:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
معطيات علاقة فرنسا وروسيا وحتى الصين بالقضية العراقيه تغيرت بوتيرة تنبئ بقوه عن انتقالية وعدم استقرار الوضع الدولي فحتى بضعة شهور كانت طوابير الشركات المستفيدة من العقود التفضيليه وصفقات النفط هي التي تربط فرنسا بالعراق وعبثا كان يمكن البحث خلال عقد من الزمن عن مفهوم لموقف فرنسي من العراق لاتظهرفي خلفيته العقود والديون ولقد قيل اصلا بان فرنسا نفسها مضطربه وان سياسة الغرب منذ انتهاء الحرب البارده هي بالدرجه الاولى وقبل كل شئ "امريكيه" اي لاسياسه اوربيه تذكرلقد سمعت انا شخصيا مثل تلك الآراء يرددها على مدى التسعينات معلقون ومحللون فرنسيون كانهم يذكرون بداهه مفروغا منها وكان ذلك يبدو صحيحا تماما والغريب انه لم يكن يعد امرا مثيرا للاحباط مع العلم ان سياسة العقود والديون نفسها لم تكن هي الاخرى "فرنسيه" بل "عراقيه" وصدام حسين هو من ابتكرها تحت اسم "جعل الحصار يتآكل من داخله" منذ عام 1992 معتمدا قاعدة بسيطة للغايه ، الغرب لن يستطيع الاستغناء عن النفط العراقي اذن اغروا الشركات وادفعوها كي تضغط على حكوماتها حتى تطالب برفع الحصار .
شئ شبيه من حيث حدود ونوع الدوافع كان يميزايضا موقف روسيا ازاء العراق الديون والاستثمارات كدوافع طبيعيه قبل ان تصبح المحركات الستراتيجيه حاضرة بقوة كما هي الحالة الآن ، فقد كان العقد الماضي مفصلا انتقاليا وانتهى الى متغيرات حادة جسدتها على افضل وجه تبدلات وتقاطعات المواقف من قضايا احتلت مكانا محوريا خلال لحظة الانتقال العالمي الراهنه كما هو الحال بالنسبة لقضية العراق الحاضرة من دون توقف منذ ماقبل سقوط الاتحاد السوفياتي بشهورالى هذه اللحظة بينما ادى العقد الماضي الى تغيير مكانها وموقف المعنيين بها تماما فروسيا الحاليه محاصرة وتنحدربسرعه الى مستوى دولة اقليميه مهددة في وجودها مما يجعلها اميل الى التمسك بالعراق من منطلق ستراتيجي تجده مقرونا باستمرارها كدوله فسقوط العراق يعني سقوط ايران مع مايعنيه ذلك من تعاظم التهديد الشيشاني المرشح لجعل روسيا الحاليه على شفا التحول الى ثلاث دول .
اوربا هي الاخرى عليها من هنا فصاعدا ان تنظر الى القضية العراقيه من زاوية مختلفة فاقتراحات صدام حسين النفطيه لم تعد تصلح قاعدة للتعامل مع هذه المسالة التي تنذربتهديد مصير المشروع الاوربي من زاويتي النفط والارهاب واذا ما تمكنت الولايات المتحده من وضع يدها على العراق فان العصب الحيوي للاقتصاد الاوربي يصبح بيد الدولة الاعظم وستكون اوربا قلعة اماميه تتلقى عواصف التفجرات والارهاب التي يتوقع تعاظمها نتيجه تداعيات سوف تنجم حتما عن اهتزازقواعد الانظمه العربيه القائمه في السعودية والخليج وسوريا ، اذن الامن ومحرك العملية الاقتصاديه ، هما ما على اوربا ان تتوقع التضحية بهما لصالح الهيمنه الأمريكيه ، فهل هذه شراكة ام مزيد من التحكم الفج والذي يتصادم مع سبل النمووالمنافسة المحتملة في كل مكان يشك في تحوله الى مركزقوة ، فالصين التي تريد هي الاخرى الانطلاق نحو عالم العمالقة ستكون مضطرة للدخول بقوة الى نادي مستهلكي النفط النهمين ومع تحكم الولايات المتحده بهذه الماده فان العملاق الصيني سيجد نفسه مضطرا الى ضبط ايقاع النبضة القادمه من نهضته الاقتصاديه على ايقاع التحكمات التي تعتبرها امريكا موافقه لموقعها المسيطر عالميا بلامنافس .
