|
محاولة في تحديد -الأصولية-
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 4580 - 2014 / 9 / 20 - 11:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مقدمة كتيب الشيخ ناصر الدين الألباني:"الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام"،يقدم محمد عيد العباسي تعريفاً دقيقاً ل(السلفية):"وماالطريق الصحيح إلاطريق الكتاب والسنة،وفهمهما على المنهج الذي فهمه سلفنا الصالح..."(مكتبة المعارف،الرياض1425،ص5).في تعريف ابن تيمية ل(الأصولية)هناك اقتصار على الحدين الأولين أي(الكتاب)و(السنة):"إذا أراد معرفة شيء من الدين والكلام فيه نظر فيماقاله الله والرسول،فمنه يتعلم ومنه يتكلم،وفيه ينظر ويتفكر،وبه يستدل،فهذا أصل أهل السنة"(ابن تيمية:"الفرقان بين الحق والباطل"،مكتبة دار البيان،دمشق1993،ص41).عند ابن تيمية يأتي فضل الحد الثالث،أي(السلف الصالح)، بعكس ماعند االسلفية ،ليس من ذاته باعتباره كمايقول السلفية الجسر للحدين الأول والثاني إلى المسلمين ،بل من "اعتصامهم بالكتاب والسنة"(ص17)،مقتصراً في ذلك على الصحابة من دون مد ذلك إلى التابعين كمايفعل السلفيون ومن دون اعتبار "كل الصحابة في الفضل واحد ولكن بدرجات" كمايقول السلفيون، بل يصل (الأصوليون) من خلال مقياس ابن تيمية إلى امكانية تخطيء بعض الصحابة،كمافعل سيد قطب بكتابه :"العدالة الاجتماعية في الاسلام"تجاه الخليفة الثالث عثمان بن عفان من خلال فحص "اعتصامه"بالحدين الأول والثاني ،أي ب(الكتاب)و(السنة). على خطى ابن تيمية تأتي أصولية حسن البنا مؤسس (جماعة الإخوان المسلمين)في آذار1928:"وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلاالمعصوم (صلعم)وكل ماجاء عن السلف رضوان الله عليهم موافقاً للكتاب والسنة قبلناه- وإلافكتاب الله وسنة رسوله أولى بالإتباع"(البنا:"مجموعة الرسائل"،دار الأندلس،بيروت1965،ص8)في قياس ل(السلف)عبر (الأصل).هذه الأصولية لها نظرة دائرية للتاريخ،آخره يقاس بأوله:"لن يصلح آخر هذه الأمة إلابماصلح به أولها"(ص112-113)،وهو يستشهد بقول عمر بن عبدالعزيز:"لست بمبتدع ولكني متبع"(ص364).هذه النظرة الدائرية للتاريخ ،حيث يعود فيه آخره إلى أوله، تحوي نظرة ترى فيها التاريخ كمسرى انحداري وليس تطوري تقدمي،وهي ترى العودة للبدء والأصل ،الذي يمثل(النقاء)،بمثابة الشفاء من التلوث بعوائد الزمان الذي شهد ،وفق الأصوليين، ابتعاد المسلمين ،عبر المسار التاريخي ،عن الاسلام وأصله الأول. هذا يعني وفق البنا أن الدين معطى بدفعة واحدة أتت عند النبع الأول ويجب العودة إليه كأصل كماكان آنذاك:هو يرى في نظرته أن "الاسلام معنى شامل ينظم شؤون الحياة جميعاً"(ص 100-101)،والاسلام ليس كاالمسيحية يفصل الدين عن السياسة وعن الأمور العملية:"الاسلام عبادة وقيادة،ودين ودولة،وروحانية وعمل،وصلاة وجهاد،وطاعة وحكم،ومصحف وسيف"(البنا:"مذكرات الدعوة والداعية"،نسخة ألكترونية ب د ف،324صفحة،forum.roro44/269574.html،ص173).