أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - صراع المناهج: في الحاجة إلى منهج مركب لمقاربة الظاهرات الإسلامية المعاصرة















المزيد.....

صراع المناهج: في الحاجة إلى منهج مركب لمقاربة الظاهرات الإسلامية المعاصرة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4590 - 2014 / 10 / 1 - 14:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يتوزع التفكير العلماني في شأن الإسلام العسكري والسياسي المعاصر على واحد من منهجين عريضين: منهج التحليل الاجتماعي الذي يعيد الظاهرة إلى شروط دنيوية، اجتماعية وسياسية واقتصادية وديمغرافية وغيرها، ومنهج التحليل العَقَدي الذي يشرح الظاهرة السياسية الدينية بالدين والفكر الديني ذاته.
يقرر المنهج العقدي أنه حين لا يكون الإسلام العسكري والسياسي هو الإسلام ذاته، فإنه ينبع منه بقدر واسع، من هيكلة راهنة للتعاليم الإسلامية، توجب تطبيق أحكام وأوامر واردة في المتون النصية الإسلامية. ويُستشهَد على ذك بما يقوله الإسلاميون أنفسهم في شرح سياستهم وتبرير أفعالهم.
هذا على مستوى الشرح، أما على مستوى العمل فيقترح هذا المنهج تأويلا مغايرا للتعاليم الدينية، يقيد نوازعها الحربية، والسياسية، وقد يمضي متشددون من دعاة المنهج العقدي إلى وجوب محاربة الإسلام ذاته، أو يجري نفض اليد يأسا من إصلاح الحال لأنها مثبّتة في نصوص مقدسة.
أما المنهج الاجتماعي فيبرز انتشار الظاهرة في المجتمعات المجزأة، أفغانستان، العراق، اليمن، سورية...، وفي البيئات الأكثر تحطما من هذه المجتمعات، ويُزكّي تغيرا ضروريا في الشروط التاريخية من شأنه أن يحد من الانتشار الواسع لهذه الظاهرة ويجعلها أيسر تدبرا. وتفترض صيغ ميكانيكية من هذا المنهج أن التغير الاجتماعي كاف لوحده لتغير التفكير الديني، وأن ارتفاعا في مستويات الدخل وعدالة أكبر في توزيعه وحريات عامة أوسع... تضمن لوحدها تشكل الإسلام في صورة أكثر انفتاحا، بما يغني عن الحاجة إلى بذل جهد خاص عليه والنظر المتجدد في هيكلته الراهنة. الدين "متغير تابع"، فاقد لأدنى قدر من الاستقلالية والتأثير، وفق هذا التصور.
لا يجيب المنهج العقدي على السؤال عن الصفة التاريخية المتغيرة للظاهرة الإسلامية المعاصرة، وظهورها بتفاوت بين مجتمعات ومجتمعات، أو بين أطوار تاريخية للمجتمع الواحد. فإذا كانت هذه الظاهرة هي الإسلام، أو كانت تصرفات الإسلاميين تتحدد أساسا وحصرا بتعاليمه، فلماذا لا نراها في كل وقت، وفي كل مجتمعات المسلمين؟ علما أن هذا الاعتقاد بتطابق جوهري بين الظاهرة الإسلامية الجهادية تحديدا وبين الإسلام ذاته، هو اعتقاد الجهاديين أنفسهم (ومثلهم أو أقل بقدر ضئيل الإسلاميين السياسيين)، وليس اعتقاد علمانيين مخاصمين للظاهرة الإسلامية فقط.
بالمقابل، يبدو متعذرا نفي حقيقة أن غير قليل من شروط إمكان الظاهرة الإسلامية العسكرية والسياسية موجود فعلا في القراءة المهيمنة للتعاليم الإسلامية، أو لنقل إن هناك استعدادا طيبا في هذه القراءة لتوفير شرعية تفضيلية للإسلام السياسي والعسكري. أستعيد هنا من المعاينة الشخصية مثالا دالا. قال لي سلفي جهادي سوري في تموز 2013 إن النظام السوري وأجهزته الدينية يحذفون سورتي التوبة والأنفال من القرآن، ومعلوم أنهما سورتان غاضبتان، قتاليتان، عنيفتان. هاتان السورتان، بالمقابل، هما ما يفضل الإسلام العسكري أو الجهادي التركيز عليه وتحكيمه في النص القرآني كله، وفي السياسة الإسلامية. لكن السورتين موجودتان فعلا في النص القرآني.
