|
التنوير المجهض - امتهان الديمقراطية
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 4588 - 2014 / 9 / 29 - 09:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التنوير المجهض -4 امتهان الديمقراطية ضاعت فرصة التأسيس للتفكير الموضوعي والمراجعة العقلانية فلم تتوطد قيم الديمقراطية في المجتمعات العربية. وتحتم على الثقافة منقوصة الديمقراطية أن تسخَّر فيما يدمر استقلاليتها النسبية ويعطل مفعولها. تشكلت في هذا المضمار حالات زيفت معيارية الثقافة على الصعيد القومي ركائزها ثلاثة زيوف : الزيف الأول تجسدت عندما أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تحمله مسئولية الهزيمة واستقال. ونحن في الذكرى الرابعة والأربعين لرحيل القائد الوطني، الذي برحيله خربت جميع الانجازات التي تحققت بقيادته. انفعلت الجموع وتحركت بصورة تلقائية تطالب بعودته. الاستلاب لم يتح للجماهير التمييز بين شخص عبد الناصر وصلابته الوطنية من جهة وبين نهج في الحكم سهّل تمرير العدوان ووضع الجماهير في خانة الانتظار . كان صواباً التمسك بنهج رفض الإذعان للهزيمة؛ إلا أن الضرورة كانت ملحةً ولا تقبل التأجيل لانتقاد أسلوب استئثار نخبة بالقرار والتقرير، وغلبة الأسلوب الأوامري والزجري للحكم الأبوي المتسلط الذي ارتكب الأخطاء القاتلة، واستأثر لنفسه بمهمة التفكير والعمل نيابة عن الآخرين، خاصة الجماهير التي عبرت عن وطنية وتعلق بالكرامة القومية. فالهزيمة وليدة نهج عتيق في الحكم ساد في العصر الوسيط تبلورت فيه تشكيلة أبوية، طلعت على العصر الحديث وتواصلت حاملة جينات التخلف، نهج افترس نزعات التحرر الإنساني. أعادت هزيمة حزيران للأذهان الصراع الذي نشب داخل الحركة التحررية العربية حول ضرورة الديمقراطية ، حيث اتهم المنادون بالديمقراطية السياسية في وطنيتهم، وبضراوة جرى اضطهادهم وشيطنتهم امام المجتمع. وللأسف يجري حاليا العودة في مصر لنفس التوجه المفلس. ومصر تؤثر اوضاعها في جميع الأقطار المحيطة. كنا نعاني استبداد حكم وطني ، فابتلينا باستبداد أعاد الأقطار العربية العربية كافة للارتباط بالامبريالية.ومصر رائدة أينما توجهت.
بقي عار السجن السياسي يلوث المنطقة العربية بأكملها ينـزل الإهانات بالمعارضين السياسيين ويحط من كراماتهم وينتهك أمن أسرهم وأقربائهم. وضع الكل بين الإغراء والوعيد، فتسارعت عملية الانهيار الثقافي في العقدين الأخيرين من القرن العشرين. وتعززت وحدة حال عربية في مجالي الثقافة ومكافحة " الأوبئة النورانية " على حد تعبير الروائي الراحل مؤنس الرزاز. ومثل طحالب المياه الراكدة تكونت حول الحكم شرائح من أغنياء أسواق السمسرة واقتصاديات الحاجات الاستهلاكية، الضرورية منها والنافلة؛ زيفت آليات استنساخ المظاهر السطحية للنخبة من سماسرة أسواق المال ووكلاء الفبارك . من المهمّ هنا إبراز التحالف بين طبقة رجال الأعمال من جهة، وبين رجال الحكم وفصيل من المثقفين والأدباء والفنانين من جهة أخري. فضيحة "شركات توظيف الأموال" في الثمانينات في مصر كشفت انضمام المؤسسة الدينية الرسمية إلى هذا التحالف، الذي ضمّ أيضا "الإخوان المسلمين"، أكبر المدافعين عن رأسمالية السوق الحرّة. هذا التحوّل في الخطاب الديني المصريّ انتهي إلى أن أصبح زواجا كاثوليكيا بين المال والسياسة والفكر فصار رجال الحكم هم أنفسهم رجال الأعمال. الدولة عنصر من حياة المجتمع الروحية، وتعكس حياته المادية. والحكم في الأقطار العربية يجسد فكرة الحاكمية، من حيث تركيز سلطة احتكار المعرفة واتخاذ القرار بيد شخص المتسلط. وبعد أن كانت الدولة الوطنية حلما راود الجماهير، باعتبارها منبع الحرية والسيادة والتنمية والتقدم، كما عبرت عن ذلك حركات التحرر الوطني التي غطت أكثر من قرن من التاريخ، أصبحت كابوسا لمعظم الشعوب. " القوة المحركة لا زالت تنبع من المؤسسات العصبية وهيكلياتها التقليدية ، وتراوح الإدارة بين الظاهر الرسمي والخفي الفعلي[241/ 3).
