صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1290 - 2005 / 8 / 18 - 07:42
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يمكن احياناً ان يتفهم المرء الحماس للاتجاهات القومية وحتى الطائفية لدى الاقليات, لانها تشعر بالاضطهاد عادة, وغالبا ما تكون مضطهدة بالفعل. اما ان ينتقل ذلك الحماس الى طائفة تشكل الاغلبية فهو امر غريب. لايعني هذا ان الاغلبية لايمكن ان تُضطهد, لكن الحماس لديها يكون في العادة موجها الى تحقيق الديمقراطية, الذي يحقق لتلك الاغلبية حقها في احترام رأيها في طريقة حكم البلاد.
الاتجاه الشيعي الحالي لفدرالية شيعية لايتخذ شكلاً سياسياً مفهوماً, وانما صراع طائفي تمييزي, امل ان اعود اليه في مقالة اخرى, لكني ارد هنا على واحد من اشد من كتب في الموضوع قرباً الى تلك المشاعر المرفوضة, وهو الكاتب والباحث من السعودية (كما يصف نفسه) علي فردان.
لايجد فردان ضيراً من ان لايبقى للعرب السنة في العراق غير "صحراء الانبار" فيكتب في "الحوار المتمدن" (العدد: 1288 - 2005 / 8 / 16), تحت عنوان:" فيدرالية في السعودية!" قائلاً :
" لما لا؟ السنة العرب العراقيين حكموا العراق وهم أقلية ونهبوا أمواله لصالح مناطقهم الفقيرة بالماء والنفط، إضافةً إلى أنهم أول من عارض التحرك للديمقراطية وأول من ناصر صدّام في قتله للشيعة والمقابر الجماعية تشهد على ذلك، والآن من مناطقهم تأتي سيارات الموت المفخخة التي تقتل الشيعة."
ان كثرة الكذب في الموضوع وتكراره قد بنى حاجزاً نفسياً من التعب والسأم, يحمي ذلك الكذب ممن يرغب في الرد عليه.
قبل كل شيء اود ان اسأل علي ان كان علي مقتنعاً فعلاً بأن صدام كان في حقيقته مسلماً. فإن لم يكن, فكيف يكون سنياً؟ الا إذا كان علي يعتقد ان السنة ليسوا مسلمين! ولو كان صدام يعادي الشيعة "لمجرد انهم شيعة" كما تدعي, فكيف وصل العديد من الشيعة الى ان يصبحوا من رجاله؟
ان محاولة الصاق السنة بصدام انى كان غرضها, فان نتيجتها تقوية صدام وزيادة شرعية حكمه بشكل لم يحلم به, وتحوله من رجل عصابات لا يمثل إلا نفسه الى رجل يمثل الملايين من العراقيين.
هذه المحاولة للانتقام من شيء ما حتى لو كان غير صحيحاً لها نتائج خطيرة. ففي الوقت الذي يدعي صاحبها ان الدافع من ورائها هو الكراهية والالم الذي سببه صدام ومن حوله, ورغبة في الاقتصاص من المجرمين والمذنبين, فانه يقدم اكبر خدمة لؤلئك المجرمين بدعوة السنة عملياً للالتفاف حولهم, فهو يحاول اقناعهم (كما يحاول كثير من الاعلام هذه الايام) بان صدام كان يساندهم وانهم حكموا العراق من خلاله, الخ من تلك الخرافات.
يعمل السياسيون عادة, على عزل خصومهم واعدائهم عن كل مصدر قوة ممكن, فكيف نفسر اصرار البعض على الصاق السنّة بصدام ومحاولة اقناعهم بذلك؟ هل هي الطريقة القديمة في دفع مجموعة الى التعصب لمجموعتهم بافهامهم ان الاخرين اعداء لهم؟
انا مثلا من اصل سني, احتقر صدام واكرهه, فأين مكاني في مقالك؟ هل يفترض بي ان ادافع عن صدام باعتباره حاميا لمصالحي في الجو الطائفي الذي تدعو له؟
لم يكن صدام مسلماً ولم يكن عربياً ولم يكن عراقياً ولم يكن انسانياً وإلا لوجدنا فيه يوما دفاعا وفائدة للإسلام اوالعرب اوالعراقيين اوالبشرية وقد كان ضارا بها كلها اشد الضرر. كان فقط الدكتاتور القبيح الذي لايهمه الا نفسه ونفسه فقط..