هكذا تتحول الحرب على العراق اليوم الى مسالة مقرره من الناحية الكونيه فهنا سوف تحسم اكبر القضايا التي بموجبها يمكن للولايات المتحده ان تفلح او تفشل في صياغة عالم مضبوط ومؤائم تماما لاولويات سيطرتها الشامله وتلك دوافع لايمكن معها الشك ابدا في حتمية وقوع حرب هي مسالة حياة او موت بالنسبة لدولة تملك كل ماهي بحاجة اليه لتحقيق اغراضها بينما المتضررون الحاليون من هذه الحرب لايظهرون القدر اللازم من الاحساس بالخطرواذا شعروا بذلك فانهم لايبدون درجة من الاعتراض تتناسب وحجم التهديد الذي تتعرض له مصالحهم ومع ان ذروة الاعتراض قد تجلت اخيرا في المناقشات والمداولات التي جرت في الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي ابان طرح كل من امريكا وبريطانيا مسودة مشروعهما حول العراق والذي اتخذ لاحقا الرقم 1441 الا ان مسالة اقامة قاعدة اعتراض فعليه بمواجهة النوايا الأمريكيه ماتزال بعيدة جدا عن تصورات الفرنسيين واوربا وروسيا والصين وبمقابل الجهد المثابر والمنظم حيث تتم متابعة هدف ثابت من جانب الولايات المتحده تبدوالكتلة الاخرى مبعثره وبلا مبادره ولاتكاد تعرف كيف تبلور موقفا له وزن وقابل لان يسيربموازاة هجوم امريكا خاصة بعد ان حدث الذي حدث ووصل المفتشون الدوليون المكلفون نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية الى بغداد .
ماالذي يمكن لهذه الكتلة ان تفعله الان كي تكون فعاله وعمليه ؟ الاقتراح الذي يمكن تخيله هو فرضية تقترح منهج "التغيير من دون حرب" اي القول ببساطة ان الحرب ليست حتميه كما تصر الولايات المتحدة على الايحاء ، واذا كان المطلوب هوتغيير النظام القائم في العراق وليس تدمير العراق واحتلاله فالضغوط الحاليه يمكن ان تؤدي غرضها بحيث تفضي الى فرض تحولات تنهي النظام من دون حاجة الى تدمير البلاد وتحميل العراقيين وزرحرب اخرى قد تنتهي الى كارثة وطنيه والى احتراب داخلي مديد لايمكن حصره داخل العراق نفسه فقط ولايوجد غيرالتحول السلمي من سبيل يمكن ان يضمن نهاية يكون فيها العراق ديمقراطيا تمارس فيه القوى الاساسيه دورها بمشاركه وحريه ، وموحدا يتمتع بدولة مركزيه ذات طابع تعددي ، الا ان مثل هذه النهاية تحتاج الى جهود اطراف كثيره ولها وزن اذا استثنينا منها الطرف الامريكي الذي هوطرف يميل افتراضا الى تخريبها في اية لحظة ، فان هذه تتمثل في ثلاثة اطراف هي:
1 ـ النظام الحاكم 2 ـ المعارضة بمعنى القوى الاساسيه ممثلة ب : الاكراد ، واليسارالعلماني الديمقراطي والقومي ، وقوى العشائر، وممثلي القوميات والاديات والعقائد الاخرى الاصغر، من دون نكران حق حزب البعث في ممارسة دوره كمشارك في الحياة العامه 3 ـ الآلية الدوليه ممثلة بكتلة الدول التي لها مصلحة في ان لاتقع الحرب .
والخبرة كماالوقائع الحاليه تشجعان على الاعتقاد بان دينامية مشتركة تجعل هذه الاطراف تعمل في سياق موحد هو امرممكن بسبب تلاقي المصالح والدوافع فالنظام العراقي مستعد لتقديم تنازلات اذا كانت النتائج مضمونه وتنتهي نهاية سلميه زهز بدا يعطي منذ الآن اشارات بهذا الاتجاه ويجب ان نكون متاكدين بغض النظر عن التهويلات الشائعه بان آخر مايرغب به نظام صدام حسين هو حرب يعرف تماما نتائجها عليه وعلى كتلة مصالحه وحياة المنتسبين اليه وحتى عشيرته ، صحيح ان الآمر يحتاج لمعالجة حساسه ودقيقه ولكن النتائج ستكون على الارجح مضمونه ، اما قوى المعارضة فهي الاخرى لاتمانع ابدا في تبني عملية كهذه وخبرتنا واتصالاتنا تقول بان شروطا كهذه ستجعل موضوع الانخراط في خيارمن هذا القبيل امرا مؤكدا ، ولاداعي للحديث عن القوى الدوليه التي اسهبنا بداية في التعرض لدورها ودوافعها ونحتاج الآن لان نبحث عن قوة مبادرتها .
