|
وعود السيسي، وأحلام البسطاء
السيد شبل
الحوار المتمدن-العدد: 4585 - 2014 / 9 / 26 - 22:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أميل في العادة للرد على هاتفي المحمول خاصة إن كان الرقم غير مسجل لديّ ليس تكبراً معاذ الله، ولكن لجزء في شخصيتي لا يحب المفاجآت ولا يرغب فيها، ولكن في تلك المرة بالتحديد وبعد آذان المغرب بدقائق رن الهاتف وبعد أن استمعت لرنته والتي هي أنشودة صوفية تمدح في أخت الحسنين السيدة زينب "رضي الله عنها"، رددت، ففاجأني رجل يبدو من صوته أنه في الأربعينيات - اكتشفت فيما بعد أنه أصغر بكثير- وأن هموم الدنيا قد اجتمعت عليه، وأثقلت كاهله.. يستغيث بي كصحفي من أبناء مدينته قويسنا، يعتقد أني أملك مساعدته في مشكلته، في البداية ظننت أنه قد يطلب مساعدة أو شيء من هذا القبيل، ولكني فوجئت برجل هو في الحقيقة أغنى الناس عن الناس بالله وحده، ومن أكثر من قابلتهم في حياتي وعياً بقضايا ومشكلات بلده.
يتحدث (هاني سيد أحمد دسوقي) ابن شبرا قبالة - قرية زراعية تابعة لمدينة قويسنا- وصوته يملؤه الحزن على وطن صار مرهوناً لأغنيائه وفقراؤه عن خيره محجوبون، فيقول: "كنت أعمل سائقاً لتوك توك، ونتيجة لبعض الظروف تركته لأعمل في مجال المعمار كعامل "أرزقي" باليومية، مع العلم أني حاصل على دبلوم تجارة منذ أكثر من عشر سنوات.. أحوالي المادية متعثرة وضائقة كغالب بسطاء هذا الوطن.. استبشرت كغيري بمجيء الرئيس عبد الفتاح السيسي وأن الأمور سائرة للاستقرار، وأن النظام القادم بقيادته قادر على صنع مستقبل أفضل لأبناء هذا الوطن، وكان أهم ما تعلقت به في برنامج السيسي هو إعلانه عن نيته منح خمسة أفدنة في الصحراء للشباب، ليستصلحوها، فتتحقق منفعة مشتركة لهم ولبلدهم...، ولكن الأمور لم تسر كما توقعت، وحديث المسئولين الآن لا يبشر بالخير، فالخمسة أفدنة الموعود بمنحهم صارت فدانين وفي تصريحات أخرى نصف فدان، وفي المقابل يتم منح آلاف الأفدنة لعدد محدود من رجال الأعمال".
قاطعت "دسوقي" محاولًا أن أخبره بأن كل ما أستطيعه هو أن أنشر مشكلته في عدد من الجرائد والمواقع الإخبارية التي أكتب لها، راجيًا من الله أن تقرأها أجهزة العلاقات العامة في الوزارات المعنية، فترد وتوضح لماذا التأخر أو النكوص عن تنفيذ وعود "السيسي"، في حين لا تزال طبقة رجال الأعمال تتمتع بدلال وحنوّ كامل، رغم حصولهم على ملايين الأفدنة بأسعار زهيدة، دون أن يستغلوها لا في زراعة أو صناعة. وأنه بالفعل بقاء الصحراوات "الشرقية والغربية وسيناء" بدون استصلاح يخيم عليها اللون الأصفر وتعشش فيها جماعات هامشية لا تعرف معنى الدولة ولا ترتبط بها، أمر يصيصب بالتعاسة والإحباط ... وعاد "دسوقي" للحديث مجددًا، فقال: "أنا لدي خبرة بسبب عملي لبعض الوقت بمزارع مستصلحة، في أساليب رجال الأعمال الملتوية التي يقومون بها لـ"تسقيع" الأراضي، ثم بيعها بالمتر فيما بعد، وهذا حاصل في أكثر من مكان ومنها "توشكى"، وقد منحتهم وزارة الزراعة مؤخرًا مهلة نهائية قدرها 3 سنوات لاستكمال زراعة المساحات المخصصة لهم بالمشروع، وعندي استعداد أن أصاحب أي قناة فضائية ترغب في إعداد تقرير عن الأمر، لكشف حجم السرقات التي تمت تحت ستار استصلاح الأراضي وكان أبطالها حفنة من المليارديرات، بينما نحن الفقراء الذين نجوع يومًا ونشبع يومًا، بلا نصيب في تلك الأراضي، رغم أننا لا نحلم بأكثر من فدان أو اثنين، وعلى استعداد لأن نبني بيوتنا من الخوص، وأن نبيع في سبيل هذا المشروع كل ما نملكه".
