "بحماس،. لأنه يوضح عقيدتهم تماماً. ما يميز الليبرالية الصهيونية، وذلك ما يثير حنق وغضب المعارضين من اليسار واليمين، هو الإصرار على أن شيئين متعارضين، يمكن أن يكونا صحيحين في نفس الوقت . في حين يدين اليسار المستوطنات ويبرز اليمين مخاوف الإسرائيليين الأمنية، تُريد الصهيونية الليبرالية أن تفعل كليهما، غالباً في نفس الوقت. أثبت شافيت نيته في وقت مبكر. يحذر القارىء في مقدمته يحذر أن "الازدواجية" ستكون شعاراً له، وأنهم سيجدون كلاهما / وبدلاً ولن يجدوا إما / أو: من جهة، إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الغرب التي تحتل شعباً آخر. ومن ناحية أخرى، إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الغرب وجودها مهدد . كل من الاحتلال والتهديد جعل الحالة الإسرائيلية فريدة من نوعها. أصبح التهديد والاحتلال اثنين من ركائز اوضاعنا. يمكن للمرء أن يجادل ما إذا كان التهديد له ما يبرره ، نظراً للهيمنة الإقليمية والمحلية العسكرية لإسرائيل. ولكن هذا خارج عن الموضوع. إن شعور الإسرائيليين أنفسهم بالخطر، لأسباب واضحة تاريخياً وجغرافياً، واضحة تماماً وفي هذا الصدد ما يهم أنه: لا وجود للأمن القومي إذا لم تشعر الأمة بالأمان. شافيت محق بالتأكيد عندما يقول بأن أي شخص يفشل في فهم كل من هذه الحقيقة، وحقيقة احتلال دام سبعة وأربعين سنة لا أمل له في "فهم قصة إسرائيل بشكل صحيح". ويُظهر الكتاب وعد الازدواجية ، على سبيل المثال، في فصل كامل عن الخطر الذي تشكله الطموحات النووية الإيرانية، مع تأييد كامل لحديث نتنياهو عن التهديد الوجودي لإسرائيل. وهي الحجة التي يمكن ل AIPAC استنساخها بسعادة كوثيقة في حملاتها (وهذه بالمناسبة، تفصل شافيت عن العديد من زملاء له أكثر تشككاً في هآرتس). الغريب في هذا الكتاب الذي يمتد لأكثر من قرن من الزمان، هو هذا الفصل عن المشهد الحالي الذي أتى عرضاً كأحد تحديث في" بلدي أرض الميعاد". في ضوء المحادثات الامريكية الايرانية بشأن القضية النووية، ومؤخراً، التعاون الضمني بين البلدين حول التهديد الذي يشكله تنظيم ISIS السني في العراق، مثل هذا الخطاب المتشدد نحو إيران يبدو كتغريد خارج السرب من شافيت ويبدو أن الكاتب هنا هو نتنياهو نفسه. يستعدي هذا الخطاب المتشدد القراء الحمائم. ولكنهم بعد ذلك سيمرون عبر فقرات مثل هذه، زيارة لمستوطنة عوفرا في الضفة الغربية: وضعت المستوطنات الاسرائيلية رقبة اسرائيل في حبل المشنقة. خلقت المستوطنات واقعاً ديموغرافياً وسياسياً وأخلاقياً، وقضائياً لا يمكن الدفاع عنه. إن عدم شرعية عوفرا تلّوث إسرائيل نفسها الآن. إنها مثل السرطان، تنتشر من جهاز إلى آخر، مما يعرض الجسم كله للخطر. يرى العالم إسرائيل ككيان استعماري بسبب الاستعمار في عوفرا . وفي القرن الحادي والعشرين لا يوجد مجال للكيانات الاستعمارية، يدير الغرب ظهره تدريجياً لإسرائيل. ولهذا السبب يخجل اليهود المستنيرين في أمريكا وأوروبا من إسرائيل. هذا هو السبب في أن اسرائيل على خلاف مع نفسها. يذهب شافيت أبعد من ذلك، حيث اختار أن يشمل "بلدي أرض الميعاد" ما كتبه في هآرتس عام 1991 