|
ثوابت على طريق التحرر: تشييد دولة أم تحرير نمط انتاج- الجزء الأول
مجاهد خالد هلالي
الحوار المتمدن-العدد: 4587 - 2014 / 9 / 28 - 17:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كشف الواقع الفلسطيني عن القانون السائد الذي يحكم المسار الفلسطيني في التحرر والبناء، فعندما تؤدي التناقضات التي تحكم تطور المجتمعات إلى قوانين تحدد شكل العلاقات الاجتماعية والسلطة القائمة في المجتمع، يجب الوقوف عندها لتحديد الكيفية التي تقوم بها في تنظيم المجتمع اجتماعيا وسياسيا لمعرفة مدى قدرتها على التعبير عن الواقع وعلاقتها بالتناقضات الرئيسية التي يشتمل على الكشف عنها مجموعة من المشاريع الاجتماعية التي تتطور باستمرار. فإذا كانت هذه المعادلة العلمية في بلدان التحرر الاجتماعي والرفاه الاقتصادي واضحة الجدلية، فإنها في مجتمعات التحرر السياسي ليست كذلك، كما أن التمييز بين التحرر الاجتماعي والتحرر السياسي لا يقوم على فصل موضوعي بل يؤمن تحديد السمات السوسيواقتصادية لمجتمعات تختلف تبعيتها وتطور علاقاتها الاجتماعية وأشكالها السياسية. ولذا فاعتبار المجتمع الفلسطيني ضمن بلدان التحرر السياسي وهو نموذج يشكل استثناء في الطبيعة عن نماذج التبعية واستثناءا حتى عن بلدان التحرر السياسي، وليس هذا الاستثناء يعني خروج الواقع الفلسطيني عن العلاقات الامبريالية السائدة في مجتمعاتنا، بل لأن المجتمع الفلسطيني يختلف عن بلدان التحرر السياسي في عدم وجود أسس اجتماعية نمطية لانتاجه الخاص، الأمر الذي يفقده القدرة على التطور الموضوعي، فين حين شكله السياسي يأخذ وضع الإدارة السياسية التي تحمل تناقضات مزدوجة ترتبط من جهة بالتغلغل في المجتمع وعدم القدرة عن الانفصال عنه لتحقيق التطور النهائي للرأسمالية، ومن جهة أخرى الانفصال القانوني الذي يؤمن للشكل السياسي التعبير القانوني عن مسار تشييد الدولة لا الاستقلال السياسي عبر تحرير نمط الانتاج. ويبدو ان نمط الانتاج السائد في فلسطين يأخذ سماته السوسيواقتصادية من ارتباطه بعلاقات مباشرة مع الامبريالية ليس فقط لأن الطبقة البرجوازية المالية الفلسطينية تحتل موقع المهيمن في البنية الاجتماعية والسياسية الفلسطينية بل لأن نمط الانتاج الفلسطيني لم يحرر السياسة من العلاقات الاجتماعية القائمة على القبلية والوجاهة ومشروعية النضال، وهي مسألة معقدة لا يمكن أن تتحرر بسهولة لأن شكل المجتمع الفلسطيني جزء اساسي من الواقع الذي يصارعه الاحتلال الامبريالي الصهيوني، وهو ما يطرح تساؤلا هاما على صعيد علاقة السياسة بالايدولوجيا التي ترتب نتائج اجتماعية معينة في هذا الشكل من النمط السائد. ولذا تبدو علاقات الانتاج مسألة معقدة وسهولتها تكمن في صعوبتها، لأن علمية مفهوم نمط الانتاج لتحليل تطور المجتمعات يرتبط وعدد من المفاهيم والقوانين الانتقالية التي تحكم تطور مجتمعات التحرر الاجتماعي، غير قادرة على الكشف عن قوانين الانتاج ذات سمات الارتباط المباشر بالامبريالية وعن الارتباط الموضوعي ببلدان التحرر الاجتماعي، رغم مركزية الفكرة