|
العربي المسلم والمنطق المادي
محمد رياض حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 4587 - 2014 / 9 / 28 - 13:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العربي المسلم والمنطق المادي محمد رياض حمزة من الحقائق التي لا يختلف عليها المتنورون : "لأنا ولدنا في أسر مسلمة فنحن مسلمون "، ونادرا من الناس من يشذ عن هذه الحقيقة ، إذ لو أخذ طفل رضيع من بيت لأحد رجال الدين من الأزهر أو مكة أو النجف وتكفله أحد الحاخامات اليهود في فلسطين المحتلة لنشأ يهوديا ، ولو أخذ طفل رضيع من الحاخام اليهود و تكفله أحد مشايخ المسلمين في الأزهر أو أحد الآيات في إيران لنشأ معمما من المتفقهين في الإسلام. فخيار الفرد في معتقده محكوم ببيئته ونشأته. والعربي المسلم الذي ولد في القرن العشرين وتتلمذ وتابع تعليمه عبر المراحل الدراسية الأولية والعليا وفق مناهج العلم الصرف ( الرياضيات والفيزياء والكيمياء..) التي رسخت في ذهنه " أن لا حقيقة إلا بالقرينة المبرهنة المادية الحسية الملموسة" . تلك هي فلسفة المنطق المادي التي تبلورت وصاغها مفكرون وفلاسفة وعلماء طبيعيون ( الفرنسيان بيير كاسيندي و رينيه ديكارت والإنكليزي توماس هوبز .... وتجمع معظم المؤلفات على أن كارل ماركس كان المطور الأحدث للفلسفة المادية بتحويل النظرية إلى منطق الرياضيات والفيزياء) أولئك الفلاسفة نظما مهدوا للفكر البشري أن ينطلق للتعامل مع الطبيعة بسعة الفكر فأوجدوا الحياة العصرية الحديثة في أوروبا التي تُوجت في عشر والتاسع عشر ونتج عنها التشريعات الوضعية التي ركنت المسحية جانبا لتأخذ موقع مكملا للدولة الحديثة فالكنيسة اليوم مؤسسة للمجتمع المدني . أما العربي المسلم الذي نشأ وترعرع في أسرة مسلمة وقرأ القران بوعي وحفظ أغلبه ، تناهي إلى معتقده أن عليه أن يكون إيمانه مطلقا إن أراد أن يبقى على دين الإسلام . وأقصد هنا بعبارة الإيمان المطلق أن لا يخامره الشك بما ورد في القرآن من وقائع وأحداث وشخصيات وأن يحاول أن يفسر وجودها ووقوعها وفق المنطق المادي الذي تعلمه وهو المسّير للحياة الحديثة في العالم كله . فبالتوازي مع النشأة في مجتمع عربي مسلم ، فإن مناهج التعليم في معظم البلاد العربية تشكلت على أسس المنطق المادي من رياضيات وفيزياء وكيمياء واقتصاد . ذلك أوجد التناقض بين ما تعلمه العربي المسلم من مناهج التعليم الحديثة وبين الإرث الإسلامي المتجذر القائم على الإيمان المطلق بالغيب وبالرهبة والخوف من الوقوع بالمعصية. أدرك فقهاء الإسلام الأقدمون ذلك التناقض بين المنطق المادي وبين الكثير مما ورد في القرآن لذلك قالوا : "من تمنطق تزندق" تلك الشتيمة التي رميت على "المعتزلة" فمثلا تأتي إشكالية القلب الذي ورد ذكره بمائة واثنتين وثلاثين مرة ، فإن القرآن اعتبر القلب وليس المخ مصدر التفكير والحس وليس أوضح من ذلك في ما مورد في الآية 28 من سورة الحج " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور". في حين أن علم التشريح الحديث وجد أن القلب مضخة وظيفتها تنقية الدم وضخه إلى الجسم . وإن هناك العشرات من المرضى اليوم ممن إستبدلت قلوبهم بعد تلفها بآلات تعمل ببطاريات يحملها كل منهم إلى جنبه لتعمل عمل القلب في تغذية الجسم بالدم ، وهم يفكرون و يحبون ويكرهون ويفرحون ويحزنون ، وتلك انفعالات حسية مصدرها المخ الذي يتحكم بأنشطة الجسم كلها بما فيها القلب. وهناك أيضا