عندما كان شاباً وجندياً احتياطياً قضى 12 يوماً بمثابة السجان في معتقل في غزة وبعد ذلك في نيويورك تايمز. يقول إنه كشاب "يمقت دائماً المقارنة"، واقتبس عن جندي زميل قوله "أن المكان يشبه معسكر اعتقال." انه "جستابو"، و يقول عن طبيب المعسكر ، واضاف "انه ليس Mengele (طبيب الماني في معسكر الاعتقال النازي) المترجمة "، والتي تدعو بالطبع لمقارنته ب Mengele. قد تعتقد أن هذا ما جعل وجهة نظر فنكلشتاين أن شافيت يعمل دعاية متطورة ومخادعة لإسرائيل. لكن رد منتقدي الصهيونية الليبرالية جاهزاً. العبارة العبرية بمعناها الحرفي "أطلق النار وأنت تبكي "،التي تستخدم للسخرية من اليسار الإسرائيلي الذي يرثي بعبارات بليغة قتل العرب أو الفلسطينيين من قبل الاحتلال ، يكتبون الشعر، وتحصل أفلامهم على الجوائز، بينما يستمر القتل والاحتلال. تستمر الانتقادات بهذه الطريقة، ، تسعى الحمائم الإسرائيلية لكسب الإعجاب من العالم الخارجي، اليهودي وغير اليهودي على حد سواء، لجمال وحساسية ضميرهم مع أن سلوك بلادهم، والجيش الذي يرتدون ملابسه، لا يتغير. وفي هذا فإن الصهيونية الليبرالية مخزية أكثر من ابن عمها القومي المتشدد لأنها على عكس هذا الأخير، تكابر على وجود كعكته وتأكلها. يمكن القول أن الفصل الذي يتحدث عن غزة يلبي معنى "يطلقون النار ويبكون". وهذه التهمة لشافيت صحيحة لكن من الوقاحة قياس رواية كتاب بلدي أرض الميعاد على هذا الفصل . 3. يرغب اليساريون المعارضون بطرح سؤال جوهري على الصهاينة الليبراليين، ويعتقدون أنهم لا يستطيعون الإجابة عليه، ويمكن استخدام صياغة فينكلشتاين لهذا السؤال: "كيف يمكنكم تقديم الأعذار للتطهير العرقي؟" كيف تكون ليبرالياً، وملتزماً بحقوق الإنسان ، وتبرر طرد وتهجير الفلسطينيين عام 1948 عندما وُلدت إسرائيل؟ يأتي جواب شافيت في فصلين في قلب الكتاب. يأتي أولاً فصل "اللد 1948،" تم تجميع شهادات بدقة عن الأيام الثلاثة من تموز عندما طرد جنود الجيش الإسرائيلي الجديد سكان تلك المدينة من الفلسطينيين، ووفقاً لشافيت، قُتل أكثر من ثلاثمائة من المدنيين بدم بارد ودون تمييز. كانت شهادات من قام القتل، ويقول: " ارتكبت الصهيونية مجزرة." كان هذا الفصل، بتفاصيله الجنائية ورباطة جأشه الذي استخدمه Leibler في استعراضه للكتاب في جيروزاليم بوست كما سنرى، إن مجرد وضع مثل هذه الحقائق الوحشية هو في حد ذاته اتخاذ موقف، ولكن شافيت يتناول مسألة المبررات أيضاُ. أولاً، انه يقبل ضمنياً ما قاله أعداء الصهاينة منذ زمن طويل: كان الطرد النهائي للفلسطينيين منطقياً في المشروع الصهيوني منذ البداية، وأن المشروع لن ينجح بأية طريقة أخرى. كانت المشكلة، أن الوطن القومي لليهود ليس فارغاً. كما قال الحاخامان اللذان أرسلهما ثيودور هرتزل من المؤتمر الصهيوني الأول في فيينا، إلى فلسطين مثل جواسيس الكتاب المقدس الذين دخلوا كنعان أول مرة ، ذكروا مرة أخرى: "العروس جميلة لكنها متزوجة من رجل آخر." يبدو أن شافيت قبل ما هو واضح أن فلسطين لا يمكن أن تكون وطناً لليهود إلا إذا خسر الفلسطينيون منازلهم في فلسطين: "إما أن تكون الصهيونية أو أن تكون اللد". هل يعني ذلك أن شافيت وجد مبرراً لمجزرة اللد؟ انه يتجنب الإجابة المباشرة. "التعامل مع السؤال هائل جداً "، انها "حقيقة لا يمكنني احتواؤها". "لكنني لن أنضم إليها". ما يدمي قلب الليبراليين الإسرائيليين لسنوات لاحقة أنهم يدينون ما فعله [الإسرائيليون] في اللد ولكنهم يتمتعون بثمار هذا الفعل .... إذا لزم الأمر، سوف أقف إلى جانب الملعونين. لأنني أعرف أنه لو لم يفعلوا ما فعلوه ، لم تولد دولة إسرائيل .... فعلوا العمل القذر، وهذا العمل القذر أتاح لشعبي، لي ، ولابنتي، ولأبنائي العيش. ويرتكز هذا الجواب، مرة أخرى ضمناً، من خلال ما يلي. الفصل التالي بعد فصل اللد هو "الإسكان العقاري ، 1957"، والذي يصف حياً صغيراً على مشارف تل أبيب سكنه مجموعة من الناجين من المحرقة. يقتبس شافيت ، تفاصيل تجارب الطفولة المؤلمة لثلاثة اسرائيليين بارزين: الروائي أهارون افلفيد ، رئيس المحكمة العليا السابق أهرون باراك، والأستاذ زئيف ستيرنهيل (الذي يدعوه شافيت "ناشط سياسي ضد الفاشية الإسرائيلية")، كلهم تحملوا زوبعة المحرقة قبل ان يصلوا الى اسرائيل. تجاور هذين الفصلين مهم بالنسبة لشافيت. وتذكر القارئ لماذا يعتقد اليهود بمثل هذا الإلحاح والحماس بأن الدولة كانت ملاذاً وضرورة، عندما نشأت . لا يميل الصهاينة المتشددين والمعادين للصهيونية على حد سواء إلى الإعجاب بهذا النمط من التفكير. ويخشى المتشددون من اضعاف المطالبة اليهودية بفلسطين على اعتبار أن المطالبة نشأت من التعلق منذ آلاف السنين بأرض إسرائيل، وليست ببساطة الحاجة إلى ملجأ بعد الحرب. أما المعادون للصهيونية فينظرون إليها كورقة أخلاقية رابحة ، تهدف إلى إغلاق كل نقاش . كان شافيت محقاً في طرح الموضوع ، لأن تجربة المحرقة في الواقع لم تقنع اليهود في فلسطين وخارجها أن الدولة اليهودية أصبحت حاجة ملحة .يختلف Judis، بشكل كبير عن شافيت في نظرته للموضوع ، ويؤكد في نفس الوقت عليها عندما اقتبس من قول ترومان للمبعوث الدبلوماسي Mark Ethridge "أنه يعتقد أن اليهود لهم ممر ضيق "للهروب ... من الانقراض". وتفيد تقارير Judis أن معظم اليهود الإصلاحيين الذين أسسوا في وقت متأخر من 1942 المجلس الأمريكي لليهود، قادوا المعركة ضد دعم الولايات المتحدة لقيام دولة اسرائيل عكس موقف اليهود الذين عرفوا الرعب النازي. " بعد التقارير التي ظهرت عن المحرقة ، اعتنق كثير منهم الصهيونية باعتبارها البديل الوحيد لليهود المشردين في أوروبا." أسقطت تجربة اليهود في المحرقة التناقضات حول الدولة اليهودية مرة واحدة ، واسقطت كل الشكوك في العالم اليهودي. بدا واضحاً أن اليهود كانوا بحاجة لبلد، حتى لو لم تضمن سلامتهم ، فإنهم على الأقل، سيكونون قادرين على الدفاع عن أنفسهم. ومع استمرار الاعتقاد أن الوطن القومي اليهودي أصبح ضرورة أخلاقية لم يكن الاعتقاد بأن نزع ملكية الفلسطينيين أمراً لا مفر منه منطقياً. هما أمران منفصلان. لكن الأمور قد تحولت في الواقع بشكل مختلف كما يقول Judis ، اتبع ترومان غريزته وأراد الانصاف بين اليهود والعرب ويدعم ذلك من الصهاينة مثل Ahad Ha’am وأتباعه، الذين دعوا