صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 1290 - 2005 / 8 / 18 - 13:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في سياق استكشاف جوانب المشهد الفكري – الثقافي في ساحاتنا الوطنية بعد عملية المخاض الأليمة والمعقدة والمستمرة على الصعيد الكوني منذ حوالي العقد والنصف من السنين وتحديدا بعد سقوط جدار برلين وانهيار منظومة الدول الاشتراكية واختلال موازين القوى ليس بين القطبين العالميين وحلفي الناتو ووارسو بل بين عالمين بكل أبعادهما التاريخية والحضارية والأخلاقية وعلى امتداد كوكبنا وكل القارات والبلدان عاكسا نتائجه وآثاره العميقة في عالم حركات التحرر وبصورة أساسية في عقول وأذهان الملايين من الذين يشكلون الجسم البشري وأداة الحراك المجتمعي من النخب الثقافية والسياسية , ومن شدة وقع الزلزال ما برح ابناء الجيل المصدوم يعاني النتائج المترتبة على أرض الواقع بأشكال متباينة بين مستوعب ومتقبل ومنتقد لما استجد من وقائع موضوعية وتغييرات في صلب المعادلة السياسية المنظمة للعلاقات الدولية بما فيها أسس التحالفات والتكتلات التي اهتزت وانهارت لتفسح المجال لبروز نوع جديد من التعامل بين الدول والشعوب , وبين رافض لمعطيات الواقع الجديد ومتمترس وراء الآيديولوجيا وحارس عليها خوفا من أي مساس بحقائقها المطلقة . ويجد هذا الخندق – اذا صح التعبير – موئلا يتسع لاصناف ثلاث من الاتجاهات السياسية لعبت أدوارا في تاريخ المنطقة وتمتد جذورها الى الاوساط الاجتماعية والثقافية وبصماتها بادية في تشكيلات الدولة الوطنية المستبدة بعد الاستقلال .
أولها بقايا ورثة حكومات البورجوازية الوطنية ونسختها الاشد استبدادا المتجسدة في أنظمة الحزب الواحد الوراثية ونموذجها سلطة البعث المنهارة في العراق التي ضربت مثلا في ممارسة الدكتاتورية المتدرجة من التحكم بصورة بيانية هابطة باسم الشعب ثم الطائفة ثم الحزب ثم القبيلة ثم العائلة وصولا الى الفرد الواحد الضروري الأحد , والبعض ولا أقول حتى الأغلبية من الذين تشربوا من الثقافة القومية لأحزاب البعث وحركة القوميين العرب والحركة الناصرية , هذا الصنف فشل فشلا ذريعا في قيادة الدولة والمجتمع وألحق ضررا بالغا بالقضية الوطنية ونسف الوحدة الوطنية من الأساس وأوقف حركة التطور الطبيعي على الصعد الاقتصادية والتنموية والبشرية وأسس لثقافة عنصرية – طائفية تلغي الآخر المخالف بالحديد والنار , ولم يتورع في استخدام كل الوسائل في سبيل الحماية الذاتية بما فيها توجيه أنظار العامة الى الأمور الجانبية وتسعير الصراعات ذات الطابع القومي والديني والطائفي وفي العقود الأخيرة حوّل موضوع البقاء والاستمرارية هما أساسيا مجندا كافة امكانيات الوطن والدولة بما فيها الميزانية العامة في معركته الرئيسية أمام التحديات المحدقة بالنظام وليس بالشعب وسيادة الوطن ( هناك بلدان مازالت أراضيها محتلة ) استنادا الى منظومات أجهزة الأمن المقامة خصيصا لهذه المهمة وتشكيلات عسكرية مضمونة الولاء للحاكم , رغم أن