|
ألوهية يسوع المسيح تاريخيا .
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 20:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ألوهية يسوع المسيح تاريخيا تعرضنا في مقالات سابقة إلى العديد من المفاهيم للألوهة في بعض العقائد البشرية المختلفة ، كالهندوسي والبوذي والتاوي والشنتوي ، والفرعوني ،والبابلي ،والسومري. كما تطرقنا إلى سفر التكوين التوراتي ، وسفينة نوح ، ومأساة أيوب ، غير أننا لم نتطرق إلى شخصية يسوع المسيح وألوهيته تاريخيا ، وإن كنا قد مررنا عليها مرورا حين تطلب الأمر ذلك . لقد سبق وأن أشرنا إلى ظهور كثيرين من المشحاء ( الماشيح : الممسوح بالزيت المبارك ) 1 قبل قرابة قرنين من ظهور المسيح ،وبعد قرابة قرن من ظهوره ، ولم يتوقف ظهور هؤلاء إلا بعد أن قام الرومان بهدم القدس وتشتيت اليهود عام 70 م . و قلنا أن هؤلاء كانوا أقرب إلى دراويش ومشعوذي عصرنا ، وبعضهم يدعي أنه ولي ، أو مبارك من الله .وهو بالتأكيد المهدي المنتظر الذي بشرت به بعض اسفار التوراة ، لينقذ "خراف بني اسرائيل الضالة "حسب تعبير الإنجيل. وبدأ ظهور الأناجيل الكثيرة في أواخر القرن الأول واستمر إلى أوائل القرن الرابع إلى أن تم حسم المسألة عام 325 ميلادية بعقد مجمع نيقية الذي أقر الأناجيل الأربعة التي تشكل ( قانون الإيمان القويم الأرثوذكسي ) 2، وشكل لجنة للبحث عن الأناجيل الأخرى وإتلافها .. غير أن بعض الأناجيل المختلفة ظلت قيد التداول بين الناس واكتشف بعضها أواسط القرن العشرين في ما عرف بمخطوطات نجع حمادي . وما أن بدأت المسيحية بالإنتشار في القرنين الثاني والثالث الميلاديين حتى دب الصراع بين المسيحيين حول طبيعة المسيح ، فهل هو الله ، أو ابن الله ، أو مرسل من قبل الله ، أم تجل لإله في إنسان ، أو العكس ، وغير ذلك .. هذا الصراع أزهق أرواح الملايين من المسيحيين عبر التاريخ ، وإن توقف نسبيا لبضعة قرون حين هيمن المسلمون على أجزاء كبيرة من العالم وأعلنوا بدينهم أن المسيح نبي وليس إلها . لكن ما أن لملم المسلمون بقايا سلطانهم في الغرب الأندلسي واندحروا مهزومين ، حتى تجدد الصراع المسيحي .. وتعددت الطوائف التي كانت قد ظهرت من قبل .. ولم يحسم الأمر إلا بعزل الدين عن الدولة . وبهذا نهضت أوروبا بعد تخلصها من الدين كسلطة نافذة في المجتمع . هذه مقدمة مختصرة لمقالي المفصل قليلا الذي سأبحث فيه ألوهية يسوع المسيح استنادا إلى مراجع تاريخية وبشكل خاص كتاب الدكتور يوسف زيدان ( اللاهوت العربي ) والفصل الثاني منه الخاص بألوهية المسيح والمعنون ( الحل المسيحي من الثيولوجيا إلى الكريستولوجيا ) أي من الألوهة إلى ألوهية المسيح !! 1+ 2 راجع يوسف زيدان المصدر السابق .
*ألوهية المسيح . مسحاء لا مسيح واحد .
