|
إلى ما يسمى تيار الإخوان المعتدل
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 1290 - 2005 / 8 / 18 - 13:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعرف من يقرأ لي أنني مصر على الكتابة ضمن نطاق الدائرة الإنسانية، وهذا لا يمنع بل يعني الاهتمام بالشأن العام في أي دائرة أضيق، ضمن ما تشمله دائرة الانتماء الإنساني الرحبة، سواء كان الكاتب ينتمي فعلاً إلى هذه الدائرة، أم يتحدث نيابة عن أهلها، ولقد تناولت قضية مشاركة الإخوان المسلمين السياسية في عدة مقالات من منظور إنساني بحت، ومع ذلك كانت بعض التعليقات على مقالاتي تصرح أو تلمح لأنني أتحدث كقبطي، وكأن هذه تهمة علي أن أنفيها، وكأن القبطي الذي يسمع عن سعي جهات عديدة خارجية وداخلية تتحدث عن مشاركة الإخوان في العملية السياسية، عليه أن يلتزم الصمت، كأن هواجسه ومخاوفه عورة عليه أن يسترها، أو أن أفكاره ومعارفه لا تتيح له القدرة على التعرض لمواضيع تستمد مرجعيتها من دين لا ينتمي هو إليه، لذا عليه أن يلتزم باللياقة وإيثار السلامة، وأن يلزم داره ويقصف قلمه، ويمضي وقته يشاهد قناة روتانا قبل أن يتم إغلاقها وإعدام القائمين عليها!! وحيث أنني قررت في هذه المقالة بكل فخر واعتزاز أن أتحدث كقبطي، فإني أسوق ما جاء بالعبارة السابقة كأول مخاوف الكاتب والمفكر والإنسان القبطي، أن يحظر عليه الحديث في السياسة مادام الأمر يتعلق بمقولات الإخوان التي أقنعوا الناس أنها مقولات مقدسة، ليس للقبطي أو لمن يدين بأي ديانة أخرى أن يفتي فيها، وإلا كان يتحدث فيما ليس من شأنه، وعليه إن فعل أن يتحمل العواقب الوخيمة لتعديه الخطوط الحمراء!! أوجه تساؤلاتي بالطبع إلى ما يسمى تيار الإخوان المعتدل، إن كان يوجد حقاً من ينطبق عليه هذا التوصيف، فالآخرون يعتبرونني في أحسن الأحوال ذمي، عليه أن ينتظر ما يجود عليه به أهل التسامح، ولأن التسامح لا يكون إلا مع الجرائم والمجرمين، فإن هذا يعني ابتداء أنني أوصف كمجرم أو جريمة مجسدة!! حين تحكمون مصر – لا قدر الله – يا سادتي الإخوان المعتدلون، هل ستفرضون على زوجتي وابنتي وأختي الحجاب، أم سيتسع تسامحكم لسفورهن، ليسرن في الشوارع محاطات بالمئات من الأعين المتسامحة، والشفاه المستعيذة المحوقلة، على السفور وال......... إلخ!! وجهاز التليفزيون في بيتي، هل سيظل كما هو الآن، يحوي المتنوع من البرامج الإخبارية والثقافية والترفيهية، أختار منه ما أشاء وقتما أشاء، أم سيتحول إلى جهاز مقدس، على نمط قناة "اقرأ"؟! وقوانين بناء وترميم الكنائس الحالي، والذي نتمتع بسماحته الآن، والذي يقتضي الحصول على موافقة من المحافظ على الأقل لترميم دورة مياه، هل سيظل على تسامحه الهائل هذا، أم سيمنع قطعياً الترميم والبناء، حتى تختفي مع الزمن تلك الأبنية غير المرغوب فيها، باستخدام أكثر التعبيرات تهذيباً؟! وظائف الدولة المتاح لي الآن - رسمياً وقانونياً على الأقل – أن أتبوأ أعلاها، هل ستظل كذلك، ثمرة يقال لي أن من حقك الحصول عليها – حتى ولو لم يحدث هذا أبداً – أم ستحرَّم علي بموجب القانون؟! العلم الذي يحكم حياة وأمور جميع أمم الأرض، ينظم الاقتصاد والتعليم والسياسة والمجتمع، وتسن على هديه القوانين، تحقيقاً لصالح الإنسان، وتطويراً دائماً لحياته، مواكبة للعالم الذي لا يعرف الثبات، هذا العلم الذي ندعي الآن الأخذ به، هل سيظل مرجعية لأمور حياتنا، أم سيتم تهميشه إلى الدرجة الثانية أو الثالثة، أم سيتم حذفه نهائياً من قاموسنا، والعلماء في كل مجال، هل سيتم الرجوع إليهم، أم سيكونون كديكور يبرر فتاوى الفقهاء، باختصار هل سيتم حرماني من العلم ومنجزاته خضوعاً للفتاوى الفقهية، أم سيكون العلم هو المرجع في كل أمور حياتي؟!! علاقات بلادي الخارجية هل ستحكمها المصلحة أم الانتماء الديني، لتصنف الشعوب والدول كأصدقاء أو أعداء على أساس الانتماء الديني، وليس على أساس تحقيق ما فيه الخير لي ولأولادي وأحفادي؟! التطور العالمي في الفكر، والذي يأتي إلينا على استحياء عبر وسائل الإعلام والترجمة والإنترنت، جدول المعرفة الضحل الذي يتسلل الآن إلى بلادنا وصحراواتنا، هل سيظل على حاله، أم سيتم ردمه وسد جميع المنافذ، التي قد يتسلل منها الفكر الصليبي إلى بلادنا المقدسة؟! هل سيؤخذ بشهادتي في المحاكم، أم أنني سأستبعد لعد الصلاحية والأهلية؟ وإن قتلني مسلم فهل سيحاسب كما لو كنت إنساناً كاملاً أم نصف إنسان أم ربع؟! وإن اعترضت على تقييمي، فهل سيعتبر هذا من حقي، أم سينظر إلي كمن يتطاول أو يعترض على ما لا يجوز له الاعتراض عليه؟!! في المجال السياسي، هل سيكون من حقي الانضمام لأحزاب المعارضة، وهل سيسمح لي زملائي بالحزب أن أرفع صوتي معارضاً، أم سيؤثرون صمتي حتى لا يتهموا بممالأة النصارى، ويكتفون بضمي لصفوفهم كمجرد ديكور يؤكد سماحتهم وسماحة النظام؟! هل سيظل عيد الميلاد المجيد، ومعه عيد شم النسيم، عيداً قومياً لكل المصريين، أم ستلغى كل ممارسات الشرك هذه؟! وهل سيظل إذاعة قداسي عيد الميلاد وعيد القيامة بالتليفزيون، أم سيتم إصلاح كل هذه المفاسد؟! أسئلة كثيرة لا أحب الاسترسال في عرضها، ولا أظنها تؤرق الأقباط وحدهم، إنما تؤرق كل الأحرار والذين يحترمون الإنسان والإنسانية، وأولهم زملائي وإخواني وأهلي المفكرين المسلمين الأحرار، وهم أضعاف أضعاف من يجرؤ من الأقباط على الحديث! ملحوظة أخيرة أحب أن أسوقها، هي أنه من السهل على دعاة الاستنارة الإخوانية المزعومة، الإجابة على تساؤلاتي إجابة طمأنة وتخدير، لكن ما يعنيني حقاً هو البرهنة على أن خطاب الإخوان يتضمن في مرجعياته ما يجرد التصور المضاد من شرعيته، أي يتضمن من النصوص المجمع عليها ما يجرم كل من يقول بمفاهيم تقلب التطمينات المعسولة رأساً على عقب، لأجد نفسي يوماً ما كالفأر في المصيدة!!!
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوان والحنان الليبرالي اليائس
-
خطوة تكتيكية إلى الخلف
-
رائحة سرور تلك - كتابة عبر النوعية
-
هكذا تكلمت إيزيس
-
عصفور الشرق المغرد في لندن - صنديد العروبة الذي لا يخجل
-
معضلة المرض العقلي
-
السباحة في بحر الظلمات إهداء إلى د. سيد القمني.
-
د. سيد القمني لا تحزن من سفالتهم
-
العظيم سيد القمني والبيان القنبلة
-
الليبرالية الإنسانية-دعوة إلى صرخة في واد
-
ألف باء ليبرالية
-
د. شاكر النابلسي عفواً
-
الإخوان المسلمون والإخوان الحالمون
-
الليبراليون الجدد في مواجهة خلط الأوراق
-
العلمانية ومفهوم الوطنية
-
الخصوصية والذاتية وجذور الليبرالية
-
رسالة مفتوحة إلى د. أحمد صبحي منصور
-
العلمانية ومفهوم الهوية
-
العلمانية وجذور الصراع مع الغرب
-
شعوب الشرق وخيار شمهورش
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|