أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد يونس خالد - كردستان لن تكون مستعمرة داخلية والعلاقات الاستعمارية لن تحكمها بعد اليوم















المزيد.....


كردستان لن تكون مستعمرة داخلية والعلاقات الاستعمارية لن تحكمها بعد اليوم


خالد يونس خالد

الحوار المتمدن-العدد: 1289 - 2005 / 8 / 17 - 11:47
المحور: القضية الكردية
    


عراق ديمقراطي تعددي فدرالي موحد
قد يبدو عنوان هذا القسم مثير لبعض القراء لظنهم أنني أحض الكرد بتشكيل دولة كردستانية، لكن الحقيقة هي أنني أدعو القراء، ولا سيما الديمقراطيين والوطنيين اليساريين العراقيين بضرورة العمل على بناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي برلماني موحد. وأن إعادة العراق إلى دولة الاستبداد البائد بحكم كردستان بالعلاقات الاستعمارية كما كان لحد عام 1991 تعني تشجيع الكرد باختيار خيار الاستقلال بدلا من الإتحاد مع العراق. وأعتقد أن الجبهة الوطنية الديمقراطية العراقية ستكون في صراع مع العقليات الشوفينية والطائفية التي تحاول جاهدة احتكار السلطة، ونسف الديمقراطية بأسلحة الديمقراطية على أساس حكم الأغلبية، بحرمان الأقلية والقوميات والأديان الأخرى من حقوقها القومية والدينية تحت شعار ديمقراطية الإجراءات. وبذلك يقتنع الكرد من أن سقوط نظام صدام بنضال الشعب الكردي وتعاونه مع إخوته من التقدميين والديمقراطييين العراقيين، وبمساندة المجتمع الدولي قد أفرغ الانتصار إلى مأزق جديد ينسف الثقة المتبادلة، ويجعل الكرد يقتنعون أن العقلية الشوفينية والطائفية بغض النظر عن الألوان والأعراق والمذاهب لا تفهم لغة الديمقراطية، وممارسة الحرية. وأن الهدف لمثل هذه العقليات هو اسعباد كل مَن يطالب الحرية والديمقراطية. وأن الجميع أخوة يجمعهم الوطن والدين وضرورة الأمر الواقع تحت واجهات جديدة دينية أو مذهبية في ظل الديمقراطية بعد تفريغ الديمقراطية من محتواها الحقيقي في حق الجميع في الحرية والحقوق القومية والمساواة وبعدالة. وهذا لا يختلف كثيرا عن متاجرة النظام البائد بشعار الوطنية، بعد تفريغ الوطنية من المواطنة التي تشكل الأساس المتين في الدولة المدنية الدستورية.
بالأمس كانت الطائرات والمدافع تقصف أقليم كردستان، وتدفن الأطفال والشيوخ من العرب الديمقراطيين والكرد الوطنيين في مقابر جماعية. أما اليوم فلا نرى الطائرات والصواريخ، إنما نرى مَن يصافح الكرد واليساريين والديمقراطيين تحت مظلة الدين والديمقراطية، لغرض حرمانهم من الحرية والحقوق القومية، وهذا هو عين العلاقات الاستعمارية التي ستحكم كردستان وتحكم الوطنيين والديمقراطيين. فهل يمكن للكرد أن يقبلوا جعل أقليم كردستان مستعمرة داخلية جديدة؟ وهل يقبل التقدميون والديمقراطيون العرب أن تؤسس مستعمرات داخلية لاستعبادهم بأسم الدين والوطنية ووحدة العراق التي كان نظام صدام حسين يتاجر بها لود المواطنين أحياء كما كانت في الجاهلية؟

