|
إضرابات ما بعد الانتصار: قراءة في تحديات المقاومة الفلسطينية
دينا عمر
الحوار المتمدن-العدد: 4586 - 2014 / 9 / 27 - 10:30
المحور:
القضية الفلسطينية
تزامنت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة مع تصاعد موجة من نضال الأسرى داخل السجون، واليوم، يخوض الأسرى إضرابا جديدا بدأوه إثر استشهاد أسير بسبب المعاملة السيئة والتعنت في علاجه، ثم إضرابا آخر مع تجدد المفاوضات الغير مباشرة بين الفلسطينيين والكيان المحتل.
ما بين الإضرابين، حققت المقاومة نصرا عسكريا وسياسيا هائلا لم يكن متوقعا تحت الظروف الحالية، فيما يبدو من المشهد السياسي، الداخلي والخارجي، عودة التكتيكات النضالية داخل السجون في الإضرابات الجماعية عن الطعام، وهو ما لا يمكن فهمه خارج سياق التحديات التي تواجهها المقاومة في المرحلة القادمة.
التحدي الأول: السلطة الفلسطينية ومأزق المصالحة سياسيا، وبوجه عام، تبدو السلطة الفلسطينية الممثلة بمنظمة التحرير الفلسطيني، وتقودها حركة فتح، في موقف ارتباك عميق، فهي مكبلة باتفاق أوسلو الذي يتضمن في أجزائه أوسلو الاقتصادي وتبعاته التي نراها في تحكم إسرائيل بالاقتصاد الفلسطيني وما يشمل حجز الأموال ومنع عبورها. انعكس ذلك على تدمير تام للطبقة العاملة الفلسطينية وجعلها رهن تحكم العدو، كما تواجه السلطة أيضا تهديدات أمريكية بقطع المعونة السنوية، وهي وسيلة ضغط لا يُستهان بها في الوقت الذي تواجه فيه أزمات شهرية في صرف رواتب الموظفين.
وعلى الصعيد الدولي السياسي، فإن سعي السلطة الفلسطينية للحصول على مقعد عضو غير دائم في الأمم المتحدة لم يدخل إلا في إطار توجهاتها السياسية العامة ونهج التفاوض، لتكون المحصلة هي الاعتراف الكامل من السلطة وإضفاء “شرعية” دولية لحلً دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيلية على حساب “شرعية” الثوابت الفلسطينية في تحرير كامل التراب الفلسطيني.
الوضع الداخلي الفلسطيني يواجه أيضا طبقة من رجال الأعمال ترعرعوا بداخل السلطة، وأصبح التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال في تسليم المقاومين وسجنهم هو نظير فتح المعابر الداخلية وتحقيق انتعاشا أكبر في اقتصاد تلك الطبقة. هناك ما يقارب 16 ألف رجل أعمال فلسطيني يستثمرون أموالهم في إسرائيل، ويمكننا تخيل الوضع بالقيادي وعضو اللجنة المركزية السابق بحركة فتح محمد دحلان الذي شغل رئيسا للأمن الوطني بأنه هو نفسه رجل الأعمال الذي موًل إسرائيل بصفقات الإسمنت لبناء الجدار العازل، الذي بدوره ساهم في حصار ونهب مناطق واسعة من الضفة لصالح الكيان المحتل.
كل العوامل السابقة هي ضغوط على/تمارسها السلطة الفلسطينية بفعل سياساتها التفريطية، لتصبح المحصلة انبطاح تام وخيانة القضية. وبناء عليه، فإن أي حديث عن المصالحة الفلسطينية الدائمة وفقا للتحيزات الحالية هو محض خيال. كل موازين القوى تعترف أن حماس انتصرت في حربها ضد إسرائيل وأحدثت ارتباكا عميقا بداخل القيادة السياسية والعسكرية للعدو، في حين كل الظروف المتاحة تشير أن السلطة الفلسطينية لن تستغل اللحظة الراهنة في تحقيق مكاسب سياسية، للأسباب التي ذكرناها، بالإضافة إلى طبيعة المفاوضات التفريطية ذات الأفق الأضيق.
في المقابل، فإن المناخ السياسي العام في فلسطين لم يعد يقبل الحلول المزدوجة التي تبنتها السلطة الفلسطينية منذ السبعينات حتى ما قبل أوسلو، ولم يعد هناك أي بوادر من جانب السلطة للمناورة السياسية عسكريا أو العكس.
