|
من الولايات المتحدة الأمريكية : تحليل لأوهام الديمقراطية
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 4580 - 2014 / 9 / 20 - 23:49
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
من الولايات المتحدة الأمريكية : تحليل لأوهام الديمقراطية كلمة للمترجم : العنوان الأصلي لهذا الفصل من كتاب بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية هو طبعا " أوهام الديمقراطية " بيد أنّنا أردنا بتغيير العنوان جلب الإنتباه عربيّا إلى انّ الداعين للديمقراطية " الخالصة " أي فى الواقع إلى الديمقراطية البرجوازية و المروّجين لها يبثّون الأوهام و أنّ أكبر مثال لهذه الديمقراطية البرجوازية ، البلد القائد " للعالم الحرّ " و بالفعل أقوى بلد رأسمالي – إمبريالي فى عالم اليوم ، لا يعدو أن يمارس ديمقراطية برجوازية إمبريالية تخدم خداع الجماهير و تأبيد النظام الراسمالي – الإمبريالي القائم فما بالك ب " الديمقراطية " فى المستعمرات و أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة ! و قد على أساس التحليل الذى أنجزه فى كتابه ( " الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " الذى لم يكن قط موقع خلاف بين الماويين عبر العالم ) لخّص بوب أفاكيان ذلك قائلا إنّ : " جوهر ما يوجد فى الولايات المتحدة ليس ديمقراطية و إنّما رأسمالية - إمبريالية و هياكل سياسية تعزّز الرأسمالية - الإمبريالية . و ما تنشره الولايات المتحدة عبر العالم ليس الديمقراطية و إنّما الإمبريالية و الهياكل السياسية لتعزيز تلك الإمبريالية . " ( " الثورة " عدد 43 ، 16 أفريل 2006 .) ------------------------------------------------------------------------------------------------- أوهام الديمقراطية الفصل الثالث من كتاب بوب أفاكيان " الديمقراطية: أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك؟ " ( بانر براس ، شيكاغو 1986) محتويات الكتاب : ( الذى يقع فى 277 صفحة ) 1- الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك؟ 2- جذور الديمقراطية المعاصرة و ظهورها . 3- أوهام الديمقراطية .( من الصفحة 65 إلى الصفحة 93) 4- الولايات المتحدة الأمريكية كمثال ديمقراطي ...قائدة المجموعة . 5- الإمبريالية و الديمقراطية و الدكتاتورية . 6- الإشتراكية البرجوازية و الديمقراطية البرجوازية . 7- الديمقراطية و الثورة الشيوعية . 8- مستقبل الإنسانية و المكانة التاريخية للديمقراطية . =============================================== أوهام الديمقراطية الديمقراطية والدكتاتورية : من الأفكار الشائعة فى بلدان مثل الولايات المتحدة أنّ الديمقراطية و الدكتاتورية متناقضتان تماما : حيث توجد ديمقراطية لا توجد دكتاتورية و حيث توجد دكتاتورية لا توجد ديمقراطية طبعا. لكن فى الواقع الديمقراطية هي شكل للدكتاتورية . فى كافة الدول التى تكون فيها الديمقراطية هي شكل الحكم السياسى، لا تمارس الديمقراطية حقّا إلاّ فى صفوف الطبقة الحاكمة ، بينما تمارس الدكتاتورية على الطبقة ( أو الطبقات) المضطهَدة . و فى البلدان التى تسمّى نفسها فى يومنا هذا " بلدانا ديمقراطية " ، هناك دكتاتورية البرجوازية على البروليتاريا ( و طبقات وشرائح مضطهَدة أخرى ). لقد عرض لينين المفهوم الشامل و المقتضب لمعنى الطبقات فقال : " إنّ كلمة طبقات تطلق على جماعات واسعة من الناس ، تمتاز بالمكان الذى تشغله فى نظام للإنتاج الإجتماعي محدّد تاريخيّا ، بعلاقتها ( التى يحددها و يكرسها القانون فى معظم الأحيان ) بوسائل الإنتاج ، بدروها فى التنظيم الإجتماعي للعمل ، وبالتالي ، بطرق الحصول على الثروات الإجتماعية و بمقدار حصتها من هذه الثروات ." (1) و إنقسام المجتمع إلى طبقات ليس مظهرا عالميّا و حتميّا للمجتمع الإنساني و تفحّص الأشكال السابقة للمجتمع يكشف نّها غير متميّزة بلإنقسام إلى طبقات كما حدّدها لينين فلا وجود لوضع حيث " جماعات من الناس ، تستطيع إحداها أن تستملك عمل جماعة أخرى بسبب الفرق فى المكان الذى تشغله فى نمط معيّن من الإقتصاد الإجتماعي ." (2) لكنّ مع تطوّر الإقتصاد الإجتماعي ، تطوّر أكثر التقسيم الإجتماعي للعمل إلى درجة أنّه عندما أمكن مراكمة فوائض ( أزيد من ما هو ضروري لمجرّد البقاء على قيد الحياة ) من قبل أشخاص أو مجموعات متباينة صلب المجتمع ، عندها ظهر التقسيم العدائي إلى طبقات . و بالتشديد على أنّ التناقض العدائي الطبقي و الإختلافات الطبقية عموما " ستزول الطبقات بالضرورة كما نشأت فى الماضي بالضرورة " لأنّنا " نقترب الآن بخطوات سريعة من درجة فى تطور الإنتاج لا يكفّ عندها وجود وجود هذه الطبقات عن أن يكون ضرورة و حسب ، بل و يصبح عائقا مباشرا للإنتاج " ، أكّد إنجلز كذلك على أنّه حيثما و طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، سيوجد بالضرورة جهاز دولة : " هكذا فالدولة لم توجد منذ الأزل . فقد وجدت مجتمعات كانت فى غنى عن الدولة و لم يكن لديها أية فكرة عن الدولة و سلطة الدولة . و عندما بلغ التطوّر الإقتصادي درجة معينة إقترنت بالضرورة بإنقسام المجتمع إلى طبقات ، غدت الدولة بحكم هذا الإنقسام أمرا ضروريّا ." (3) و الدولة هنا تعنى شيئا معيّنا بدقّة – ليست تضاهي الحكومة بالمعنى الأكثر عمومية . الدولة حيثما توجد و مهما كان شكل الحكم ، هي " من حيث جوهر الأمر ، آلة لقمع الطبقة المستثمَرة ، المظلومة ." (4) و دكتاتورية البروليتاريا كنوع خاص من الدول تمثّل الحكم السياسي للطبقة المستغَلّة سابقا ضد البرجوازية المطاح بها والمستغِلين الآخرين، نوع دولة مرغوب فيه وهذه المسألة سيتمّ نقاشها بأكثر شمولية فى الفصل 7) . و المكوّنات الأساسية لهذه الآلة ليست السلط التشريعية و وسائط أخرى مشابهة للنقاش العام و إتخاذ القرار شكليّا - هذه السلطة يمكن الإستغناء عنها عند الضرورة ، مثلما حدث ذلك عادة – و إنّما هي السلطة النفيذية و البيروقراطية والمحاكم ، و بصورة خاصة القوات المسلّحة . و هذه القوات المسلّحة هي التغبير المركّز عن سلطة طبقة على أخرى : إنّها تمثّل إحتكارا للقوّة من قبل الطبقة الحاكمة ، و هدفها هو أنتضمنبالقوّة مصالح هذه الطبقة ( فى كلّ من داحل البلاد و خاصّة فى عصر الإمبريالية هذا ، فى أي مكان آخر من العالم تكون فيه هذه المصالح موضع نزاع ). كلّ هذه الأشياء – القوات المسلّحة و المحاكم و القوانين و السلطة التنفيذية و البيروقراطية ( و السلطة التشريعية و ما إلى ذلك أينما وجدت ) ، و المؤسسات السياسية بصورة عامة – تنتمى إلى البنية الفوقية التى فى كلّ المجتمعات تنهض على القاعدة الإقتصادية و تعزّزها . كتب ماركس : " إن الناس أثناء الإنتاج الإجتماعي لمعيشتهم ، يقيمون فيما بينهم علاقات معيّنة ضرورية مستقلّة عن إرادتهم . و تطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معيّنة من تطوّر قواهم المنتجة المادية . و مجموع علاقات الإنتاج هذه يؤلّف البناء الإقتصادي للمجتمع ، أي الأساس الواقعي الذى يقوم عليه بناء فوقي حقوقي و سياسي و تطابقه كذلك أشكال معينة من الوعي الإجتماعي ." (5) فى مجتمع قاعدته هي علاقات الإنتاج الرأسمالية و تناقضه الطبقي الأساسي بين البرجوازية – المستغِلين الرأسماليين – و الطبقة المستغَلة من العمّال الذين لا يملكون شيئا ( البروليتاريا ) ، البنية الفوقية القانونية و السياسية ( و الأشكال المهيمنة من الوعي الإجتماعي ) تخدم الحفاظ على حكم البرجوازية ضد البروليتاريا و للحفاظ على علاقات الإستغلال و صيانتها . و هذه الحقيقة و الأساس الذى تستند إليه ، كما أوضحها ماركس ، ذات أهمّية جوهرية و لها تبعات ذات دلالة كبيرة على الصراع الطبقي بين المستغِلين و المستغَلين – بشأن كافة مسألة كيفية رؤية المجتمع و إمكانية تغيره جذريّا – و ليس من المفاجئ أن ينكرها و يشوّهها المدافعون عن النظام القائم و مدّاحوه .(6 ) سيقول الكثيرون : كيف يمكن لنظام سياسي فى بلد ديمقراطي كالولايات المتحدة أن " يخدم الحفاظ على حكم البرجوازية ضد البروليتاريا " فى حين أنّ لكلّ شخص حقّ إختيار القادة السياسيين بالمشاركة فى الإنتخابات ؟ و الإجابة على هذا هي أنّ الإنتخابات فى مثل هذا المجتمع و " السيرورة الديمقراطية " ككلّ خدعة – و أكثر من خدعة – للتضليل و بالفعل هي وسيلة عبرها يتمّ تحقيق الهيمنة على المستغَلّين و المضطهَدين من قبل المستغِلين و المضطهِدين أي من قبل الطبقة الحاكمة . لصياغة ذلك فى جملة واحدة ، الإنتخابات تتحكّمبها البرجوازية و ليست وسيلة من خلالها تتخذ القرارات الأساسية فى أي من الأحوال ، و هدفها الحقيقي الأولي هو صبغ الشرعية على نظام الطبقة الحاكمة و سياساتها و أعمالها و إعطائها غطاء " التفويض الشعبي" و توجيه النشاط السياسي للجماهير الشعبية و تحديده و التحكّم فيه. وفى علاقة بكلّ هذا ، الإنتخابات الرئاسية الأخيرة فى الولايات المتحدة معبّرة بدرجة كبيرة . فقد حصل إتفاق بديهيّا صلب الطبقة الحاكمة ، قبل الإنتخابات بمدّة ، على أنّ ريغن هو رجل المرحلة ، و قد وقع بثّ هذا و التطبيل له عبر وسائل الإعلام . و مجدّدا هناك محاولة إلباسه لبوس الإرادة الشعبية ( يقال للناس ما عليهم أن يفكّروا فيه بأ يقال لهم ما هم يفكّرون فيه بعدُ ) . و هناك تكرار لا يتوقّف لفكرة أنّ ريغن " لا يمكن إلحاق الهزيمة به " . و كلّ هذا قد أرسي غالبا " تفويضا " لما يجسّده ريغن . و فى كافة الأحوال و حتى وإن كسب ماندال بطريقة ما الإنتخابات ، فإنّ هذا لم يكن ليختلف أدنى إختلاف فى ما يتصل بأية قضايا حقيقية – و فوق كلّ شيء فى ما يتصل بالمسألة الحيوية للإعداد للحرب ضد الكتلة السوفياتية المنافسة . (7) و على المستوى الأكثر بداهة ، ليكون المرء مرشّحا جدّيا لأيّة وظيفة سامية فى بلد مثل الولايات المتحدة يحتاج إلى ملايين الدولارات – ثروة