لماذا الخوف من الحرية والفدرالية؟
لقد عانى العرب والكرد والأقليات القومية والدينية من إحتلال القوى الاستعمارية للعراق العربي وأقليم كردستان منذ أن إنضمت كردستان الجنوبية بالعراق العربي عام 1921 فعليا، ومن ثم قرار عصبة الأمم عام 1925 بعد ضغط الأمبراطورية البريطانية، رغم رفض الشعب الكردي قرار الضم. لكن بيت القصيد هنا هو أن العقدة الاستعمارية ظلت تحكم العقلية العربية الشوفينية، مستثنيا منها العرب التقدميون، بعد تحررهم. وأنهم ورثوا تلك العقدة بالخوف من حرية الشعب الكردي والأقليات القومية والدينية بحجة أن منحهم هذه الحقوق تعني الانفصال عن العراق. فقد كانت الأنظمة العراقية المتعاقبة منذ تشكيل الدولة القومية العراقية تتهم الكرد بالانفصاليين حين كان الكرد يطالبون بالحقوق الثقافية البسيطة والتعلم بلغتهم وممارسة عاداتهم وتقاليدهم. وتطور العالم، وازداد الوعي الجماهيري، وتحرر عدد كبير من شعوب المعمورة، وانتشرت الديمقراطية، وازداد الوعي القومي الكردي، وظهر شكل من الوعي الاجتماعي، فطالب الكرد باللامركزية الإدادرية، ثم بالحكم الذاتي، وأخيرا بالفدرالية. وفي كل الأحوال، كانت أبواق الأنظمة الشوفينية العراقية تتهم الكرد بالعصاة والانفصاليين والرجعيين. وكان كثير من السذج الكرد يخافون من تلك المصطلحات دون أن يفكروا ولو لحظة واحدة من أن النضال من أجل الحرية لا يمكن أن يكون نضالا رجعيا. كما كان كثير من المغفلين العرب يتأثرون بتلك الدعايات فيهرعون لحمل السلاح ضد نضال الكرد والوطنيين والتقدميين الديمقراطيين العرب.
الإشكالية الكبيرة أن الشعب العربي كالشعب الكردي كان ولا يزال يعاني من حكم الأنظمة الشوفينية، وأن حرمان الشعب الكردي من حقوقه كان يقابله حرمان الشعب العربي، ولا سيما التقدميين والديمقراطيين من حقوقهم الإنسانية وحرياتهم الفردية . فقد كانت السجون تعج بالمواطنين التقدميين العرب كالكرد والأقليات القومية الأخرى.
الخوف من الفدرالية هو خوف من الحرية. فالفدرالية عامل وحدة للعراق، يمنع الكرد من التفكير بالاستقلال. فإذا نظرنا إلى سويسرا، الدولة الفدرالية التي تضم أربع قوميات متساوية في الحقوق والواجبات أمام القانون نظريا وفي المحك العملي. وهذه القوميات هي الألمان، الفرنسيون، الإيطاليون والرومانشيون. ولا يفكر أي منهم بالانفصال لينضم إلى ألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا، بل أن كل مواطن سويسري يعتز بكرامته الوطنية كسويسري. والأهم من ذلك أن العملة السويسرية تصدر باللغات الأربع، وأن كل مقاطعة لها علَمها واستقلاليتها. وما يلفت النظر، مدى قوة الإرادة الإنسانية للمواطن الحر في دولة ديمقراطية فدرالية. فالرومانشيون في سويسرا مثلا، يشكلون أقلية صغيرة في حوالي مائة ألف نسمة ، لكن لغتهم ومكانتهم الاجتماعية لا تقل شأنا عن القوميات الأخرى، وأن الدولة السويسرية تشجع المواطنيين من الروامانشيين البقاء في أماكنهم والعمل على إزدهارها وتقدمها على قدم المساواة مع المواطنيين الآخرين، لأن التراث الرومانشي يعتبر جزءا من التراث السويسري، وعليه يجب الاحتفاظ به. فلا يتعرض الرومانشي للاضطهاد ولا تُفرض عليه لغة الأغلبية الألمانية أو الفرنسية أو الإيطالية. هذا الإعتزاز الوطني في الدولة الديمقراطية الفدرالية يجعل من المواطن عضوا كامل النمو في المجتمع، ويقوم بمهماته الوطنية على أكمل وجه.
وماذا عن الكرد الذين تعرضوا للتعريب والتسفير والتهجير، وتغيير المعالم القومية الكردية، وقتل الثقافة الكردية، ومحاربة لغتهم، وضرب مدنهم بالقنابل والأسلحة الكيمياوية، وحرق قراهم واغتصاب نسائهم وأطفالهم في عمليات الأنفال. ونظل نغني، عاش الوطن، وعاش الرئيس وعاشت العروبة؟
هل الخطأ في الدين الإسلامي؟
هل الخطأ في طريقة التفكير العربي في التعامل مع الأحداث؟
هل الخطأ فينا من أننا نهرب من الحرية؟
هل أن الشرق أوسطيين يخشون الحرية، ويخافون من بعضهم البعض؟
السؤال الكبير هو ما هو سبب البلاء في العراق؟
الخطأ في ظني يكمن في القومية المتطرفة التي ترفض القوميات الأخرى، وتريد أن تحتكر السلطة فتضطهد أبناء نفس القومية مثلما تضطهد أبناء القوميات الأخرى. والخطأ يكمن في سوء فهم الدين الإسلامي وجعله أداة سياسية للاضطهاد بينما مهمة الدين هي التقرب إلى الله والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي والمنكر. والخطأ يكمن أيضا في عبادة المغفلين لأصحاب العمائم بدلا من عبادتهم لله تعالى. فطغت الفتاوى الباطلة على القرآن والسنة النبوية، وأصبح بعض المسلمين قنابل موقوتة لتحقيق مآرب بعض الفقهاء المضلين، وهذا كان أكثر ما يخاف منه رسول الله عليه السلام، حين كان يقول: "إن أكثر ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين". والخطأ يكمن أيضا في سوء برامج التربية والتعليم، وعدم تثقيف المواطنين بحقيقة الوطنية والدين والديمقراطية، وأن الوطن لجميع المواطنين بغض النظر عن القومية والجنس والدين.
بأسم القومية قتلنا الآلاف من الأبرياء. وبأسم الدين مارسنا الإرهاب ولا نزال نمارسه، ورؤساءنا وأباطرتنا وفقهاؤنا يبيعون شهادات الوطنية وصكوك الغفران ومفاتيح أبواب الجنة لنفجر أنفسنا ونقتل الأبرياء من المواطنين.

