أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاروق عطية - أحلام بين زمن فات وآخر آت















المزيد.....

أحلام بين زمن فات وآخر آت


فاروق عطية

الحوار المتمدن-العدد: 4580 - 2014 / 9 / 20 - 11:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كلما توالت الآحداث تأخذنى الذكريات، ويختلط عندى الماضى بالحاضر فى مقارنات بما كان يحدث فى ماضى الزمن الجميل وما يحدث اليوم، ولا لوم على الزمن، فما الزمن إلا ساعات وأيام وشهور وسنين تترى بلا تغيير، ولكن ما يتغير هو الإنسان، الضمير والفكر والوجدان. كان الناس في الزمن الجميل طيبين متحابين يتزاورون ويتوادون دون النظر للدين أو التوجه السياسي أما الآن فقد نغير الحال وأصبحت الصداقات زائفة وكل لا يقيل الآخر المختلف دينيا أو سياسيا حتي وصل الحال إلي التخاصم والتباغض الذي يصل أحيانا للتقاتل, وظهرت جماعات تدعي الإيمان وهي بعيدة كل البعد عن الإيمان, أمثال جماعة بيت المقدس والنُصرة وداعش وغيرها من الحركات التكفيرة الضالة.
وبمناسبة اقتراب موسم الحج, أذكر في الزمن الجميل كيف كان الناس يستعدون للحج لبيت الله الحرام وكيف كانوا يبذلون من مشقة وعنت. البعض يمشي سيرا علي الأقدام من بلدته حتي محطة كبري الليمون بالقاهرة حاملا متاعه علي كتفه ليأخذ القطار إلي الأردن ومنها إلي الحجاز. والبعض سيرا علي الأقدام في الصحراء حتي يصل لميتاء السويس أو رأس غارب علي البحر الأحمر ليأخذ العبارة إلي البلاد المقدسة, يحدوهم الإيمان الحقيقي وطلبا لرحمة الله وغفرانه, أما الأن فحدث ولا حرج عن العخغخة والأبهة والسفر علي أرقي المواصلات من بواخر وطائرات, يحدوهم الحصول علي رخصة الحاج التي تغتح لهم الأبواب دون النظر للتوبة أو المغفرة ويعودون من حيث ذهبوا ليمارسون ما كانوا يمارسون فبل الحج من سرقة ورشوة وضلال وكأنك يا أبا زيد ما غزيت. وكلما زاد الفقر في البلاد قل التراحم وزاد عدد الحجاج والمعتمرين مرات ومرات, ولا يفكر أحد في الاكتفاء بحجة واحدة وانفاق ما يصرف علي الحج مرات أخر علي الفقراء كنوع من التكافل بين الناس. ورغم ما تعانيه مصر من مشاكل اقتصادية طاحنة نتيجة توقف دولاب العمل لثلاث سنوات عجاف عمت فيها الثورات الفاشلة والتظاهرات المستمرة, حتي هرب المستثمرون وتلاشت السياحة وتضب معين الغاز الطبيعي لكثرة ما استهلكناه فيما لا يفيد, وبالرغم من ذلك نجد الدولة تشجع المزيد من الحج وبالطبع يتبعه المزيد من التدني الاقتصادي وطلب المعونة من الأصدقاء, وأظن أن الدولة لو كانت جادة لحددت عدد الحجاج ومنعت من حج مرة بالاكتفاء, أو لمنعت الحج لعام أو عامين حتي تسمح الظروف, حيث أن فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلا, ومصر الآن لا تستطيع إليه سبيلا.
أيضا عنّ علي فكري المقارنة بما كان يحدث في شهر الصيام أيام الزمن الجميل وما يحدث الآن, رحت أفكر وأقارن. افكر فى معنى الصيام بل والعبادات، قلت لنفسى نحن المحتاجون لعبادة الله وليس هو بجلاله محتاج لنا، فرض علينا الصلاة لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وفرض الصيام ليس لتجويعنا هباء ولكن ليشعر الصائم بجوع المحتاج والفقير، وللامتناع عن شهوات الجسد والسمو بالروح. أقارن بين ما كان يحث فى رمضان أيام الماضي الجميل، أتذكر الناس البسطاء المتدينون بالفطرة الصائمون بحق، وهم يمدون موائدهم البسيطة خارج البيوت، مناضد صغيرة متلاصقة من جميع البيوت فى الشارع، بيت عم محمد الدكش وبيت عم حسن عواد وبيت عم مينا باخوم وبيت عم جرجس باسيلى وبيت الحاج حلمى محمود وغيرهم لا أتذكر الأسماء. منهم من ينتظر آذان المغرب ليفطر ومنهم من يشارك ليتناول العشاء مع الصحبة والأحباب. موائد بسيطة من أطباق الفول والباذنجان وما تجود به القدرة من بعض لحم أو سمك. منتهى القناعة والرضى يتبادلون الأطباق فى سعاة مع اكواب العرقسوس أو الليموناده، لا فخفخة ولا تحويش ولا استدانة حتى تمتلئ الكروش، لكنه التبلغ بلقيمات والحمد لله. أما اليوم فقد نسى أو تناسى الناس حكمة الصيام، وتعالو نرصد ونحلل حقيقة ما يفعله معظم الناس الآن. يوفر الناس طوال العام بل ويقترض بعضهم حتى يستطيعوا شراء مستلزمات شهر الصيام من ياميش وعصائر ولحوم وما لذ وطاب من أطايب الشراب والطعام، والدولة من جانبها تشجع هذا الجشع الاستهلاكى فى شهر الصيام، تستورد لهم وتوفر ما لم تستطع توفيره طوال العام، بذلك يتحول الصيام من وسيلة توفير للطعام لوسيلة سفه استهلاكى وتبذير للموارد. كان الناس فى رمضان الزمن الجميل يتعبدون ويتزاورون ويسهرون فى سمر على المصاطب حتى السحور، اما اليوم تتسابق القناوات الأرضية والفضائية لملئ ساعات الليل والنهار بالمسلسلات والتمثيليات الجيدة والهابطة، وينساق معظم الناس لمشاهدتها مفضلينها عن التعبد والتهجد، ويتحول الصيام من وسيلة لتهذيب الجسد والسمو بالروح إلى عكس ذلك تماما، حتى تحول شهر رمضان المعظم من شهر الصيام الي شهر الطعام والمكسرات‏، ومن شهر القرآن الي شهر الفوازير والمسلسلات‏، وبدلا من أن ينخفض فيه استهلاكنا من المواد الغذائية نتيجة الصيام‏ يرتفع بشكل مذهل وكأننا قد أصبحنا فجأة أمة من المفاجيع‏!. كان الصيام فى زمن الحب يهدئ النفوس ويشذب الأخلاق وينسى فيه الناس الضغائن والعداوات، أما اليوم نلاحظ فظاظة وانفلات اعصاب معظم الناس فتكثر المشاجرات والتشابك بينهم بأقزع الألفاظ والتشابك بالأيدى لأتفه الأسباب متعللين بنرفزة الصيام، وما يغيظنى قولهم بعد كل شجار: اللهم إنى صائم، كأن الصيام رخصة لانفلات الآعصاب..! كنت اتمنى فى هذا الشهر الكريم أن يكتفى الصائم بلقيمات يسد بها رمقه حتى يحس ويشعر بإحساس وشعور الفقير والمحروم ويهب بمنح ما وفره من طعام فى شهر اصيام لمن حرمهم جشع الإنسان من وفرة ورغد العيش. كنت أظن الدولة تتسابق فى توفير الطعام ليكون فى متناول الشعب المطحون طوال العام وليس فقط فى شهر الصيام، بل كان من الواجب رفع أسعار السلع الاستفزازية فى شهر الصيام بنسبة معلومة لتنفق منها على الملاجئ وبيوت اليتامى والمعوزين. كنت أتمنى أن ترق الطبائع وتسود المحبة والتكافل ليس فى هذا الشهر فقط ولكن يستمر مفعول الصيام طوال العام. وأمامنا اليوم بعد فورات الخريف العربي وكارثة حكم الإخوان وهبّة 30 يونيو, الآن وفورا مهمة عاجلة في تقديم المساعدة لأبناء مصر المطحونين والمحترقين بنيران الغلاء. ليس الأن وقت الحديث عن محاكمة ومحاسبة الذين تسببو فيما حدث، ولكم الآن وقت التضافر لإنقاذ مصر من كبوتها والوقوف جميعا صفا واحدا لعودة صمودها وعودة ريادتها. ومن حق الفقراء والمعوزين جانبا من أموال الزكاة التي يتصدق بها أصحابها خلال شهر رمضان أن تخصص إلي هذا الدعم العاجل المطلوب حتي نبني مجتما قويا متكافلا كما كان. أليس الفقراء والمعوزين أولى بالأموال التى تنفق على العمرات الرمضانية والحج الذى فرض فقط على من استطاع إليه سبيلا، والذى يؤديه بعض الناس فقط للحصول على لقب حاج..؟!! اليس من حق الفقراء والمعوزين على رجال الأعمال‏ أن يساهموا بجزء من أموالهم التى جمعوها من قوت الشعب الجائع بدلا من بعزقتها على نزواتهم النسائية وجرائمهم التى يندى لها الجبين, مطلوب مساهماتهم الجادة في تخفيف أوجاع المطحونين. إن قوة أي مجتمع تكمن في قدرته علي التماسك عند الشدائد والكوارث الناتجة عن القدر او الإهمال، كما تكمن في قدرته علي ضم جميع الفقراء تحت مظلة الدولة وإشعارهم بأنهم مازالوا في وطن عطوف وقادر علي تخفيف أحزانهم‏، ومصر عبر تاريخها كانت قوية وقادرة علي ذلك‏. وفى النهاية لا يسعنى غير أن اردد الآية القرآنية من سورة الإسراء التي تقول‏:‏ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها‏، فحق عليها القول فدمرناها تدميرا‏.



#فاروق_عطية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فداحة الخسارى بانهيار هرم سقًارة
- عذاب القبر بين الحقيقة والأساطير
- إن خلص الفول أنا مش مسؤول
- محمد نجيب وجزاء سنمار:
- ماذا لو لم تنجح حركة ضباط الجيش 1952 ؟
- تخفيض الدعم وتأثيره علي محدودي الدخل
- رمضان بين الأمس واليوم
- رسالة تنويرية لفخامة رئيس الجمهورية
- خطأ غير مقصود أو زلة لسان بلا وعي
- ضرب النفير لممر التنمية والتعمير
- من كيتشاري الهند لابو دقة المصري
- بئس الفتاوي للعميل ياسر برهامي
- عيد العمال بين هايماركت ومصنع كفر الدوار
- أسباب معروفة وخفية لمجزرة الهلايل والدابودية
- النصب المحظور وتدني الأجور
- الوضوح والأسرار في كتابة المقال
- نظرة ولفتة لتحول الفيروسات إلي كُفتة
- من غير ماتزُق الزبون على حق
- فتاوى الشنكحاوى
- الفيدرالية في اليمن


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاروق عطية - أحلام بين زمن فات وآخر آت