وفي كنف السلطة الأبوية وقراراتها الفردية تسللت المكائد التآمرية، وفرخت الوصولية والتزلف بين الهيئات البيروقراطية، المدنية والعسكرية، كي تحاصر الكفاءة والرؤية السديدة وتدمرهما في شتى مراتب الحكم . حوصرت الثقافة النقدية وهُمشت نظراتها وفُرضت هيمنة مطلقة للثقافة الرسمية السلطوية؛ تفردت في تحديد مضمون الثقافة والجهل، الوطنية والخيانة.
والزيف الثاني نستذكره ونحن في الذكرى الخامسة عشرة لتفجر انتفاضات أيلول 2000 في فلسطين المحتلة ، حيث استدرجت إلى مواجهة مسلحة غير متكافئة انتهت بمدحلة الاستيطان تتدحرج وما من قوة تستطيع إيقافها. وتأبى الأموال النفطية إلا أن تكون عنصر نجاسة وعامل تخريب أينما سالت وفي أي قطاع. مسخت النضال الوطني لدى العديدين إلى مشروع استثماري، ومسخت الحمية الوطنية وأغرقتها في مستنقع النفعية وشهوة الارتزاق. قد تفعل ثقافة التزييف ما يفعله المخدر بالمرض الوبائي. فالتعامي عن النواقص والأخطاء يتركها كي تتفاقم وتستشري. لم تراع السلطة الفلسطينية ضرورة الحد من نزعة الاستهلاك والحفاظ على الضوابط الخلقية فتركت الفساد والإفساد يمضيان بلا رادع. توفر للثقافة الفلسطينية ، منذ أن نشأت ثقافة تنويرية أوائل القرن الماضي، طاقة متدفقة للنمو والانتشار. كان العدو الماثل ظاهرا جليا بمخاطره المتعينة، بعكس السيطرة الكولنيالية في الأقطار العربية ، حيث أمكن التستر عليها تحت أقنعة التحضر الزائف. حدث تطور كبير على الحراك الجماهيري، خلال عقدين ، ما بين صدور كتاب " يقظة الأمة العربية" ، عام 1905، ووزع على نطاق محدود للغاية ، وأواخر العقد الثالث الذي شهد تنامي الوعي الوطني ، حسب ما أورده تقرير صادر عن المندوب السامي بفلسطين إلى وزارة المستعمرات البريطانية. وفي عقد الثلاثينات برز نجاتي صدقي، "أديبا وقاصا ومترجما وناقدا أدبيا؛ كتب دراسة عن ابن خلدون العالم والمؤرخ الواقعي ، يضع الحياة الإنسانية والبيئة الاجتماعية والظروف التي تكتنفنا والوسط الذي يحيطنا أساسا لتفسير كل أنواع المظاهر الاجتماعية والأحداث التاريخية ، وهو يهزأ بكل المؤرخين المثاليين الذين يعتقدون بالخرافات والخزعبلات"[ 5/398]. واشتهر القاصون عارف العزوني وخليل بيدس ومجلته " النفائس" و محمود سيف الدين الإيراني والأديب محمد إسعاف النشاشيبي والأديب الدكتور إسحق موسى الحسيني. وقيم الدكتور الحسيني النهضة الأدبية بأنها " خلاصة وزبدة تنتج عن الغليان في أعماق الفكر حين تزدهر الثقافة وينتصر العمران . .. ويدرك أن الاستقلال السياسي أو الاجتماعي او الثقافي لا وجود له مع فقدان الاستقلال الاقتصادي. وخلص الباحث إلى أن الأخلاق ملامح اجتماعية تكونها وتكيفها طبيعة البيئة ونظم الحكم والصنائع .