السؤال الملح الذي يفرض نفسه هو: هل الإشكالية في الحرية التي يجب أن نرفضها أو الإشكالية فينا؟
لماذا هُزم العرب والكرد مرة تلو مرة في التاريخ المعاصر؟
هذا السؤال طُرح على وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان. لماذا هُزمت العرب؟
قال: "العرب لا يقرؤون".
ولم يكن دايان يعني أن العرب لا يقرؤون الكتب، إنما كان يعني أن العرب لا يقرؤون بوعي، لأنهم يفتقدون الوعي بالتاريخ.
لقد جعلنا الهزائم إنتصارات، وجعلنا العدوان حرب قادسية، وجعلنا قتل الأبرياء وحرق القرى الكردستاينة، أنفال صحابة رسول الله. وجعلنا غزو العراق للكويت، معركة المعارك. وجعلنا المقابر الجماعية بدعة أوجدها الكرد والشيعة طبقا لتصريح رئيس جامعة الدول العربية. وجعلنا قصف حلبجه بالأسلحة الكيمياوية زوبعة في فنجان، طبقا لمقولة العميد العسكري ورجل المخابرات السوري منذر الموصلي. هذه هي قراءتنا للتاريخ بفقدان الوعي بالتاريخ.
من هذا المنطلق المخيف، نرفض الفدرالية، ونخاف من الحرية.

