|
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (11)
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 4589 - 2014 / 9 / 30 - 22:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(11) فاوست في صحبة الشيطان !
قبل أن تبدأ الرحلة مع الشيطان ، يحضر طالب علم جوال ، جاء ليأخذ العلم من فاوست . لم يرغب فاوست في مقابلته فحل الشيطان محله بأن تقمص شكله واستقبل الطالب . أبرز ما دار في هذا اللقاء أنه حفل بالسخرية من العلوم كافة على لسان الشيطان – فاوست . تبدأ الرحلة بالطيران على متن معطف الشيطان السحري ، حيث سيجوبان العالم الصغير أولا ، وهو عالم الناس العاديين ، ثم العالم الكبير ، وهو عالم الأباطرة وكبار الحكام ودوائر الدولة العليا . المحطة الأولى كانت في "حانة مع طلاب جامعيين معربدين سكارى ، كانوا يضجون بأغان ماجنة ثقيلة ويضحكون لأتفه النكات . ويتطاولون على الزبائن " مما أثار غضب فاوست . فقام الشيطان بتحويل خمور المشاكسين إلى شعل نارية أفزعت الطلاب . كما أوهمهم بأن أنوفهم عناقيد عنب وأنهم في بستان " كرمة يمسك كل واحد منهم بأنف الآخر بوصفه عنقود عنب يريد أن يقطف حباته " أراد جوته من هذا الفصل "أن يسخر من حياة الطلاب وسخافة تصرفاتهم وتفاهة ملاهيهم " حسب عبد الرحمن بدوي . " لم يسر فاوست لحياة الطلاب الصاخبة التافهة الفجة " " وأدرك مفستو فيلس ضرورة تغيير مزاج فاوست حتى يفرح بالملذات والشهوانيات ، فأعاد الشباب إلى فاوست ، بأن أخذه إلى مطبخ ساحرة لديها الشراب الكفيل برجوع الشيخ إلى صباه . فحولته إلى شاب في العشرين من عمره " ما أن عاد الشباب إلى فاوست حتى اوقعه الشيطان في الغرام ، والمحبوبة هي " جرتشن " التي حملت من فاوست سفاحا ، و قتلت المولود فيما بعد لتحكم بالإعدام . كما تسبب فاوست في موت أمها حين أعطاها دواء أسقته لأمها لكي تنام وكان ساما . كما أن فاوست قتل أخاها " فالنتين " الذي حاول الإنتقام لشرف العائلة . بعد هذه الفظائع يضطر فاوست إلى الهرب بصحبة الشيطان تاركا جرتشن لمصيرها البائس . سأتوقف للحظة مع فكر فاوست في هذا الفصل . حين تسأله جرتشن : هل تؤمن بالله ؟ يجيب : يا عزيزتي ومن ذا الذي يستطيع أن يقول انا أومن بالله ؟ في وسعك أن تسألي القسيس أو الحكماء ، وسيبدو لك جوابهم مجرد استهزاء بالسائل . وببساطة تفكيرها تستخرج النتيجة : " إذن أنت لا تؤمن " فيجيب فاوست العالم المحنك المعقد التفكير ( حسب بدوي ) : " لا تسيئي فهم كلامي ، أيها الوجه اللطيف فمن ذا الذي يحق له أن يسميه أو أن يقر قائلا : أنا أؤمن به ؟ ومن عنده شعور ثم يتجاسر أن يقول : أنا لا أؤمن به ؟ " " ثم يمضي فاوست في ذكر صفات الله . المحيط بكل شيء الحافظ لكل شيء ! إنه يحيط بك وبي وبنفسه ويحفظك ويحفظني ويحفظ نفسه . ويوغل في وحدة الوجود فيربط كل أعضاء العالم حتى أصغر الكائنات بعضها ببعض في وحدة كلية " "ويطلب منها أن تملأ قلبها بهذا الشعور بوحدة الكل ، ولها بعد ذلك أن تسميها : السعادة . القلب . الحب . الله . فكلها أسماء مترادفة تدل على معنى واحد أحد . ولهذا يصرح فاوست بأنه لا يسميه باسم ، لأن الشعور هو كل شيء ، أما الإسم " فليس إلا لفظا ودخانا يعكران لمعان السماء " المصدر السابق نفسه ص 145. من الواضح هنا أن فاوست يحمل فكر جوته نفسه . وأكاد أجزم أن جوته كان يتخيل نفسه في فاوست . كما كنت أتخيل نفسي في " الملك لقمان " وقد ذكرت ذلك في لقاءات صحفية وعلى النت . يعلق عبد الرحمن بدوي مضيفا : " وهذا المشهد من المواضيع الرئيسة التي يستند إليها في تحديد آراء جوته في الدين ، ويتضح منه أنه لا يؤمن بإله مشخص ، بل يرى أن الكون واحد أحد ، أن الكل هو الله ، الله هو الكل ، بل لا يريد أن يستعمل اسم " الله " لأنه يحد من نظرته الواحدية هذه " " موقف فاوست هو بعينه موقف جوته من الدين . وهو موقف " الدين الطبيعي " الذي نجده عند هيوم وعند فولتير وبعض أقطاب نزعة التنوير " المصدر نفسه 146. ويورد عبد الرحمن بدوي مقتطفات من تصريحات لجوته تؤكد ذلك ، منها : " الشيء المحبوب الذي يسمونه الله " " الشيء المحبوب الذي يقويني ويهديني " " الشيء المحبوب الذي رسم الخطة لرحلتي " " وفي الثمانين من عمره قال جوته : ماذا نعرف اذن عن فكرة الإلهي ، وماذا تعني تصوراتنا المحدودة عن الماهية العليا ! لو أنني سميته كما يفعل التركي )المسلم ) فلن افيه حقه ، ولن أكون قد قلت شيئا بالمقارنة إلى صفاته اللامحدودة " " إن جوته يرى في الطبيعة قدرة على الخلق لا متناهية ، وقوة للتحويل والتصوير غير محدودة ، وهي قوة واحدة تسري في جميع الكون ، وشعور ممتلىء بالإعجاب بهذه القوة وتلك القدرة ، فهما في نظره " الله " . ". المصدر نفسه 147 المحطة التالية من فاوست مع الجن والشياطين والساحرات والأرواح فيما أطلق عليه جوته " ليلة فالبورج .عالم يعج بالخيال تطير فيه الساحرات في الهواء وهن يركبن عصي مكانس أو عربات موتى ، وعجوز تركب خنزيرة . وأعراس تقام لآلهة .. وغير ذلك . المشهد الأخير من الجزء الأول نجد فاوست أمام باب السجن الذي تقبع خلفه جرتشن . يقول بدوي عن هذا المشهد انه " اروع المشاهد وأعمقها تأثيرا في النفس "ويختتم ما كتبه عنه قائلا : " في هذا المشهد الحافل بالمواجيد والمعاني ، تبرز شخصية مرجريت سامية نبيلة أسمى من فاوست بمراحل عديدة ، وهو مشهد يذكرنا تماما بمحاورة " أقريطون " لأفلاطون ، وما جرى بين سقراط وتلميذه أقريطون من حوار حول هذا الموضوع " ويشير بدوي إلى ضمير فاوست الذي يعذبه أشد العذاب للمصير الذي آلت إليه جرتشن ، لكن العذاب لا يشفع له ! ويرى أن فاوست ظل حتى نهاية الجزء الأول عبدا للشيطان . المصدر نفسه 176 **** يتبع (12) الجزء الثاني من فاوست ، وموت فاوست !
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (10)
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (9)
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (8)
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (7)
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (6)
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (5)
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (4)
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (3)
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (2)
-
أيوب التوراتي وفاوست جوته ( دراسة مقارنة ) (1)
-
الألوهة الواحدة رغم تعدد المفاهيم والمظاهر .
-
وحدة الوجود في المفهوم الحديث المعاصر حسب محمود شاهين ( أنا
...
-
النص الكامل لقصة - أبناء الشيطان - كما صدرت في حلتها الأخيرة
...
-
بعد شهر من اشتراكي في الحوار المتمدن !!
-
قراءة في قصة الخلق التوراتية (9) وأخيرة
-
قراءة في قصة الخلق التوراتية (8)
-
أنا واحد كذاب !!
-
قراءة في قصة الخلق التوراتية (7)
-
قراءة في قصة الخلق التوراتية (6)
-
قراءة في قصة الخلق التوراتية (5)
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|