وفي مطلع صيف 2014 نُسب إلى داعشي تونسي في مدينة الرقة السورية الردّ على من ذكّره بآية "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، بالقول: ألا تعرفون غير هذه الآية؟ وأين آية السيف (من سورة التوبة)؟ الإسلام انتشر بالسيف! ظاهر أن الدواعش يعيدون هيكلة تعاليم الإسلام بما يعود عليهم بالشرعية الأعظم، والسلطة الأكبر. وبينما يمكن أن نشرح كلام المجاهد التونسي بتوضيح الإطار الاجتماعي والتاريخي الذي ولدت فيه الظاهرة السلفية العسكرية، وشبكاتها الإقليمية والدولية، فإننا نحتاج أيضا إلى معرفة نوعية الرهانات والمكافآت التي توفرها لمعتنقيها (رضا الله والتوفيق في الدنيا، الاستشهاد والنعيم في الآخرة)، وكذلك "عدة الشغل" التي يستخدمونها (آيات، أحاديث، سوابق تاريخية...)، آليات حقلهم الخاص ولغتهم الخاصة، استقطابات هذا الحقل وسجالاته وتحولاته الداخلية (الإسلاميين المرفوضين أو "التحريفيين"...)، وآليات الترقي الداخلية لمن يحسنون مواقعهم في الحقل (صعود إلى مواقع القيادة)، هذا إن شئنا إحاطة أفضل بعمليات التغير الاجتماعي وأثرها على الدين والجماعات الدينية.
المنهج الاجتماعي الذي يترك العمليات الداخلية للمجموعات الدينية خارج نطاق اهتمامه يجازف بأن يغفل الجانب النشط والإبداعي من عمليات التغير الاجتماعي لمصلحة تصور سحري أو قيامي للتغيير، تصور ينسب عادة إلى مناهج التفكير المثالية لا إلى المناهج المادية: نغير الأساس أو "البنية التحتية"، فيتغير كل شيء تلقائيا في "البنية الفوقية".

يتعلق الأمر عند السلفيين الجهاديين بتأويل، بإعادة بناء التعاليم الإسلامية حول ما يفترض أنها نواتها الصلبة، "الجهاد". إلا أن التأويلات التي تصعد في زمن بعينه هي التي تسندها أوضاع اجتماعية (وسياسية وسيكولوجية) مواتية. النصوص لا توجد إلا في التأويلات، ولا هي تقرأ إلا مؤولة. لكن قبل النصوص والتأويلات معا هناك فاعلون اجتماعيون يختارون الأنسب لترقية قضيتهم وتأكيد شرعيتهم أو الاستئثار بكل شرعية ممكنة.
في كل حال، لا توجد التعاليم الدينية خارج إعادات قراءة وتشكل مستمرة. أما "الإسلام الحقيقي"، أو "الإسلام في ذاته"، فنصيبه من الوجود لا يفوق نصيب الشيء في ذاته عند كانت، وإن كان "موجودا" تخيليا كسند لهوية الإسلاميين.
وما نعنيه بالتأويل هو عمليات إعادة هيكلة و"إعادة إنتاج" لا تتوقف، تقوم بها أجهزة وشبكات دينية في شروط اجتماعية وتاريخية عينية، ولها تطلعات اجتماعية وسياسية تخصها.
ترى، أليس "التشدد" اليوم "سياسة" في قراءة المتون الدينية تعود بشرعية أعظمية على الأجهزة الإسلامية ومديريها؟ استحضر هنا أيضا أمثلة سبق ان استخدمتها في سياق آخر (الإسلام، الإسلاميون، والعنف: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=429014
في مجلس الشورى في مدنية دوما السورية رفعت على الجدران لافتات عليها الآيات القرآنية التالية: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، "والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة، إننا لا نضيع أجر المصلحين"، "إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم". واضح أن الآيات اختيرت بحيث تعود بشرعية أعظمية على المشايخ الذين "أوتوا العلم"، وبما يرفعهم درجات فوق غيرهم، ويسوغ اللامساواة بينهم وبين الذين "لا يعلمون"، وبحيث لا يضيع أجر هؤلاء الرجال الصالحين المصلحين. في انتقاء هذه النصص الدينية كثير من "الدنيا"، وغير قليل من "الدولة"، أما الدين فمنبع للشرعية، "أداة لجلب الدنيا إلى الرؤساء" على ما ما قال أبو العلاء يوما.