أفضت هذه التغيرات الكمية إلى تغيرات نوعية ؛ قتشكلت الإرهاصات المادية والروحية لتشكل الحركة الشعبية المستقلة. صدرت في عقد الثلاثينات مجلة الغد ، لسان حال منظمة الطلبة التي نشأت وترعرعت برعاية المثقف اللبناني رئيف خوري، حين درّس في إحدى مدارس القدس. ثم غدت مجلة جمعية المثقفين العرب المشكلة أواخر الثلاثينات، وهي منظمة ديمقراطية وثيقة الصلة بالماركسيين العرب في فلسطين. وفي منتصف عقد الثلاثينات توصل خليل السكاكيني بثاقب نظرته ومضائه الفكري إلى ضرورة دمج التحرر القومي بالتحرر الاجتماعي . لكن وفاة زوجته عام 1939 بمرض سرطان الثدي أطفأ توهجه الثقافي. ولم تجد الفكرة الانتشار دخل الطيف الثقافي الرئيس في فلسطين. دمرت النكبة النسيج الاجتماعي الفلسطيني وبددت الحصاد الثقافي الخصب لعقدي الثلاثينات والأربعينات . تواصل النضال المناهض للسيطرة الكولنيالية حتى حقق أهدافه في بناء الدول الوطنية في الأقطار المجاورة ؛ لكن الأنظمة الوطنية الجديدة لم تعر الانتباه إلى الموروث الثقافي في الوعي العام ، هذه الثقافة التي ترعى التخلف المترامي على أديم الحياة العربية . وفي حزيران 1967 تجلى بوجهه الكالح النظام الأبوي الموروث عن العصر الوسيط. أظهرت الهزيمة المدوية عواقب تغييب الديمقراطية؛ إذ بينت أن المجتمعات العربية زاخمة بعوامل الضعف والتخلف، التي تقعد المجتمعات عن الصمود والتصدي لتحديات التحالف الامبريالي –الصهيوني. كان لتخلف عناصر الحياة الاجتماعية، خاصة العلاقات الاجتماعية والأنماط الاقتصادية والسياسية والتربوية دور أساس في تعطيل عملية تنظيم المقاومة الفلسطينية وتمكينها من التخطيط العلمي للصراع مع الاستيطان. مورس القهر والكبت وهدرت حقوق الإنسان كما هدر الفكر والمؤسسات والقوانين، فانكشف الإنسان بلا مقاومة بوجه تسلط الاحتلال الإسرائيلي والتسلط في إدارة المقاومة. أحكمت الحلقة الجهنمية حول النضال الوطني الفلسطيني فرصدته بسحر ساحر بين الانفعالية التي تفقد السيطرة على الواقع وبين الهزيمة التي تؤجج الانفعالات المفضية إما إلى تطرف يعيد إنتاج الهزيمة بصورتها الأفدح أو إلى الإحباط. ولدى فقدان السيطرة على الواقع لا تبقى ثمة إمكانية التحكم بالمصير أو تقريره. أدمنت الفصائل السياسية عادة توزيع المراكز القيادية حسب الكوتات. لم يعد ضرورياً وضع المجربين والموثوقين في المراكز القيادية، أو ترك الراغبين في العنشاط ، نقابيا او سياسيا يطورون كفاءاتهم التنظيمية وقدراتهم على النشاط الجماهيري ، والإطلال الدائم على المزاج الجماهيري واحترام الخبرة السياسية للجماهير وترقيتها بالتجربة والخطأ. جرى إسقاط النظرة الدونية للطبقات والشرائح المتسلطة عبر التاريخ على مواقف القوى الوطنية . وبالنتيجة تطورت علاقة نفور وانعدام الثقة بين القيادات الوطنية والجماهير الشعبية؛ وتغلغلت العلاقة المعتلة داخل المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