أصبحت حماس ترى حكومة التوافق الوطني كإمكانية للخروج من الحصار والأزمة الاقتصادية الذي يعانيها القطاع بشدة، وهو ما يظهر في تصريحات قياديين سريعا بإلقاء المسئولية على الحكومة في صرف رواتب الموظفين بغزة. فيما ترى السلطة الفلسطينية الحكومة كمخرج لأزمة “أحادية الشريك الإسرائيلي” إثر فشل ذريع منيت بها المفاوضات، تحت ادعاءات “إعادة ترميم البيت الفلسطيني”.ومثلما سمعنا تأكيدات رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، على أهمية المصالحة، سمعنا أيضا تأكيداته على نبذ العنف وإقرار السلام وحلً الدولتين إثر تكوين حكومة التوافق الوطني!.
في هذا الصدد، فإن المصالحة الفلسطينية الحقيقية هي الطريق لتحرير فلسطين، وتوحيد الجماهير الفلسطينية بشكلها القاعدي ضد الاحتلال، وليست توحيد القيادات السياسية المتناحرة والمتضاربة في مشاريعها ومصالحها بعيدا عن مصالح الجماهير. قيادات حماس، على الجانب الآخر، متورطين في اعتقال مقاومين رفضوا الانصياع لهدنة 2012، كما أن كتائب القسام لم تبدِ أي تعاون في عمليات عسكرية مشتركة بينها وبين بقية الفصائل الغير إسلامية في الحرب ضد العدوان الأخير، وهذا يتوازى مع تصريحات محمد نزال، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أثناء العدوان الأخير منتقدا كل الاتجاهات السياسية، اليسارية تحديدا، مفيدا أن فكرة “المقاومة” هي مشروع إسلامي بالأساس!.
التحدي الثاني: مقاومة مسلحة وانتفاضة شعبية ثالثة.. معضلة التزامن صحيح أن التظاهرات الفلسطينية عمت الضفة الغربية بمناطق مختلفة شهد العديد منها اشتباكات على المعابر مع قوات العدو الصهيوني، كما خاضت مناطق كاملة إضرابات تضامنا مع أهالي غزة أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير، لكن ذلك لم يتصاعد بدرجة اشتعال انتفاضة ثالثة مثلما روج بعض المحللين في تفسيرات حول الحرب الأخيرة، وهو ما يثير أيضا العديد من الأسئلة حول تحديات المقاومة في الفترة القادمة.
منذ أسابيع أعلنت الوزيرة الإسرائيلية تسيبي ليفني أن “الرئيس الفلسطيني منع اندلاع انتفاضة بالضفة”. الطرف الإسرائيلي من جانبه عانى خسائر سياسية وعسكرية عميقة لم يكن يتوقعها في إطار الصعود الهائل للثورة المضادة بالمنطقة وعزلة المقاومة الفلسطينية. على الجانب الآخر، لا يمكن تفسير تلك التصريحات إلا في نفس الإطار وهو مغازلة الطرف الإسرائيلي لشريكه المفاوض من جديد وما يحمله من طيً صفحة غزة واللجوء مجددا إلى الضفة حيث اجتذاب رهانات سياسية كانت مؤجلة للفترة القادمة.
لكنه، وفي سياق التحليل السياسي حول التراجع الثوري بالضفة سنواجه عدة مستويات: على المستوى الشعبي، هناك قاعدة شعبية مازالت تتغنى بتاريخ العمليات الفدائية لفتح. وبرغم حالة الجدل المحدودة التي أثيرت حول حل السلطة الفلسطينية إثر العدوان الأخير، لكنها أضعف بكثير من قاعدة شعبية أخرى تعتبر حصول الفلسطينيين على “السلطة”، المعترف بها دوليا لتمثيل الشعب الفلسطيني، هو مكسب للقضية، ورحيل منظمة التحرير الفلسطيني يعني، من نظرهم، المواجهة المباشرة مع إسرائيل في ظل افتقار الساحة السياسية لبديل. جزء كبير من هؤلاء يعارضون السياسات التفريطية للسلطة لكنهم يمتنعون عن المواجهة مثلما لاحظنا إعلان شبيبة فتح بجامعة الخليل تبرئتهم من عباس لكن دون تقديم استقالاتهم من الحركة، وهي لا تقل أيضا، رغم اختلاف الجوانب، عن تهديدات الفصائل اليسارية بالسلطة حال عدم وقف التنسيق الأمني ولم يحدث شيئ.