خاصّة أو غالبا مساندة أناس لهم هذا القدر من المال. و إضافة إلى ذلك ليصبح المرء معروفا و يأخذ على محمل الجدّ يرتهن بعرض مستحسن فى وسائل الإعلامالمستحسنة على الأقلّ بمعنى أن يعرض ضمن إطار السياسات المسؤولة – المقبولة - ) . و وسائل الإعلام هذه تسمّى كذلك لأنّها تبلغ الصوت لجماهير الشعب وتأثّر فيها يوميّا وبإستمرار . لكنّها بالتأكيد ليست تحت تصرّف الجماهير و لا هي تعكس مصالحها الجوهرية أوتخدمها . إنّها هي نفسها أعمدة مفاتيحا فى هيكلة السلطة ، مملوكة من طرف المصاللح المالية الكبرى ( عندما لا تكون مملوكة من طرف الدولة ) وهي فى كلّ الأحوال تخضع إلى قوانين الدولة . و فى الوقت الذى يعبّر فيه الناس عن إرادتهم عبر التصويت " فإنّ كلا المرشحين اللذين عليهم الإختيار بينهما و " المسائل " التى تستحقّ " عناية جدّية " قد وقع إختيارها من قبل شخص آخر : الطبقة الحاكمة . و من المستغرب قليلا أن ينووا إنتظار النتائج ! و زيادة على ذلك ، و حتى أكثر جوهرية ، لل" مضيّ إلى أي مكان " عندما يقع إنتخابك – كلّ من لتقدّم فىالمسيرة العملية للفرد و " لإنجاز أي شيء " – من الضروري أن تتماشى مع القالب المصنوع و أن تعمل ضمن الهياكل المركّزة . و يعزى هذا جزئيّا إلى أنّ الذين يتخندقون بعدُ فى مواقع السلطة و التأثير هم بالتالي فى موقع جعل الآخرين يمتثلون و يعملون عبر القنوات المقبولة ، لكن و أكثر جوهرية ، يعزى ذلك مرّة أخرى إلى أنّ النظام السياسي يجب أن يخدم النظام الإقتصادي الأساسي . و هذا ليس مجرّد تجريد نظري له معنى ملموس : فى الواقع ستتسبّب السياسات و الأعمال التى تمضى ضد ذلك النظام الإقتصادي أو تقوّضه ، ستتسبّب فى تصدّع و فوضى عارمة و إنهيارات فى سير الأشياء المنظّم نوعا ما – و إن لم تكن مستعدّا لرؤية النظام برمّته مطاح به ، مع كلّ ما يعنيه ذلك ، فإنّه ليس بوسعك إلاّ أن تنظر إلى مثل هذا التصدّع و الفوضى و الإنهيار كشيء ينبغى تجنّبه أو إبقائه فى الحدّ الأدنى حيث لا يمكن تجنّبه. لكن إن كنت مستعدّا لرؤية – و تعمل من أجل – الإطاحة بالنظام القائم ، و إن كنت تصرّح بهذا علنا ، لن يسمح لك أبذا بأن تحتلّ أي موقع حقيقي للسلطة أو من جهة أخرى إن كان لديك هذا الأفق لكنّك تخفيه و تسعى " لبلوغ جهاز السلطة و العمل من الداخل " ، سيقع إبتلاعك – أو يمضغك الجهاز و يرميك بعيدا . و هناك تجارب تاريخية وفيرة لتبيان هذا - و ما من تجربة تكذّبه . و مع ذلك إن كانت السيرورة الإنتخابية فى المجتمع البرجوازي لا تمثّل ممارسة سيادة الشعب ، فإنّها عموما تلعب دورا هاما فى الحفاظ على سيادة – دكتاتورية – البرجوازية و تواصل المجتمع الرأسمالي. و هذه السيرورة الإنتخابية عينها تنزع إلى حجب العلاقات الطبقية الأساسية - و التناقضات الطبقية العدائية – فى المجتمع و تخدم إعطاء تعبير شكلي مؤسساتي للمشاركة السياسية للأفراد المتذرّرين فى تأبيد الوضع السائد . و هذه السيرورة لا تقلّص الناس إلى أفراد منعزلين و حسب بل فى نفس الوقت تجعلهم فى موقع سلبي سياسيّا و تحدّد جوهر السياسة كسلبية متذرّرة – ككلّ شخص ، فرديّا ، فى عزلة عن كلّ شخص آخر ، يعطى / تعطى موافقته على هذا الخيار أو ذاك ، و كلّ هذه الخيارات قد صاغها و قدّمها جهاز سياسي قائم فوق هذه الجماهير المتذرّرة من " المواطنين ". لا يقال هذا نادرا كنقطة للترويج فى السيرورة الإنتخابية ( و الولايات المتحدة بصفة خاصة ) أنّه ، بصرف النظر عن أي شيء آخر – و بصفة خاصة ،بصرف النظر عن الإختلافات الهائلة المقرّ بها فى الثروة و السلطة السياسية و المركز الإجتماعي – فإنّ صندوق الإقتراع هو مُسَوٍّ كبير ... بحيث عندما تقفز إلى حلبة التصويت فإنّ تصويت عامل ذى أجر عادي و تصويت روكفيلير متساويين. و جوهريّا ، هذا صحيح – لا صوت من هذه الأصوات يحسب بأي معنى ؛ روكفيلير ( أو طبقة روكفيلير ) لا تحتاج إلى التصويت لتمارس سلطتها السياسية ،و العمّال ذوى الأجور العادية لن يمارسوا أبدا السلطة السياسية فى ظلّ هذا النظام مهما كان عدد الأصوات التى يدلون بها أو من أجل ماذا يدلون بها . لم توجد أبدا و لن توجد " ثورة من خلال صندوق الإقتراع " ، ليس فقط لأنّ السلطة القائمة ستقمع بالقوّة أية محاولة من هذا القبيل ، لكن أيضا – و هذا يقبض على وظيفة هامة جدّا للإنتخابات فى المجتمع البرجوازي – لأنّ القبول ذاته بالسيرورة الإنتخابية كلبّ العمل السياسي يعزّز القبول بالنظام المركّز ويعمل ضد أيّة قطيعة جذرية مع ذلك النظام، حتى لا نقول أي شيء عن الإطاحة الفعلية به . خلاصة القول ، عندئذ ، السيرورة الإنتخابية و مفهوم أنّ هذه السيرورة تمثّل التعبير عن الإرادة الشعبية لا يخدمان إرساء السياسات التى تحكم المجتمع و تأثّر فيها جوهريّا و إنّما يعزّزان السلاسل التى تربط الجماهير إلى المصالح السياسية – و القاعدة الإقتصادية – للطبقة الحاكمة و المهيمنة و إملاءاتها . و كذلك ليست حرّية التعبير التى يكال لها المديح فى " البلدان الديمقراطية " فى تعارض مع الممارسة الفعلية لدكتاتورية هذه البرجوازية بل هي تنسجممعها و تتحدّد بها . و مردّ هذا سببان إثنان : أنّ للطبقة الحاكمة إحتكار لوسائل صياغة الرأي العام و أنّ إحتكارها للقوّات المسلّحة يضعها فى موقع يسنح لها أن تقمع بدرجة العنف الضرورية أي تعبير عن الأفكار و أيضا أي عمل يطرح تحدّيا جدّيا للنظام القائم. ما كتبه ماركس و إنجلز فى بيان الحزب الشيوعي صحيح أكثر من أي وقت مضى فى ظروف اليوم : " الأفكار و اللآراء السائدة فى عهد من العهود لم تكن سوى أفكار الطبقة السائدة و آرائها ". (8) تحكّم رأس المال المالي فى وسائل الإعلام قد وقعت الإشارة إليه قبلا : و هذا بديهي للغاية إلى درجة أن أي إنسان نزيه ينظر فيه سيذهله فورا هذا الواقع . و ما هو أكثر أهمّية – وهو موارى أكثر – مع ذلك ، هو أنّ وسائل الإعلام تمثل أداة بيد الطبقة العاملة عامة فى فرض وجهة نظرها و تشويه أو الغاء وجهات النظر المعارضة لها إلغاءا تاما – فى صياغة أفكار الناس و ممارسة دكتاتوريتها فى مجال الأفكار كجزء من دكتاتوريتها الشاملة . (9) و من المذهل أيضا المدى الذى تطاله الدكتاتورية الإيديولوجية البرجوازية فإحصاء بلحاسوب ل 2425 علامة رسمية بمناسبة عيد الفصح فى 1984 يبيّن بالضبط ثلاث دلالات لكلمة السلام . و موضوع السلام ليس له ذات التأثير هذه السنة مثلما كان له ذلك فى ستّينات القرن العشرين و سبعيناته " شرح ناطق بإسم العلامات الرسمية . ( " عيد الفصح قوّة مضادة " " العامل الثوري " عدد 286 ، 21 ديسمبر 1984 ، ص 4 ) . و نرى هنا كذلك المكيدة الكلاسيكية لتلقين الطبقة الحاكمة وصياغة الرأي العام كمجرّد إنعكاس ل" الإرادة الشعبية ". لكن يظلّ واقعا أنّ أي موضوع له دلالة واقعية ( و بالمناسبة عالبية تلك التى ليست لها دلالة هامة ) رجال (و بعض نساء ) وسائل الإعلام يُقدّمون وجهة النظر ذاتها - و إلى درجة كبيرة يبدو أنّهم يقرؤون من ذات النصّ المعدّ سلفا . و فيما يختلفون – مع بعضهم البعض ، أو مع سياسة حكومة معيّنة فى أي زمن معطى – هذا أيضا يحصل من وجهة نظر المصالح العامة للطبقة الحاكمة و النظام القائم ككلّ . جزئيّا يحدث هذا "عفويّا " نوعا ما ن أي يمكن لهؤلاء الناس – لا سيما الذين تسلّقوا سُلّم أي مكانة ذات التأثير الحقيقي – أن يعدّوا غالبا على أنّهم يعلمون ما هي المصالح الأساسية للطبقة حاكمة و كيفية تقديمها بأقصى فعالية ممكنة . لكن فى أية مناسبة يوضع فيها النظام و حكّامه فى إمتحان عسير أو يجدون مصالحهم مهدّدة ،هناك " وحدة جماعية " مميّزة حول خطّ رسمي يكرّر كالمعزوفة – وهو عادة أمر أكثر مخاتلة لأنّه يجرى دون الإعتراف بأنّه خطّ رسمي – و عموما حتى بإنكار وجود مثل هذا الخطّ الرسمي . و بضعة أمثلة ستساعد على جعل هذا أوضح حتى . عندما أسقط الإتحاد السوفياتي طائرة كوريا الجنوبية ، كال 007 – و لو ظلّ أحد بعدُ يشكّ فى أنّ تلك كانت بالفعل طائرة فى مهمّة تجسّس أرسلتها الولايات المتحدة ، فمأتاه قوّة دعاية وسائل الإعلام !- صرخت وسائل الإعلام فى الولايات المتحدة ( و عموما عبر الكتلة الغربية ) فى جوقة متحدّثة عن فظائع الدولة السوفياتية مكرّرة النرّة تلو المرّة نفس الرسالة الباعثة على السخرية . أين كان ، لا سيما فى الأيّام الحاسمة بالضبط زمن هذا الحدث ، المنافقون الشديدي المراس من المراسلين السياسيين و مثبّتي الأنباء الليلية الذين كانوا يشيرون للثغرات فى رواية الأحداث لدي الولايت المتحدة – كوريا – اليابان ، ليطرحين " أسئلة صعبة " كانت على الأقلأّ سترفع الشبح عن الحقيقة – عن الإثارة المتعمّدة من قبل الولايات المتحدة ؟ على ما يبدو كانوا فى ذات المكان هم و كافة أعضاء الكنغرس ، بمنفيهم " نقاد " إدارة ريغن الذين قاموا بالشيء ذاته . فى لا مكان . لم يظهر منهم أحد . جميعا بتفاني ( و فى غالبية الأحيان بحماس ) كانوا يعزفون الخطّ الرسمي . و بعد ذلك بقليل ،حين صار من غير الممكن مواصلة التغطية على الدلائل المؤكّدة للإثارة المتعمّدة – التى كانت و الحقّ يقال ، تنطوى على خطر إشعال فتيل حرب عالمية ، مع كلّ ما يعنيه ذلك – لم توجد شبكة واحدة ، جريدة كبرى واحدة إلخ فى الولايات المتحدة ، حتى مع تسجيل بعض "عدم الإنسجام " ، قامت بأي شيء عدا مواصلة تصوير الإتحاد السوفياتي على أنّه المذنب الوحيد و الإشارة إلى أن هذا الحدث دليل آخر على الطبيعة الوحشية للدولة السوفياتية . أو لننظر فى النزاع الحديث الذى كان يبدو خلاله أنّ البعض فى وسائل الإعلام مستائينحقّا : الموضوع الذى ظهر على السطح مع بعض الأعمال النارية عن غزو الولايات المتحدة لغرانادا ، موضوع إن كان سيسمح أم لا لعاملين بوسائل الإعلام أن يرافقوا القوات المسلّحة الأمريكية فى المراحل الأولى التى هي ربّما الحيوية فى العملية . ما كانت حدود هذا النقاش طوال وقوعه ؟ كانت ما إذا كان حضور مثل وسائل الإعلام هذه سيساعد فى هكذا عمليّات ( حتى و إن كان هذا فى بعض مظاهره الثانوية ، سيعنى إثارة أسئلة معيّنة أو نقد بشأنها ) و إلى أيّة درجة يجب على الحكومة أن تحدّد مباشرة ( و تفرض ) قواعد سلوك وسائل الإعلام فى هذه الأوضاع ، من جهة و من جهة أخرى ، إلى أية درجة يمكن التعويل على وسائل الإعلام ل " تحترس " فى هذا المضمار . و الذين حاججوا بإهتياج ضد التحديد الجدّي أو حتى إلغاء مشاركة وسائل الإعلام هذه أشاروا بفخر – و بدقّة – إلى التاريخ المديد لإتخراط وسائل الإعلام فى مثل هذه الأوضاع . و بالفعل قد لعبت وسائل الإعلام دورا حاسما فى المساعدة على كسب مساندة الرأي العام لهذه العمليّات . أين فى كلّ هذا – حتى فى " الإستياء " أو القضايا و النقد المثارين – توجد أية وجهة نظر مختلفة عن ( حتى لا نتحدّث عن أية وجهة نظر معارضة جوهريّا ) وجهة نظر الطبقة الحاكمة الإمبريالية ؟ أو لنتذكّر " أزمة رهائن إيران " قبل سنوات خمس من الآن ( فى ظلّ إدارة ديمقراطية ، لي‘لم ذلك ) . لم يوجد خطّ واضح جدّا و حسب نازلا من المستويات العليا للحكومة ( حتى ممثلين مثل جونى كارسون تكلّموا ليس ليقدّموا حكايات مضحكة عن الوضع فى إيران ) ، لكن وسائل الإعلام ككلّ بيّنت بأسها فى الحفاظ على ممارسة صريحة لقلب الواقع رأسا على عقب مصوّرة الشعب الإيراني الذى عانى لعقود من القمع الوحشي للشاه الذلى ركّزته فى السلطة و أبقته فيها الولايات المتحدة ، كمقترف لجريمة نكراء ضد أمريكا البريئة . المرّة تلو المرّة ، سمعنا المتحدّثن فى وسائل الإعلام يصرّحون مباشرة أنّهم سيدافعون عن " وجهة النظر الأمريكية و ليس عن وجهة النظر الإيرانية "- بكلمات أخرى ، أنّهم هنا ليمثّلوا الإمبريالية الأمريكية و ليس معارضيها . فى كلّ " إختطاف رهائن " أو " أحداث إرهابية " مشابهة ضد مصالح الإمبريالية الأمريكية ، تقدّم وسائل الإعلام الأمريكية بصراحة الوضع كما لو أنّ " أمريكا ذاتها ""وقعت رهينة " ، كما لو أنّ مصالح كلّ شخص فى الولايات المتحدة هي نفسها مصالح الطبقة الحاكمة ؛ وسائل الإعلام هذه لا تقدّم أبدا المشكل منزاوية أخرى عدا هذه : كيف " سنعالج " " الإرهاب العالمي " ، هل " أنّنا " نقوم بما يكفى لإلغاء هذه البلوى أم على الأقّل للردّ عليها بقوّة ؟ لا تستعمل نسبة " الإرهاب " أبدا دون تصنيف لوصف أي شخص يخدم مصالح الإمبريالية الأمريكية – هذا مخصّص للذين يعارضونها . ولا تعالج وسائل الإعلام الأمريكية المسألة أبدا حتى على أنّها مشروعة : هل يحقّ للحكومة الأمريكية أن تدين " الإرهاب " و سجلّها يزخر تماما بالقتل الجماعي و التدمير دون موجب عبر العالم ؟ حتى إقتراح أنّه يمكن أن تقدّم هذه المسألة بجدّية فى وسائل الإعلام الأمريكية يستدعى الضحك و السخرية . ترون أنّ الصحافة الحرّة ، حرّة فقط فى الترويج لمصالح الطبقة الحاكمة الإمبريالية التى تسيطر عليها . ولنضرب مثالا آخر : خلال " فضيحة الواترغايت " قبل عقد من الآن ، أين كان المعلّق البارز و صحافي الأنباء أو الكاتب الصحفي الذى عوض أن يكرّر كالببغاء خطّ أنّ كافة هذه المسألة تبيّن قوّة الديمقراطية و قدرة النظام على " معالجة نفسه " ، كان يجب أن يشير إلى القتل الجماعي و الدمار الشامل فى الفتنام – و كذلك فظائع مشابهة فى أجزاء أخرى من العالم و القمع الإجرامي داخل الولايات المتحدة نفسها – على أنّها جرائم حقيقية و كبيرة لرتشارد نكسون ...و حتى أكثر للأمبرياليين الأمريكان الذين تصرّف نيكسون كقيادة تنفيذية و قائد أعلى لهم ؟ هذا بداهة سؤال إجابته واضحة بحدّ ذاتها . و مثلما أشار إلى ذلك نعوم تشومسكي ، ليس فقط أثناء المراحل الأولى من حرب الفتنام – حينما كانت وسائل الإعلام فى تناغم تام مع دورها كهاتفة مشجّعة للعدوان الأمريكي – لكن أيضا لاحقا ، لمّا صار واضحا أنّ الولايات المتحدة تتجه نحو الهزيمة و حتى بعد حصول الهزيمة ، لم يوجد أشخاص من وسائل الإعلام الهامة خرجوا و صوّروا الحرب كشيء آخر غير خطر مأساوي ، إن لم يكن عملا نبيلا قامت به الولايات المتحدة و أدانوا العمليّات الأمريكية هناك على أنّها إجرامية و قالوا ما كانت الولايات المتحدة تقاتل من أجله فى الفتنام و المصالح التى أرادت الدفاع عنها ، لم تكن جديرة بالقتال من أجلها – و فى الواقع ينبغى القتال ضدّها و إلحاق الهزيمة بها . (10) و بطبيعة الحال لا أحد من وسائل الإعلام أثار مسألة : هل تقول لنا هذه الحرب شيئا جوهريّا عن مجمل طبيعة النظام فى الولايات المتحدة ؟ إنّ التحكّم فى وسائل الإعلام وإستعمالها منقبل الطبقة الحاكمة المنعكسين فى هذه الأمثلة ( و غيرها كثير لا يحصى ) مظهر هام من الدكتاتورية الشاملة التى تمارسها البرجوازية فى كافة مجالات البنية الفوقية للمجتمع الرأسمالي . و المجال الثقافي والنظام التعليمي ( و هياكل الكنيسة ) و كافة هذه المجالات الإيديولوجية تهيمن عليها هذه الطبقة الحاكمة ووجهة نظرها . و عبرها يتمّ تكييف الناس على رؤية العالم بنظرة الطبقة الحاكمة و فى نفس الوقت يتمّ إعدادهم و تكييفهم ليجدوا مكانهم و يقبلوا بمصيرهم ضمن حدود النظام و وفق مصالح و متطلّبات الطبقة الحاكمة . فى مجال الأفكار ، بالضبط مثلما هو الحال فى المجال السياسي و فى العلاقات الإجتماعية الأساسية ،لا وجود لحرّية و مساواة لكلّ الأفراد – هناك هيمنة طبقيّة . مثلما رأينا ، المساواة أمام القانون هي من ركائز المفهوم البرجوازي للديمقراطية . و القانون يقدّم كقوّة محايدة ، يطال كلّ فرد بصفة متساوية ، بصرف النظر عن موقعه فى المجتمع ، و فوق ذلك كمنبع فى النهاية لإرادة الناس لأنّه مشرّع من طرف ممثّليهم المنتخبين . و فضلا عن ما قد بيّنته بصدد الإنتخابات – ما يدحض بوضوح مفهوم أنّ القوانين يشرّعها ممثلو كافة الشعب و يشير إلى أنّها عوض ذلك مشرّعة من قبل ممثلين للطبقة الحاكمة – الواقع هو أنّه فى كافة الأحوال القواينين يجب أن تعكس و تخدم العلاقات الإقتصادية الأساسية و مصالح الطبقة المهيمنة فى هذه العلاقات . و إلاّ إن كانت القوانين تتضارب مع علاقات الملكية الأساسية ، فإنّ القاعدة الإقتصادية للمجتمع ستكون متصدّعة تماما و لن يستطيع المجتمع السير . مثلا ، لنتصوّر إذا تواصل إنتاج الحاجيات الأساسية للحياة كما هو الحال الآن فى المجتمع الرأسمالي – غالبا من خلال سيرورة يتبادل خلالها العمّال قوّة عملهم بأجور ويُستخدمون فى معامل يملكها الرأسماليّون الذين يتملكون تاليا البضائع المصنوعة ويبيعونها بسعر نقدي- لكن فى نفس الوقت تنصّ القواينين على أنّه ليس على أحد أن يدفع لمثل هذه الضرورات ، و على أنّه بمقدور كلّ شخص أن يأخذ ببساطة قدر ما يحتاجه منها . و كون مثل هذا الوضع قد يذهل المرء فورا على أنّه عبثي ، على أنّه غير قابل للتطبيق مطلقا ، تعبير عن حقيقة أساسية هي أنّ علاقات الإنتاج الأساسية للمجتمع ( القاعدة الإقتصادية ) يجب و ستحدّد طبيعة البنية الفوقية الإيديولوجية و السياسية ، بما فى ذلك القوانين . وجود وضع فيه الناس سيقدرون عمليّا على الحصول على الأشياء التى يحتاجون إليها دون الإضطرار إلى دفع سعر- نقدي لها يتطلّب نظاما إقتصاديا مختلفا جوهريّا ، مجتمعا مختلفا جوهريّا يتماشى مع مثل هذا التغيير الجوهري فى النظام الإقتصادي – عالم جديد نوعيّا – لا يمكن أن يوجد سوى عبر الثورة البروليتارية العالمية . لكن طالما أنّ علاقات رأس المال تواصل الهيمنة على المجتمع ، فإنّ قوانين ذلك المجتمع ستعكس هذه العلاقات و ستعزّزها . لهذا " فى العالم الحقيقي " للمجتمع الرأسمالي ، من القانوني تماما لشركة أن ترفض إستئجار الناس بسبب عدم إستطاعتها أن توظّفهم بصورة مربحة ، حتى و إت كان ذلك يعنى أن هؤلاء الناس المعطّلين عن العمل ( و ربّما عائلاتهم ) سيواجهون الجوع و فقدان السكن ؛ بينما فى نفس الوقت ، من غير القانوني تماما لهؤلاء الناس أن يحتلّوا جزءا من أملاك الشركة للسكن ، أو أن يأخذوا طعاما و لباسا من مشاريع أخرى دون دفع ثمن مقابلها – حتى و إن كانوا هم وعائلاتهم قد يجوعون و يتجمّدون دونها . لذا من القانوني لشركة مالية أن تسترجع ملكية سيارة لشخص متى لم يوفى بتعهّدات دفوعاته ولو كان يحتاج السيارة للذهاب إلى العمل لكسب رزقه ؛ لماذا من القانوني تماما لشركة خدمات أن تغلق التدفئة على أناس فى شتاء قاتل إن لم يدفعوا فواتيرهم و هكذا . و كلّ هذا واضعين جنبا الطرق التى تأوّل بها فعليّا ما كتبت كقوانين و تطبّق من قبل الشرطة و المحاكم و الذين يمسكون بالسلطة عموما . فى الواقع ، مثلا ، حتى حيث القانون قد يسمح نظريّا لشخص أسود فقير بأن يحمل مسدّسا و حتى أن يتعمله للدفاع عن نفسه ، من المرجّح لأقصى الحدود أن يكون ثمن ذلك حياته لو صادف الشرطة وغالبا ما تقتل الشرطة شخصا أسود و تصرّح بأنّه " قتل مبرّر " بغض النظر عن الظروف الفعلية . و فى الواقع ، تقتل الشرطة فى الولايات المتحدة مئات السود كلّ سنة والغالبية العظمى للضحايا غير مسلّحين ( و إن كان من المؤامرات الشائعة للشرطة أنتضع سلاحا قرب الضحية بعد قتله ، أو أن تدّعي أنّها إعتقدت أنّه يمكن أن يكون لديه سلاح إلخ ) . و ليس مثل هذا القتل القانوني للمضطهَدين مجالا خاصا بالشرطة ففى المدّة الأخيرة ، شاهدنا الدولة تسوّغ و تشجّع " مراقبين " و رجعيين آخرين على أن يطردوا من الشوارع من يعتبرونهم تهديدا للنظام السائد ، سواء كانوا منخرطين فى نشاط سياسي واعي أم ببساطة لكونهم عام "معاندين ". و كذلك قصف مصحّات الإجهاض فى الولايات المتحدة يمكن أن تصرّح الحكومة بأنّه ليس عملا إرهابيّا – و بالفعل مقترفو هذا الصقف لا يقع قمعهم بل يتمّ تشجيعهم من طرف أعلى مستويات الحكم – بينما الناس الذين " يغزون" شركات إنتاج الأسلحة و سفك الدماء و أسلحة الدمار الشامل يقع إيقافهم و ينعتون ب" الإرهابيين ". وفى الأخير ، هناك المجال الأوسع الذى فيه يُشفّر القانون سلطة الدولة لإكراه الناس على أن يكونوا جزءا من قواته المسلّحة ، و على أن يطبّقوا أوامر قتل أناس آخرين فى مكان ما من العالم أو فى " الوطن الأم " ذاته . فى آخرالتحليل ، هذا العنف المقنّن يهدف أيضا إلى حماية و تعزيز علاقات الملكية الأساسية لرأس المال و زيادة المراكمة الرأسمالية – التى ، فى هذا العصر الإمبريالي خاصة ، هي سيرورة عالمية وتدور معركتها على الصعيد العالمي . مجمل القول إذن ، جهاز الدولة – القوات المسلّحة بوجه خاص و كذلك المحاكم و النظام القانوني و البيروقراطي و ما إلى ذلك – بأيدى طبقة هي طبقة مهيمنة فى العلاقات الإقتصادية للمجتمع . و هذه الدولة ليست و ليس بوسعها أن تكون محايدة . و ليست أداة لمصالح خاصة معيّنة أو لأشخاص أقوياء معيّنين ( و لو أنّه طبعا هناك أفراد قادة لأية طبقة فى أي زمن معطى ).