مناورات للإلتفاف حول الإتفاقيات الموقعة مع الكرد تضر بمصلحة العراق ووحدته
كل متتبع للتاريخ السياسي العراقي يعلم أن الأخوة العرب الشيعة والكرد والتنظيمات السياسية الوطنية الديمقراطية الأخرى كانوا في المعارضة، يعملون تحت شعار إسقاط نظام صدام حسين وبناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي موحد. وقد بينتُ في القسم الرابع من هذه الدراسة، بعنوان (دروس من التاريخ: القضية الكردية ومشاكل العراق الأقليمية والدولية)، كيف أن القضية الكردية كانت تمتص القوة العسكرية والاقتصادية العراقية من جراء التوقيع على إتفاقيات خداع، بمنح الكرد الحكم الذاتي على الورق ثم تراجع النظام عنها في المحك العملي.
من خلال قراءتنا لواقع العراق بعد سقوط النظام البائد في 9 نيسان عام 2003 تتجلى لنا أن العقلية العربية القابضة على السلطة في عراق مابعد صدام حسين لم تستفد من الكوارث والمآسي والهزائم التي حلت بالعراق من جراء سياسات العنف والتنكيل والخداع للنظام البائد. وما أود أن أبينه هنا هو أن الأخوة الشيعة الذين كانوا في المعارضة العراقية قد وقعوا على إتفاقيات عديدة مع الكرد وقوى المعارضة العراقية الأخرى بالعمل من أجل بناء عراق ديمقراطية تعددي فدرالي برلماني موحد، يتمتع فيه العراقيون بحقوقهم. ولكنهم كما يبدو في الممارسة العملية، قد ورثوا نفس السياسة الهوجاء من نظام صدام حسين، فأبدعوا لنا فتاوى باطلة ليس لها علاقة بالسياسة والإتفاقيات الموقعة، وبدؤوا يستخدمون سلاح الديمقراطية للقضاء على الديمقراطية تدريجيا بتجريدها من الليبرالية والعلمانية والفدرالية، وعدم تنفيذ المادة 58 من قانون الحكم الانتقالي فيما يتعلق بكركوك.
العقلية التي تتعهد أن تبني العراق الديمقراطي التعددي الفدرالي وهي في موقع الاضطهاد، تخدع نفسها قبل أن تخدع غيرها بالتراجع عن تعهداتها والإتفاقيات التي وقعتها، لن تكون قادرة على بناء عراق ديمقراطي آمن مستقر.
لقد كان الكرد متحمسين بوصول الأخوة الشيعة إلى الحكم لأول مرة في تاريخ العراق، بعد أن جرَبوا حكم العرب السنّة الذين حكموهم بالعلاقات الإستعمارية والأسلحة الكيمياوية منذ تأسيس العراق القومي، يواجهون اليوم مراوغات الأخوة الشيعة الذين استلموا السلطة في بغداد مؤقتا، وهم يتراجعون عن تعهداتهم في البيانات والإتفاقيات التي وقعوها في المعارضة، ليبينوا سوء جدارتهم في ممارسة الديمقراطية. فالعراق يواجه اليوم إرث نظام صدام حسين في التعامل مع القضية الكردية والأقليات القومية والدينية الأخرى والقوى الوطنية والتقدمية الديمقراطية العراقية. وهذا الإرث الفاشل يعمل على على إضعافهم وهضم حقوقهم تدريجيا تحت غطاء الدين وديمقراطية الإجراءات التي لاتؤمن بالحقوق الأساسية للمواطين والقوميات.
أريد أن أذكِّر القابضين على السلطة اليوم أنهم وقعوا على البيانات والإتفاقيات التالية التي تؤكد على الإطاحة بنظام صدام حسين، وبناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي موحد ينعم فيه الشعب الكردي بالفدرالية الجغرافية، وتحديد حدود أقليم كردستان، وتطبيع الأوضاع في كركوك وإجراء استفتاء خاص هناك لبيان هوية المدينة قبل الاستفتاء على الدستور على مستوى العراق، من أجل عراق ديمقراطي حر وآمن ومستقر.

بيانات وإتفاقيات المعارضة العراقية ومنهم القوى والأحزاب الشيعية
سبق وأن ذكرت في القسم الثالث من هذه الدراسة هذه البيانات والإتفاقيات، وهنا أعيد سردها للإفادة:
1- ميثاق دمشق للعمل الوطني المشترك في 27 ديسمبر/ كانون الأول 1990.
2- مؤتمر بيروت لقوى المعارضة العراقية، 11-13 مارس/ آذار 1991.
3- الاجتماع الموسع للجبهة الوطنية العراقية في صلاح الدين، 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 1992.
4- اجتماع المعارضة العراقية في نيويورك، 3 ديسمبر/ كانون الأول 1999.
5- مؤتمر المعارضة العراقية في لندن، 14-15 ديسمبر/ كانون الأول 2002.
6- اجتماع لجنة التنسيق والمتابعة للمعارضة العراقية في صلاح الدين، 26 فبراير/ شباط – 1 مارس/ آذار 2003.