القائمة في بلدان التحرر الاجتماعي عن وطنية القضية الفلسطينية بالنسبة لمجتمعاتها. وحتى لا نخرج عن إطار كشف الواقع عند البحث عن القوانين التي يجب أن تستعيد لنمط الانتاج تناقضاته المسلوبة بفعل مسار البنية الفوقية والعلاقات السياسية، وهنا يجب التذكير بأنه هذا المقال لا يخرج عن سلسلة المقالات التي تبحث إلى حدود الآن في المقدمة لنمط الانتاج الفلسطيني. وحتى نستطيع جمع الخيوط المعقدة للتحليل وإبقاءها ضمن التحري عن نمط الانتاج الفلسطيني، كان لا بد من البحث عن مفهوم ذو دلالات علمية وبنفس الوقت لا يتم اختياره قصدا أي يعبر عن الواقع الموضوعي لتطور المواجهة الفلسطيني للإمبريالية والصهيونية وهذا له دلالات سنجري بحثها في وقت لاحق، قلنا المواجهة وقلنا الامبريالية وقلنا الصهيونية، ولم نقل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي. ولذا كان عنوان هذا المقال هو ثوابت على طريق التحرر: بناء دولة ام تحرير نمط انتاج. يأتي العنوان مركبا بهذا الشكل لكي يعبر عن النتائج السياسية والاجتماعية التي وصل إليها المشروع الفلسطيني التحرري السائد، وحيث لا مجال في مقال يقدم لتحيلات عميقة أن ينشغل بتحديد دقيق للتطورات التاريخية وللعلاقات الاجتماعية والسياسية سنقتصر على ما يشكل دلالات شكلت هذه الفكرة التي تبحث عن القوانين التي تبين السمات السوسيو اقتصادية لمجتمع يتحرر وتلك التي تبين الارتباط بمجتمعات التحرر الاجتماعي. وللوضوح دائما دلالات ناضجة موضوعيا، ولبلوغ ذلك نطرح الأسئلة التالية: ما هي الثوابت الفلسطينية؟و كيف تعبر عن التحرر السياسي والتحرر الاجتماعي؟ وماذا تهدف؟ تبدو أنها أسئلة سهلة ولكن في حقيقة الأمر إن مختلف الاجابات المقدمة عن هذه التساؤلات لا تعبر عن مشروع اجتماعي لمجتمع يواجه الامبريالية والصهيونية بشكل مباشر. لماذا نقول ذلك في هذه المقدمة لأن المتتبع لوضع المجتمع الفلسطيني منذ بدايات الصراع إلى ما بعد الحرب على قطاع غزة يرى أن السياسة الفلسطينية التي شهدت متغيرات على صعيد الثوابت وآليات المواجهة لم تنجز للمشروع الاجتماعي أي تقدم يذكر وهذا وحدة استدعى أيها القراء أن تتساءلون معي عن ما إذا كان مسار بناء الدولة هو الذي يعبر عن مشروع اجتماعي فلسطيني يجيب عن ارتباطه بالتناقضات الحتمية السابقة أم ما يعبر عنه هو نمط الانتاج السائد الذي يبتغي وفقا لقوانين المواجهة المباشرة تحقيق تراكم بدائي قيسري لرأس المال غير القابل للإنتاج وفق لقواعد السيطرة الاقتصادية والاجتماعية عبر البرجوازية المالية والتجارية التي تخدم تطوير نمط التحرر السائد والقائم على البيروقراطية السياسية المتغلغلة في المجتمع. هل بالفعل أن تحرير نمط الانتاج سيعبر عن العلاقات الاجتماعية الفلسطينية التي تواجه الامبريالية والصهيونية وسيبين التناقضات الحقيقة التي تشكل إدارتها السياسية الداخلية والإقليمية والعالمية معيقا عن تصور ثوابت على طريق تحرر المجتمع الفلسطيني؟ قد سبق لي في المقالات السابقة وأن أجريت محاولة للتعريف بنمط الانتاج الفلسطيني وأشرت بشكل بسيط لقانونيه الداخليين الرئيسي والفرعي مقتصرا على توضيح كيف يعمل الشكل السياسي للمجتمع الفلسطني، اما الآن ونحن نساؤله لانه لازال يؤمن لنمط التحرر ثوابت تعبر عن العلاقة بين الفئات الاجتماعية ذات الشرائح الاجتماعية المتناقضة في حزبين جماهيريين وقوى سياسية اخرى، هذه العلاقة التي تعبر عن تناقضات السياسة الفلسطينية بمجملها وبقيمها واديولوجيتها تؤمن لعلاقات الانتاج الاجتماعية مخزونها القيمي التي يغذي العلاقات الاقتصادية وتناقضاتها القائمة. أعتقد أننا خلصنا إلى ضرورة تحديد النتائج السياسية للمسار الفلسطيني في البناء على قاعدة تقييم مشروعه السياسي القائم على تشييد دولة فلسطينية على حدود أراضي 1967، وتحري الواقع عن إمكانية وضع استراتيجية وطنية تحرر نمط الانتاج، وللقيام بذلك سأعمل على تجميع إشكاليتين تعبران عن الواقع السياسي الفلسطيني. الإشكالية الأولى: النتائج السياسية والاجتماعية لتحول الثوابت الفلسطينية في مسار التحرر من منظمة التحرير إلى السلطة الفلسطينية التي تحكم المجتمع الفلسطيني وتديره نحو تشييد دولة. الإجابة عن هذه الاشكالية بشكل مقتضب ويؤمن فهم نمط الانتاج والكشف عن قوانينه وتناقضاته أمر ليس بالهين، لأنه حتى يتم تركيب إجابة تعبر عن السمات السوسيواقتصادية والخصائص الدستورية لنمط الانتاج الفلسطيني السائد تقتضي أن تشكل الاجابة مقدمة لفهم النتائج السياسية والاجتماعية التي تعبر عن ضرورة اكتشاف قوانين الارتباط المباشر بالامبريالية الصهيونية وقوانين الانتقال التي ستمد الجسور بين التحرر الاجتماعي والتحرر السياسي. ولذا سأفكك هذه الاشكالية إلى عدد من الأسئلة الفرعية التي تحيط بها حتى أتمكن في تحليل يفرضه مقال مقتضب من اختبار فرضه: _ ما هي تحولات الثوابت الفلسطينية؟ - التراجع عن تحرير الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 - تحول في طبيعة الثوابت على صعيد تدبير قضية اللاجئين - تحول في مواجهة الاحتلال من المجابهة بكافة وسائل المقاومة إلى الحل السياسي الغير قائم على حسابات بنيوية ولا بثقل المواجهة المباشرة مع الامبريالية الصهيونية، والغير معبر عن العلاقات الاجتماعية وتناقضاتها القائمة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والداخل والشتات، والغير قادر على الإجابة عن التناقض الرئيسي الذي يحقق العلاقة بين التحرر الاجتماعي والسياسي. _ ما هي نتائج هذه التحولات؟ - عدم قدرة السلطة الوطنية على التعبير عن القانون الاجتماعي الذي يجمع المكونات الفلسطينية في منظمة التحرر التي تعبر عن العلاقات الاجتماعية والسياسية التي تكشف عن تناقضات ارتباط التحرر السياسي بالاجتماعي. - أدت هذه التحولات إلى فشل مشروع التحرر الاجتماعي الفلسطيني والتي تجلت بفشل السلطة الوطنية بتشييد المشروع الوهمي في بناء الدولة من خلال إيديولوجية البرجوازية المالية السائدة. - الفصل بين التحرر السياسي والتحرر الاجتماعي أدى إلى الانقسام الفلسطيني الذي شكل أداة صهيوإمبريالية لإعادة أنتاج الإدارة السياسية الفلسطينية لنمط