أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خديجة آيت عمي - الإحتفال برحيل هيلين بامبر Helen Bamber Memorial














المزيد.....

الإحتفال برحيل هيلين بامبر Helen Bamber Memorial


خديجة آيت عمي
(Khadija Ait Ammi)


الحوار المتمدن-العدد: 4592 - 2014 / 10 / 3 - 14:59
المحور: حقوق الانسان
    


في صباح مشرق كهذا الصباح ، أجول في الأزقة الفارغة التي تحمل أشياءها في صمت ، كما يحمل المحبّ الفاشل قلبه المكسور لتأخذ الإنتكاسات أبعادها الفجائيّة .
قبل ساعات ، كانت ريح نافذة التيوب تطاردني ، تتلاعب بوجهي كما تشاء و تراقص شعري كمآ تشاء ، إذ يشتعل الميترو بالمغادرين للعمل ، و لم يكن لي حل غير ذلك .
لم أتمكن من الولوج إلى المقر إلاّ بصعوبة إذ احتشد آلزّوار خارجا رغم اتساع المكان .
رأيتها . كانت جالسة في هدوء ، كما عهدتها ، تنظر إلى جمهورها الكبير الذي جاء لزيارتها لآخر مرة ، و ذلك قبل ساعآت .
كانت تستمع كمآ عهدتها ، تتفرس في وجه الجميع واحدا واحدا ، واحدة واحدة ، و آلاف الأساطير تتدرج بين عينيها . أولم تستمع هي لأساطيرهم كلها ؟ لسنوات عمّدها الزمان ؟..
حدثت أشياء كثيرة قبل ساعآت ، إذ انطلقت سيدة سيراليونية في الثمانين ، تروي قصتها حين آوتْها هيلين في بيتها لمدة عام في زمن كان السكن بلندن ممنوعآ على " السّّود ، و الإيرلنديين و الكلاب ".
و اشترت لها ثياب آلشتاء و احتضنتها و أطعمتها و غطتها و حمتها دون سؤال . و حكت قصصآ طريفة حدثت بينهما ، إذ كانت هذه السيدة تعتقد أن نزول الثلج عذرا كافيا لعدم الذهاب إلى المدرسة لتُفاجأ برد هيلين القائل بضرورة الذهاب رغم المعوقات .
ثم استرسل آخرون يحدثون عن الأحداث و العوارض و المنجزات و المعتقدات و الإنسانية وووووو ... فيما الآخروون واقفون ، باكون ،مبهورون ، متألمون ..
أخذتُ كأس نبيذ أحمر ، لأستمع بدوري عن سيدة ، كان لي شرف كبير أن أشتغل معها عن قرب ، عن قرب شديد ، إذ ما وصلني في تلك اللحظات لم يكن غريبا عنيّ . أنا آلتي رأيتها تدلّل أبناءها ، حتى الأكثر إنغلاقا منهم بفعل الصدمات و الكمدات . رأيتها تحتضن عمر الهارب من شبح أفريقيا ، الذي كان نجما بكرة السّلّة و الذي فقد ذاكرته بسبب التعذيب الخبيث و تحول إلى طفل صغير ، لا يذكر شيئا . كانت تقدم له كلما رأته حجرة بحر صغيرة ، و كان يكتفي بابتسامة الرضيع الذي لا يعرف من النساء سوى أمه الحنون . كان لا يثق في أحد ، و يتوجس من الجميع و فقد ثقته في بني البشر ، و نسي ما حدث له .
كنت أرى الشابة الأفريقية المحجّبة تأتي ، فتهرع هيلين إلى محفظة يدهآ لتدخل يدها دون النظر في داخلها ، فتسحب ما وقعت عليه يدها مقدمة إياها قائلة في صوت مرصوص:" أنا أعلم أنك بحاجة إلى شئ من النقود ، خذي هذه لك ."
غالبا ما كانت هيلين آخر من يغادر المكتب في ساعات متأخرة من الليل خصوصا حين كنا نشتغل على قضايا مستعجلة و حين كانت تعدّ التقارير الطبية لتصل إلى المحاكم في وقتها المحدّد .
لم تتعالى هيلين على أحد ،تحدث الكبار و الصغار ،و تعضد الجرحى و المنبوذين و القلقين بلا مأوى ،و لا مال و لا سند .
لن أنسى حين كانت هيلين تأتي إلى العمل أيام السّّبت كذلك لتحضير ما يمكن تحضيره على أحسن وجه مغطّية كل أوجه القصة / الأسطورة .
و لن أنسى كذلك حين كانت تستقدم سكرتيرة خاصة فقط لكي لا يبقى آدم وحيدا في قاعة الإستقبال أثناء عملنا في إحدى القضايا . و لن أنسى و هي تقول : " صحيح كان لدي أطفالا ، لكني لم أر طفلا مهذّبا مثلك ، أنت طفل خاص جدا ."
كيف أنسى سيدتي التي كسرت أيام الشّاباط ، و ضحت بصحتها و مالها و وقتها و تجاوزت حدود الأجناس و الدين و اللغات و التقاليد ، معتبرة الإرتباط الإنساني أقوى من كل الإرتباطات على وجه هذه الأرض .
كيف لي أن أنسى نظراتها إلي حين كنت أثناء حصص العمل أسرع في الحديث كي أوقف من السرعة قليلا .
قبل ساعات ، رأيت في مجموعة الكورال بلباسهم الأصفر ، أسماؤهم مكتوبة على جباههم ، لأول مرة أرى الذكور و الإناث اللذين أواجههم عادة في مقر العمل بلا هوية منحدرين إلى الأرض ، رأيتهم يغنون في اعتزاز ، مفتخرين بالمكان الذي أوجد فيهم الهوية و آلكرامة .
تركت هيلين ميراثآ بعد رحيلها ، جيش من الأطباء و الأخصائيين و المحاميين والإداريين و المترجمين و من الدّعاة للإشهآر حصولا على المال ،أغلبهم متطوعون لا لشئ إلا لأنهم لا يزالون يؤمنون بالقيم الإنسآنية آلنبيلة .
و لا و لن أستطيع إكمال آلأسطورة التي بدأت قصتها و هي تكتفي بالإستماع إلى ضحايآ الحرب العالمية الثانية .
سوف أختتم بما ألقته راشيل قبل ساعات عن آلشآعر إي.إي .كومينغس E.E Cummings : " " سأحمل قلبك معي ، سأحمله في قلبي " .



#خديجة_آيت_عمي (هاشتاغ)       Khadija_Ait_Ammi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العيد
- السعادة
- السودان
- تمرّدت عليّ نفسي
- الجدّة
- هَاناَ
- كنيسة سانت مايكل
- الحياة
- بائعة الورود
- الغسّالة
- سيارات عربية بلندن
- الكراج
- كينغز رود
- ال - بِدُونْ-
- أضحية الكبش ومقتل الخوري حدّاد
- الجيران
- الربيع
- طاقة الحرية
- فقدان مومن الديوري
- الأعمال الشّاقة


المزيد.....




- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...
- مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا ...
- اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات ...
- اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
- ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف ...
- مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
- الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
- تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة ...
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خديجة آيت عمي - الإحتفال برحيل هيلين بامبر Helen Bamber Memorial