الكرد والمعادلة الديمقراطية ومستقبل العراق
عدم تنفيذ التعهدات التي وردت في البيانات والإتفاقيات الواردة أعلاه، وما تضمنه لاحقا قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية يوم الإثنين المصادف 8 مارس/آذار 2004 الذي يعتبر ضمانا بتطبيع الأوضاع في كركوك وحق الكرد في الحرية والفدرالية في عراق ديمقراطي فدرالي، ينذر الكرد بضرورة العمل على أكثر من صعيد، وأن يدع الكرد ألف زهرة تتفتح، بإقامة علاقات مع أكثر من جهة عراقية وعربية ودولية. فعلى الشعب الكردي أن لا تغرهم الشعارات الدينية والإغراءات المادية. وأن الممارسة الديمقراطية لا تتضمن مجرد إجراء الانتخابات البلدية والبرلمانية إنما الاعتراف الكامل بحق الكرد في حق تقرير المصير، وأن الكرد قد اختار حق الإتحاد مع العرب والأقليات القومية والدينية العراقية على هذا الأساس في عراق ديمقراطي تعددي فدرالي موحد. وأن حق تقرير المصير ثابت في حالة عدم تحقيق ما إتفق عليها الكرد مع العرب.
ولكن، من الضروري للكرد أن يستوعبوا المعادلة الديمقراطية، من أنها لا تضمن حقوق الكرد بدون أن يتمتع جميع القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية العربية والأقليات القومية الأخرى بحقوقها ومشاركتها في السلطة. إن تكتل الكرد مع قوة مذهبية أو طائفية معينة بمعزل عن القوى العربية التقدمية والديمقراطية العراقية يجعلهم منعزلين عن الجبهة الديمقراطية العراقية التي تبدو ضعيفا في الوقت الحاضر. ضمان مستقبل الكرد يكون مع الجبهة الديمقراطية العراقية وليس التكتل مع قوة مذهبية معينة من أجل كراسي الحكم المهزوزة في بغداد. لابد من بناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي موحد، وإلا فلا ضمان للكرد في الإتحاد مع عراق طائفي أو مذهبي أو قومي يُضطَهد فيه أفراد أو أقليات قومية أو جماعات يسارية أو ليبرالية. فلا حرية لفئة دون أخرى، ولا سلام بدون حرية. وإذا لم يحقق العراقيون عراقا ديمقراطيا، فليس أمام الكرد إلاّ إعلان الاستقلال. ولكن هذا الاستقلال يتطلب ثوابت كردستانية وأقليمية ودولية. وعليه فإن فشل العرب كأكبر قومية في العراق في اللعبة الديمقراطية، سيمهد الطريق أمام الكرد بالتهيئة نفسيا وسياسيا واجتماعيا لمثل هذا الاستقلال. فالمفتاح بيد العرب قبل غيرهم لتحديد مستقبل العراق الديمقراطي الموحد أو تقسيمه وتجزءته.
عصر الديمقراطية يختلف عن عصر النازية، فإذا كان هتلر قد وصل إلى السلطة في ألمانيا بالانتخابات، وإذا كان الإسلاميون في إيران قد صفّوا المعارضة الإيرانية والكردية بأسلحة الديمقراطية، فإن عصرنا الحاضر في الفسيفساء العراق الخاص لن يسمح بذلك في ظل نظام العولمة والديمقراطية. وعليه فالجماهير الكردستانية مطالبة بالإلتفاف حول قياداته المتمثلة في الحزبين الكبيرين، الإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بالبارزاني، وضرورة بلورة الوعي الاجتماعي الذي هي مرحلة أكثر تقدما من الوعي القومي، ونبذ عبادة الشخصية، ورفض جعل أقليم كردستان مقاطعة إقطاعية لأفراد معينين أو عشيرة أو حزب معين، وإلاّ فلا مستقبل لأقليم كردستان أيضا.