إلى دولة ثنائية القومية في فلسطين. لكنه لم يفعل،كما يقول Judis، نظراً لضغط العضلات الصهيونية الأمريكية، مثل الحاخام Hillel Silver, Stephen Wise ، الذين حثوا الرئيس على العمل لصالح القضية اليهودية وليس الفلسطينيين. صدى هذا الجدال والخلافات الأخيرة حول "اللوبي الإسرائيلي"، بما في ذلك الضجة التي حركها كتاب Stephen Walt and John Mearsheimer حول هذا الموضوع، ظهر في كتاب Judis بالمثل وسببه الاتهام بإحياء الاستعارة القديمة للسلطة اليهودية المفرطة. وتميل جميعها إلى طمس محاولته للتعافي من غموض الميل لدولة ثنائية القومية داخل الصهيونية. كانت وجهة النظر التقليدية التي تمثلها رؤية Ahad Ha’am وحركة Brit Shalom المستوحاة منه وشملت Judah Magnes, Martin Buber, Henrietta Szold, and Gershom Scholem وآخرين ، مثالية ومستحيلة ومحكوم عليها بالفشل، فالصدام بين الشعبين حتمياً. يرفض Judis ذلك ويصر على أن ترومان رأى أن الولايات المتحدة قد تفرض دولة ثنائية القومية في فلسطين. ويرى آخرون، بمن في ذلك Jerome Slater ، أن الدولة الثنائية القومية ليست الطريقة الوحيدة التي تمنع طرد الفلسطينيين . يصف Slater الخطط المتداولة في ذلك الوقت لإعادة التوطين الطوعي للعرب، إلى جانب تعويض مالي كبير، والتي جعلت إمكانية قيام دولة يهودية دون الكثير من الوحشية التي تلت ذلك.يجب أن تكون هذه الأسئلة مهمة للصهاينة الليبراليين لأنها تتحدى، على الأقل، الفكرة الكامنة في المشروع الصهيوني أن الطرد العنيف كان لا مفر منه. بهذا المنطق، فإنها تشير إلى أن المجازر مثل مجزرة اللد كانت طارئة وليست ضرورية . لم يأخذ شافيت هذه الاحتمالات البديلة بعين الاعتبار، ولو أخذها لاهتزت قناعته ، أن دولة إسرائيل لم تكن وُلدت لولا عمل الملعونين في اللد. 4. بينما انتقد النقاد اليساريون استنتاجات شافيت من مجزرة اللد، فالحقيقة أنه يحكي قصة تلك المجزرة ، وهذا مهم في حد ذاته. وقراءة الفصل تؤدي إلى اتخاذ موقف ضد الصهاينة الأوائل، وإلى رؤية ما لم يروه. وهنا اتفق شافيت وJudis على ما يلي: عانى الآباء المؤسسين للصهيونية من العمى الانتقائي، وكانوا غير قادرين أو غير راغبين في تسجيل ما كان أمام أعينهم: وجود شعب آخر في أرض إسرائيل. تتبع شافيت رحلة جده الأكبر إلى فلسطين ، وكذلك قيام الرجل البريطاني والصهيوني الرومانسي Herbert Bentwich ، في 1897 بزيارة فلسطين. قام العرب بتحميل وتفريغ البضائع في ميناء يافا. وكان الموظفون العرب في انتظاره في فندقه. وكان القرويون العرب في كل مكان. لكنهم لم يتركوا عليهم أي أثر. كتب شافيت :"جدي لم يرى لأنه إذا رأى، فانه سيضطر الى العودة إلى مكانه". وفي هذا، كان Bentwich نموذجياً. من المعروف جيداً أن الكثير من الصهاينة الأوائل أُصيبوا بالعمى عندما جاؤوا إلى فلسطين ولم يروا السكان الأصليين . كانوا متحمسين لقبول أسطورة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض. (كان المؤمنون بثنائية القومية استثناء، من بينهم، بالمناسبة، نجل Herbert Bentwich واسمه نورمان وكان النائب العام في فلسطين تحت الانتداب البريطاني.)