جهود هائلة تبذل لتحويل الحقيقة المركزية القائلة ان صدام اضطهد الجميع, ووزع اضطهاده حسبما يحقق له البقاء والسلطة فنالت المناطق التي وقفت بوجهه اكثر من غيرها, نالت من الظلم اكثر من غيرها. هذه الحقيقة تحول الان الى: ان صدام "السني العربي" قد اضطهد الاكراد والشيعة, بمساندة السنة العرب. والحقيقة هي ان الدكتاتور كان يبحث عن مناصرين له في كل مكان, وقد وجد من يناصره ليس من السنة العرب فقط بل من الاكراد والشيعة ايضاً. وكما سانده بعض "السنّة" لقتل سنّة, سانده اكراد لقتل اكراد وشيعة لقتل شيعة.
لكن هذه الحقيقة لاتبدوا جميلة ولاحماسية, ولاتصلح لاخراج شعارات تسير خلفها جماهير تبحث عن تفريغ ما في انفسها من الآم ورغبة في الضرب والانتقام. انها تجعل من الذنب والجرم يأخذ شكلا هلامياً موزعً بين الملل, لايسهل رؤيته وتحديده وبالتالي التمتع بضربه. ان ما يشفي الغليل هو عدو واضح محدد في مجموعة ما من الناس, لنتمكن من توجيه سياطنا اليه. لذلك يقبل الحقيقة من يقبلها على مضض, وهو على اتم استعداد للتخلي عنها متى ما قدم له فكر عنصري او طائفي اوهى الحجج لذلك.
لقد قرأ الجميع الحقيقة مرات ومرات, ونساها الجميع مرات ومرات, ومللنا تكرارها لمن لايريدها. فتلك الحقيقة تقف حاجزاً مزعجاً يمنع المنتقم ان يجد لنفسه ضحية يفرغ بها رغبته في الضرب. المنتقم يريد التمتع بالضرب بلا تمييز وبلا قيود او مراجعات عقلية. المنتقم يحب "مشرط الدكتاتورية" وليس "ملقط الديمقراطية" ان سمح لي جورج المصري ان استعير تعبيره الجميل.
" في مصر، كما في الأردن، في الإمارات وقطر، كما في السعودية، الكل ضد الشيعة العراقيين فقط لأنهم شيعة، ولأنهم يتطلعون إلى دولة ديمقراطية يحصلون فيها ولو على شيء بسيط من حقوقهم."
هكذا يكتب علي فردان مذكراً بمنخفض الذكاء بوش حينما صرخ "انهم يكرهوننا لاننا نحب الديمقراطية."
"أماّ عن الوحدة الوطنية والطنطنة الفارغة، فهي ليست على أولويات الحكومة، ولن تكون؛ وإلاّ لوزّعت ثروات الوطن على الأقل بالتساوي ولم تفرق بين المواطنين استناداً للمنطقة والمذهب. الوحدة الحالية هي وحدة «هلامية» هشة لم تكن ولن تكون حقيقية، وآل سعود أول من يدرك ذلك."
لم افهم ان كان علي فردان مشغول بالعراق ام السعودية؟ لايهم! اسمع علي يجيبني, فهو يقسم العالم الى "شيعة" و"غير شيعة" كما قسم النازيون العالم الى عنصر "جرماني" وعناصر "غير جرمانية" وقسمت الصهيونية البشر الى "يهود" و"غير يهود".