سلط الاحتلال الإسرائيلي بعد حزيران أدوات القهر وسبل الإغراء وأساليب الإسقاط ضد العناصر المشاركة في العمل الوطني. استثمر النشاطات السرية والملتوية مصائد لاصطياد العملاء والمتعاونين. واستثمر في هذا الشأن نشاط جمعيات الدعم الأجنبية التي دخلت الأرض الفلسطينية تحت يافطة الإحسان. تغاضت سلطات الاحتلال عن تلقي الأموال بشرط التصرف في إنفاقها لأغراض شخصية، فسرّعت بذلك عملية انهيار القيم وإفساد المناضلين وسهلت ابتزازهم ، ثم أشاعت كل هذه الممارسات على أوسع نطاق بقصد تفسيخ الصفوف. توزعت مواقف سلطات الاحتلال بين التغاضي عن الاختلالات والملاحقة الشرسة.
لعل سيرورة القضية الفلسطينية مؤشر على ملمحين متكاملتين في الواقع العربي الحديث: الترابط العضوي لمجتمعات العالم العربي، والأفق الشمولي لمكائد التحالف الإسرائيلي ـ الامبريالي، وصولا إلى عزل المقاومة للمشروع الصهيوني بفلسطين وإسكاتها. كشفت تجربة المقاومة الفلسطينية للمشروع الصهيوني منذ بداياته في ظل سلاطين العثمانيين تبادل التأثير والتأثر بين النضال الوطني الفلسطيني وأوضاع المحيط العربي. برزت القضية الفلسطينية مع التقاء تخلف "الرجل المريض" مع الهجمة الاستيطانية المدعومة بالكولنيالية الامبريالية الزاحفة على الوطن العربي؛ ونالها الكثير من خذلان الأنظمة العربية التي حملت أسقام " الرجل المريض". في بدايات تفتحها من البذور الكامنة في المجتمعات العربية الطالعة من رحم العصر الوسيط فاحتضنتها الشعوب العربية أثناء نهوضها ثم انتكست بانتكاستها. ارتبط مصير القضية الفلسطينية بمصائر المجتمعات العربية ، خاصة المحيطة. النكبات الفلسطينية المتلاحقة كانت ورقة اختبار المجتمعات العربية كافة. أدركت الصهيونية وحلفاؤها على مشارف القرن العشرينأن خط دفاعها الأول يمتد داخل المجتمعات العربية وأنظمتها غير الديمقراطية. في حمى المنافسة الاستعراضية لخطب ود الثورة الفلسطينية تشكل وضع عربي إثر هزيمة حزيران تم التحايل على المهمات الوطنية الديمقراطية في الداخل والتركيز على القضية الفلسطينية بهدف التستر على تدهور الأوضاع الاجتماعية والوطنية للشعوب العربية. بل اعتبر طرح هذه أو تلك من القضايا الاجتماعية العربية محاولة للالتفاف على النضال الفلسطيني.