الانتاج السائد حتى لا يحقق القفزة على صعيد التحرر الاجتماعي. - نظرا لاختلاف السمات السوسيو اقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتطور الوعي بالتحرر الاجتماعي في غزة عنه بالضفة الغربية، برزت مشاريع تقسيم تهدف إلى فصل قطاع غزة عن فلسطين خوفا من انتاج ظروف الوعي بالتحرر الاجتماعي في الضفة الغربية والقدس تمكن من تحرر التناقضات الحقيقية لتطور واستقلال المجتمع الفلسطيني. - لازالت السياسة الفلسطينية تصر على تشييد دولة لا يستوعبها نمط الانتاج السائد في فلسطين ولا تستوعب بنيته الاجتماعية السائدة فكرة دولة القانون التي تصر السلطة الوطنية على تشييدها دون تحرير نمط الانتاج أو تقديم مشروع اجتماعي يعبر عن علاقات سوسيواقتصادية محررة من الامبريالية تحقق جدلية الارتباط بالتحرر السياسي وتكشف عن قوانين التحرر الخاصة بالعلاقة المباشرة مع الامبريالية. - فشل المشروع التحرر السائد القائم على تشييد الدولة في احتواء المعطيات الاجتماعية الفلسطينية في الشتات والداخل وتوظيفها في المواجهة مع الصهيونية الامبريالية لغياب مشروع التحرر الاجتماعي والاقتصار على التحرر السياسي لتحقيق الانتقال إلى المجتمع الرأسمالي الغير مبرر في الواقع الفلسطيني علميا. - أوضح نمط الانتاج الفلسطيني ومعطياته السوسيواقتصادية وإدارة الإمبريالية له أنه غير قادر على تحقيق قفزة رأسمالية لتشييد الدولة الليبرالية التبعية، وأنه لن يكون للفلسطينيين شكلا سياسيا سوى حكما ذاتيا خاضع لإسرائيل الكيان الصهيوني الإمبريالي، مالم يتم تحرير التناقضات التي تدار عبر تحقيق السيطرة الاجتماعية من خلال تقسيم الاراضي الفلسطينية على أساس السياسات الفوقية الوهمية. _ الإشكالية الثانية: مدى تعبير السياسة الفلسطينية عن المشروع الاجتماعي على خلفية الانقسام الفلسطيني، وعدم قدرة استراتيجية تشييد الدولة على تأمين الوحدة الفلسطينية وتعبيراتها الاجتماعية. _هل تؤمن الإجابة عنها وضع استراتيجية وطنية تشكل ثوابت النضال على طريق التحرر الشامل، تؤمن تحرير التناقضات بين التحرر السياسي والتحرر الاجتماعي؟ لا أعتقد أن هناك خلافا بين كل الباحثين والسياسيين والمناضلين في قراءة الزمن الاجتماعي والسياسي فلسطيني وعن تعبيراته المتشرذمة التي تفوق مستويات الأزمة من الناحية النوعية، ولذا يتفق الجميع عن ضرورة مراجعة وتقييم السياسة الفلسطينية التي لم تؤمن للسلطة الفلسطينية صمود المشروع الوطني الفلسطيني ليس فقط على إثر فشل المسار السياسي في تحقيق الاستقلال السياسي الفلسطيني، بل التساؤل عن قدرته على احتواء مشروع اجتماعي وطني يؤمن في حدوده الحمراء الثوابت الوطنية وفي قدرته على تدعيم المنظومة القانونية في تنظيم المجتمع السياسي. الذي يجعل من وصف الوضع الفلسطيني بالتشرذم بالدرجة الاولى هو الأفق المحدود للمشروع الوطني الذي لا يؤمن بناء اقتصاد مجتمع، ولسنا قادرين على وضع مشروع اجتماعي في مقال مقتضب، غير أننا نستطيع التأكيد بأن تقسيم الأراضي الفلسطينية وانجاز تبادل اراضي لا يؤمن لمجتمع اقتصاد