وهل يريد علي ان يقنعني اني مسؤول عن ما تقوم به السعودية باعتبار حكامها من السنّة؟؟
في مقالة سابقة له بعنوان:" أنا إيراني"( http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=40966)
يكتب فردان:"أتفهّم لو أن الشيعة تظاهروا في البحرين أو في السعودية أو في الكويت مطالبين بالمساواة والحقوق والحريات، مطالبين بمكافحة التمييز، مطالبين بحقوقهم كأقلية وحقوقهم في خيرات أرضهم التي لم ينالوا منها إلاّ حصرماً. أتفهم ذلك، ولكن لا أتفهم خروجهم في مظاهرات دفاعاً عن الفلسطينيين قبل سنوات في القطيف وعرّضوا أنفسهم لقمع حكومي شديد، بل قاطعوا حتى المنتجات الأمريكية، في الوقت الذي يعمل فيه الفلسطينيون في بناء المستوطنات الإسرائيلية ويبيعون إسرائيل الإسمنت لبناء الجدار العازل. ولا ننسى أن الدول العربية تقيم علاقات تجارية ودبلوماسية مع إسرائيل، آخر هذه العقود هو بيع الغاز الطبيعي من مصر إلى إسرائيل وهو مشروع قيمته تجاوزت المليارات من الدولارات"
لم لاتتفهم الدفاع عن الفلسطينيين ولم اعتبرت مقاطعة المنتجات الامريكية امراً عجيباً يا علي؟ لم لايدافع الشيعة عن حقوقهم وحقوق الاخرين ايضا ان رأوا في ذلك نصرة للعدل؟ هنا في الغرب تظاهر مسيحيون غير عرب دفاعاً عن الفلسطينيين, وقاطعوا المنتجات الامريكية, فلعلك تستصعب فهمهم ايضا؟
ثم لم يجب ان يكون الفلسطينيون المتعاونون مع الاحتلال, والدول العربية المتاجرة مع اسرائيل قدوة للاخرين؟ ولمَ تشير الى "الدول العربية" كما يفعل غير العرب عادةً, وكأنك لست عربياً؟ لم تُطرح العلاقة مع اسرائيل دائماً كأنها كنز يضحي به البعض (بحماقة) من اجل الفلسطينيين؟
للانسان السوي ابعاد عديدة. فللبعض بعد عربي, وللبعض بعد اسلامي, بعضهم له بعد شيعي واخر سنّي. لكن ما يجمع كل البشر بلا استثناء هو البعد الانساني, الذي يشمل الابعاد كلها في اطار اساسي, وهو لذلك الاكثر قيمة من بقية الابعاد جميعا, وللأنسان ان يدافع عنه قبل غيره. فإن كنت حريصاً على مصلحة وقيمة طائفتك وابناء دينك فلم لا تدعوها وتدعوهم الى الدفاع عن قيمهم العليا اضافة الى الدفاع عن مصالحهم؟ الا تجد في العمل على ان يقدم الشيعة مثالاً عالياً للمسلمين وغيرهم في تلك القيم, خاصة وان فرصة نادرة قد اتيحت لهم اليوم, لكونهم اغلبية في بلد قد يصبح ديمقراطيا, عملاً سامياً؟ ما هو تسلسل القيم في الحياة لديك؟
يحدثنا علي فردان عن "طبيعة الحياة" كما يراها فيقول:
"إذا ما كان الجميع يبحث عن مصالحه، وهذه طبيعة الحياة، لما لا يبحث الشيعة عن مصالحهم؟ لما يفضّلوا أن يعيش الكثير منهم حياة فقر مدقع في الوقت الذي يبذلوا أموالهم في سبيل مشاريع لا تمت لهم بصلة لا من قريب ولا من بعيد" ثم يقول :"إذا ما أراد شيعة السعودية ومنطقة الخليج التقدم في مجال الحقوق، عليهم وضع نصب أعينهم مصالحهم أولاً، وثانياً، وثالثاً وعاشراً"
اذا كانت هذه هي "طبيعة الحياة" يا علي, وكانت القيم العليا " طنطنة فارغة" فلم انت غاضب ممن هضم حقوق الشيعة؟ وهل توجد "حقوق" حيث تكون تلك طبيعة الحياة كما تقول؟
اتساءل ايضاً, هل تهتدي في كتابتك بهدي من يهتدي بهم الشيعة فعلاً؟ ام انك تعتبر ان الروح المبدئية للامام علي وتضحيات الحسين اصبحت " طنطنة فارغة" هي الاخرى؟
اانت اقرب في دعوتك, الى ما دعى اليه الامام علي والحسين ام الى صدام في احتكار الثروات له ولجماعته؟
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