|
يوم عالمي للمعلم وآخر للحمار !!
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4587 - 2014 / 9 / 28 - 12:15
المحور:
سيرة ذاتية
يوم عالمي للمعلم وآخر للحمار !! وأنا أسبر أغوار خزائن العم "جوجل" المليئة بالذخائر والمفاجآت ، باحثا في حقيقة قصة اليوم العالمي للمعلم وملابساته التاريخية ، إذ بي أعثر صدفة على معلومة غريبة مفادها أن التقويم الفرنسي خصص للحمار هو الآخر يوما عالميا يُحتفل به ، وتُكرم خلاله فضائله على الإنسانية ، وعرفت أيضا أن بريطانيا هي الأخرى ، نظمت له ساعات عمله اليومي ، وحددتها في ثماني ساعات ، تبدأ من العاشرة صباحًا حتى السابعة مساءً مع ساعة لتناول الغذاء ؛ إلى هنا تبقى المعلومة جد عادية -بالرغم مما تثيره من استغراب ودهشة فينا نحن الذين لم نهم بعد بتحديد ساعات عمل إنساننا - خاصة وأننا نعرف مدى اهتمام الغربيين بالحيوان وعطفهم عليه ؛ لكن المفارقة العجيبة والغريبة ، هي أن يلي يوم الحمار الذي حدد له التقويم الجمهوري الفرنسي تاريخ السادس من أكتوبر ، مباشرة بعد الخامس من أكتوبر ، اليوم الذي يحتفل فيه العالم كله ومنذ عام 1994، بذكرى توقيع التوصية المشتركة الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 1966 والمتعلقة بأوضاع المعلمين ، تحت مسمى "اليوم العالمي للمعلم" .. فهل هي مجرد صدفة ؟ أم أن في الأمر "إن" ؟؟ اعتراني فضول غريب - لم أدري مصدره ، أهو من فضول الصحافة ، أم أنه من موروثات الثقافة المجتمعية - لم استطع مقاومته ، واستهوتني فكرة البحث في خبايا حياة المعلم والغوص في أغوارِ مُحيطاتِهِا المُتلاطمةِ ، وسبر أعماق أوضاع الحمارِ لعلي أقتنصَ لذة لّامُهجّنةَ ولّامُدجّنة .. ورغم حساسية الموضوع وحرجيته ، وما يمكن أن يثيره علي من سخط بعض رجال التعليم - الذين كنت منهم لعقود - أو ما يثيره في غيرهم الآخر من ضحك هستيري ؛ قررت أن أغامر في خوض هذا الموضوع الطريف الذي ربما لم يكتب فيه قط ، متمنيا أن يتدبر القارئ الكريم الأمر بشيء من الواقعية المجردة عن الأفكار الجاهزة ، والأحكام المسبقة المبيتة ، و يبعد عن المقارنات المشينة ، والظنون الآثمة التي يمكن تحسب ان في الأمر تمرير لما يسمى بـ "حَيْوَنَة الإنسان " كما تروج بعض التيارات المتطرفة ، كما أتمنى أن يُؤخذ الموضوع وبكل بساطة ، من باب التفكر في خلق الله الذي أمرنا سبحانه وتعالى بالتفكر فيه ، وأثنى على من يفعل ذلك مصداقا لقوله تعالى : " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الجاثية : 13]، وقوله الذي جمع فيه بين ذكر الحيوان والإنسان والكون ، لاشتراكه معها في الخلق : "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" [الأنعام : 38] . وأرجو صادقا أن يفهم أني ما أبحثت في الموضوع إلا انطلاقا من مسلمة "أن كل شيء في هذا الكون ، مهما صغُر أو كَبُر ، إلا ويمكن مقارنته بسائر الأشياء ، وأن أي شيء مهما اختلف عن غيره في الخواص والسمات ، لامناص أن يشترك مع غيره في خواصٍ وسماتٍ أخرى ، وأنه لابد لكل شيء مهما شابه أو ماثَل غيره ، من أن يختلف معه وعنه في جوانب ونواحٍ أخرى" ، وعلى أساس أن المقارنة وسيلة للتفكير والبحث عن أوجه الشبه والاختلاف أو الفَرْق أو التباين بين شيئين ، تستعمل للتوصُّل إلى "حقائق الأمور" عن طريق مقابلة الأضداد ، كما ورد في مشهور الكلام أنه " بضدها تتبين الأشياء ، وبالضد يظهر حسنه الضد " وكما جاء في قوله سبحانه :" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [الجمعة : 5] . على العموم ، ودونما تحيز للمعلم أو للحمار ، فقد وجدت أن كلاهما كان يحظى عبر السنين الطويلة الماضية ، بالمعاملة الطيبة العامرة بالتقدير والعرفان على ما حملاه من كبير الأعباء وأشقاها ، والتي لا يمكنه لأي كان انكار ما كان عليه المعلم قديمًا من احترام وتقدير وتبجيل وامتداح ترجمه الأدباء والمؤلفون والشعراء إلى قصص وحكايات ومقالات وقصائد توارثتها الأجيال ، كقصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي استهلها بالبيت الشعري الذي أطبقت شهرته الدنيا : قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا وكقصة الأمين والمأمون اللذان كانا يتسابقان لمناولة معلمهما نعله ، وغيرها كثير من الأشعار والروايات والقصص التي تحكي المعاملة الطيبة التي كان يحظى بها المعلم في كل العصور وعند كل المجتمعات ، لما قدمه ويقدمه لها من خدمات جليلة كان فيها كالشمعة تحترق لتنير ما حولها .. أما صورة الحمار ذاك الحيوان الوديع ، المذكور في كتاب الله