|
لماذا كان الصراع بين (حور) و(ست) ؟
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4578 - 2014 / 9 / 18 - 12:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا كان الصراع بين (حور) و(ست) ؟ طلعت رضوان مؤلف أسطورة (أوزير، إيزيس، ست) أرسى عدة مبادىء أخلاقية ، كان على رأسها تجسيد الصراع الأبدى بين الخير والشر، ومن هنا كان رأى العلماء الذين تناولوا تلك الأسطورة فكتبوا أنها أول معالجة أدبية فى التاريخ للصراع بين الخير والشر. كما أنّ تلك الأسطورة تناولتْ وفاء الزوجة لزوجها ، حيث حرصت إيزيس على تجميع أشلاء زوجها ، وكان (ست) قد مزق الجثة إلى 14 قطعة ، عثرتْ إيزيس على 13 قطعة ولم تعثر على القطعة رقم 14 وهى عضوه الذكرى ، وهنا يتدخل خيال مؤلف الأسطورة ، فجعل إيزيس تنام فوق جسد زوجها الميت وتحبل منه (بقوة صفقة رعد) كما جاء فى البردية ثم جاء (نتيجة الحمل) ابنها حورس الذى دخل فى صراع مع عمه (ست) لاستراداد حقه فى الحكم. والأسطورة ركزت على أنّ هذا الصراع ليس من أجل الحكم فى حد ذاته وإنما لتكريس حق أى إنسان للدفاع عن حقوقه ، ومن هنا كان مغزى تحويل الصراع لساحة محاكمة الآلهة ، التى شهدتْ المراحل الأولى (تقديم عريضة من المدعى حورس ضد ست) ثم شهادة الشهود ودفاع الخصميْن الخ أى أنّ كاتب الأسطورة كان ينقل ما كان سائدًا فى مصر القديمة عن القضاء الذى عرف (الدعوى الابتدائية) ثم مرحلة الاستئناف الخ. وبعد أنْ صدر الحكم لصالح حورس ، تولى (جحوتى) استرداد عين حورس من عمه (ست) الذى كان قد اقتلعها ، وتكون المفارقة أنّ حورس يأخذ عينه ثم يُقدمها لأبيه أوزير. 000 فى عام 1928م اشترى العالم (شستر بيتى) مجموعة من البرديات كانت فى (دير المدينة) غرب النيل بالأقصر، يرجع تاريخها للأسرتيْن 20، 21وأهدى البرديات للمتحف البريطانى وترجمها ونشرها فى كتابه عن عالم اللغويات (جاردنر) وكان من بينها قصة الصراع بين أوزير و(ست) الذى قتل أوزير الذى عادتْ إليه الحياة بفضل إيزيس. فذهب أوزير للعالم السفلى وتنازل عن العرش لابنه حور، فبدأ النزاع بين حور و(ست) فتخاصما أمام محكمة الآلهة برئاسة (رع) وكان الحكم فى البداية لصالح (ست) ولكن إيزيس استأنفتْ الحكم حتى تـُثبتْ أحقية ابنها حور. ادّعى (ست) فى المحكمة أنه الأخ الأكبر للإله (حور) وبالتالى نفى أنْ يكون شقيق أوزير. وفى جلسة أخرى يعترف بأنه عم (حور) ومن الأشياء الطريفة فى القصة أنّ رئيس المحكمة (رع) كتب رسالة إلى أوزير طلب منه فيها أنْ يمده برأى قاطع فى هذا النزاع. فردّ عليه أوزير بأنّ العرش من حق حور، مع التنديد ب (رع) لأنه لا يُطبق العدل بسبب خوفه من (ست) فلما سخر (رع) من كلام أوزير، هدّده الأخير بالعقاب فى الآخرة. والمغزى من طلب رع رأى أوزير يُحيل إلى فكرة سماع الشهود فى العصور اللاحقة ، وفقــًا لمنظومة القضاء فى العصر الحديث . كما تعرّضتْ القصة لباقى أعضاء المحكمة من الآلهة الذين عارضوا رئيس