وهو يرى أنه "وضع في هذا الدين القويم كل الأصول اللازمة لحياة الأمم ونهضتها وإسعادها"("مجموعة الرسائل"،ص146)من منطلق أن"القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصياء على البشرية القاصرة،ويعطيهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصايا النبيلة ،وإذن فذلك من شأننا لامن شأن الغرب ولمدنية الاسلام لالمدنية المادة"(ص127)،وهذا يقود حسب البنا إلى أن هناك رسالة هجومية اسلامية لتحقيق السيادة العالمية تتجاوز الحالة الدفاعية أمام الهجمة الغربية ممايتطلب"إعادة الكيان الدولي للأمة الاسلامية...حتى.. إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة"(ص14). الملفت للنظر هنا أن مقصده هنا من (الوحدة المنشودة)لايشمل الجغرافية فقط بل "تقريب وجهات نظر أهل القبلة جميعاً من غير دخول في مناقشات مذهبية عميقة"(إسحق موسى الحسيني:"الإخوان المسلمون كبرى الحركات الاسلامية الحديثة"،دار بيروت،طبعة أولى،1952،نسخة ب د ف،ص27على الرابط:ikhwanwiki.com/index.php/title)في ابتعاد ليس فقط عن السلفيين في موقفهم االتكفيري للسنة الآخرين من أشاعرة وصوفية بل ليشمل في مفهومه ل(أهل القبلة)ليس فقط مذاهب أهل السنة جميعاً بل أيضاً وأولاً السنة والشيعة معاً،وعلى الأرجح أن البنا كان متأثراً بفكرة طرحها السيد جمال الدين الأفغاني حول( اسلام عام)عابر ليس فقط لحدود المذاهب السنية الأربعة بل يضع تحت خيمته السنة والشيعة معاً،وهو مايفسر حماس البنا لفكرة التقريب بين السنة والشيعة وتأسيسه مع السيد محمد تقي القمي (دار التقريب بين المذاهب الاسلامية)عام1947،ثم التقارب الفكري - السياسي العميق بين الحركتين الإخوانية والخمينية. الملفت للنظر في أصولية حسن البنا دوافع قيامها وتأسيسها في النظر والعمل الحركي:هذه الدوافع عندما يعددها البنا في"مذكرات الدعوة والداعية" كلها آتية من نظرة دفاعية أمام "تيار التحلل في النفوس والآراء والأفكار باسم التحرر العقلي،ثم في المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي"(ص57)و أمام قيام " تركيا بانقلابها الكمالي ...بإلغاء الخلافة في عام1924وفصل الدين عن الدولة في أمة كانت إلى بضع سنوات في عرف الدنيا مقر أمير المؤمنين"(ص57) وأمام تأرجح مصر في"حياتها الاجتماعية بين إسلامها الغالي الذي ورثته وحمته...وبين هذا الغزو الغربي العنيف المسلح"(ص58). يحدد البنا الهدف في"الفكرة التي ملكت على نفسي ،وهي فكرة الدعوة إلى الرجوع إلى تعاليم الاسلام،والتنفير عن هذا التقليد الغربي الأعمى،وعن مفاسد قشور المدنية الغربية"(ص69)للوصول إلى"رد هذا الكيد عن الاسلام"(ص59)والعمل على إحياء "الاسلام والعمل على إحياء مجده"(ص81). تم التأصيل النظري ل(الأصولية)بعد ثلاثة عشر عاماً من تأسيس (جماعة الاخوان المسلمين)على يد الهندي أبوالأعلى المودودي في كتابه "المصطلحات الأربعة في القرآن:الإله والرب والدين والعبادة"في عام1941(نسخة ألكترونية ب د ف،،ahlalhadeeth.com/vb/showthread.php?t=36059.63صفحة). وضع المودودي في هذا الكتاب نظرية (حاكمية الله) في عملية غير مسبوقة في النظريات السياسية الاسلامية،وإن كانت قد طرحت عند (الخوارج) ولكن من دون تأصيل نظري:"إن كلاً من الألوهية والسلطة تستلزم الأخرى"(ص15)و"الألوهية تشتمل على معاني الحكم والملك"(ص17)و"أصل الألوهية وجوهرها هو السلطة"(ص13)و"القرآن يجعل الربوبية مترادفة مع الحاكمية والملكية sovereignty "(ص43).