بالأحرى ، جهاز الدولة هذا أداة للحكم الطبقي وآلة لإضطهاد الطبقات المستغَلّة و المهيمن عليها إقتصاديّا : إنّه يعزّز دكتاتورية الطبقة الحاكمة ضد الطبقات المستغَلّة و المضطهَدة و ستستعمله الطبقة الحاكمة لقمع أية مقاومة حقيقية لإملاءاتها أي تحدّي جدّي لمصالحها و للنظام المركّز الذى يعكسها و يخدمها ، بصرف النظر عن الأشخاص الذين يحتلّون الوظائف . (11) ومثلما قد لخّص ريموند لوتا ذلك بدقّة : " الدولة جهاز إجتماعي موضوعي تتحدّد طبيعتها ليس بالجذور الطبقية للأشخاص القياديين فيها و إنّما بالتقسيم الإجتماعي الخاص للعمل التى هي إمتداد له و بعلاقات الإنتاج التى يجب عليها فى النهاية أن تخدمها و تعيد إنتاجها ". (12) فى مجتمع قائم على علاقات الإنتاج الإنتاج البرجوازية - بتناقض طبقي جوهري بين البرجوازية و البروليتاريا – من غير الممكن بالنسبة للبنية الفوقية ( بما فى ذلك القوانين و المحاكم و الشرطة و الجيش والبيروقراطية و كافة جهاز الحكم و كذلك الأفكار و القيم و الأخلاق إلخ ) أن لا تدافع عن و تعزّز مثل علاقات الإنتاج هذه وتقسيم العمل الذى يميّزها وهو ضروري لهذا المجتمع حتى و إن كان هذا يعنى إستغلال و إضطهاد جماهير الشعب و العنف الشائع الذى يتطلّبه للدفاع عن مثل هذا النظام و مصالح طبقته الحاكمة و تأبيدهما . وللقضاء على هكذا جنون و دمار ، لتغيير الظروف التى ولّدتهما ، لا بدّ من تغيير صريح لعلاقات الإنتاج و لتقسيم العمل – القاعدة الإقتصادية للمجتمع . و مع ذلك ، لا يمكن القيام بهذا إلاّ عبر ثورة فى البنية الفوقية – النضال لإفتكاك السلطة السياسية من الطبقة الحاكمة بوسائل عسكرية – و حرب البروليتاريا الثورية ، فى تحالف مع الجماهير المضطهَدة الأخرى لهزم القوات المسلّحة للبرجوازية وتحطيم جهازدولتها وتفكيكه وتعويضه بدولة جديدة مختلفة جذريّا ، دكتاتورية البروليتاريا كمرحلة إنتقالية نحو إلغاء الإنقسامات الطبقية و الدولة . (13) لا يمكن أن يوجد شيء إسمه " ثورة سلمية " فالثورة تعنى تغيير القاعدة الإقتصادية و البنية الفوقية للمجتمع و تتطلّب تعويض طبقة حاكمة بأخرى . و لم " تتخلّى " طبقة حاكمة أبدا عن الحكم عن طواعية لتفسح المجال للطبقة الصاعدة بأن تعوّضها . لم يكن هذا صحيحا بالنسبة للمجتمع و تغييره فى العصور السابقة عندما لم تكن الثورة لتعني سوى تعويض طبقة مستغِلّة بطبقة أخرى فقط و إنّما هو أكثر صحّة بالنسبة لثورة هذا العصر ، الثورة البروليتارية التى تهدف إلى إلغاء كلّ علاقات الإستغلال ، كلّ تقسيم العمل الإضطهادي و كلّ المؤسسات السياسية و الأشكال الإيديولوجية التى تعكس إنقسام المجتمع إلى طبقات . و التفكير فى إنجاز مثل هذه الثورة سلميّا – بصورة خاصةّ وهي ضدّ الجهاز الثقيل للعنف و الدمار الذى تتحكّم فيه الدول البرجوازية فى هذا العصر و ضد الطبقات الحاكمة التى بيّنت تصميمها بلا رحمة و مطلقا على البقاء فى السلطة مهما كلّف ذلك من تجاوز وبؤس إنسانيين – هو فى أفضل الأحوال قمّة الحماقة . و الترويج لهكذا مفهوم كبرنامج سياسي و إستعماله فى معارضة ضرورة الثورة البروليتارية العنيفة خداع من النوع الثقيل . (14) و بطبيعة الحال ، لم تحدث أية ثورة فى علاقات الإنتاج الأساسية و فى العلاقات الإجتماعية فى الهند . ليس قبل ذلك بكثير ، فى بهوبال ، تتوفّر لنا مثال درامي – على حساب عذاب فظيع لحق الجماهير فى الهند مرّة أخرى – لتبعات تواصل الهيمنة الإمبريالية على ذلك البلد... و يجب أن نقول أنّ إرث غاندي، الممثّل للتعاون مع الإمبريالية و إستخدام الأشكال السلمية للمعارضة الجماهيرية فقط كرافعة للبحث عن بعض التغييرات فى أشكال الهيمنة الإمبريالية ، أشكال لعلّها أكثر مواتاة للقوى الطبقية البرجوازية فى الهند لكنّها لا توفّر تغييرا أساسيا فى النظام الإجتماعي ، فى العلاقة التبعية للهند إزاء الإمبريالية ، أو فى وضع جماهير الشعب . ( من أجل فضح دقيق و تحليل صريحين لفظائع بهوبال و الأسباب و المصالح التى تقف وراء ذلك ، أنظروا لاري أفراست ، " ما وراء الغيمة المسمومة : مجزرة يونيون كاربد بهوبال" ، بانر براس ، شيكاغو 1985) . إنّ الطريق الذى يمثّله غاندي يتعارض مباشرة مع الطريق الذى خطّه فى نفس الوقت تقريبا ماو تسيى تونغ فى الصين ألا وهو طريق الثورة المناهضة للإمبريالية و الإقطاع مؤدّية إلى التحرير الحقيقي من الإمبريالية ثمّ إلى الإشتراكية . و فى حين أنّ الصين قد تراجعت اليوم إلى وضع يشبه كثيرا وضع الهند حيث صارت علاقات الإستغلال و التبعية للإمبريالية أساس المجتمع ، فإن هذا تحديدا هو نتيجة للإنقلاب على الثورة التى قادها ماو فى الصين ، بينما فى الهند يمثّل الوضع الراهن مواصلة لل" ثورة" التى قادها غاندي . و لا يزال إرث ماو تسى تونغ يمثّل الطريق الثوري للتقدّم فيما إرث غاندي لا يزال يمثّل الإستسلام للإمبريالية و الرجعية . المثل الأعلى كمثل أعلى و المثل الأعلى كواقع : عند هذا الحدّ يمكن أن يعارض أحدهم بأنّه نعم هناك عديد الهنات فى نظام الحكم الديمقراطي و من الصحيح أنّالعديد من الأشياء الفظيعة تقترف بإسم الديمقراطية بيد أنّه ، مع كلّ أخطائها ، لا تزال الديمقراطية أفضل شكل ممكن للحكم و الديمقراطية كفكرة تمثّل الرؤية الأسمى لكيف ينبغى أن يسير المجتمع – شيء ينبغى النضال من أجله حتى و لو أنّه لا يمكن أبدا تحقيقه على أكمل وجه . و فى دحض هذه الحجّة الأساسية فى مكان آخر ، خاصة بمعنى المبادئ المجسّدة فى " إعلان الإستقلال " أشرنا إلى أنّ " الإجابة على سؤال ماذا لو أنّ المبادئ الأساسية لإعلان الإستقلال طُبّقت فعلا ؟ هي أنّها قد طُبّقت فى الولايات المتحدة ذاتها و بشكل عام فى كافة المجتمعات البرجوازية ؛ و قد مرّ وقت طويل على كون ذلك هو أفضل و أرقى ما تستطيع الإنسانية بلوغه " و مضيت قدما لأأكّد على أنّه حتى إن " أخذنا المثل الأعلى البرجوازي المعبّر عنه فى ذلك الإعلان و تفحصنا ما سيعنيه تطبيقه الأتمّ " ، فإنّ النتيجة ستكون بعدُ حتميّا نفس نظام الإستغلال و الإضطهاد الذى يعرفه الآن جيدا كافة الناس حول العالم ، أنه مع التطبيق الأتمّ و الأكمل لمبدأ المساواة المجسّد فى تلك الوثيقة – المثل الأعلى للفرص المتساوية للجميع – " ستكون النتيجة أنّ البعض ، أقلّية ، ستستعمل بطريقة أو أخرى هذه الفرصة ليركّزوا أنفسهم كمستغِلّين للأغلبية ، إستغلالا سيتعيّن عليهم فرضه من خلال إستخدام القوّة المباشرة ( مستأجرينها ) و خداع ( بما فى ذلك طرق فرّق تسد ). لا يمكن أن توجد نتائج أخرى بالضبط إن وضع هذا المبدأ، الفرص المتساوية للجميع ، موضع التطبيق تطبيقا تاما و شاملا . بكلمات أخرى ، لن نحصل إلاّ على مجتمع برجوازي حصلنا عليه بعدُ ، بما فيه لامساواته الإجتماعية إلى جانب إستغلاله الأساسي للبروليتاريا . للحصول على نتيجة أخرى ، نتيجة ستلغى اللامساواة الإجتماعية ، ستلغى كذلك الإستغلال ، لا بدّ من الإطاحة بمثل عليا ومبادئ المجتمع البرجوازي و الظروف المادية التى هي تعبير عنها و تجاوز لها . لا بدّ من الإطاحة بالحكم البرجوازي و التقدّم كلّيا متجاوزين ما سمّاه ماركس " الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي " ( الفرص المتساوية للجميع ) و كافة العلاقات الإقتصادية و العلاقات الإجتماعية الأخرى التى هو تعبير عنها و إمتداد لها " . (15) سأعود إلى هذه النقطة و أتوسّع فيها بإقتضاب ، لكن بداية من الهام أن نعالج مفهوم هو عنصر أساسي فى حجّة أنّ الديمقراطية هي أفضل شكل ممكن للحكم قابل للإصلاح : تأكيد أنّ الديمقراطية و إن لم تكن تامّة ، يمكن تحسينها أو على الأقلّ هي تسمح بتصحيح الأخطاء فى المجتمع و الحكم .