متحرر عن التبعية المباشرة، وهذا وحده يكفي لكي تماطل الامبريالية الصهيونية العالمة بتكلفة هذا المشروع على الرأسمالية الاحتكارية. والذي يحقق لها هذا التماطل ليس فقط قدرتها على إدارة المجتمع الفلسطيني، بل قدرتها على التحكم بالمجتمع السياسي الفلسطيني وانجاز انقسامه السياسي الذي يعبر عن المدخل الوحيد للفهم الذي يؤمن إيجاد العلاقة بين مواجهته وبلدان التحرر الاجتماعي. إذ أن الانقسام السياسي للمجتمع الفلسطيني لا تغذية الامبريالية الصهيونية من الواقع الفلسطيني فقط بل من الواقع الاقليمي بشكل أساسي لأن تطور المواجهة الفلسطينية للامبريالية يفرض عليها إنجاز تكنوسياسي لنماذج التبعية في الشرق الأوسط والخليج وغيرها من الارتباطات مع البلدان الإفريقية الأخرى. ويتضح ذلك من خلال الحرب على الإرهاب التي تطورت تكنوسياسيا من مرحلة تأمين أزمة إعادة انتاج الرأسمالية الاحتكارية إلى تطوير أشكال التبعية في المنطقة. وهذا هو المدخل الوحيد الذي يؤمن تحقيق العلاقة الجدلية بين التحرر السياسي والتحرر الاجتماعي ويكشف عن القوانين الجديدة التي تعمل بها الامبريالية في الشرق الأوسط بعد مرحلة ما يقوس بالربيع العربي، التي لا يمكن أن تفهم دون ربطها بالمواجهة الفلسطينية المباشرة للامبريالية الصهيونية، لأن أي تتطور يحرر من نمط الانتاج الفلسطيني سيكشف عن وهمية الدولة الفلسطينية، لأن هذا الشكل السياسي لا يناسب مجتمع لا يملك اقتصاد مجتمع، وسيكشف عن ضرورة تغيير علاقات الانتاج في المنطقة بأكملها ويفرض بالضرورة هذا الارتباط المحقق بين التحرر الاجتماعي والتحرر السياسي ضرورة تحرير المنطقة من التبعية. وهو ما يفسر السياسات الغربية الراهنة في الشرق الأوسط، والتي أصطلح عليها التكنوسياسية الجديدة لتأمين التبعية. والتكتيك الاستراتيجي الذي سينضج هذه المعادلة ليس مصطنعا بل حتمية تاريخية حتى تنضج تتطلب تحقيق ازدواجية الارتباط عبر تناقضات الرأسمالية الاحتكارية نفسها والتي بلغت أوجها سواء على مستوى تأمين وجودها الذاتي عبر علاقاتها الموضوعية بالتبعية، وهذا ما ستفصح عنه النتائج الاجتماعية والسياسية في بلدان العالم الثالث، تلك التي يجب أن تتحقق في أفق الزواج مع نضج المشروع الوطني الفلسطيني عبر تحرير نمط انتاجه من الإدارة السياسية والبرجوازية المالية الدولية والمحلية ومؤسساتها البيروقراطية. أعتقد اننا خلصنا إلى توضيح شكل العلاقة بين التحرر السياسي والتحرر الاجتماعي الذي أفصح لنا عن الارتباط الحتمي بينهما، ورد الروح للحتمية التاريخية القائمة على انهيار الرأسمالية الاحتكارية عبر مده لنا طريقا نكشف منه بسهولة عن التناقضات بينهما في السياسات المحلية والإقليمية والدولية لنحدد القوانين التي ستحكم تطور المجتمع الفلسطينية والمجتمعات التبعية. ولكن هناك تناقضا أخر لم يلعب دوره الفعال في تحديد هذا الارتباط، وهو دور دول الخليج في معادلة الشرق الأوسط، حتى نفهم دور هذه الدول المستفيدة من الامبريالية لانحتاج لكثير من الجهد الفكري، بل لملاحظة الواقع الاقليمي بدقة، وهو