ما يبدو أن الرجل كان لديه كثيرًا ليقوله، ولكن مدة الاتصال وطبيعته لم تسمح بأكثر من هذا، ولكن أهم ما أكده لدي، هو أن بسطاء هذا الوطن هم عن حق من يحملون همّه لأن مصيرهم مرتبط ببقائه، فلا هم يحملون جنسيات دول أوروبية ليسافروا لها إن خَربت البلد، ولا يملكون ملايين الدولارات يعتقدون في قدرتها على حمايتهم إن دارت الدوائر.. هم وأحلامهم وأوطانهم وفقط.. حتى مشكلاتهم التي يطلبون العون في حلها هي جزء من أزمة الوطن ككل، وحلّها ينعكس إيجابيًا على أحوال الوطن عامة، والعكس صحيح.
على هامش الحديث أخبرني "دسوقي" أنه حاول كثيرًا أن يوصل صوته وقضيته للفضائيات وأنه يدخر من قوته، ليشحن هاتفه المحمول، ويحاول الاتصال ببرامج "التوك شو" لكنه يفشل، بعد أن يكون رصيده قد سُحب منه!. وليس لدي شك في صدق ما قاله، لأن الاتصالات المفتوحة ببرامج الفضائيات ليست أكثر من "سبوبة" تحاول إدارات القنوات التربح منها خاصة مع فشل أغلبهم في جلب إعلانات تجارية.
كلمة ختامية:
لا جدال في أن المرحلة صعبة وأن الأعباء كثيرة، ولكن أحلام الناس كثيرة أيضًا، ولهم تمام الحق في ذلك، خاصة إن كانت تلك الأحلام مستوحاه من وعود أقرها النظام على نفسه. ونشهد أننا لم ننقل هذا الكلام من باب المسئولية الشخصية فقط، بل من باب المسئولية الوطنية في المقام الأول، ومن لم ترد على خاطره أحلام كحلم صاحب الاتصال عند قطعه لمئات الكيلومترات في سيناء بلا خَضَار ولا عمار، فعليه أن يراجع نفسه!، والأمر برمته يحتاج إلي وقفة.
#السيد_شبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-السقا- الذي ارتدى ملابس رئيس الوزراء
-
فؤادة أكثر -فرعنة- من عتريس!
-
القضية الفلسطينية.. الحل في تبنيها لا الفرار منها
-
بعيدًا عن فوضى الشعارات.. ماذا نريد من النظام القادم ؟
-
-فلسطنة- الطابور الخامس !
-
الانتخابات والإخوان ورجال الأعمال
-
الإخوان وأمريكا (الشياطين الصغار في خدمة شيطانهم الأكبر)
-
-صربيا- كلمة السر المنسية في أحداث العالم العربي
-
قراءة في فرية دعم الفلول للسيسي..
-
أربع سنوات مضت.. وأربع قادمة
-
-نابوكو- والشرق الأوسط الجديد.. ما خفي كان عظيم !.. بقلم: ال
...
المزيد.....
-
-سقوط مباشر واحتراق آلية-.. -حزب الله- يعرض مشاهد لاستهدافه
...
-
صنعاء.. تظاهرات ضد الحرب على غزة ولبنان
-
فصائل العراق المسلحة تستهدف إسرائيل
-
الديمقراطيون.. هزيمة وتبادل للاتهامات
-
القنيطرة.. نقاط مراقبة روسية جديدة
-
عرب شيكاغو.. آراء متباينة حول فوز ترامب
-
مسؤول أميركي: واشنطن طلبت من قطر طرد حركة حماس
-
إعلام سوري: غارات إسرائيلية على ريف حلب
-
بعد اشتباكات عنيفة بين إسرائيليين وداعمين لغزة.. هولندا تقرر
...
-
هجوم بطائرة مسيرة يوقع قتيلًا و9 مصابين في أوديسا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|