غيبت تماماً حقيقة أن التضامن العربي مع النضال الفلسطيني يمر عبر استنهاض حركة شعبية ديمقراطية داخل كل قطر عربي والتعبئة العامة حول المهام الوطنية الديمقراطية لكل شعب من الشعوب العربية، وتصعيد كفاحه الوطني ضد مظاهر التخلف والاستبداد والتبعية والقطرية وضد نمط الاقتصاد الاستهلاكي والليبرالية الجديدة، اللذين شكلا قاعدة لمجمل التداعيات المقوضة للعزيمة الكفاحية. طغت صورة مشوهة لمحورية القضية الفلسطينية التي وظفتها الأنظمة لغرض الاستهلاك الداخلي. في ظل هذه المعادلة جمحت الأنظمة العربية في قطريتها وانتقاصها للحريات العامة، وولوجها نفق التبعية. حدثت تداعيات خطيرة داخل كل بلد عربي وثّقت تبعيته للامبريالية وعززت قوى البيروقراطية والتخلف والمحافظة في حياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفي الثقافة ، شكلت إعاقة مستدامة لحركة التحرر الوطني أعطبت مضمونها الديمقراطي وعطلت داخلها منطلقات التنمية والتقدم والعمل العربي المشترك . أفضت التطورات المذكورة إلى إضعاف الاهتمام بالمقاومة الفلسطينية في أفضل الحالات، والاصطفاف مع التحالف الامبريالي-الإسرائيلي في معظم الحالات. استفاقت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على عزلتها القاتلة صرخت حيالها يا وحدنا. " لأن حزيران المصنوع ليكون نهاية الفكرة العربية لا تحيله الأنظمة المشاركة في صناعته إلى انتقام الشارع ليكون بداية البديل، بل لامتصاص ما ينبغي امتصاصه من غضب لا يرد، تجري أثناءه الأنظمة عملية تثبيت انعطافها نحو سيادة الفكرة الإقليمية والفكرة الطائفية!! 4/182) تغلغلت مظاهر التردي كافة في التجمعات الفلسطينية في الوطن والشتات. في مواكب القطرية العربية استردت فلسطين قطريتها ، وأعفت بذلك الأنظمة من عبء الهم الفلسطيني المشروط بالتصادم مع السيطرة الامبريالية. في هذه المرحلة جرى قطع للذاكرة الفلسطينية بدعوى انهيار مرحلة انتهت بهزيمة حزيران. استوحت المرحلة الشعار الجديد "كل شيء يتقرر من فوهة البندقية"؛ وطبيعي أن يطال مفهوم "كل شيء" الثقافة. وكانت النتيجة الكارثية إتباع الثقافة للسلطة السياسية وتسخيرها من ثم للتبرير، خاصة تبرير التزلف ومسايرة السائد والعقم الفكري والتمويه على التذبذب السياسي والفكري. نهج التبرير جرى توظيفه لتبرير كل تركة التخلف الموروثة عن الماضي.اجتذبت حركة التحرر الفلسطينية جمهرة من المثقفين العرب عملوا في مكاتبها وداخل جهازها البيروقراطي تابعين للقيادة.
أما التزييف الثالث فتجلى في انجراف الجماهير خلف الحركات الجهادية الموجهة من بعد. الانجراف هو حصيلة تجريف الوعي الاجتماعي فافتقد الرشاد والبصيرة. اوجدت الهزائم المتعاقبة وتعقد دروب النضال الجماهيري فراغا استغلته المكائد الامبريالية – الإسرائيلية. اجهض التنوير وتواصلت قيم العصر الوسيط ونظامه الأبوي. في فلسطين استثمر الاحتلال الإسرائيلي ذهنية ما قبل الحداثة وهشاشة البنى الاقتصادية والسياسية والثقافية لفرض وصايته على مجمل الوضع داخل فلسطين المحتلة . استنبتت حاجات لا يلبيها الإنتاج المحلي، وانفتحت على مصاريعها أبواب الاستهلاكية والاندماج الاقتصادي مع المحتل. أفضى إغراء الجهد العضلي في مشاريع البناء والزراعة الإسرائيلية إلى