و من التعابير المكثّفة عن هذا مفهوم " التوسّع " المستمرّ للديمقراطية لتشمل الذين كانوا سابقا مهمّشين أو عرضة للتمييز – العبيد و النساء و الذين لا يملكون شيئا و غيرهم . هذا خطّ تفكير يمكن توسيعه إلى الخلف ليشمل التطوّر التاريخي منذ الأزمان الغابرة ، لإيجاد تقدّم موحّد و خطّي منذ حكومة المدينة – الدولة الإغريقية إلى الدول الديمقراطية ليومنا هذا ، مرتئين هذا على أنّه تاريخ المدى المتّسع أبدا لإشراك الناس فى سيرورة الحكم ، بالغا قمّته فى الديمقراطية المعاصرة و بلوغ الحكم الحقيقي " للشعب لنفسه بنفسه " . أو كذلك يمكن أن يحاجج بأنّ " التجربة الديمقراطية " الأوّلية التى شهدتها أماكن مثل آثينا فى قديم الزمان وقع التخلّى عنها ( أو هُزمت ) و وقع تعويضها لفترة طويلة بحكم أرستقراطي ، لكن فى النهاية حدثت ثورة ديمقراطية – أو إعادة تركيز – مولّدة لمجتمع ديمقراطي على نطاق أكبر ( لنتذكّر موقف بيني بأنّ ما كانت عليه آثينا على نطاق مصغّر ، ستكون عليه أمريكا على نطاق مكبّر ) ، ديمقراطية هي الآن قادرة على التوسّع و التحسّن بإستمرار . حجّة من هذا القبيل يقدّمها آلكسيس دى توكفيل وهو ديمقراطي فرنسي من القرن التاسع عشر ، كتب كثيرا عن الديمقراطية فى الولايات المتّحدة و كان له تأثير هام . مقارنا المجتمع الإقطاعي القديم فى أوروبا بالمجتمع الجديد ، أشار دى توكفيل إلى أنّه فى الأوّل بمراتبه القارة و المتوارثة " لم يشكّ النبيل قط أنّ أحدا سيحاول أن يحرمه من إمتيازاته التى كان يعتقد أنّها شرعية " و"كان الفنّ ينظر إلى مكانته الأدنى كنتيجة للنظام الطبيعي الذى لا يقبل التغيّر " لكن ، " المشهد قد تغيّر الآن . تدريجيّا الإختلافات فى المكانة تمّ التخلّص منها ؛ والحدود التى كانت ذات يوم تفصل البشرية تداعى ؛ و الملكية إنقسمت و السلطة يتشارك فيها الكثيرون و نور الذكاء ينتشر و قدرات كافة الطبقات تنزع نحو المساواة . ويصبح المجتمع ديمقراطيّا و إمبراطورية الديمقراطية تنفذ ببطئ و بطريقة سلمية إلى المؤسسات و العادات " (16) . من ناحية سيكون ممكنا عرض التناقضات فى هذه الصورة المرسومة للمجتمع - صورة لم تكن بأيّة حال دقيقة تماما زمن رسمها توكفيل وهي حتى أكثر مأساوية مقارنة بواقع اليوم - بمجرّد سؤال الذين يعيشون فى هذه المجتمعات الديمقراطية لعقد مقارنة بين هذه الصورة و الواقع الملموس لحياتهم . لكن من الضروري أن نتفحّص و ندحض على مستوى أعمق مفهوم التوسّ‘ و التحسّن المستمرّين للديمقراطية . فى المقال المشار إليه سابقا حول " إعلان الإستقلال " ، ذكرنا التعليلات التالية : " و لو أنّها لم تفضى إلى تحرير العبيد أو إلى حق التصويت فى الإنتخابات العامة ، فإنّ المدافعين عن كلّ من إلغاء العبودية و توسّع حقذ التصويت لدى الأجيال الموالية قد إستعملوا عمليّا مبادئ المساواة فى الإعلان للتقدّم بقضيّتهم . و فى يومنا هذا هو يدفع وعي الأمريكيين ليحسّنوا ظروف الأقليّات ". (17) و كان ردّى على ذلك كالتالي : " كأمر واقع ، لم تلغى العبودية فى الولايات المتحدة إلى أن تطلّبت ذلك مصالح الرأسماليين فى الشمال – وهو ما جلعها فى تناقض مع مصالح مالكي العبيد فى الجنوب . حينها فقط صرّحت حكومة الولايات المتحدة ( حكوة الوحدة ) بتغثّر و تردّد بأنّ تحرير العبيد ( أوّلا فى ولايات الكنفدرالية لا غير و ليس حتى فى ولايات أخرى أين وجدت العبودية لكنّها لم تلتحق بالكنفدرالية ) ثمّ أدخات تعديلات على دستور الولايات المتحدة ليعكس ذلك . و العبيد المحرّرين الذين أرادوا المضيّ قدما فى النضال ضد إضطهادهم بأشكال جديدة وقع قمعهم بعنف بدعم من الحكومة الفيدرالية وعادة بالإستعمال المباشر للفيالق الحكومية. و بصفة أعمّ ، كلّ تغيّر من النوع المشار إليه فى التعليلات أعلاه أتى ردّا على النضال الجماهيري و وقع تبنّيه و محاصرته من قبل الطبقة الحاكمة لأجل الحفاظ على موقعها فى الحكم عموما و صيانة إستغلالها و إضطهادها لجماهير الشعب – بإختصار لحماية و خدمة مصالحها الطبقية الخاصة ،داخل الولايات المتحدة وعالميّا " (18). يتطلّب المجتمع الرأسمالي قوّ’ عمل " حرّة " – بالمعنيين أي متحرّكة ، قانونيّا ليست مرتبطة بقطعة أرض أو شغل معيّن و ما إلى ذلك ؛ و " حرّة " من ملكية وسائل الإنتاج كي تستطيع العيش فقط من بيع قوّة عملها لرأس المال – تكون متعلّمة و مدرّبة بما فيه الكفاية لتشتغل على قوى إنتاج عصرية. و بوجه خاص فى عصر الإمبريالية هذا ، تحتاج الطبقة الحاكمة إلى جلب الجماهير الشعبية إلى إيلاء عناية بالشؤون السياسية والعالمية.و مثلما أشار إلى ذلك لينين أثناء الحرب العالمية الأولى – نقطة منعرج حيوية فى تاريخ العالم جلبت الجماهير فى كافة البلدان إلى الشؤون العالمية على مستوى أكبر بكثير من أي وقت مضى – " آليّات الديمقراطية السياسية " فى المجتمع البرجوازي مكيّفة لتسخير العمّال و غيرهم من المضطهَدين إلى الهيكلة القائمة و مصالح الطبقة الحاكمة : " لا يمكن الإستغناء عن الإنتخابات فى عصرنا ؛ و لا يمكن الإسغناء عن الجماهير ؛ و الحال لا يمكن قيادة الجماهير ، فى عصر المطبعة و النظام البرلماني ، دون نهج واسع التشعّب ، حسن التنظيم ، مكين العتاد ، نهج من التملّقات ، و الأكاذيب و الإحتيالات و الألاعيب بالكلمات الشعبية على الموضة ، مع نثر الوعود ، يمينا و شمالا ، بإجراء جميع الإصلاحات و تحقيق جميع المنافع للعمّال ، - شرط أن يقلعوا عن النضال الثوري الهادف إلى دكّ البرجوازية . " ( 19). و كلّ هذا يمثّل عندئذ ليس توسّعا للديمقراطية دون إختلافات طبقية ، بل توسّعا للعلاقات الأساسية للإستغلال الرأسمالي ، ليس تعبيرا عن سيادة الشعب المتّسعة أبدا ، بغضّ النظر عن المكانة الإجتماعية، و إنّما هو تعبير و مكوّن ضروري لتفوّق الطبقة الحاكمة – لدكتاتوريتها على الطبقة العاملة و مضطهَدين آخرين بهدف نهائي هو ضمان وتشجيع هيمنتها على النظام الإقتصادي الأساسي. حقّا ، إنّه زمن ترك الموتى يدفنون موتاهم ، بما فى ذلك ،و بالفعل خاصة ، فى جعل الديمقراطية مثلا أعلى . و لنستمع على سبيل المثال للإستنتاج بالأحرى النموذجي لجامس ميلار : " إن حاولنا التفكير من خلال الدلالة الممكنة للديمقراطية اليوم ، يصبح روسو مع ذلك مهمّا إلى درجة كبيرة اليوم ، ليس أقلّ لأنّه يقف فى البداية . أوّلا ، فى جنيف و ثمّ فى باريس1789 وبعدها ن الديمقراطية لأوّل ملارّة فى قرنين من الزمن غادرت قاعات الدراسة إلى الشوارع ، و لم تعد مصطلحا تقنيّا بل مرّة أخرى كلمة حيّة من أجل حق الشعب و قدرته على حكم نفسه. ما جرى كسبه و ما وقعت خسارته فى النهاية فى تلك الهجرة يمكن إستيعابه بالعودة إلى المفكّر الذى كان واسطة فى السماح للفاعلين فى هذه الدراما بفهم أنفسهم كديمقراطيين ، يناضلون للحصول على حرّية شرعية . و فوق كلّ شيء قراءة روسو يمكن أن تذكّرنا بالمدافعين عن خسارة سيادة الشعب غير القابلة للتصرّف فيها بقوّة السلاح . فى عصر الثورات الديمقراطية ، مناصرو الديمقراطية البسيطة لم يكسبوا ، لحقت بهم الهزيمة وهي هزيمة صارت أمرّ حتى عندما تبنّى المنتصرون لغة المنهزمين . (20) و ما هو الشيء الأكثر إحتمالا لدي روسو و المثل الأعلى الديمقراطي ؟ يجيب ميلر : " طبعا ، عديد التفاصيل فى رؤية روسو- منها المزارع البطريارك - لا تبدو بصفة خاصة "ديمقراطية" بالنسبة للقارئ المعاصر . فكرته عن الديمقراطية تقف على بعض المسافة من الأفكار الشائعة اليوم. يمكن أن يكون روسو أيضا مرتبطا بالأفكار المسبّقة كأي رجل . مثلا ، لم يضع موضع السؤال ما إذا كان يجب على العلاقات صلب العائلة أن تكون قائمة على شيء آخر غير الشعور ، ما إذا كانت النساء تستحق مجالا أوسع من السيادة كذلك. لم يتصوّر أية طرق تتجاوز العائلة لترسي حدودا من الخصوصية ضمن المجموعة . ما يهمّ اليوم ، مع ذلك ، ليس كثيرا خصوصيّات رؤية روسو و إن كانت عديد العناصر منها بلا شكّ تحسب فى شعبيته قبل مائتي سنة . ما يظلّ هاما هو الأفكار المجرّدة المرسلة عبر صوره ، التوق الأوّلي الذى تثيره . صورة المزارع البطريارك توحي ليس بالقيادة المراتبية فحسب بل أيضا بالتعويل على الذات مذكّرة بمفهوم السيادة فى المجال الخاص – ليست فكرة تافهة و بالتأكيد ليست مهملة للطموح ، سواء لدي الرجال أو النساء " ( 21). هنا وهو يحاول أن يكون أسمى ما أمكن ، يخون ميلر بدقّة كبيرة الحدود التاريخية للمثل الأعلى الديمقراطي و يقدّس صراحة تقديسا مثيرا للشفقة لدوغما صار منذ ومن طةيل فى تعارض أساسي مع مزيد تقدّم المجتمع و مزيد تحرير الإنسانية . لا يرد ميلر أن يُنكر النموذج برمّته ، نموذج المزارع المعوّل على نفسه ، لكنه يريد فى نفس الوقت أن يسمح للنساء " بمجال أوسع من السيادة أيضا " . إنّه لا يقرّ بأنّ هذا النموذج لا يمكن فصله عن البطرياركية و العلاقات الإجتماعية الإضطهادية عامة . يمكن أخذ هذا على أنّه ملخّص لكامل النظرة الديمقراطية للعالم : يريد النظام الإجتماعي القائم لكن دون أسوأ تجاوزاته ، و بمجال للإصلاح يتّسع لمطالب المضطهَدين طالما أنّها لا تهدّد تبتفجير النظام القائم و قلب كافة العلاقات الإجتماعية القائمة . ( 22) وما هو جوهر الأمر ؟ إنّه المثل الأعلى للسيادة الخاصة – ل " السيادة فى المجال الخاص " – بما يعكس تذرّر الناس التى تتحدّد هويّتهم على أنّهم أصحاب السلع فى المجتمع الرأسمالي و الذين هم فى نفس الوقت مرتبطون بإملاءات رأس المال و ديناميكية مراكمة رأس المال . حقّا ، ما يتمّ التعبير عنه هنا هو " التوق الأولي " لزمن – لماضي مموّه فى الخيال – عندما لم تتخذ التناقضات الأساسية لهذا النظام طابعا و أبعادا تفجرية بصورة هوجاء كهذه ، عندما لم يكن الواقع فى نزاع بهذا الوضوح و نزاع لا يمكن نكرانه مع المثل الأعلى ... و مع ذلك هو فى نفس الوقت تجسيد حي لذلك المثل الأعلى . التناقض بين المثل الأعلى للديمقراطية ( و دعاوى المضطهِ دين البرجوازيين الذين يحكمون بإسم الديمقراطية ) من جهة و من جهة أخرى الممارسة العملية لل" ديمقراطيّات " و واقع الحياة فى ظلّ حكمهم ، مصدر هام لفضح هذا النظام ورافعة لدفع الناس إلى الأمام فى النضال ضدّه . لكن فى نفس الوقت ، هو فى حدّ ذاته مصدر متواتر – و على ما يبدو " لامتناهي " – للأوهام حول " إمكانية تحسين " النظام الديمقراطي أو " التجسيد الفعلي " للمثل العليا الديمقراطية – بإختصار الإنخداع بالديمقراطية . و لهذا صلة وُثقى بكونه ضمن معارضي النظام تظهر أنواع راديكالية من الديمقراطية البرجوازية ، الواحد تلو الآخر ، و حتى تيّارات إشتراكية تدمج كعنصر محوري جعل الديمقراطية مثلا أعلى بشكل أو آخر . و هناك بالطبع قاعدة مادية قوية لهذا فى الظروف العالمية الموضوعية فى هذا العصر ، و على وجه الخصوص الإنقسام الأساسي بين حفنة من الدول الإمبريالية و عدد كبير من الأمم المضطهَدة التى تهيمن عليها الإمبريالية . و هكذا مثلما لخصت ذلك فى " كسب العالم ..." ، " من جهة هناك هذه البلدان المتقدّمة أين تتمركز معظم قوى الإنتاج لكن المشاعر الثورية و مستوى نضال الجماهير ووعيها عموما ، و فى غالب الأحيان – على الأقّل إلى