كان عشاق أميركا من الصهاينة عميان بالمثل. كان Judis محتاراً من فشل الرجال الليبراليين الذين لا تشوبهم شائبة في رؤية ما كان واضحاً. أسّس Stephen Wise اتحاد الحريات المدنية ولكنه، مثل زملائه الليبراليين الصهاينة، كان "غافلاً عن رؤية حقوق العرب في فلسطين." وأضاف "الم يعرفوا شيئاً عن فلسطين العربية"، يكتب Judis. كانوا رجال زمنهم، إن لم يكونوا من القرن الماضي. في تشرين أول عام 1929،كتب Brandeis: "يذكرني الوضع بما حدث في أمريكا، عندما أسّس المستوطنون مستعمرة خليج ماساتشوستس لحماية أنفسهم من الهنود". لم يمر الإنكار في إسرائيل نفسها ،على العكس من ذلك، يقول شافيت أن بلاده بُنيت طبقة فوق طبقة من الإنكار. وأكثر الأشكال وضوحاً هو القرى الإسرائيلية التي بنيت على أنقاض الأماكن التي كانت قبل سبعين عاماً فلسطينية، محيت أسمائها: هذا الإنكار أمر يبعث على الدهشة. حقيقة أن سبعمائة ألف إنسان فقدوا منازلهم ومُحي وطنهم بكل بساطة . اسدود تصبح أشدود، عاقر تصبح ناحال عكرون، دانيال تصبح دانييل، جمزو تصبح جامزو. وبالطبع أصبحت اللد ،لُد، وفيها مطار بن غوريون. ثم ناقش شافيت حقيقة أنه لم يكن الفلسطينيون قبل عام 1948 ضحايا هذا التوجه الإسرائيلي فقط ، تم اسكات الناجين من المحرقة عن التحدث ،أصواتهم بالكاد تسمع، دُفنت تجاربهم تحت سطح الأرض حيث لا يمكن لها أن تُعيق مسيرة التقدم الإسرائيلي إلى الأمام. ويصف أيضاً مصير اليهود القادمين من الأراضي العربية، الذين جاءوا إلى إسرائيل، وتخلوا عن عاداتهم، وتراثهم، وتم طمس الفخر-بتقاليدهم .وقد فسّر شافيت ذلك " أن دولة عازمة على التزوير وتوحيد أمة جديدة لا وقت عندها للنظر إلى الوراء". ما يشغل بال شافيت هو النسيان الإرادي تجاه السكان الأصليين للأرض. هدفه ليس فقط أسلافه منذ فترة طويلة، انما اسلافه الحاليين : قادة حركة السلام الإسرائيلية. أخذ عليهم التركيز على تراث عام 1967 والأراضي المحتلة، لتعزيز الوهم أنه إذا أرادت اسرائيل تصحيح أخطاءها ،فعليها الانسحاب من تلك الأراضي بعد قرار متناغم. هذا لا يعني أن شافيت يدافع عن الاحتلال بأي شكل من الأشكال ،على العكس من ذلك، قال انه يتوق لهذه الغاية، ويعتبر مستوطنات الضفة الغربية خطأ إسرائيلياً ذا أبعاد كارثية. انه لا يقدم تفاصيل أو خريطة، ولكن دعمه واضح للإجماع الدولي الذي يدعو لانسحاب اسرائيل إلى إصدار معدل من خطوط عام 1967. الخلاف مع رفاقه السابقين في حركة السلام هو أنه لم يعد يعتقد أن مثل هذه الخطوة تجلب السلام: "لا ينبغي أبدا أن نعد أنفسنا بالسلام أو افتراض أن السلام قاب قوسين أو أدنى". يجب ان تكون عندنا قناعة لنقول ان الاحتلال يجب أن ينتهي، مع أن نهاية الاحتلال لن تُنه الصراع ". لا تحتاج إسرائيل الانتظار لاتفاق مع الفلسطينيين لرسم الحدود ، وكما يقول شافيت " يجب على اسرائيل الانسحاب تدريجياً وبحذر إلى الحدود الجديدة. واضاف" ان ديفيد بن غوريون نفسه ، اقترح في أعقاب حرب عام 1967، أن تنسحب إسرائيل من جانب واحد من الأراضي التي غزتها (باستثناء القدس) فقط. بناء على هذا المنطق، بعد الفشل الأخير لعملية السلام التي قادها جون كيري، وتفجر العنف في اعقاب خطف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين في حزيران، ليس من الضروري تأجيل هذه الخطوة من جانب واحد. دون أوهام حول السلام، على إسرائيل أن تبدأ على إنهاء الاحتلال من تلقاء نفسها. وكان شافيت صريحاً في هذا المجال أن الانسحاب إلى خطوط عام 1967، أكثر أو أقل، لن يجلب السلام. ذلك لأن جوهر المسألة ليس عام 1967 ولكن ولادة إسرائيل نفسها في عام 1948. زار شافيت خلدا عن قصد ، وهو كيبوتس عاش فيه لعقود الزعيم الروحي لحركة السلام الآن، الروائي عاموس عوز. ولكن خلدا اسم لقرية عربية كانت مجاورة للكيبوتس. تم احتلال القرية في نيسان 1948، بيوتها هُدمت، حقولها نُهبت، وجزء كبير من أراضيها ضُمّت في نهاية المطاف إلى الكيبوتس الذي يحمل نفس الاسم. انها خلدا، يا غبي. ليست عوفرا [في الضفة الغربية]، ولكن خلدا، وأنا أقول لنفسي. كانت عوفرا خطأ ، انحراف، جنون. لكن من حيث المبدأ، عوفرا قد يكون لها حل. أما خلدا فهي جوهر المسألة. جوهر الصراع يدور حول خلدا. بالطبع، يكاد شافيت أول من فكّر في واقع 1948. واقتبس من خطبة الجنازة الشهيرة التي القاها موشيه ديان في عام 1956 حيث كان واضحاً: "لقد تحولت أراضيهم وقراهم، حيث سكن أجدادهم سابقاً ، إلى وطننا". كما تتبع شافيت مجموعة " المؤرخين الجدد " الذين ظهروا في الثمانينيات والتسعينيات ، الذين مسحوا الغبار عن الأرشيف ، ونبشوا الحقائق المدفونة عن طرد إسرائيل للفلسطينيين. لكن موقف شافيت يختلف عن هؤلاء العلماء. بينما وصف بعض المؤرخين الجدد أنفسهم أنهم معادون الصهاينة، والبعض الآخر أنهم ما بعد الصهاينة، فإن شافيت هو سليل الأرستقراطية الصهيونية. مواقفه ضد إيران وقضايا أخرى تضعه داخل التيار الإسرائيلي التوفيقي. يُدين في هذا الكتاب ليس الاحتلال عام 1967 فقط، بل قال انه يتعاطف مع الأحداث التي يعتبرها الفلسطينيون النكبة، عام 1948. ما هو أكثر من ذلك، قد تكون إسرائيل وأنصارها خاصة في الشتات اليهودي مستعدة لقبول هذا من شافيت بينما سترفضها من أمثال نورمان فنكلشتاين. شافيت كتب ليس كليبرالي فقط ولكن كصهيوني، كان نقد شافيت من الداخل وليس من الخارج. قدّم تاريخ عائلي عن الجميع الذين تحدث إليهم، سواء الموافقين او المعارضين ، وأعطى خلفية لآرائهم التي ساعدتهم وأنسنة آرائهم. انه لا يقف في الخارج، ويشمت في سوء حظ إسرائيل، ولكنه يشارك فيها. يرصد كثيراً في الفصول المكرسة للاحتفال بانتصارات إسرائيل، ومآثرها المذهلة في استيعاب موجات المهاجرين أو تنامي قطاع التكنولوجيا الفائقة. يُزعج هذا الثناء آذان المعادين للصهيونية، ولكنه يجعل شافيت مدافعاً أقوى بكثير منهم ، على الأقل إذا كان الهدف حدوث تحوّل في الرأي العام