إضعاف قيمة التدريس والتحصيل العلمي . وتنشغل الأجيال في عمليات إعادة التدريب عن تلقي الثقافة الحقة والخبرة العملية الراقية، وتعزف عن الثقافة الفكرية وحاجات الترقي الروحي الذي يشحن الكرامة الوطنية والاعتزاز الشخصي والقومي. ومن المحزن أن تغفل الفصائل الوطنية والسلطة الفلسطينية في الداخل عن هذه التداعيات السلبية وتسهو عن المهمة الأساس للعمل السياسي، مهمة تحصين الجماهير وتعزيز اقتصاد المقاومة وتربية المقاومة – تربية العقل المفكر استراتيجيا بديلا لنزق العفوية وانفعالاتها . والأسوأ من ذلك أن قيادات الفصائل قطعت الذاكرة الوطنية، وفقدت خبرة الحشد والتنظيم والتعبئة، وتعمقت بالنتيجة عزلتها عن الجماهير . في هذه الأثناء تم تجريف وعي الجماهير. نشأ فراغ جرى استثماره بمهارة وتكاثرت منظمات السلفية الجهادية . تظهر الدلائل على ان دول الغرب الامبريالية مجمعة على تحويل مواجهة داعش إلى طبعة جديدة من الحرب العراقية – الإيرانية تستنزف خلالها الطاقات وينحرف الانتباه عن المجهود التنموي وتضعف جاذبية الديمقراطية. بينت التجارب أن الصراعات المسلحة تشكل مناخا يجافي الديمقراطية ، حيث تنوس حركة الجماهير .
بالمقارنة مع هذا البؤس الثقافي نجد الصهيونية قد صاغت بمختلف فصائلها نموذجاً فاعلاً للوحدة الوطنية تجانست فيه وتكاملت معاني الأرض والوطن والإنسان والأسطورة . استطاعت الصهيونية أن تفصّل وظيفة كل من السلفية والمعاصرة وتنسق فيما بينهما لخدمة مشروعها في فلسطين. فلا السلفية دخلت مع العلمانية في صراع تناحري حال دون حشد عناصر القوة المادية وإدخال العلم في شئون الإنتاج والإدارة ورسم الخطط المستقبلية؛ ولا العلمانية أغفلت الطاقة التعبوية للأسطورة التوراتية خلف المشروع الكولنيالي التوسعي وانحراف الجمهور بالتدريج نحو الكراهية العنصرية ومساندة الاحتلال واساليبه المدمرة للمادة والروح. 1-السيد يوسف: عبد الرحمن الكواكبي / الهيئة المصرية للكتاب ، القاهرة 2006 2-مصطفى حجازي: سيكولوجية الإنسان المقهور /مركز الإنماء الاجتماعي ،بيروت 1982 3- د. مصطفى حجازي : الإنسان المهدور/مركز الإنماء الاجتمععي ، ط2 ، بيروت 2006 4- محمود درويش : ذاكرة للنسيان 5- د. عبد الرحمن ياغي : حياة الأدب الفلسطيني الحديث/ط2، دار الأفق، بيروت 1981
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التنوير المجهض-3
-
التنوير المجهض - تحديث زائف
-
التنوير المجهض
-
من أحشاء نظم الاستبداد السياسي 4من4 -ابن تيمية
-
من أحشاء نظم الاستبداد السياسي 3من4 شهادتان
-
طرد العقلانية من الفقه الإسلامي
-
من أحشاء نظم الاستبداد السياسي
-
متاهة الحلول المنفردة في استراتيجية الخداع والتمويه
-
همجية المحارق.. الدلالات والمخاطر
-
الهمجية الممنهجة ..عار عنصرية البيض
-
الغبلزية الجديدة
-
إعلام الحروب
-
جذور التحالف الإجرامي
-
جنرال الحرب الإعلامية يموه فشل الصهيونية
-
ثقافة التحضر تنقض الأبارتهايد الإسرائيلي
-
من القاتل ومن المستفيد؟!
-
مكائد إسرائيل وتحالفها الاستراتيجي تحت المجهر
-
العلم في الصغر
-
حكومة وفاق وطني تحت حراب الاحتلال
-
مركزية دور التربية النقدية في التحول الديمقراطي
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|