هل تملك فرنسا بالذات الاراده والتحرر اللازم من الضغوط بحث تكون هي محور مثل هذه العملية ، وتبادر الى اقناع روسيا والصين واوربا ، ان ماقد رايناه خلال مداولات مجلس الامن بشان القرار 1441 يغري يتبني مثل هذا الاعتقاد خاصة اذا مااتضح لفرنسا بان الطرف الامريكي قابل لان يتم اقناعه بقبول حقبة انتقاليه في الوضع العراقي هي وحدها الممكنة واقعيا مقابل المازق الذي تتخبط فيه وهي تواجه استحالة جمع السيطرة والاستقرارفعلى عكس الحالة الافغانيه على الولايات المتحدة ان تمارس في العراق السيطرة سواء عبر"حكومة عراقيه متعاونه" او مباشرة والحالتين غير ممكنتين عمليا او لايمكن تامينهما من دون توقع انفجارات واضطراب يتحول معه الوجود الامريكي الى مجازفة خاسره بينما هي تحتاج الى وضع مستقر يؤمن لها استكمال اهدافها في العراق والمنطقه وهذا وضع مناسب تماما لتبرير الدور الفرنسي الاوربي الروسي واقتراح آلية "التغيير من دون حرب" .
بالطبع الأمر مختلف كليا الان عما كان عليه خلال المداولات بخصوص القرار 1441 والجهود المطلوبة حاليا متشعبه وطبيعتها مختلفة كليا تبدا من داخل العراق وتمتد الى العالم العربي والمحيط الاقليمي وتتغلغل داخل اوربا و روسيا والصين ، وكل هذا بالتوافق والتناقض البديهي مع ايقاع مفروض من قبل الطرف المحرك والخطر الذي هو الولايات المتحده التي لاهم لهذا الجهد سوى منعها من تنفيذ خططها الحربية وجعلها تقتنع بالحل السلمي ، وفي حالات بمثل هذا القدر من الخطورة والحساسيه يفضل ان يتقدم المعنيون باكثر المقترحات عملية ووضوحا حتى يجسدوا واقعيا ماهو ممكن ومتاح .
ولهذا الغرض تذكر مسالة عاجله هي اقامة "حكومة انقاذ ومصالحة وطنيه" تضم ممثلين عن القوى الاساسيه وتكون اطارا انتقاليا يؤمن خلال مالايزيد على السنه وصول العراق الى نظام دستوري يتمتع فيه الجميع بحق المشاركة الحرة وتلغى كل العوائق أمام حرية الراي وتقنن اليات عمل الدولة وانماط الادارة المناسبه وينتهي عهد الحكم الاحادي تماما ، وهذا مايجب ان يحاجج بشانه وليس المشاريع غير الواقعية المتداولة في الخارج من قبل قوى لاتمثل النصاب الاجتماعي العراقي ويتناقض ماتقترحه اصلا مع امكانية تحقيقه الفعلي لانه يشترط قيام حرب مدمره ستغير المعطيات كليا وتفجر مقترحات معلوم كم هي هشه ، وللاضافة فان قوى عراقية مؤمنه بالتحول السلمي والديمقراطي وعملت وفق هذا النهج على مدى العقد الماضي تستطيع ان تلعب دورا في هذه العمليه وتكون مفتاحا وركيزة لكل جهد يذهب هذا المذهب .
انها فرصة سانحة لمن يلتقطها باسم مصالح الكتلة الاعظم من دول وشعوب العالم ، كما باسم المبادئ التي يريد الحريصون على مستقبل هذا الكوكب ان يروها حيه ولايجري ذبحها تباعا لافقط بسبب انتصار منطق القوة بل ايضا بسبب التخلي والاستسلام غير المبرر للياس والعجز.