ويتخذ "لواء الإسلام"، وهو تشكيل سلفي في الغوطة الشرقية، من قول منسوب إلى عمر بن الخطاب شعارا له: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله". لا يسبغ هذا الشعار شرعية أعظمية على التشكيل العسكري السلفي الذي يسمى اليوم "جيش الإسلام"، بل هو ينزع الشرعية عن غيره أيضا. الأمر مناسب من أجل الاستئثار بالسلطة، وهو ما يصادق عليه سلوك التشكيل المذكور إلى أقصى حد.
توضح هذه الأمثلة عدم كفاية منهج التحليل الاجتماعي الذي لا ينتبه إلى بنية الظاهرة ولغتها ورموزها وآليات عملها الخاصة، لكنه يظهر في الوقت نفسه أن هناك مبدأ انتقاء من المجمل الإسلامي، يقوم به بشر مثلنا في أوضاع عينية، وتجري حوله إعادة الهيكلة في كل حال. وظاهر في الوقت نفسه أنه توجه هذا الانتقاء تفضيلات الجهات المعنية، جيش الإسلام ومجلس شورى دوما في المثالين السابقين.
*****
الواقع أن مشكلة المنهجين على حد سواء أنهما يضعان العقيدة الدينية خارج المجتمع. تبدو شيئا مستقلا، يشكل المجتمع من خارجه في حالة المنهج العقدي، المثالي فلسفيا، حتى أن الإسلام يشكل ماهية هذه المجتمعات وتحديدها الجوهري (هذا بالضبط ما يقوله الإسلاميون أيضا)؛ وشيئا لا قوام ذاتيا له، يتشكل سلبا بتغيرات المجتمع دون مقاومة، في حالة المنهج الاجتماعي التقليدي، حتى يبدو أن لا فرق من أي نوع بين مجتمعاتنا وغيرها، كلها "عالم ثالث" أو بلدان مستعمرة سابقا.
المنهج العقدي يضع العقيدة الدينية فوق المجتمع، لتكون شيئا يشبه نفسه فقط ولا تاريخ له، وعلى المجتمعات الحية أن تنضبط بها وتنفي التغير من نفسها، إن كان أصحاب هذه المنهج من الإسلاميين، أو بالعكس عليها أن تنفلت منها وتنفيها هي كي تستطيع أن تتغير، إن كان أصحاب المنهج علمانيين. الدين في كل حال غير متشكل اجتماعيا. والحال أن لدينا مفهوما للتشكل الاجتماعي للدين هو التدين، الصيغ الاجتماعية للممارسة الدينية. ومثلما لا توجد النصوص خارج القراءات والتأويلات، لا يوجد الدين خارج التدين. أشكال التدين المختلفة هي"تأويلات" اجتماعية للدين.
أما المنهج الاجتماعي فينكر على الظاهرة الدينية تماسكها الذاتي وكيانيتها الخاصة، ويرى أن المجتمعات سياسة واقتصاد واجتماع وديمغرافية وسيكولوجية جمعية...، لكن لماذا ليس أيضا تدينا، أنماط اعتقاد تتشكل وتتغاير بصور لا ترتد إلى مجرد انعكاسات سلبية للتغيرات الاجتماعية.
هذا على الأرجح يحيل إلى موقع الدارسين الذي يتوسلون هذا المنهج أو ذاك. ما هو خارج المجتمع فعلا هو هذا الموقع الذي يتأمل في الظواهر الاجتماعية، ولا يقترب لينظر في مفراداتها وتفاصيلها، أو يصف شيئا من ممارسات وأفعال الأفراد والجماعات في شروط الصراع السياسي الديني.
*****
الشيء الذي لا يستطيع التحليل الاجتماعي التقليدي الرد عليه هو الشكل المختلف الذي يأخذه التفاعل مع أوضاع تاريخية في مجتمعاتنا عن أوضاع مقاربة في مجتمعات أخرى، أو في مجتمعاتنا ذاتها بين طور تاريخي وآخر.