يعتبر المودودي أن"كلمة (الدين) في القرآن تقوم مقام نظام بأكمله،يتركب من أجزاء أربعة هي:1- الحاكمية والسلطة العليا،2-الطاعة والإذعان لتلك الحاكمية والسلطة،3-النظام الفكري والعملي المتكون تحت سلطان تلك الحاكمية.4- المكافأة التي تكافأها تلك السلطة العليا على اتباع ذلك النظام والاخلاص له أوعلى التمرد عليه والعصيان له."(ص56). كان كتاب المودودي تأسيسياً لإتجاه أصبح رئيسياً في الحركة الإخوانية العالمية من خلال مناظيره الفكرية السياسية والعملية التي أصبحت واضحة عبر كتاب سيد قطب :"معالم في الطريق"الصادر عام1964والذي كان استناده إلى المودودي واضحاً. في عام 1969رد المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حسن الهضيبي من سجنه وعبر كتاب"دعاة لاقضاة"على المودودي وسيد قطب محاولاً تثبيت الاتجاه الدعوي في وجه وبالتضاد مع نظرية(الحاكمية). امتدت تأثيرات المودودي وقطب إلى التنظيم الإخواني السوري عبر مروان حديد وسعيد حوى،ثم عبر القيادي الإخواني الأردني الفلسطيني عبدالله عزام إلى أسامة بن لادن ،ومباشرة أمتدت التأثيرات من كتب سيد قطب إلى أيمن الظواهري و(تنظيم الجهاد)المصري. في كانون أولديسمبر2009استطاع الإتجاه القطبي،وعبر رجله القوي محمود عزت، أن يسيطر على قيادة جماعة الاخوان المسلمين في القاهرة من خلال انتخاب محمد بديع مرشداً للجماعة . لم يقتصر اتجاه المودودي على الامتداد عبر سيد قطب لتنظيم الإخوان المسلمين أوعبر جسر سيد قطب أيضاً لتأسيس اتجاه(السلفية الجهادية)من خلال قيام (تنظيم قاعدة الجهاد)في شباطفبراير1998بقيادة ابن لادن والظواهري،بل كانت تأثيرات المودودي واضحة على كتاب الخميني :"الحكومة الاسلامية"الذي هو مجموع دروس ألقاها في النجف بكانون ثانييناير1970،حيث يختلف الخميني مع قطب في وسائل تحقيق(حاكمية الله) فقط وليس في الفكرة ،حيث يراها الخميني تتحقق من خلال (الولي الفقيه) الذي هو (نائب الإمام الغائب)ويتولى قيادة (الحكومة الاسلامية)،فيمايرى سيد قطب أن الطريق لتحقيق ذلك عبر "طليعة تعزم هذه العزمة وتمضي في الطريق...ولابد لهذه الطليعة التي تعزم هذه العزمة من (معالم في الطريق)،معالم تعرف منها طبيعة دورها ،وحقيقة وظيفتها،وصلب غايتها،ونقطة البدء في الرحلة الطويلة"("معالم في الطريق"،مكتبة وهبة،نوفمبر1964،ص10-11).من دون هذا لايمكن تفسير قيام آية الله علي الخامنئي،تلميذ الخميني،بترجمة بعض كتب سيد قطب إلى الفارسية.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تحديد السلفية
-
داعش كمؤشر على انحسار تيار الاسلام السياسي
-
من البنا إلى البغدادي
-
تضعضع المخفر الإسرائيلي
-
الأشكال المتبدلة للتعبير السياسي
-
الزواج الليبرالي – الاسلامي في سورية
-
فراغ الدكتاتور
-
ربيع العسكر
-
انفجار عراق بول بريمر
-
الانشقاق السلفي الإخواني
-
(نزعة التعامل مع الشيطان)عند معارضين سوريين
-
الصعود الثاني للأصولية الهندوسية
-
يساريون وليبراليون وعلمانيون مع الجنرال
-
ملامح الحياة السياسية العراقية
-
الاستيقاظ الروسي
-
فشل الثورة المصرية
-
الاخوان المسلمون والسعودية
-
الفشل الثاني لتيار الإسلام السياسي السوري
-
أوكرانيا: عبء التاريخ والجغرافية والبنية
-
محمد سيد رصاص - كاتب وباحث وناشط يساري سوري - في حوار مفتوح
...
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|