كل الدلائل تشير الى فوات أوان أنظمة الاستبداد في المنطقة والتجربة العراقية خير برهان الا أن البقية الباقية ما زالت تناور لتزيد من عمرها أياما وشهورا وبدلا من الانسحاب الطوعي الهادىء عن المسرح وتسليم السلطة لاصحابها الحقيقيين من ممثلي الشعوب وقواها الديموقراطية وتعبيرات المجتمع وممارسة النقد الذاتي الشجاع فانها اختارت درب المواجهة والاصرار على المضي في درب الخطيئة بتسخير أجهزته وأدواته وأقلامه لصالح الارهاب والتحول في أكثر الأحيان الى موقع المخطط والممول والمنظّر والمنطلق لعمليات ابادة البشر بالسيارات المفخخة والاعمال المشينة في الذبح والاغتيالات والتدمير وبسبب الدور الاساسي لانظمة الاستبداد في العمل الارهابي الجاري في العراق ولبنان بصورة خاصة وفي بلدان أخرى بالمنطقة عموما فان نمط ارهاب الدولة هو الطاغي الآن حتى لو كان المنفذ فردا أو مجموعة أو منظمة لأن الاعمال الارهابية أولا وآخرا أعمالا سرية لا تنفذ بالدبابات والطائرات والفيالق العسكرية وقد يكون المنفذ جزء من المنظومة الأمنية أو مرتزقا أو مأجورا بدوافع المصلحة والآيديولوجيا القومية والدينية والمذهبية .
وثانيها جماعات – الاسلام السياسي – المنبثقة من تربة االافكار الظلامية – التكفيرية متخذة العنف الأعمى سبيلا الى السيطرة وطريقا وحيدا الى السلطة , انتهزت مرحلة الحرب الباردة لتلحق بالمشروع الغربي وتتجّند في طليعة صفوف المرتزقة في أفغانستان ممتطية موجة الحركة – الجهادية – التي نالت بركة ودعم القوى الدولية والاقليمية المناوئة لمصالح ونفوذ كتلة المعسكر الاشتراكي السابق لقاء اقامة نظام – طالبان – البائد السىء الصيت كنموذج لهمجية القرون الوسطى مسيء للاسلام والمسلمين , وعلى نفس منوال نهج أنظمة الاستبداد الشمولية وبعد أن عجزت هذه الجماعات عن تحقيق أهدافها وتمارس المراجعة والنقد الذاتي تمادت في غيّها وذهبت بعيدا في ممارسة أسوأ أنواع الأعمال الارهابية بعد أن انتقلت من موالاة حليف الأمس سيدها ومصدر نعمتها – الشيطان الأكبر – الى أحضان توأمها في الاصولية – الشيطان الأصغر – من أنظمة الاستبداد في المنطقة وأيتام نظام البعث العراقي المنهار .
وثالثها مجموعات صغيرة وأفراد من الفئات المثقفة كانت محسوبة يوما ما على جبهة اليسار ارتدّت وقفزت بسرعة – البرق – من الأممي الى القومي الشوفيني دفعة واحدة تقوم بدورها التنظيري للفكر القومي الشمولي وتحاول عبثا ايجاد مخرج لأزمة أنظمة الاستبداد وتدافع بأمانة عن جرائم الارهابيين وتطلق على انجازاتهم في ذبح البشر – مقاومة وطنية - . خلاصة القول وكما يظهر من سياق الأحداث فان كلا من الصنفين الأخيرين ( الاصوليتان الدينية والعلمانية ) لم يكونا صادقين في يوم من الأيام للمبادىء التي تغنوا بها والاهداف التي وقفوا من ورائها ولذك سرعان ما عادوا الى الجذور وانطلقوا من جديد في خدمة الفكر القومي العنصري ليؤسسوا جميعا نواة تحالف ثلاثي من أصحاب الآيديولوجيات الخاسرة والمشاريع الفاشلة يتخذ الارهاب نهجا له .