الآن – ليس ملرتفعا للغاية ... و من جهة أخرى ، فا غالبية العالم ، قوى الإنتاج متخلّفة ؛ و مثل هذا التطوّر لقوى الإنتاج كما هو يقع تحت هيمنة رأس المال المالي و الإمبريالية عالميّا ، ما يشوّه هذه الإقتصاديّات و يفكّكها . و الناس فى ظروف أكثر يأس بكثير و أكثررغبة بكثير فى التغيير الجذري ؛ و مع ذلك ... صراحة بينما هي راغبة فى التغيير و يمكن توحيدها بطريقة أسهل لدعم الثورة ، عموما مرحلة الثورة هناك هي مرحلة ديمقراطية برجوازية ، حتى و إن كانت من نوع جديد [ يمكن أن يتقدّم نحو الإشتراكية لو قادته طليعة بروليتارية ] (23). فى كلّ بلد من بلدان العالم ، إذن ، هناك شرائح عريضة نمط وجودها – أي موقعها فى سيرورة الإنتاج العامة و علاقات الإنتاج – و أسلوب عيشها يمكن عموما أن توصف على أنّها برجوازية صغيرة ؛ و تتناسب مع هذا نزعات إيديولوجية نحو الأوهام الديمقراطية و الأحكام الإعتباطية للبرجوازية الصغيرة : مفاهيم الحرّية و المساواة و الحقّ التى تتناسب مع موقع منتج سلع على نطاق ضيّق . و فى نفس الوقت، مع ذلك تتخذ هذه النظرة الطبقية الجوهرية تعابيرا متباينة فى العالم الثالث من جهة و فى البلدان الإمبريالية من جهة أخرى ، حيث تتمتّع شرائح الوسطى – متحدّثين بصورة واسعة تشمل عديد العمّال ذوى أجور أفضل - بالأحرى بموقع إمتياز ،و فقط نادرا هناك أعداد عريضة منهم فى وضع يأس. لمّا تحدّثت عن هذه الظاهرة ليس بمعنى عام و حسب بل بشكل خاص بمعنى تعبيرها لدي القوى المعارضة للإمبريالية ، لاحظت : " فى عصر الإمبريالية والثورة البروليتارية هذا ، قد تعقّدت أكثر مشكلة الإنتقال إلى الشيوعية عالميّا أكثر مممّا وصفناه فى " كسب العالم ..." ب " اللاتكافئ فى العالم " . و ما يحيل عليه ذلك هو واقع أنّ فى عالم اليوم القوى المنتجة المتقدّمة متركّزة بأيدى حفنة من البلدان المتقدّمة – أي الإمبريالية – بينما إقتصاديّات غالبية بلدان العالم ليست متخلّفة و حسب لكن أيضا مشوّهة ومفكّكة فى تطوّرها و بسبب الهيمنة والنهب الإمبرياليين . و يترافق هذا بأنّ فى هذه البلدان الإمبريالية قطاعات عريضة من الناس بمن فيهم الطبقة العاملة ، ليسوا " فى الأوقات العادية " ( التى يمكن أن تمتدّ تماما لعقود ) يعيشون فى ظروف يأس و هم مدفوعون للبحث عن تغيير جذري بينما فى البلدان المستعمرة و التابعة توجد الجماهير فى مثل هذه الظروف وهي مدفوعة للبحث عن تغيير ثوري ( أو هي على الأقلّ موالية له ) لكن البروليتاريا هناك عامة جزء صغير من السكّان و الثورة على جدول الأعمال هناك و التى تتناسب مع الموقع و المصالح الطبقيين للسواد الأعظم للجماهير ( المتكوّنة من منتجين صغار ) ثورة ديمقراطية برجوازية ، حتى و إن كانت من نوع جديد. و يتناسب مع هذا فى مجال السياسة و الإيديولوجيا ، و ضمن الحركة الماركسية خاصة ( معرّفة تعريفا واسعا ) هناك نزعة بارزة ( لدي الماركسين المعترف بهم ) نحو الإشتراكية الديمقراطية فى البلدان الإمبريالية و نحو القومية فى البلدان المضطهَدة ( رغم أنّه للبلدان الأخيرة ميزة إتخاذها عادة تعبيرا ثوريّا ، حتى و إن لم يكن تعبيرا ماركسيّا – لينينيّا صريحا ) (24). على هذا الأساس و فى إطار كلّ هذا ، يظهر التناقض بين المثل الأعلى الديمقراطي و واقع " الدول الديمقراطية " و دورها فى العالم . لكن نظرا لكون هذا التناقض يتخذ "حياة لوحدة " فهو يمارس بنفسه تأثيرا معتبرا على الخطوط الموصوفة .و هكذا مثلا ، ليس من المفاجئ أنّ النزعتين الراديكاليتين الأساسيتين اللتين لهما جماهيرية هامة فى الولايات المتحدة فى " السنوات المجنونة " لستينات القرن العشرين ، أس دي أس و حزب الفهود السود ، تميّزتا بإنخراطهما فى الأحكام الإعتباطية الديمقراطية و الإخفاق النهائي فى القطع مع الإطار التام للديمقراطية . و وجد هذا و على نحو غير مفاجئ ، تعبيرات مغايرة فى حال أو أخرى : أس دي أس كانت مرتكزة على فئات راديكالية من البرجوازية الصغيرة ، لا سيما الطلبة ، فى حين أنّ حزب الفهود السود كان ينطوى على عدد من الفئات المتنوّعة – مثقّفون وقوى برجوازية صغيرة أخرى و بروليتاريون وحتى عناصر من البروليتاريا الرثّة – لكن من أمّة مضطهَدة . و بالرغم من هذه الإختلافات - التى كانت ذات دلالة ،كان حزب الفهود السود يمثّل بطريقة أكثر جوهرية من السي دي أس قوّة قيادية لحركة ثورية جماهيرية حقيقية – فى نظرة و برنامج كليهما ، يتمّ التعبير فى النهاية عن الفشل فى إنجاز هذه القطيعة الراديكالية . من ناحية ، هذا بديهي فى حال الأس دي أس بداية من إسمه بالذات : طلبة من أجل مجتمع ديمقراطي . و يتكشّف بسهولة فى الوثيقة التأسيسية لهذه المنظّمة ، بيان بورت هورون ، المكتوب فى 1962 و أطروحته الأساسية هي أنّ " النظام السياسي الأمريكي ليس النموذج الديمقراطي الذى يمدحه المتحدّثون عنه " و التى تحدّد هدف جعل امريكا تعيش وفق هذا المثل الأعلى و تعبر عن النظرة الآملة بأنّه " يمكننا أن نطوّر مقاربة نضرة و خلاّقة لمشاكل العالم ما سيساعدنا على خلق ديمقراطية فى بلادنا وإيجاد ظروف لنوّها فى أماكن أخرى من العالم " . (25) بينما فى قمّتها فى أواخر ستينات القرن العشرين ، توغّل طلبة من أجل مجتمع ديمقراطي بعيدا فى هذه الفكرة البلهاء و إن كان موقفهم موقفا إشتراكيّا ديمقراطيّا جذريّا ، و فى حين وجدت كثير من النزعات المتباينة صلب الطلبة من أجل مجتمع ديمقراطي ، بعضها ثوري حقّا ، فإنّه مع ذلك ، يظلّ صحيحا أنّ فى نظرتها السائدة لم تتجاوز فى النهاية قط " الأفق الضيّق للحق البرجوازي " مرّة أخرى بكلمات جملة لماركس . و كون الشيء نفسه صحيح فى آخر التحليل بالنسبة لحزب الفهود السود يمكن ملاحظته فى تحليل عام لخّط و برنامج وسيايات و أعمال هذا الحزب ، حتى أثناء فترته الأكثر ثورية إلهاما ، و بصورة أدقّ وقع التعبير عن ذلك فى برنامج حزب الفهود السود ذى العشر نقاط و الذى بينما يجسّد مطالب الجماهير المضطهَدة ضد النظام الإمبريالي ، لم يتميّز بمضمون ديمقراطي –برجوازي راديكالي عامة و حسب بل ختمه بإعادة كلمات " إعلان الإستقلال " ( 26) ومثلما رأينا ، عبر العصور - منذ زمن أفلاطون و أرسطو ( و حتى قبلهما ) إلى العصر الحالي – صاغ المنظّرون السياسيون و الفلاسفة مفاهيم الحرّية و العدالة و الرشد و العقل و الحقّ ( أو الحياة و الحرّية و البحث عن السعادة ) بطرق شتى تبعا للعصر الذى عاشوه و النظام الإجتماعي و الطبقة التى يمثّلونها . هذه المفاهيم بذاتها و فى حدّ ذاتها ليس لها مضمون إجتماعي و طابع طبقي خاص – و لو أنّ مفهوم أنه يمكن صياغة مبادئ أبدية منزّهة عن الخبرة المادية ، الحرية و العدالة والمساواة و الرشد و العقل و الحقّ ، بذاته إنعكاس لنظرة تخدم الطبقات المستغِلّة . للطبقات المختلفة والمتعارضة وجهات نظر مختلفة و متعارضة لما تعنيه هذه المفاهيم – الحياة ، الحرّية و البحث عن السعادة لم تكن تساعد و إنّما كان لها معنى متناقض لدى العبيد و سادة العبيد فى أمريكا زمن كتابة إعلان الإستقلال ، مثلا . (27) لكن نظرا لثقل العادات و كون المجتمع كان لآلاف السنين تحكمه الطبقات المستغِلّة – و نظرا لتواصل ذلك إلى يومنا هذا فى الدولة البرجوازية ( الديمقراطية ) المعاصرة – فإن المعنى الذى سيعطى لهذه المفاهيم عفويّا ، حتى ضمن الجماهير المستغَلّة و المضطهَدة ، سيتطابق فى آخر التحليل مع نظرة و مصالح طبقة مستغلّة أو أخرى ( لذلك العبيد فى تمرّداتهم ضد العبودية التامة كانوا تحت سيطرة الإيديولوجيا الديمقراطية البرجوازية و الناس فى البلدان المستعمَرة و المستعمرات الجديدة اليوم يمكن أنيقاتلوا ضد إمبريالية و مع ذلك يقادون لمعانقة قاتلة لإمبرياليةأخرى ، إمبريالية منافسة ) . و من أجل خدمة النضال ضد الإستغلال و الإضطهاد نضالا صريحا و شاملا ، يجب أن تعطى هذه المفاهيم مضمونا يتمايز بوضوح عن و يكون فى تعارض مباشر مع النظرة السائدة و إستعمال مثل هذه المفاهيم وهوما يتطابق مع نظرة و مصالح طبقة يمكن أن تحرّر نفسها فقط بالقضاء على كافة الإستغلال و التقسيم الإجتماعي إلى طبقات عينه – البروليتاريا . لكن حتى هذا ليس كلّ شيء . فهذه المفاهيم ليست فقط محدّدة تاريخيّا بل هي أيضا محدّدة إجتماعيّا عامة ، و بعضها بصورة أدقّ تعبير عن الإنقسام الإجتماعي إلى طبقات . و سيغدو هذا واضحا بالتركيز على " المساواة " . و المساواة – بمضمونها الحالي و الأساسي الخاص فى الفرص و المساواة أمام القانون – حجر زاوية فى الديمقراطية ، الديمقراطية البرجوازية على وجه الضبط. و مثلما حاججنا سابقا ، مثل هذا المفهوم ، فيما يدّعى المساواة للجميع ، بغضّ النظر عن المكانة الإجتماعية ، يُغطّى عمليّا العلاقة الجوهرية للإستغلال و الإضطهاد . و أكثر من ذلك ، من غير الممكن لذلك أن توجد مساواة للجميع دون تمييز طبقي . كيف يمكن أن توجد مساواة بين المضطهِدين و الذين يضطهدونهم ، بين المستغِلين و المستغَلين – بين الذين يحتكرون وسائل إنتاج متطلّبات الحياة و إمكانية تقدّم البشر و الذين لا يتحكّمون أو يملكون تلك الوسائل وهم بالتالى مجبرون على الحياة فى وضع يكونون فيه مستعبدين بشكل أو آخر من قبل الذين يملكون تلك الوسائل ؟أو فى المجتمع الإشتراكي ، بعد الإطاحة بالبرجوازية ، مع تواصل الإختلافات الطبقية التى لم يقضى عليها نهائيّا ! و كلّيا بعدُ فى كلّ المجالات ،كيف يمكن أنتوجد مساواة بين البروليتاريا المستغَلّة سابقا و التى تستهدف إلغاء كلّ أشكال الإستغلال ، كلّ التقسيم الإضطهادي للعمل و الإطاحة بالمستغِلين ( أو المستغلين الناشئين حديثا ) الذين يسعون إلى إعادة تركيز نظام ينهض على مثل هذا التقسيم للعمل الإستغلالي و الإضطهادي ؟ و إثر القضاء على الإختلافات الطبقية و العلاقات الإجتماعية الإضطهادية و إثر إجتثاث جذورها ، إثر ذلك لن توجد مساواة . لماذا ؟ لأنّه حينها لن تكون للمساواة قاعدة إجتماعية . ستكون المساواة قد " إضمحلّت " . ومثلما كتبت فى ردّ على رسالة " قومي أسود ذو ميولات شيوعية " ، بينما يضطلع النضال ضد المساواة الإجتماعية – ضد الإضطهاد القومي و إضطهاد النساء و مظاهر أخرى منمثل هذه المساواة – بجزء هام جدّا من النضال الشامل فى سبيل الإشتراكية و فى النهاية العالم الشيوعي : " عندما يكون التقسيم الإجتماعي إلى طبقات قد ألغي نهائيّا ، عندها ذات مفهوم " المساواة " سيخسر معناه . كلّ شيء يوجد فقط فى علاقة بنقيضه ؛ و عندما يتمّ القضاء على اللامساواة الإجتماعية مع بلوغ الشيوعية ( نقول " اللامساواة الإجتماعية " لأنّ الإختلافات الفردية بين أشخاص معيّنين لن تلغي بتاتا - - و لو أنّه فى المجتمع الشيوعي ، لن تكون لهذا ذات التبعات التى يشهدها المجتمع الطبقي ) ، فإنّ المساواة الإجتماعية ستلغى أيضا كصنف . للنظر إلى المسالة بطريقة أخرى ،كلّ مساواة تعنى لامساواة. و من غير الممكن أنتوجد واحدة دون الأخرى ( مثلا ، عاملان يحصلان على ذات الأجر لا يقومان بالضبط بذات القدر أو النوع من العمل ، و ليس لهما بالضبط ذات الحاجيات ، لذا " المساواة " فى الأجور هي من جهة مساواة و من جهة أخرى لامساواة ). فى المجتمع الشيوعي ، سيطبّق مبدأ " من كلّ حسب قدراته إلى كلّ حسب حاجياته " – لن يشتغل الناس من أجل البقاء الفردي على قيد الحياة ( سيكون المجتمع قد تطوّر ماديّا و إيديولوجيا إلى درجة أنّه لن تكون مسألة مطروحة مثلما هو الحال اليوم)- لكن بوعي للمساهمة فى تطوير المجتمع و بالمقابل سيتلقّون ما يحتاجونه ( عمليّا ) للحياة ( وهذا أيضا سيعنى أندرجة عليا من الوعي الإجتماعي قد تمّ بلوغها كي يربط الناس عن طواعية الحاجيات الفردية بالتقدّم العام للمجتمع ) فيما يتمّ بصورة متصاعدة تمكينهم من التطوّر والمساهمة فى المجتمع بطريقة أكمل و أشمل ، فى آن معا جسديّا وفكريّا . " المساواة " لا تدخل هنا – فى الواقع " المساواة " ستكون قد وقع تجاوزها و تعويضها ، هي و الحقبة البرجوازية التى إليها تنتمى ". (28) و بالرغم من أنّنى أتفق مع أنّه هناك مظهر إيجابي لهذا التناقض – بمعنى توفير أساس لفضح النظام الحالي و رافعة لتعبئة الجماهير فى النضال ضدّه – هناك أيضا جانب سلبي لهذا : دوره كمصدر مستمرّ للأوهام الديمقراطية و الأحكام الإعتباطية و حاجز أمام إنجاز قطيعة جذرية مع الإطار العام للديمقراطية . لأجل عرض ل " ليس فى جيناتنا " بما فى ذلك مزيدا من النقد و كذلك تقييم للجانب الإيجابي الغالب و الدور الهام للغاية لهذا الكتاب ، أنظروا أرديا سكايبراك " ليس فى جيناتنا و خوض هجوم إيديولوجي مضاد " مجلّة " الثورة " عدد 53 ( شتاء / ربيع 1985) . إذن النظرة الشيوعية للحرّية مختلفة جذريّا و متعارضة مع مفهوم الحرّية فى المثل الأعلى البرجوازي . إنّها لا تركّز على الفرد و إلى أية درجة يقف الأفراد الآخرون كعوائق و حواجز أمام ممارسة إرادته ، وليست مأسّسة على النضال الفردي لكلّ شخص ضد الجميع من أجل البقاء على قيد الحياة و التقدّم الفردي . هذا ليس لقول إنّ الأفراد سيكونون أقلّ حرّية فى المجتمع الشيوعي مقارنة بالمجتمع البرجوازي الحالي : سيكون أحرارا بطريقة أشمل بكثير – لكن أكثر من ذلك ، مغايرة نوعيّا . و مثلما وضعت ذلك فى نقاش آخر لهذه المسألة ، المجتمع الشيوعي لن " يعترف بالحقّ الذى لا يرتدع للأشخاص فى أن يفعلوا ما يريدونه و بالفعل بالمعنى العام ، سيكون الأشخاص بعدُ مرتبطين بالمجتمع ككلّ " إلاّ أنّه – و هذا يمثّل بونا شاسعا – لن يكونوا مرتبطين بأشخاص آخرين . (29) و فى حديثه عن هذه المسألة ، غاص ماركس إلى ما وراء ضباب التعمية البرجوازية بإتجاه جوهر الموضوع بإشارته إلى أنّ " الحقّ لا يمكن أبدا أن يكون فى مستوى أعلى من النظام الإقتصادي ومن درجة التمدّن الثقافي التى تناسب هذا النظام . " (30 ) و فى عالم اليوم ، بعلاقاته الإجتماعية و العالمية الإضطهادية و اللامتكافئة ليس للأطفال فى أفريقيا – و بالمناسبة ، الغالبية العظمى من البشرية تعيش على بعد فقط خطوات من المجاعة ،معظم الأوقات – حقّ التخطيط لتوزيع قوى الإنتاج و الموارد العالمية على نحو يخوّل القضاء على مثل هذه المجاعات و هذا البؤس و يجعل ممكنة حياة كاملة جديدة . و فى نفس السياق أيضا ، ليس للشعب فى البلدان الإمبريالية ط المتقدّمة " هذا الحقّ ( أو حتى حق إتخاذ خطوات عملية ذات معنى لإستباق المجاعات الجماعية على المدى القصير ) حتى و إن تمنّى القيام بذلك . هكذا حقوق و رؤى جديدة كلّيا للحرّية ، يمكن أن تصبح واقعا فقط عبر الثورة التى تقلب العالم و الهدف الذى ستبلغه فى النهاية سيكنس المفاهيم البرجوازية لما تمثّله الحرّية و العدالة . +++++++++++++++++++++++++++++++++++ 1- ف. إ. لينين ، " المبادرة الكبرى " ، الأعمال الكاملة ، دار التقدّم ، موسكو 1965 ، المجلّد 29 ، ص 421 باللغة الأنجليزية ؛ و باللغة العربية " المختارات فى 10 أجزاء" ، المجلّد 9 بالصفحة 40 ؛ دار التقدّم ، موسكو 1978 . 2- المصدر السابق ، ص 421 . 3- إنجلز ، " أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة " ، الأعمال المختارة لماركس و إنجلز ، المجلّد 3 ، ص 330 باللغة الأنجليزية ؛ و باللغة العربية " " أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة " دار التقدّم ، موسكو ، ص 229. 4- المصدر السابق ص 332 باللغة الأنجلزية ؛ و باللغة العربية ص 233 . 5- مقدمة " مساهمة فى نقد الإقتصاد السياسي " - منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1976 ؛ ص 3 باللغة الأنجليزية ؛ و باللغة العربية ذكره ستالين فى " المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية " ، دار دمشق ؛ المكتبة الإشتراكية ، ص 68-69 . 6- و هذه التشويهات من مثل هؤلاء المدافعين و المدّاحين المتقنّعين بقناع " إشتراكي " و حتى " ماركسي " سيتمّ التركيز عليها فى الفصل 6 ) . و سيكون مفاجأ للغاية إن لم يفعلوا ذلك. 7- و هذا لا يعنى أنّه لم تكن لريغن قاعدة تسانده ضمن الناس فى الولايات المتحدة . مع إحتدام الأحداث العالمية و خاصة الأزمة العامة للنظام الإمبريالي شاملة كلا الكتلتين اللتين يقودهما السوقيات و الولايات المتحدة ، إشتدّ النزاع بينهما بما يدفع الأمور بسرعة نحو حرب عالمية . هناك إستقطاب متنامي فى الولايات المتحدة . غير أنّ الإطار الأساسي لهذا الإستقطاب ليس بين الجمهوريين و الديمقراطيين ( ينطوى الأمرعلى بعض الإختلافات الحقيقية لكنها تحديدا إختلافات ضمن وفى إطار الطبقة الحاكمة ). والإستقطاب الأساسي هو بالأحرى إستقطاب بين الطبقة الحاكمة من جهة بما فيها حزبيها الكبيرين كلاهما و جميع الوجوه السياسية الكبيرة المعروضة أمام الناس ، و من جهة ثانية المستغَلين و الذين لا يملكون شيئا – مع عدد كبير من الناس واقعين بين القطبين الأساسيين و ينزعون إلى الإنشقاق و التردّد بين هذا و ذاك . وبالنسبة للإنتخابات بصفة خاصة ، إلى درجة كبيرة ، البروليتاريون و المستغَلون الآخرون الذين يشكّلون ذلك القطب لا يصوّتون أو حتى إن صوّتوا لا وزن لهم بمعنى أنّ هذا لن يأثّر حقيقة على صنّاع القرار وتوجه الأشياء . لتشكيل الرأي العام حول الإنتخابات تأثيره الأساسي على " العدد الأكبر من الناس الوسطيين " وهو يأثّر كذلك على المستغَليت و الذين لا يملكون شيئا ، لا سيما بجعلهم يشعرون بأنّهم ضد حكومة قويّة لها " تفويض شعبي ". 8- ماركس و إنجلز " بيان الحزب الشيوعي " ، ص 57 باللغة الأنجليزية ؛ و باللغة العربية " ماركس و إنجلز " مختارات " فى أربعة أجزاء - الجزء الأوّل ؛ ص70 ؛ فقرة " البروليتاريون و الشيوعيون "، طبعة دار التقدّم موسكو. 9- من أجل بعض مؤشارات قياس التحكّم الذى تمارسه المجموعات المالية القوية على وسائل الإعلام ، أنظروا بن ح. بغديكان ، " إحتكار وسائل الإعلام " ( بيكون براس ، بوستن 1983). و مع ذلك ، يعالج بغديكان هذا على أنّه مسألة مراكز سلطة جماعية خاصة تبحث عن مصالحها الخاصة فى مقابل المصالح العامة و يخفق فى كشف ( وهو على الأرجح لا يؤمن ب ) أنّ هذه " المصلحة العامة " تمثّل مصالح الطبقة الحاكمة – لأنّ " العامة " منقسمة إلى طبقات و مصالح الطبقة المسيطرة إقتصاديّا (البرجوازية فى المجتمع الرأسمالي) هي التى ستهيمن سياسيّا وإيديولوجيّا و ستحدّد "المصلحة العامة ". و هكذا مثلما أشرت فى عمل آخر ، ينطوى " إحتكار وسائل الإعلام " على بعض الفضح الهام للتحكّم فى وسائل الإعلام و التلاعب بها من قبل مؤسسات كبرى و قد حثّ على بعض الجدال ، لكنه ... يقع بحقّ فى حدود الديمقراطية البرجوازية – و الحكم البرجوازي " ( بوب أفاكيان ، " نهاية فظيعة أم وضع نهاية لما هو فظيع ؟ " ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو 1984 ، ص 47 ). 10- أنظروا نعوم تشومسكي " نحو حرب باردة جديدة " ، بنتيون بوكس ، نيويورك 1982 . 11- مثلما بينت عديد الدراسات ، ليس الأمر مجرّد أنّ عددا من ذات الأشخاص يبقون فى مواقع السلطة فى القوات المسلّحة ، البيروقراطية ، إلخ مهما كانت الإدارة ( أو الحزب ) فى السلطة ، و لا هو مجرّد أنّ الرأسماليين الماليين الكبار يمكن أن تكون لهم " إستثمارات " إن صحّ التعبير فى أكثر من حزب كبير واحد . مرّة أخرى ، أكثر جوهرية هو أنّ الدولة يجب أن تعكس و أن تخدم بعض العلاقات الإقتصادية المحدّدة بدقّة و المصالح الطبقية المهيمنة ضمن هذه العلاقات . من الأكيد أنّ قطاعات مختلفة أو كتل من الرأسمال تتنازع بحثا عن مصالحها الخاصّة ، و تسعى إلى إستعمال مختلف أجهزة الدولة فى خوض هذه المعركة . لكن مثل هذه المعارك مرتبطة بالوظيفةالأولية و الأساسية للدولة البرجوازية – كأداة لدكتاتورية البرجوازية ككلّ كطبقة ، ضد البروليتاريا والجماهير المضطهَدة الأخرى – و كقاعدة عامة ، تحصل هذه المعارك ضمن الإطار العام للدفاع بصلابة عنالمصالح الطبقية العامة للبرجوازية ضد أعدائها الطبقيين ( و للدولة – الأمّة البرجوازية ضد الدول الأمم المنافسة ). و بالفعل ، ا إذا كانت و متى تبلغ النزاعات ضمن مختلف شرائح الطبقة الحاكمة نقطة حيث تشرع فى إتخاذ أبعاد عدائية هي ذاتها ، فهذا علامة على إنهيارات و تصدّعات فى منتهى العمق والحدّة فى النظام السائد برمّته ؛ و مثل هذه الفرصة يجب أن يغتنمها المضطهَدون- و لا يساندوا هذه الشريحة أو تلك من البرجوازية ضد الأخرى فيساعدوا الطبقة الحاكمة على " إصلاح " النظام القديم المتفكّك و تعزيز دكتاتوريتها ، بشكل أو آخر- و يرتقوا بالنضال الثوري للإطاحة بحكم البرجوازية برمّته . 