والكتابات التي تتوسل المنهج الاجتماعي التقليدي عند التفكير في شؤون الثقافة والتغير الثقافي تترك غالبا انطباعا بنقصان شيء ما، هو بالضبط أنها لا تتطرق من قريب أو بعيد للتأويلات المهيمنة للتعاليم الدينية وأنماط التدين الصاعدة ودور الأجهزة الدينية القائمة في صعود تأويلات وأنماط وتراجع تأويلات وأنماط، وبنية الحقل الديني الراهن، وكذلك الذاكرة والمخيلة الدينية.
هذا الوضع الفكري الذي يجده المرء في كتابات إدوارد سعيد، وبعض المتأثرين به من أمثال حميد دباشي، لا يساعد التيارات الأكثر تحررية ونقدية في الفكر الإسلامي ذاته، بل هو يميل إلى اعتبار أن أوضاع الإسلام المعاصرة مشروطة تاريخيا بصورة كلية (وبسياسات الغرب حتى أكثر من صراعاتنا الاجتماعية والسياسية، المحلية والإقليمية)، لا تترك هوامش حرية للفاعلين الإسلاميين. وتاليا يكون كل نقد لهيكلة التعاليم الإسلامية المعاصرة أو تأويلها المهيمن، أو صيغ ترابط الديني والسياسي فيها، تعبيرا عن عداء للإسلام أو إسلاموفوبيا. وهذا ما يتوسله بمكر إسلاميون متشددون لتقويض شرعية أية انتقادات تحررية للفكر الإسلامي في مجتمعاتنا ذاتها، ومن قبل من ليسوا على عداء ماهوي للإسلام بحال.
ما يخفق هذا التيار في رؤيته هو أن هناك اليوم، وفي كل طور من أطوار التاريخ، تأويلات مغايرة، وقد تكون متنازعة، للإسلام، ومنها تأويلات أكثر تحررية وإنسانية من غيرها، وأن منهجه الذي يرفض النظر في تكوين الإسلام المعاصر والحقل الديني متعدد التأويلات والهيكلات، إنما يضعف التطلعات التحررية، الدينية والدنيوية، في مجتمعاتنا من حيث هو يريد مقاومة نزعات الهيمنة المعادية لللإسلام في البيئات الغربية.
والواقع أن مشكلة كل تحليل اجتماعي هي الاختزالية من جهة، والحتموية من جهة ثانية. أي اعتبار أشكال التدين والتأويل الإسلامية المهيمنة اليوم محددة بصورة مفرطة بأوضاع تتحكم بمجتمعات المسلمين من خارجها (خارجها البنيوي: اقتصاد، علاقات دولية، عقائد...، أو خارجها الجغرافي- الثقافي) فلا يملكون لها ردا، الأمر الذي يغفل صراع التأويلات وأنماط التدين، وخيارات نخب إسلامية وتفضيلاتها، وميلها الثابت إلى تغليب تأويلات متشددة "تجلب الدنيا" إليها، وتضعها في موقع المالك الدائم لمفاتيح المقدس والمتحكم بسياسته والمشرف على إدارته.
بالمثل، يشكو المنهج العقدي من الدوغمائية، افتراض دلالة غير متغيرة تاريخيا للنصوص الدينية، ومستقلة عن الهيكلة العامة او الإطار التأويلي الذي تتحرك فيه هذه النصوص وتستدعى وتستنفر وتوظف. التدين في نظر هذه المنهج هو مجرد ممارسة للدين، أو طاعة صرف لا دخل للدنيا واشتهاؤها وحب الترؤس بها. المتدينون لا حرية لهم على الإطلاق، لكن هذه المرة ليس لأنهم محددون اجتماعيا، ولكن لأنهم عبيد إلهيون مخلصون.