أقليم كردستان لن يكون مستعمرة داخلية والعلاقات الاستعمارية لن تحكمه
بعد اليوم
قد يتبادر لأذهان البعض أنني أعتبر العراق دولة إستعمارية، ولكن الإستعمار لا يستعمر أقليما داخليا بالمعنى الكلاسيكي لكلمة إستعمار. فالدولة الإستعمارية تغزو دولة أخرى لإستعمارها وجعلها مستعمرة. أما في حالة العراق وأقليم كردستان، فإن العلاقات الإستعمارية كانت تحكم أقليم كردستان إلى عام 1991. ولكن بعد الأنتفاضة الكردستانية، وجعل الأقليم الكردستاني منطقة آمنة بعد تدخل بريطانيا وفرنسا وأمريكا. وإجراء الانتخابات البرلمانية في أيار عام 1992 في كردستان، خرجت كردستان من دائرة تلك العلاقات الإستعمارية ودخلت دائرة جديدة تتمتع بنوع من الحرية السياسية، ولكن ليست كأقليم ديمقراطي بالمعنى الديمقراطي الليبرالي للكلمة. فالديمقراطية في كردستان لازالت ديمقراطية إجراءات وليست ديمقراطية قرارات بالمعايير الديمقراطية المعاصرة.
جوهر الموضوع هو أن جعل أقليم كردستان مستعمرة داخلية أكثر تخلفا وعدوانية من الإستعمار الكلاسيكي نفسه. فالعلاقات الإستعمارية التي كانت تحكم كردستان طوال فترة حكم الأنظمة الشوفينية العراقية البائدة كانت صادرة من جهات متخلفة فكريا وثقافيا ووطنيا. وكان الشعب الكردي يشعر بألم في الروح والجسد باعتبار أن الحكم الصادر كان من الذين يدَّعون أنهم يحكمون بأسم الشعب، وهم من نفس الدين الاسلامي، ومن نفس التراث جمعهم في الثمانين سنة الماضة.
نحن نعلم أن قوات الإستعمار الكلاسيكي تنسحب يوما، أما في حالة العراق، فأغلب الكرد يعتبرون أنفسهم عراقيين، وأنهم اختاروا العيش مع العرب والقوميات والأديان الأخرى، لذلك فإن الحكم عليهم بالعلاقات الإستعمارية قد يكون أكثر عدوانية، وأكثر بغضا وتخلفا، لأن هذه العلاقات قد تستمر إلى ما لانهاية إذا لم يتطور العراق، ويصبح دولة ديمقراطية تعددية فدرالية. ومن هذا المنطلق فإن بقاء العراق على ما كان عليه طوال فترة تأسيسه كدولة قومية، يجعل خيار الكرد بالإتحاد مع العراق خيارا ساذجا بل ولا عقلانيا. لأن العرب كقومية تمثل الأغلبية، وهي تفرض على الكرد خيارا آخر هو الاستقلال. وأعتقد أن هذا الخيار وارد في حالة فشل الديمقراطية والفدرالية. وقد أشار رئيس أقليم كردستان مسعود البرزاني في مقابلة أجرتها معه صحيفة الحياة اللندية في 7 يونيو/حزيران 2005 من أن استقلال كردستان ممكن لكنه ليس لمصلحة العراق.
إذن يجب الاحتفاظ بالأسلحة الفكرية والسياسية والاستراتيجية بربط السياسة بالقوة والدبلوماسية بالاستراتيجية، وتهيئة الجماهير الكردستانية على الأصعدة السوقية والتعبوية والمعززة للمعنويات. تهيئة الجماهير وتوحيدها خلف القيادة السياسية في خطاب سياسي موحد لمواجهة التطورات المحتملة، وضرورة التعامل مع القوى الدولية الفاعلة على الساحات العراقية والأقليمية والعالمية.