الإسرائيلي ، بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في إحداث التغيير وإنهاء الصراع بدلاً من الحوار على تويتر. ربما هذه هي نقطة ضعف، ولكن اليهود يميلون للاستماع إلى أولئك الذين يتحدثون إليهم من الداخل بدلاً من الخارج. مشاهدة الحوار على طاولة عيد الفصح بين الابن الحكيم والابن الشرير. من الناحية الفنية، كل ما يفصل بينهما هو الفرق اللغوي بين الشخص الأول والثاني. يسأل الابن الشرير ماذا يعني هذا بالنسبة لك، ،بينما يسأل الابن الحكيم ماذا يعني هذا بالنسبة لنا . ولكن هذا التمييز اللغوي يعمل فرقاً. قد يكون هذا التناقض في اللهجة السبب في اطلاق النار على كتاب Judis من الكتّاب الذين أغدقوا الثناء على شافيت، ومن بينهم Leon Wieseltier. كتاب Judis متزمت، مصادره جيدة، ولديه أوراق اعتماد من الصهاينة من تلقاء نفسه (تطوع للقتال من أجل إسرائيل في عام 1967 ولكن بعد فوات الأوان). ولكن في بعض الأحيان يصيب نثره الملاحظة الخاطئة، كما لو أنه أقل اهتماماً لاستمالة اليهود من فضح قصورهم الأخلاقي. في ضوء نظريته التي تقول بأن اليهود الامريكيين يمكن أن يصنعوا الفرق في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كان عليه أن يفعل المزيد لإقناعهم بدلاً من تنفيرهم. ربما هذا، هو الدور النهائي لليبرالية الصهيونية. انهم في وضع أفضل من غيرهم لتغيير وجهات النظر والآراء للصهاينة بما في ذلك الإسرائيليين. انتهى فنكلشتاين في كتابه ضد شافيت بإلاعتراف أنه على الرغم من "الخطيئة الأصلية" لإنشائها، لم يضع وجود إسرائيل في الطاحونة. يمكن أن تأخذ الخطوة الأولى نحو إغلاق الموضوع ، ايداع الماضي إلى الماضي، وربما نحو المصالحة وتسوية الخلاف، مع "الاعتراف الرسمي بما حدث في 1948".كتب شافيت الوطني الإسرائيلي ، الملتزم بعمق لبلده، كتاباً قوياً ومعقداً، واستيعاب الكتاب وتلقيه الاستحسان يشير إلى التقدم نحو هذا الهدف الضروري. مترجم Jonathan Freedland
#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نخوة بلا حدود :غزة ونهاية -الشهامة العربية-
-
محاكمة اسرائيل لجرائم الحرب
-
غزة : المكافآت والعقاب
-
باولو فيريري والوعد بالتربية الناقدة
-
اسرائيل :الاستيطان والغرب المتوحش
-
الاقتصاد السياسي للفصل العنصري الإسرائيلي، وشبح الإبادة الجم
...
-
التضحية بالفقراء ( من غزة لأمريكا )
-
دولة الجبناء
-
لماذا نرفض الخدمة في الاراضي الفلسطينية المحتلة
-
غزة:كسر آخر المحرمات
-
جز العشب في غزة
-
فشل في غزة
-
اسرائيل تستخدم فيديو من 2009 لتبرير تدمير مستشفى الوفاء
-
عائلة غزاوية دمرتها القنابل الإسرائيلية
-
مجزرة ريشون لتسيون - قاتل غزة
-
توجيه هانيبال: كيف قتلت إسرائيل جنودها وذبحت الفلسطينيين لمن
...
-
ثلاثة أسئلة لحماس
-
الأساطير القاسية حول المعلمين
-
إعادة تشكيل عيد العمال
-
لماذا خان العرب غزة
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|