على المستوى السياسي، فازدواجبة الخطاب المقاوم لدى فتح ظهر مؤخرا ليعكس حالة تخبط مريبة بين مشروع الدولة الفلسطينية ومشروع التحرر الوطني الكامل. قيادات فتح انطلقوا لدعم الوجه الآخر من خطاب التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي باللجوء إلى الداخل وتعلية نبرة تهديدية فقط من الكفاح المسلح تجاوبا مع حالة الغضب العارمة ضد الجرائم الإسرائيلية. صائب عريقات، كبير المفوضين، وجه انتقادات حادة على الشاشات الفضائية للسياسات الإسرائيلية، وبالتوازي انطلق عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد قائد وفد التفاوض الموحد في مصر، بوصف العمليات الفدائية ضد قوات المحتل بـ”الانتحارية”، ليعكس كلاهما ازدواجية خطاب السلطة.
هذه الازدواجية ساهمت في خلق ارتباك كبير لدى القواعد الشعبية المذبذبة حيال ممارسات السلطة الفلسطينية في التنسيق الأمني، كما أضعفت على الجانب الآخر فرص تصعيد الانتفاضة ضد السلطة وقياداتها الحالية إلى سقف منخفض من الانتقاد. لا ننسى أن هناك حلما قد تحقق بالفعل، انتظرته الجماهير الفلسطينية 7 سنوات، في تحقيق المصالحة وتكوين حكومة توافق موحدة، لتصبح النتائج المباشرة لمحصلة المشهد السياسي هو تراجع اندلاع انتفاضة عارمة ضد السياسات التفريطية ككل.
المشاهد الحالية تشي بعدم قدرة حكومة التوافق على الاستمرار، بما يعني مباشرة تزعزع أحد أهم رهانات الشارع الفلسطيني على القيادات السياسية في توحيد القضية ضد المحتل الإسرائيلي، وهو ما قد يساهم مستقبلا، بشكل نسبي، في تدخل الجماهير لمعادلة المقاومة.
التحدي الثالث: عودة التكتيكات ومخاطر العزلة من جديد الانتصارات الجزئية للنضال الفلسطيني داخل السجون الإسرائيلية لا يعتمد فقط على عدد المضربين بقدر الاعتماد على العوامل السياسية المحيطة لإنجازه. في عام 2012، صعدت حدة الانتفاضات العربية ضد الأنظمة الحاكمة وأظهرت دعما قويا للقضية الفلسطينية بالدرجة التي حاصرت الكيان المحتل للرضوخ فورا لمطالب المضربين داخل السجون، فيما انتهزت المقاومة الظرف الثوري العام لإتمام صفقة شاليط وتحرير 1400 أسير فلسطيني على مرحلتين.
تصاعد الثورة المضادة حاليا واستنزاف الجبهات اللبنانية والإيرانية في معارك داخلية ساهم في عزلة المقاومة الفلسطينية. تورط تلك المعسكرات في تجاذبات لمصالح دولية يؤكد انزلاقها في معارك طويلة الأمد، أو على الأقل لا تعرف نهاية قاطعة على المستوى المنظور بدرجة تنبأ بازدياد تلك العزلة مع تدمير الجبهات الخارجية.
على الجانب الآخر، فانتصار المقاومة في العدوان الأخير مثًل نقطة فارقة في توازنات الثورة المضادة بالمنطقة لصالحها. فيما بدا إضراب الأسرى داخل السجون كرأس حربة لمواجهة التحديات المعروضة سابقا بعضها ببعض، كما حافظ على إنعاش الحراك الداخلي، بل ووضع تحديات أعمق في إنهاء كامل الاحتلال الإسرائيلي وليس فك الحصار فقط عن قطاع غزة.
حصيلة التغيير الذي أحدثته المقاومة على الساحة الداخلية يصبح إذن: تقديم نموذجا متكاملا في تراكم البناء، بعودة التكتيكات النضالية من جديد داخل السجون الإسرائيلية في إضرابات بطولية، رغم مخاطر العزلة. وقد تبدو رسالة أمل للشعوب من جديد.
#دينا_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شوارع أوروبا تشتعل ضد الرأسمالية
-
الشعوب تريد ثورة اجتماعية
-
مات القذافي.. وعاشت الثورة
-
ندوة الثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكية
-
الثورات العربية وأزمة الرأسمالية العربية
-
الشعوب ترفض إصلاحات الحكومات
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|