المبين ومعظم الكتب المقدسة والقصص الدينية ، والذي كان مصاحبا للرسل والأنبياء اثناء نشر رسالاتهم ، وملهما لأعمال عشرات الأدباء والكتاب والباحثين عبر العالم ، الذين سجلوا تاريخ حضوره الفعال في عالم البشر على مدى العصور ، من خلال الدراسات والكتابات والروايات والقصص التي خصوه بها ، والتي كان من أقدمها رواية "الحمار الذهبي" "للوكيوس أبوليوس" والتي يحكي فيها تجاربه مع البشر ، ويصف مزاجهم ورغبتهم في تغيير غيرهم بالقوة والعنف ، بدل التسامح الذي يميزه ، وقصيدة "الحمار" التي أمضى هوجو مدة طويلة من الزمن في نظمها ، والتي يحاور فيها الحمار المسمى :"باسيانس" patience (أي الصبر باللغة الفرنسية) الفيلسوف "كانت" Immanuel Kant على مدى خمس وستين صفحة ، والذي لم يجد معها "كانت" أي حجة عقلانية يقارع بها مرافعة patience الانفعالية سوى الاستسلام في نهاية القصيدة لآراء الحمار والاقتناع بصوابها . و "كتاب الحيوان" الذي حتى إذا لم يكن أول دراسة علمية للجاحظ عن الحمار ، فما من شك في أنه يمثل أول وأوسع دراسة وصلت إلينا كاملة ، تناولت وبشكل شامل ومفصل كل ما كان معروفاً عن الحمار في القرن الثالث الهجري .. ورغم كل ما سبق ، فإن من سوء طالعهما أن جاء عليهما زمن قوبل فيه كل ما تحملاه من أعباء ومسؤوليات ثقيلة خلال ألوف السنين ، بالإجحاف والتنكر والجحود المقيت الذي تعدى درجة التنكيت واللفظ الغليظ ، إلى صياغة الوجدان الشعبي العام ، في كل العالم العربي عامته ، صورة مزريَّة لهما ، بائسة تلامس العداء الشرس ، وأمثالا سيِّئة شائنة تقارب الاحتقار ، تداولها المخزون الثقافي بلا شفقة ، ورددتها الأمثال الشعبية المجتمعية بدون احترام أو تقدير ، ضدا على استماتتهما في تقديم جليل الخدمات للإنسانية جمعاء ، كل حسب اختصاصه ؛ ما أدى بهما ، مع الأسف ، إلى ضياع المكانة ، وفقدان الاحترام وتقليل التقدير ، من طرف الذين لا يتمتعون بالسلوك الحسن .. فباتا معها يئنان ويتوجعان من مقارنة حالهما اليوم بما كان يفعله معهما أناس الزمن الماضي ، حيث كان الطالب منهم إذا رأى معلمًا قادمًا من جهة رجع هو من جهة أخرى احتراما وتبجيلا.. أما الحمار فيتألم من استغناء إنسان اليوم عن خدماته ، وأنكر لحظات حاجته الماسة إليه ، ووجوه الانتفاع العديدة والمتنوعة به ، كالركوب والزينة والدفء واللبن وحتى الأكل ، والتي ذكرها الله سبحانه في سورة النحل ، في قوله تعالى: "وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " وأصبح يتطلع إليه اليوم بدونية واحتقار وقسوة ، بعد أن كان يحتل مرتبة الشرف لدى الكثير من التجمعات الزراعية وبعض المدن العتيقة إلى درجة أن كدمشق التي وصفت في الكتابات المسمارية بأنها مدينة الحمير، وفاس التي لا يمكن تخيل الحياة فيها من دون الحمار رغم دخول البشرية القرن الواحد والعشرين وظهور السيارات والقطارات والدراجات التي تراجعت معها مكانة الحمار كثيراً حتى أوشك على الانقراض من المدن نهائياً. واختم مقالتي الطريفة بما كتبه " جورج دي بوفون Georges-Louis Leclerc" في الحمار حيث قال: "لو تم إيلاء الحمار الاهتمام نفسه الذي يلقاه الحصان ، ولو أتعبنا أنفسنا بتربيته كما نربي الخيول ، فما من شك في أن الحمار سيكون قادراً على أداء أمور ليست مجهولة إلا لأنه بين أيادي أناس قساة من ذوي الطباع الخشنة" . حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إصلاح التقاعد ، لن يكون غير ب-العين الحمرا-.
-
المحاصصة دعم لأفراد طائفة معينة ، أم هي توزيع للمغانم ؟؟
-
المحاصصة دعم لافراد طائفة معينة ، أم هي توزيع للمغانم ؟؟
-
رهانات الدخول السياسي لدى حكومة ومعارضة صاحب الجلالة !!
-
الصحافة الجهوية مهنة من لا مهنة له
-
القضية الفلسطينية والأقلام الخربة
-
الأحفاد ودفئ التفاعل الاجتماعي
-
قيمة الأمتعة من قيمة أصاحبها ، أو على وجه الجلدة كيتباس الكت
...
-
اربعينية بونوارة ، حلت دون استئذان !!
-
ليس مراعاة لخاطركم ، لكن احتراماً لأرواح الشهداء الابرار ..
-
مصائب قوم عند قوم فوائد ..
-
نعم للتضامن لا للوم والعتاب !!
-
ظاهرة التلصص على الآخرين !!
-
لكل جهنمه ! (5)
-
مراسيم تشييع جثمان -بونوارة-
-
قد جاء دورك يا -بونوارة- فمت قرير العين بما ينتظرك عند ربك!!
-
بدعة التسابيح وموضة التسبيح
-
ألا في مثل هذا فليتنافس المتنافسون .
-
لماذا تأهلت لنهائيات كأس العالم الدول التي ترأسها النساء فقط
...
-
هل بعث الله لمصر من يصلح لها أمر دينها ودنياها
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|