*****
لكن ألا يعني ما نقوله من مشروطية اجتماعية وتاريخية للتأويلات وإعادات التشكل والهيكلة أننا لسنا بحاجة إلى منهج خاص ينكب على التعاليم ويتفحصها؟ أن منهج التحليل الاجتماعي يكفي وحده؟
الواقع أن مشكلة المنهج الاجتماعي تتمثل في ما أشرنا إليه من اختزالية، إذابة الظاهرة المدروسة (الدين، الأدب، الموسيقى، السياسة،...) في الصيرورة التاريخية، دون اهتمام بالبنية الخاصة للظاهرة، ونظام تغيراتها الخاص، ودون تساؤل عما إذا كانت الظاهرة نفسها لا تؤثر على التغيرات التاريخية، فتسهل بعضها وتجعل بعضا آخر منها أشد عسرا. كان فردريك إنجلس يقول إن كثيرين يفضلون النظرية المادية في التاريخ لأنها تغنيهم عن معرفة التاريخ نفسه. وبالمثل، يمكن أن يفضل كثيرون منا منهج التحليل الاجتماعي لأنه يغنيهم عن الحاجة إلى معرفة المجتمع وخياله وذاكرته وكيفية اشتغاله.
ما ندافع عنه ليس ثنائية منهجية، بل منهجا اجتماعيا مركبا أو "ذكيا"، إن صح التعبير، يُدمج معطيات الحقل الديني في مقاربته التحليلية، ويرى تغير الظاهرات الدينية من داخلها أيضا، وليس من خارجها فقط. كان ماركس (في موضوعات حول فويرباخ) يأخذ على المادية السابقة له أنها تصورت الواقع كموضوع خارجي لا كفاعلية ونشاط، وتركت الجانب الفاعل للمثالية.
وفي كل حال، لا يرتد الأمر إلى نقاش نظري مجرد. الملاحظة المطردة تظهر أن السياسات التحررية المبدئية التي ينحاز إليها التحليل الاجتماعي، يلغيها طابعه الاختزالي المجرد، ويقلبها إلى نزعة تحريرية أبوية، يتولاها حزب معصوم أو طليعة قائدة أو نخبة متحررة في عين ذاتها.
أما المنهج العقدي الحصري فيتوافق، سواء كان دينيا أو علمانيا، بسياسات محافظة أو نخبوية أيضا.
للخروج من المأزق نحتاج إلى تخليص المنهج الاجتماعي من الاختزالية، وفتحه على بنية الظاهرة الدينية ونصوصها ومفرداتها وتفاصيلها، وتفحص عمليات تغيرها من داخل، وفي الوقت نفسه تجاوز دوغمائية المنهج النصي عبر إدراك أنه ليس هناك أصول ثابتة، أو "معلوم من الدين بالضرورة"، منفصل عن أطر اجتماعية وسياسية متغيرة، وعن أنماط تدين متشكلة في الدنيا ومتغيرة فيها، وأن النصوص مندرجة في عمليات مستمرة من إعادة الاستثمار والقراءة والتأويل، وأن هذه العمليات تجري في شروط مزامنة، تخضع لإكراهات اجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها.
منهج مركب يحيط بتعقيد الظاهرة ويطور أدوات معقدة لتمثيلها، هو ما يلزم لتجاوز التفكير الانفعالي في الشؤون الدينية، ومن أجل بلورة سياسات تحررية للتعامل معها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العربية والأصولية: تأملات لغوية (ودينية) سياسية
- في شأن التطرف والتطرف الإسلامي، والاعتدال
- حول خرافة عدم التدخل الأميركي في الصراع السوري
- تسعة أشهر، الجريمة مستمرة والمجرم معروف
- ثلاث مستويات لمواجهة داعش
- حوار/ سين وجيم بخصوص داعش وسورية والعلمانية والحرية
- في الضعف الفكري للاعتدال الإسلامي
- موجة الكتاب السوريون الجدد، بداية ونهاية
- الإسلام، الإسلاميون، والعنف/ نظرات في شأن العلاقة بين دين ال ...
- حوار: سورية، الثورة،النظام، الطائفية، الإسلام والإسلاميين
- في وداع أليسار إرم
- ساقان قويتان للانحطاط: تهميش العدالة وتغييب الواقع
- من أجل مفهوم لحركة تحرر وطني سورية جديدة
- تفكك الدولة السلطانية والتحرر السوري
- أخلاق مقابل لا أخلاق أم صراع بين أخلاقيات؟
- من البعث إلى داعش، عالم مشترك
- مملكة إسرائيل ومملكة الأسد في مواجهة عالميهما الثالثين
- عن المثقف والثورة
- بناء القضية السورية
- عن -هامش-، وعن -بلدنا الرهيب-/ حوار


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - صراع المناهج: في الحاجة إلى منهج مركب لمقاربة الظاهرات الإسلامية المعاصرة