|
نواطير المعارضة وثعالب النظام الشهد والدموع في المشهد السوداني !
تيسير حسن إدريس
الحوار المتمدن-العدد: 4578 - 2014 / 9 / 18 - 11:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(1) نقطة ضعف الاتفاقات الإطارية التي تبرم اليوم هنا وهناك، بين قوى المعارضة السودانية من جهة والنظام الحاكم من جهة أخرى، تكمن في تنازلات المعارضة المجانية لصالح النظام، بقفزها فوق الاشتراطات الموضوعية التي اجمع الشارع السوداني على ضرورة توفرها قبل فتح أي قناة تحاورية ، لضمان حوار منتج ذي مخرجات ايجابية؛ لذا يعتقد كثير من مراقبي المشهد السياسي السوداني في حتمية فشل هذه الهرولة؛ بل يتخوف البعض من أثرها السالب على وحدة القوى المعارضة، فضعضعت الصف المعارض هدف استراتيجي ظل يسعى له النظام، ونجح نسبيا حتى الآن في تحقيقه ، وفق خطة مدروسة قادت ذات غرة بعض القيادات الحزبية للمساعدة في تنفيذها، مخدوعين بإغراء خطاب (الوثبة) الرئاسي الذي تراكض البعض خلف معانيه المبهمة, وسقط البعض كالفراشة في لهب وعوده الفضفاضة. (2) هنا تمكن مأساة المشهد السياسي السوداني، ويختلط حلو شهده المراق بعلقم دمعه المسفوح، راسما وقعا سرياليا عصي على التفسير، والمنطق يفترض أن لا يلدغ المرء من جحر مرتين، وقوى الإجماع الوطني المعارض قد شبعت لدغا من جحر النظام المراوغ ، ولا تثريب عليها إن تحلت اليوم بالحيطة والحذر في تعاملها مع "خوارج" الحركة الإسلامية، أولئك الذين يبذلون جهدا عظيما لجرها لفخ الحوار غير المشروط ؛ والعجب أن لا يتحلى من تحمس لهذه الدعوة باليقظة بعد أن رأى إخفاق أصحاب الدعوة من التيارات المفاصلة في الخروج من جلباب السلطة، وعجز مفكريها حتى حينئذ عن تقديم مراجعات فكرية، تؤسس لنهج يناقض ثوابت "المشروع الحضاري" المقبور، أو طرح مشروع بديل يستوعب تنوع الواقع السوداني، ويسهم في حل المعضل الوطني. (3) مجرد القفزِ من سفينة "المشروع الحضاري" دون أن يكلف القافز نفسه مشقة الاعتراف بالخطأ، والاعتذار عن المشاركة في صناعة هذا الواقع المعطوبة نهج انتهازيٌّ، لن يعفي أصحابه عن المسآلة، ولا يجب أن يفتح شهية قوى المعارضة لتمضي متلمظة معصوبة العينين لمساومة سياسية فطيرة, وضع إطارها العام وتمت مناقشة تفاصيلها في الخفاء ليلا ما بين "القصر" و"المنشيئة" ؛ خاصة وعراب ليالي الأنس والاتفاق مجرب وهو نفسه عراب ليلة السطو الكبرى على السلطة الشرعية في 30 يونيو 1989م ؛ حينها حاول دفن رائحة طبخته بكذبة "الذهاب إلى السجن حبيسا"؛ لقد اعتادت الحركة الإسلامية عبر تاريخها إعداد مثل هذه الطبخات للخروج من أزماتها ، والحفاظ على الكيان من الفناء، ويبقى السؤال الأهم مطروحا: إلى متى تبشم هذه الطبخات نواطير المعارضة؟؟. (4) مذاق المطبخ الإسلاموي قد كان مقنعا للساحة السياسية السودانية في دورة من دورات وعيها الباكر، رغم دسه السم في الدسم، لكن الآن الذائقة الجماهيرية تغيرت، وارتفع منسوب الوعي وكسد سوقها ، ولا أظن اتفاقا يتبنى جزءا من أهداف المعارضة، ويتجاهل أمهات القضايا المختلف عليها سيجد عند الشعب آذان صاغية ، فلا معنى لتأييد أي اتفاق لا تقوم السلطة بخطوات عملية جادة تمهيدا لنجاحه، مثل: إيقاف الحرب، إلغاء القوانين المقيدة للحريات، إطلاق سراح المعتقلين، تكوين آلية مستقلة لإدارة الحوار؛ ورفع وصاية المؤتمر الوطني عن القضايا موضوع الخلاف، فالاتفاق الذي لا تتفاعل معه السلطة وفق ما سبق من شروط سيخبو بريقه ويعتبر بضاعة بائرة؛ تعبِّر عن رغبة أصحاب المصالح في إعادة إنتاج التجارب الفاشلة، دون مراعاة لخطورة اللحظة التاريخية الراهنة. (5) إن مهر تأسيس الدولة المدنية ، على أنقاض التجربة الثيواقرطية غالٍ وباهظُ التكلفة، يتطلب تقديم التضحيات وبذل الجهد والعرق لمعالجة أخطاء الماضي، كما أن الوصول لبناء واقع سوداني معافى يحتاج لقدر من المبدئية تجنب الساحة السياسية العودة للأساليب الملتوية، التي أوصلت السودان لهذا النفق المعتم، وكانت السبب المباشر في تخبطه عقودا في دياجير فشل ذرائع ضعضع الدولة وشطرها نصفين، دون أن يجد قوى سياسية تتصدى للخراب الممنهج الذي ارتكبته الحركة الإسلامية، وقاد لإيقاظ الفتنة واندلاع الحروب الأهلية، وما فتئت حتى اليوم تحاول خداع بعض القوى المعارضة بالوعود، وجرجرتها لفخ المشاريع الفاشلة القديمة، بحجة أن الفكرة سليمة والعلة في التطبيق!!.