ماذا عن السياسة الكردية لهذا الحلف الظلامي ؟
يبدو أن أحد أكثر المواقف التي توحد الأصناف الثلاث هو الموقف من الكرد والقضية الكردية وهنا لا بد من التأكيد بأننا بصدد أعداء وخصوم حرية الشعب الكردي وحقه في الحياة ولسنا في موقع سرد تحليل مقارن أو تفاضلي بين نظرة وأخرى بل أمام حقيقة مرة ودامغة تتراوح بين الرؤية الاستئصالية وابادة الجنس – والقبور الجماعية وحلبجة شواهد – وتغيير التركيب الديموغرافي والتهجير وتغيير القومية والأسماء وتزوير التاريخ وتشويه الجغرافيا وانكار الوجود كشعب ومصادرة حق تقرير المصير , وقد لاحظنا ذلك الاستنفار الواسع لأقلام مثقفي مختلف هذه الاصناف ( منابر اعلام أنظمة الاستبداد وما أكثرها , والأساتذة فهمي هويدي , جوزيف سماحة , بثينة شعبان , أحمد الربعي , عزمي بشارة , تركي علي الربيعو الخ ... والقائمة طويلة ) عشية مناقشة وصياغة الدستور العراقي ليس من أجل اغناء المناقشات أو التوصل الى توافق بين مكونات الشعب العراقي وتعزيز الثقة والمصالحه بين أطيافه ومناصرة مبدأ تقرير المصير للشعوب والقوميات بل من أجل تسعير الخلافات القومية وتأليب العرب على الكرد والسنة على الشيعة بهدف اعادة الوضع الى الوراء والتخريب على العملية السياسية الجارية لبناء العراق الديموقراطي الفدرالي الجديد بالرغم من أن نجاح شعب العراق في هذه المرحلة وتخطي المصاعب الراهنة يشكلان انتصارا لجميع قوى التقدم والتغيير الديموقراطي في الشرق الأوسط وتتويجا لائقا لصدقية شعوبنا وجدارتها في التمتع بالحرية والحياة الكريمة .
قراءة سريعة للآراء والمواقف التي ظهرت في الاشهر الثلاث الأخيرة التي ظهرت حول العراق والكرد والعرب في الفضائيات والصحف من عدد من مثقفي حلف الارهاب هذا تقودنا الى استخلاص نتائج تؤكد توافق الجميع وسواسيتهم أمام الحالة الكردية في بناء الموقف الخاطىء المسبق المخالف للحقائق التاريخية والوقائع الجغرافية والأخلاق السياسية المستندة على مبادىء الحق والعدل حيث الجميع يشتركون في قراءة خاطئة للتاريخ الكردي وجغرافية موطنه الاصلي كردستان , وتجاهل وجود شعب من السكان الأصليين في المنطقة وبالتالي عدم التسليم بحقه في تقرير المصير , والتوجه نحو معالجة الوجود الكردي والشعوب والقوميات الأخرى غير العربية بالعقلية الاستئصالية وبالوسائل الأمنية والعسكرية وعبر الثقافة العنصرية بتطبيق مخططات التعريب والتهجير , ولا ندري لماذا يتعامى هؤلاء المثقفون عن رؤية الحقيققة والواقع بأن الكرد يتصدرون الآن معركة الدفاع عن الديموقراطية ويرفعون لواء التغيير والاصلاح ويتمسكون بتثبيت حقوق المرأة والقوميات وحرية الاديان والمذاهب ويناضلون من أجل ابعاد الدين عن السياسة ويستميتون في سبيل دولة علمانية ليبرالية ديموقراطية اتحادية ويطالبون بالشراكة العادلة في توزيع السلطة والثروة , او ليس كل ذلك ما تصبو اليه شعوبنا في الشرق الأوسط ؟ او ليس كل ذلك من شروط ودعائم بناء المجتمع المدني والتقدم والرقي الذي نعمل من أجله ؟ اذا لماذا هذا العداء المسبق ولمصلحة من ؟
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