ما العمل؟
العمل هو أن نجري صلحا مع الذات، وأن نقرأ التاريخ بوعي متناهي، وأن ننزع عن رقبتنا ربقة القومية المتعصبة المتشنجة، ونفك العَصّابة السوداء من على أعيننا ونخرج من مغارة الطائفية والمذهبية، ونتجرأ أن نفتح أعيننا في ضوء الشمس لنرى الأشياء على حقيقتها، من أن العرب ليسوا أفضل من غيرهم من القوميات في أن يتمتعوا بحقوقهم. فالعرب أخوة للكرد، والكرد أخوة لهم، وهكذا بالنسبة لكل القوميات الأخرى في العراق. كما يجب أن نتحرر من القيود التي تقيدنا (الفتاوى السياسية) لأصحاب العمامات السوداء والبيضاء، ونتحكم إلى الشعب، واحترام العقائد والأديان وحق الجميع في ممارستها وصيانتها دستوريا، كما نصون الحريات الفردية والعامة، وحق القوميات في حقها المشروع في الحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية.
يجب أن نعطي الحق لكل عراق في أن يتمتع بحقه، وأن يمارس عقيدته. ليس من حقنا أن نفرض دينا معينا على عراقي له دين آخر. الإله واحد، وكل مؤمن يؤمن بطريقته الخاصة طبقا لدينه الذي ينتمي إليه، وكل فرد يعتز بدينه وبعقيدته، لذلك لابد من أن نعترف بحقوق الآخرين مثلما نعترف بحقوقنا.
لا يحتمل العراق دولة مذهبية أو دولة دينية معينة، كما لا يحتمل دولة ذات آيديولوجية وحيدة الجانب. العراق بفسيفسائه الخاص، لا يتطور إلا في دولة ديمقراطية ليبرالية علمانية فدرالية موحدة، وإلا فلامفر من تقسيم العراق وتجزءته. وأنا شخصيا لا أعتقد أن استخدام القوة من قبل الأغلبية الحاكمة بغض النظر عن شكل نظام الحكم، قادر على كبح جماح العراقيين إذا انعدمت الحرية والديمقراطية الليبرالية. وبما أن الديمقراطية الليبرالية لا تعيش إلا في أجواء مجتمع علماني، فينبغي بناء دولة المواطنة على أساس علماني. والعلمانية تحمي الدين من السياسة التي تُفسد الدين في الأساس، لأن العلمانية تحترم كافة الأديان في أجواء الديمقراطية، وحق الجميع في التمتع بحقوقهم القومية والفردية، بما فيها حرية العقيدة.



#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى وكيف ولماذا يصبح خيار استقلال أقليم كردستان حتميا؟ القسم ...
- متى وكيف ولماذا يصبح خيار استقلال أقليم كردستان حتميا؟
- وحدة العراق تكمن في الاعتراف بحقوق الكرد عمليا
- الثوابت الكردستانية
- هل من رؤية واضحة في عراق اليوم؟ القسم الرابع: رؤية نقتنع بها ...
- هل من رؤية واضحة في عراق اليوم؟ القسم الثالث:إستراتيجية الأم ...
- هل من رؤية واضحة في عراق اليوم؟ 2
- هل من رؤية واضحة في عراق اليوم؟1
- حكومة الجعفري والنوايا السيئة
- خروج الكرد من النظام الدولي سقوط في الحضيض
- غدا ينطق الحجر
- صوت الكلمة وارادة الشعب أقوى من صوت القنبلة والارهاب
- حركة الاستفتاء في اقليم كردستان ديمقراطية سلمية مستقلة
- القضية العراقية قضية الشرق الاوسط الاولى في التوازن الأقليمي
- منبر الحرية والدفاع عن حقوق الانسان
- القيادات الكردستانية مطالبة باحترام ارادة الشعب
- الشعب الكردي جزء من الأمة الكردية والشعب العربي جزء من الأمة ...
- الورقة الكردستانية واثبات الوجود في الانتخابات العراقية - ال ...
- كردستان بين دساتير وقوانين الأنظمة العراقية وأفعالها 3
- كردستان بين دساتير وقوانين الأنظمة العراقية وأفعالها


المزيد.....




- غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
- 11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
- كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت ...
- خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال ...
- صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق ...
- أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
- كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ ...
- مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد يونس خالد - كردستان لن تكون مستعمرة داخلية والعلاقات الاستعمارية لن تحكمها بعد اليوم