واقع لا يفصح سوى عن مساهمتها في تامين الادارة السياسية الدولية والمحلية للمجتمع الفلسطيني عبر مساهمتها في تأمين المال للبيروقراطية الفلسطينية، والحد من التطور الرأسمالي للمجتمع الفلسطيني. ودورها في التكنوسياسية الامبريالية في الشرق الأوسط عبر تأمينها قدرة الرأسمال على إعادة انتاج نفسه باسم الديموقراطية والحرب على الإرهاب في الشرق لأوسط. ولكن التساؤل الحقيقي هل هذه العلاقة بين التحرر الاجتماعي والتحرر السياسي وفقا لقانون نمط الانتاج ستحقق التناقضات التي ستجعل من بلدان الخليج جزءا من معادلة التحرر من الامبريالية أو انه لا يمكن إلا ان يكون هناك تحالفا مستمرا مع الغرب لتأمين الرفاه الاجتماعي. هذا الامر لا نستطيع أنه نحدده إلا بعد دراسات أخرى للمجتمعات الخليجية. أعتقد أننا خلصنا إلى ضرورة تحرير نمط الانتاج الفلسطيني ودوره في التحرر الاجتماعي للشعوب المستعمرة اقتصاديا وسياسيا، كما أن النضال السياسي والاجتماعي في بلدان ما يقوس بالربيع العربي يجب أن يطور في تكتيكاته حتى تصل إلى مستوى العلاقة المحققة بين الارتباطين. وحين أنني سأقتصر في الجزء الثاني من هذا المقال على تحديد الثوابت على طريق التحرر في المجتمع الفلسطيني، لابد أن أشير إلى ضرورة مراجعة النظرية الثورية في دول التحرر الاجتماعي التي أصبحت تتخبط في فهم الواقع من حيث مآل الراسمالية الاحتكارية في بلدانها ومن حيث عدم الاجتهاد على تطوير القوانين التي تحكم المرحلة الرأسمالية الراهنة والذهاب بعيدا لحد الكسل والاعتماد على القوانين الانتقالية للمجتمعات بصورة مثالية. فالنظرية الثورية لم تحسم بعد بمراحل الانتقال إلى مجتمعات العدالة الاجتماعية ولذا ليست الثورة في كل الزمن السياسي والاجتماعي المتأزم تجيب عن الحتمية التاريخية بل النتائج السياسية والاجتماعية وعلاقتها بالمشاريع الاجتماعية للمجتمع السياسي هي من ستكشف عن التكتيكات السياسية التي قد توضح فرضا أن التحرر الاجتماعي في بعض البلدان يرتبط بالتحرر السياسي الفلسطيني. وعليه، فلسطينيا يجب على القوى السياسية حتى تكون في المستوى الوطنية الفلسطينية أن تعيد بناء المشروع الوطني على أساس هذه الفهم الذي يجعل من نمط الانتاج ومتطلباته هي التناقضات في المواجهة الامبريالية الصهيونية وفي تحقيق التحالفات الأممية للتحرر والبناء. ومن ثم أصبح من الضرورة بناء استراتيجية وطنية ترقى لمستوى تحقيق هذا الارتباط بين التحرر السياسي والتحرر الاجتماعي. وحيث لا مجال لي في الجزء الثاني من هذا المقال الخوض بمعركة وضع استراتيجية وطنية، غير أنه سيتم تحديد الأسس التي يجب أن تقوم عليها هذه الاستراتيجية التي من المؤكد أنها عندما ستتحقق ستكون ثوابت على طريق التحرر من الامبريالية الصهيونية.
#مجاهد_خالد_هلالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقدمة في نمط الانتاج الفلسطيني- الجزء الثاني: الوفد الفلسطين
...
-
-مقدمة في نمط الانتاج الفلسطيني-: صورة لجدلية السياسة الفلسط
...
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|