العديد من خوارق الأحداث والشخصيات التي لا تنسجم بوقائعها مع المنطق المادي ، و إنها كثر في القرآن ، فهناك عدد غير قليل من الأحداث والوقائع لا يمكن للعربي المسلم الذي نشأ وترعرع في القرن العشرين أن يتفق مع روايتها وأحكامها وشخوصها ، وأدرك القرآن أن هناك من لا يتفق مع ما ورد. وإن أردنا أن نتناول وقائعا وأحداثا وشخوصا ارتبطت بخوارق تجاوزت الطبيعة المادية فهي كثيرة . وهنا لابد من التنويه بأن القرآن أحاط بمن يشكك أو يجادل بآياته فقد جاءت أربع آيات ففي الآية (3) من سورة الحج جاء ما نصه " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد" ثم وفي السورة ذاتها في الآية (8) نقرأ " ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" ، وأيضا نقرأ من سورة لقمان ".... ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" ومن سورة غافر نقرأ " ما يجادل قي آيات الله إلاّ الذي كفروا ... " وهنا ليس ما تناهى إلى الذهن جدلا وإنما تأكيدا على أن الذي ما ورد في القرآن من أحداث ووقائع صيغت لمجتمع لا يرى أن فيها إختلافا أو تناقضا مع ما تعارفت عليه الأمم من في القرن السابع الميلادي ، ومنها القبائل العربية في جزيرة العرب. نعم،إن عظمة القرآن تناوله الحياة وما ورائها بمنهجية مُحْكَمَةٌ ، لم يسبقه بذلك لا العهد القديم ( التوراة ) ولا العهد الجديد ( الإنجيل) . إذ أن القرآن أحدث تغييرا جذريا في حياة العرب كأمة منسية لم يكن لها ذكر قبل الإسلام إلى أمة " كُلّفت بحمل رسالة ".... وعلى مدى العصر الوسيط (القرن السابع إلى القرن الخامس عشر الميلاديين) تمكن المفكرون والفلاسفة المسلمون من الإحاطة بالمنجزات الحضارية للإغريق والرومان ( بغداد والأندلس) ، فطوروها وأضافوا لها وطوعوها بما يجعلها أقرب إلى التطبيق سواء في الرياضيات أو الكيمياء أو الفلك والفلسفة. غير أن ذلك التطوير لم يكن قد أسس فقط على تراث جزيرة العرب ولا على أحكام القرآن ، فالقرآن جاء أولا لتأكيد ثلاثة مسلمات . الأولى الإيمان بالله وبالحياة الآخرة ، وثانيا لتفنيد الشرك وإثبات وحدانية الله ، وثالثا وضع منهج لتنظيم حياة العرب في جزيرتهم وامتداداتها وفق تعاليم وممارسات لم تبتعد كثيرا عن قيم وأعراف العرب قبل الإسلام. فالتناقض بين الإرث الإسلامي المتجذر في الشخصية العربية وبين التنوير الذي تلقاه من مناهج التعليم الحديثة التي تستند في طروحاتها إلى المنطق المادي ... ربما تسببت بخمول الشخصية العربية ومحدوديتها في الإبداع وفي الإنجازات العلمية والحياتية التي سُجِّلت ريادتها لأوروبا ومن ثم للمجتمع الأمريكي وتبعهما عدد من أمم آسيا.
#محمد_رياض_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
درس من أوكرانيا
-
- التكنوقراط- العراقيون
-
إلى المُسيئين للتأريخ العربي الإسلامي
-
فقط ... من أجل حكومة عراقية مقتدرة مُهابة
-
الصين تسأل الغرب: حقا... ما الذي تريدوه منّا ؟
-
في الأول من أيار 2014 ... (202 )مليون مُعَطل عن العمل حول ال
...
-
من - هوليوود- إلى معظم البيوت في العالم
-
المبالغة تسيء للحقائق
-
تحولات نظم الاقتصاد الرأسمالي
-
مفردة -الثقافة - بين رفعة المعنى والإسفاف اللغوي
-
قبل الانتخابات البرلمانية ... وبعدها
-
رؤية في تطلعات الكرد العراقيين
-
مأساة اليسار العراقي
-
هل تحول الإسلام إلى دين للقتل ؟
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|