(6) ظلت الحركة الإسلامية السودانية طوال تاريخها منكفئة على مصالحها، تقمع تيارات الإصلاح فيها؛ ليظل صوتها خافتا خجولا؛ وتعجز عن صياغة مشروع حداثوي منبت عن الفكر "العرواسلاموي" الموروث الذي هو آس وأساس المعضل السوداني، فضاع جهد أقطاب الإصلاح الذي كان دون حجم الكارثة الوطنية سدى؛ وظل يراوح في فلك أشواق "الإمارة" وحلم استعادة دولة الخلافة، متخذا من تقديم التنازلات غير الجوهرية سبيلا يمهد طريق عودته للمشهد السياسي ؛ في حال سقوط نظام الحركة الإسلامية؛ وإضطر مؤخرا تحت ضغط هواجسه لتدبير "مفاصلة" وقائية للالتفاف على حراك التغيير، والعودة بأطروحة أكثر عصرية تكفل تقليل خسارة الحركة الإسلامية، وتجنبها مصير (إخوان مصر) بمنطق (إذا كسرت الجرة فمن الحمق الاكتفاء بذرف "الدموع" والتفريط في كل "الشهد"). (7) ضعْف الفكرِ الإصلاحي داخل الحركة الإسلامية ناتج عن طول غربة مفكريه عن متغيرات الواقع السوداني، فقد ظلوا طوال سنوات أعقبت ما عرف بـ(المفاصلة التاريخية) بين عراب الحركة وتلاميذه في شغل شاغل عن قضايا الفكر، منشغلين بأطماع "الورث"؛ خاصة بعد أن انفرط العقد وتعددت مراكز القوى داخل الحركة، وصار كل قطب من الأقطاب يرغب في إيقاف عقارب الساعة، ريثما يتمكن دون غيره من جمع ما تيسر من شهد الجرة المكسورة ، متناسين نهر الدموع الذي فاض في الشارع السوداني طوال ربع قرن، فاضحا ما خفي من برامج عجفاء، تخفت وأخفت قبح جوهرها تحت خمار الشعارات ومظاهر الورع الكاذبة، إن طول تجربة الحكم الإسلاموي في السودان وما جره من مواجع وأذى، قد أتاح الفرصة أمام الشعب لتأمل تفاصيل التجربة، واكتشاف الفرق بين سماحة الشعارات وقبح الممارسات؛ زود هذا التأمل عامة الجماهير بوعي نوعي جديد، انضج فكر الجميع ودفع الشباب لتنظيم نفسه في حراك للتغيير، يطالب بحياة أفضل ونظام حكم أكثر عدلاً وطهرًا، من سلطة الشيوخ المعلولة. (8) هذا الوعي النوعي الذي حازته الأجيال الجديدة، ودفعت فاتورته من دمها ودموعها، يجب استثماره في خلق واقع سياسي معافى من أدران الماضي، تتنافر تفاصيل مشهده مع بانوراما القبح القديم ، وعلى القوى السياسية إن كانت جادة في التأسيس لسودان جديد يسع جميع أهله، ويكفل العدل والحريات، أن تتحلى بفضيلة التسامح، ولا تنساق خلف مراراتها مع الخصوم من أفراد وجماعات، شاركت في سلطة الحركة الإسلامية ما لم تكن ولغت في دماء الأبرياء أو اعتدت على المال العام، فهناك شرائح عديدة من الشعب ظلت على الرصيف تمارس نوعًا من الحياد السلبي، بجانب شرائح أخرى ساندت النظام ، وسارت في ركابه طمعًا أو خوفاً دون أن ترتكب جرمًا مباشرًا، هذه وتلكم الشرائح يجب احتواؤها وعدم عزلها سياسيا، ضمانا لوحدة الصف الوطني وتأمين الجبهة الداخلية؛ أما من خطط لقيام هذا النظام الغاشم، وظل جندا من أجناده مشاركا في تنفيذ جرائمه، فيجب أن يخضع دون تسويف لحكم قضاء عادل.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون. تيسير حسن إدريس 18/09/2014م
#تيسير_حسن_إدريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسْتِبْهَامِ الثورة السودانية !
-
نهج تدوير الأزمة السودانية!
-
التعويذة الوطنية أعمدة حصانة الوطن!!
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|