المحكمة (رع) واقتنعوا بأحقية حور فى العرش ، وكان أقوى المعارضين لرأى رع والمؤيدين لحور الإله تحوت (جحوتى) ولما استشعرتْ إيزيس أنّ رع يخشى بطش (ست) وظلّ يؤجل النطق بالحكم، وأنّ (ست) يُراوغ بأكاذيبه. عند هذه الحالة- كما ورد فى القصة- فإنّ إيزيس استخدمتْ حيلها السحرية وتحايلتْ على (ست) وجعلته يحكم على نفسه، فقال له رع ((لقد حكمتَ على نفسك بنفسك. ولا مفر من أنْ تـُسلم التاج لصاحبه)) ولكن (ست) لم يقتنع وطلب مبارزة حور ليهرب من الحكم . ولأنّ رع كان يخشى غضب (ست) وافق على طلبه. وهنا تدخـّل الإله (بابى) وهاجم رع لعدم عدالته. ولكن التاسوع الإلهى رأى أنّ هذا فيه قذف بحق رع الذى يجب المحافظة على مكانته بين الآلهة. وعلى طريقة (الفلاش باك) فى السينما تحكى القصة أنّ إيزيس ظهرتْ فى صورة امرأة عجوز شوهاء متقوسة الظهر. وطلبتْ من النوتى (عنتى) أنْ يسمح لها بعبور الجزيرة حيث اجتماع الآلهة. وعندما وصلتْ إلى الجزيرة خلعتْ ثوب العجوز وظهرتْ فى صورة فتاة حسناء، فاسترعتْ انتباه (ست) وهو جالس فى مكانه بين الآلهة. فمال قلبه إليها وأخذ يُمنى نفسه بالاستمتاع بها. فلما نظرتْ إيزيس فى وجهه وتأكدتْ من نجاح حيلتها، تقدّمتْ منه وقالت له ((إنّ زوجى قد مات وترك لى ابنـًا وحيدًا يرعى ماشية والده. ثم جاء شخص أجنبى فأكرمته ، ولكنه ضرب ابنى وأراد أنْ يغتصب ما نملك من الماشية)) (ويرى علماء المصريات واللغويات كما كتب العالم سليم حسن أنّ كاتب القصة تعمّد أنْ يستخدم كلمة (ياوت) للتعبير عن الماشية إذْ أنّ لهذه الكلمة معنى مرادف فى اللغة المصرية القديمة وتعنى الوظيفة. وبذلك استفادتْ إيزيس من هذه التورية فى تسجيل ما قام به ست فيما بعد) خاصة وأنّ (ست) قال للفتاة الجميلة (وهو لا يعلم أنها إيزيس) : ((كيف يمكن ذلك وابن الرجل لا يزال على قيد الحياة ؟ فلابد أنْ تـُعطى الماشية لابنك)) فما كادتْ إيزيس تسمع هذا الاعتراف الذى أرادته حتى فرحتْ وانتفضتْ وتحوّلتْ إلى حدأة وطارتْ وحطتْ فوق شجرة وقالت أمام الآلهة وهى تـُخاطب (ست): ((انع نفسك الآن. فقد حكمتَ على نفسك بنفسك ، فإنّ الماشية (ياوت) ليست إلاّ وظيفة المـُلك التى تسعى لاقتناصها من ابنى حور)) وبعد عدة سطور فى البردية غير واضحة جاء بها ((ولما حكى (ست) هذه الواقعة لرئيس المحكمة رع فإنّ رع حكم لصالح حور. وهناك اجماع بين علماء المصريات الذين حللوا تلك القصة ، على أنّ (ست) يرمز للشر والظلام والصحراء، وأنه فى هذه الخصومة كان يُهدّد الآلهة بأنه سيقتل كل يوم إلهًا حتى يُصدروا الحكم لصالحه. كما كان (ست) فى برديات عهد الرعامسة هو إله الحرب ، وكان كذلك يعتبر إله البلاد الأجنبية. وتحكى الأسطورة أنه تزوج من الإلهتين (عنات) و(عشتاروت) وهما إلهتان آسيويتان . ويرى بعض العلماء ومن بينهم سليم حسن أنّ ذكر هاتيْن الإلهتيْن الآسيويتيْن فى الأسطورة دخيل عليها. وبمضى الزمن تبددت شهرة (ست) السيئة. كذلك يرى كثيرون أنّ الصراع بين (ست) وحور يرمز إلى الظاهرة الطبيعية المُتمثلة فى ظاهرة الليل والنهار، والذى انتهى بانتصار النور على الظلام . وأنّ حور هو النور الذى تغلب على (ست) رمز الظلام . وفى القصة أيضًا رمز (العين) حيث أنّ (ست) أخذ عين (حور) وبعد نهاية الصرع بينهما فإنّ الإله (تحوت) يسترد العين من (ست) ويُعيدها إلى حور، ولكن حور يهدى عينه لأبيه أوزير. ويرى العالم الألمانى د. سبيجل أنّ العين فى هذه القصة ترمز لمصر. كما أنّ الإلهة (نيت) تتدخل فى القضية وتقول للتاسوع الإلهى (أعضاء المحكمة) : ((اعطوا وظيفة أوزير لابنه حور. ولا تقترفوا تلك الأفعال الذميمة ، وإلاّ فإنى سأغضب وستسقط السماء على الأرض. وعندما غضبتْ إيزيس من رع الذى كان يخشى (ست) وينحاز لموقفه فإنّ التاسوع الإلهى قال لإيزيس ((لا تغضبى.. فإنّ الحق سيكون لصاحب الحق)) ومن صور الخيال البديع فى تلك القصة أنه بعد أنْ اقتلع (ست) عينىْ حور، نبتتْ مكان المحجريْن زهرة لوتس وأضاءت الأرض. وهنا تتداخل الأساطير المصرية بعضها فى بعض ، حيث أنْ الإله رع نفسه (وهو إله الشمس) وُلد من زهرة اللوتس. وهناك اجماع بين علماء علم المصريات أنّ أسطورة الصراع بين أوزير و(ست) من جانب ، ثم بين (ست) وحور من جانب وبين (ست) وإيزيس من جانب ثالث ، ما هى إلاّ لتكريس مجموعة من المبادىء ، بعضها (قانونى) حيث أنّ النزاع على العرش دار داخل محكمة الآلهة لتكريس فكرة (دولة القانون) وبعضها (أخلاقى) لتكريس النفور من الاستيلاء على حقوق الآخرين بغير حق وهو الدور الذى أداه الإله (ست) رمز الشر. وجانب (إنسانى) المُتمثل فى دور إيزيس التى بحثتْ عن أشلاء زوجها وجمعتها (رمز وفاء الزوجة لزوجها) ولم تستسلم لبطش وجبروت (ست) وأصرّتْ على الوقوف بجانب ابنها. وهذا المحور الأخير فى الأسطورة فى رأى علماء المصريات يحتوى على المضمون الغالب فى الحضارة المصرية ، وهو التماسك الأسرى والذى كان بداية أول تعريف علمى بأنّ (الأسرة) هى نواة أى مجتمع إنسانى . ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العروبيون ورفض الاعتراف بالشعر المصرى
-
الشعر فلسفيًا والفلسفة شعرًا
-
السنة المصرية وجذور التقويم العالمى
-
الحمساويون دمّروا غزة
-
العلاقة بين الكلمة والفنبلة
-
بيرم التونسى والشعر المصرى
-
عندما تكون الرواية (وليمة للذئاب)
-
الأدب والقمع الدينى والسياسى
-
مصر بين العدوان الإسرائيلى والإرهاب الحمساوى
-
الترجمة من المصرى للعربى
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (9)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (8)
-
أحزان السياب السبعة
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (7)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (6)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)
-
مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (1)
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|