12- ريموند لوتا ، " وقائع الإمبريالية – الإشتراكية مقابل دوغما الواقعية المنافقة : ديناميكية تشكّل رأس المال السوفياتي " ، ضمن كتاب " الإتحاد السوفياتي : إشتراكي أم إمبريالي – إشتراكي ؟ " ، الجزء 2 : المسألة موصولة ( منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو 1983 ، ص 41 ). 13- فى الفصل الثاني ، تمّت الإشارة إلى أنّ فلاسفة البرجوازية السياسيين إرتأوا صياغة " مبادئ عالمية منزّهة عن الخبرة المادية " و إقترح أنّه لا وجود لمثل هذه المبادئ التى يمكن أنتحكم مجتمعا بغضّ النظر عن العصر والظروف التى يوجد بها هذا المجتمع . لكن ألا يمكن أن يقال إنّ هذا التحليل المقدّم فى هذا الفصل بأنّ البنية الفوقية تقوم على أساس وتخدم قاعدة إقتصادية معيّنة هو بالضبط محاولة لصياغة مثل هذا المبدأ العام ؟ نعم ، من جهة ، هذا مبدأ عالمي ( رغم أنّه لا ينبغى أن يطبّق ميكانيكيّا ، كما لو أنّ البنية الفوقية لا تخدم سوى القاعدة الإقتصادية بالمعنى الأكثر ضيقا و مباشرة ، عوض أن يكون ذلك بصفة شاملة و فى آخر التحليل ). هذا من ناحية لكن من ناحية أخرى ، هذا مبدأ لا يسعى إلى تشخيص و (تجميد) علاقات إجتماعية و أفكار و قيم إلخ خاصة على أنّها أبدية و ممكنة ( أو حتى مرغوب فيها ) فى كلّ مجتمع وفى كلّ عصر . بالأحرى ، يشير إلى أنّ علاقات إنتاج مختلفة و البنية السياسية و الإيديولوجية المناسبة لها ستميّز المجتمعات فى شتّى العصور و فى شتّى مستويات تطوّر قوى الإنتاج . و يجب أن يشمل فهم أنّه بينما هناك إنسجام معيّن فى تاريخ البشرية لأنّ جيلا يرث القوى المنتجة من الأجيال السابقة ، فإنّ التطوّر التاريخي للمجتمع الإنساني سيرورة ديناميكيّة تتميّز و يدفعها إلى الأمام التناقض و التغيير المستمرّ الجاري و الذى تتخلّله بصفة متكرّرة الإنقطاعات الجذرية و القفزات الفجئية . و هكذا ، لا وجود لشكل أبدي للمجتمع ، ما من مجتمع لا يشمله التناقض و لا يشهد تغيّرا نوعيّا ، و لا حتى الشيوعية . و هذا إختلاف جذري و جوهري بين هذه النظرة و النظرة البرجوازية . 14- هنا يبدو من الضروري أن نناقش بإقتضاب شديد و نكشف ما هو على الأرجح المثال الأكثر إشارة إليه عادة ( وبالتأكيد واسع الإنتشار ) ل " ثورة سلمية " مدّعاة : الحركة التى قادها م . غاندي فى الهند و التى توّجت بنيل الهند إستقلالا شكليّا من قبل أنجلترا إثر الحرب العالمية الثانية . و لنضع ذلك بصورة بسيطة ، لم تكن تلك ثورة إذ أنّ هيمنة الإمبريالية على الهند لم يُقضى عليها بالمرّة ، رغم أنّ شكل الهيمنة تغيّر من إستعمار مفضوح إلى إستعمار جديد ( و رغم أنّ الإمبريالية البريطانية قد وقع تعويضها بسرعة بالولايات المتحدة كقوّة إمبريالية مهيمنة فى الهند ، بينما فى المدّة الأخيرة حفر الإتحاد السوفياتي قنوات إلى الهند كذلك ، لذا الهند اليوم تدمّرها الكتلتين الإمبرياليتين وهي محطّ نزاع حاد بينهما . 15- بوب أفاكيان ، " إعلان الإستقلال ، الفرص المتساوية و الحقّ البرجوازي " ،" العامل الثوري " عدد 230 ( 11 نوفمبر 1983 ). 16- أليكس دى توكفيل / " مقدّمة المؤلّف " لكتاب " الديمقراطية فى أمريكا " ( فنتاج بوكس ، نيويورك ، نشر فليبس برادلي ، المجلّد 1 ، ص 9. 17- " جذور الدستور " منشورات بادوارد كنراد سميث ، " دستور الولايات المتحدة " الطبعة 11 (برناس و نوبل) ص3 ، ذكره أفاكيان فى" إعلان الإستقلال و الفرص المتساوية و الحقّ البرجوازي ". 18- المصدر السابق . 19- لينين ، " الإمبريالية و الإنشقاق فى الإشتراكية " الأعمال الكاملة ، المجلّد 23 ، ص 117 باللغة الأنجليزية ؛ و باللغة العربية " المختارات فى 10 أجزاء " ، المجلّد 6 ، ص 234 ، دار التقدّم ، موسكو 1977. 20- ميلر ، " روسو " ، ص 209 . 21- ميلر ، " روسو " ، ص 203 . 22- هنا ليس بوسعي إلاّ أن أفكّر فى أولئك الإصلاحيين الذين يحاولون إعادة كتابة الأنجيل المسيحي لكي يحلّوا محلّ الإحالات الذكورية الجليةّ إلى إلاه ألفاظا محايدة . هل يعتقد هؤلاء الناس حقّا أنّ مثل هذا التغيير فى الشكل الأدبي بإمكانه بأيّة طريقة أن يغيّر واقع أ،ّ هذا الإنجيل يركّز و يعزّز إضطهاد النساء كما يعبّر عن ذلك مثلا فى المقطع التالي حيث تقع الإشارة إلى إلاه بكلمات محايدة : 1 فَلَمَّا رَأَتْ رَاحِيلُ أَنَّهَا لَمْ تَلِدْ لِيَعْقُوبَ، غَارَتْ رَاحِيلُ مِنْ أُخْتِهَا، وَقَالَتْ لِيَعْقُوبَ: «هَبْ لِي بَنِينَ، وَإِلاَّ فَأَنَا أَمُوتُ!». 2فَحَمِيَ غَضَبُ يَعْقُوبَ عَلَى رَاحِيلَ وَقَالَ: «أَلَعَلِّي مَكَانَ اللهِ الَّذِي مَنَعَ عَنْكِ ثَمْرَةَ الْبَطْنِ؟». 3فَقَالَتْ: «هُوَذَا جَارِيَتِي بِلْهَةُ، ادْخُلْ عَلَيْهَا فَتَلِدَ عَلَى رُكْبَتَيَّ، وَأُرْزَقُ أَنَا أَيْضًا مِنْهَا بَنِينَ». 4فَأَعْطَتْهُ بِلْهَةَ جَارِيَتَهَا زَوْجَةً، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَعْقُوبُ" . (سفر التكوين ،الأصحَاحُ الثَّلاَثُونَ 30 ؛ 1-4) أو هل سيساعد تغيير " الإلاه " إلى " السيد أو السيدة " أو ( "هو " ) فى الوعظ التالي : " أيّها النساء ( الزوجات إخضعن لرجاكنّ كما للربّ لأنّ الرجل هو رأس المرأة كما أنّ المسيح أيضا رأس الكنيسة " ( الرسالة إلى أفسس ، الأصحاح 5 ؛ 22-23) . 23- بوب أفاكيان ، " كسب العالم ؟ واجب البروليتاتريا العالمية ورغبتها " نشر كعدد 50 من مجلّة " الثورة " - ديسمبر 1981 ؛ منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو ، ص 36-37 . 24- بوب أفاكيان ، " من أجل حصاد التنانين ..." . 25- طلبة من أجل مجتمع ديمقراطي ، " بيان بورت هورون " ( طلبة من أجل مجتمع ديمقراطي ، شيكاغو 1966 ، ص 12 و 33 . 26- أنظروا بوبى سايل ،" إغتنموا الوقت " ؛ رندوم هاوس ، نيويورك 1970 ، الصفحات 56 – 69 . و تحليل لحزب الفهود السود بوجه خاص و لحركة ستينات القرن العشرين فى الولايات المتحدة ، على وجهالعموم – البرجوازية ككلّ – يوجد فى كتابى " نهاية فظيعة أم وضع نهاية لما هو فظيع ؟ " ، وخاصة الفصل 2 . 27- لقد شرحت هذه النقطة فى مقال " إعلان الإستقلال و الفرص المتساوية و الحقّ البرجوازي ". 28- بوب أفاكيان ،" بوب أفاكيان يردّ على رسالة " قومي أسود ذى ميولات شيوعية " ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو ؛ والردّ إعادة طباعة من " العامل الثوري " عدد 75 – 10 أكتوبر 1980 ، ص 7 . و ما يقدّم هنا هو إختلاف مع نظرة غالبية الإشتراكيين و عديد الشيوعيين حول هذه المسألة . مثلا ، فى " ليس فى جيناتنا " ، يركّز المؤلّفون ايضا على ما يعتبرونه " التناقض ... بين إيديولوجيا الحرّية و المساواة و الديناميكية الإجتماعية الفعلية التى تولّد غياب القدرة و اللامساواة ". لكنّهم يستخلصون أنّ اليوم ، فى المجتمع البرجوازي ، " فكرة المساواة لا تزال تمرّدية أكثر من أي زمن مضى ، إن أخذت على محمل الجدّ " ( ليونتين ؛ روس و كامين ، " ليس فى جيناتنا " ، ص 80 و 68 ) . 29- بوب أفاكيان ، " نهاية فظيعة أم وضع نهاية لما هو فظيع ؟ " ، ص 180 . 30- كارل ماركس ، " نقد برنامج غوتا " ، منشورات باللغات الأجنبية ، بيكين 1972 ؛ ص 17 باللغة الأنجليزية ؛ و باللغة العربية ، دار التقدم موسكو ، ص 15 . =======================================================
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدخل لفهم حملة بوب أفاكيان فى كلّ مكان... - فصل مضاف إلى كتا
...
-
إسرائيل ، غزّة ، العراق و الإمبريالية : المشكل الحقيقي والمص
...
-
مقدّمة كتاب - الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته - / ال
...
-
الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ
...
-
الحزب الشيوعي النيبالي – الماوي ( الجديد ) و مفترق الطرق الذ
...
-
إعادة صياغة برنامج الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللين
...
-
حول - القوّة المحرّكة للفوضى - و ديناميكية التغيير ...النضال
...
-
نظرة على الخلافات بين الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – ال
...
-
هل يجب أن نجرّم المهاجرين أم يجب أن نساندهم ؟
-
هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي العالمي المجرم يحطّم كوكبن
...
-
مقدّمة كتاب : مقال - ضد الأفاكيانية - و الردود عليه / الماوي
...
-
خلافات عميقة بين الحزبين الماويين الأفغاني و الإيراني - الفص
...
-
النساء فى مواجهة النظام الأبوي الذى ولّى عهده : الرأسمالية –
...
-
8 مارس 2014 : لنناقش هذه المقولات لبوب أفاكيان رئيس الحزب ال
...
-
إيران : الذكرى 32 لإنتفاضة آمول – - لقد أثبت التاريخ منهم عم
...
-
إيران : الذكرى 32 لإنتفاضة آمول – - لقد أثبت التاريخ من هم ع
...
-
مصر و تونس و الإنتفاضات العربية : كيف وصلت إلى طريق مسدود و
...
-
مصر و تونس و الإنتفاضات العربية : كيف وصلت إلى طريق مسدود و
...
-
أساليب التفكير و أساليب العمل - الفصل 22 من - مقتطفات من أقو
...
-
فهارس كتب شادي الشماوي- ( الماوية : نظرية و ممارسة - من العد
...
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|