حين آلت أوضاع اليهود إلى التمزق والتشتت والصراعات البينية راحوا يحلمون بمن يحقق لهم وعد الرب بامتلاك الأرض من النيل إلى الفرات ." وفي القرن الثاني ق.م سطعت بقوة فكرة يهودية تقول إن وعد الرب لن يتحقق إلا من خلال بطل يهودي أو نبي كريم يأتي ملتحفا برداء (المهدي المنتظر)أو حسبما أسموه هم : الماشيح ،وهي كلمة تعني حرفيا ، الممسوح بالزيت المبارك ،وهو الذي سيصير ملكا لليهود ،ومخلصا لهم مما هم فيه ، ومحققا وعد الرب الذي طال انتظاره " 1 وقبل المسيح " ظهر كثيرون من المتحمسين اليهود ، بل المغامرين وقطاع الطرق الذين ادعى كل واحد منهم أنه الماشيح ،فكان أحبار اليهود يختبرون من يظهر دعواه من هؤلاء ،وينظرون في علامات صدقه ، فيرونه في كل مرة كاذبا ، وعند ئذ يصرفونه عن دعواه بالحسنى وبالازدراء أو يروعونه تهديدا بالويل والثبور وعظائم الأمور، أو يسلمونه إذا لم ينصرف ولم يرتدع إلى السلطة الرومانية لتقرر العقاب المناسب له ،وهو عقاب كان عادة الإعدام صبرا على خشبة عالية ، بحيث يراه الآخرون من اليهود الحالمين أو المتحمسين أو المغامرين ، فينصرفون عن التفكير في الأمر ،ويصرفون عن خيالهم أمنياتهم المستحيلة بالخلاص ."2 " وحفلت النصوص الدينية في أواخر العهد القديم بنعي عميق للزمان الرديء ،وبتنبيهات حازمة إلى هؤلاء الذين يزعمون في أنفسهم كل حين أنهم البطل المخلص : الماشيح . فنرى مثلا في سفر ميخا أحد الأنبياء المتأخرين المعروفين ، بالأنبياء الصغار الإثني عشر ،وهو النبي المسمى في مستهل السفر ( ميخا المورشتي ) ينعى حال زمانه بكلمات ملتاعة " 2 وتأتي البشارات بالمخلص في أسفار الأنبياء الصغار لتترنم ابنة صهيون بالفرح والإبتهاج .نقرأ في سفر زكريا " ابتهجي جدا يا ابنة صهيون ، اهتفي يا بنت اورشليم ، هو ذا ملكك يأتي إليك ، هو عادل ومنصور ووديع ،وراكب على حمار ، وعلى جحش ابن أتان ،ويتكلم بالسلام للأمم ،وسلطانه من البحر للبحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض " ( زكريا 9: 9 ) 3 " وبحسب النسخة المعتمدة تنتهي أسفار الأنبياء الصغار والعهد القديم كله ،بالفقرة الأخيرة من سفر ملاخي ، وهي الفقرة المخبرة بأن المخلص ،الماشيح ، ملك اليهود إيليا ،هو في طريقه إلى الأرض التي ستقوم بعد ذلك قيامتها ، لأن الرب لم يزل على ( صفاته ) الأولى عنيفا ميالا للتدمير " 4 وهكذا جاء يسوع المسيح بعدما طال زمان الإنتظار اليهودي .. " تحكي الروايات المسيحية المبكرة والمتأخرة أن أحبار اليهود اختبروا في المعبد الكبير باورشليم صحة الدعوة أو الدعوى التي جاء بها يسوع ( عيسى ) فنظروا أولا في نسب أمه ( مريم ) حتى يتأكدوا من أنه يهودي حقا ، لا متهود ، أي أنه مولود لأم يهودية ،ولما صح عندهم نسب الأم ، شككوا في صحة نسبه هو إلى أبيه يوسف النجار .. وضايقوه كثيرا .. ثم صرفوه بكلامهم عن دعواه ، فلم ينصرف ، وهددوه ، فلما لم يهتد ولم يرتد ، ولم يرتدع ، أسلموه للرومان فصلبوه " 5 يشير يوسف زيدان في كتابه ( اللاهوت العربي ) إلى أن ظهوريسوع ( عيسى) لم يكن آخر المطاف ، فقد ظهر بعده آخرون من اليهود والمتهودين الذين زعم كل واحد منهم أنه ( الماشيح ) " حكى لنا أشهر مؤرخي الكنيسة القدماء يوسابيوس القيصري ( 264- 340 م.) بعضا من هذه المحاولات اليهودية المتوالية التي نادت من بعد يسوع المسيح بمخلصين كذبة لم ينقطع ظهورهم إلا بعدما انهدم الهيكل ،منهم ثوداس المحتال الذي : قام مفتخرا بنفسه .. وقتل وجميع 2الذين انقادوا إليه تبددوا . روى يوسيفوس المؤرخ اليهودي عن هذا الرجل ، أنه لما كان فادوس واليا على اليهودية في حدود سنة 44 ميلادية ، قام شخص محتال يدعى ثوداس وأقنع جمهورا كبيرا جدا ، بأن يأخذوا ممتلكاتهم ويتبعوه إلى نهر الأردن ، لأنه قال أنه نبي ، وإن النهر سينشق بناء على أمره ،ويمهد لهم معبرا سهلا ، وبهذه الكلمات خدع الكثيرين ، غير أن فادوس لم يسمح لهم بالتمادي في حماقاتهم ، بل أرسل فرقة من الخيالة ضدهم ، فوقعوا بهم على غير انتظار ،وقتلوا منهم كثيرين ،وألقوا القبض على كثيرين منهم أحياء ، بينما أخذوا ثوداس نفسه أسيرا وقطعوا رأسه وحملوها إلى اورشليم " 6 وعلى المنوال ذاته ،ظهر المتنبي اليهودي المسمى عندهم ( النبي المصري الكذاب ) الذي جمع أتباعه على جبل الزيتون ليشهدوا وقوع نبوءته بسقوط أسوار أورشليم ودخولهم إليها بسلام آمنين . يقول يوسابيوس : " ظهر في الأرض محتال أوحى إلى الناس أن يؤمنوا به كنبي ،وجمع نحو ثلاثين ألفا ممن خدعهم وااقتادهم إلى البرية إلى جبل الزيتون ... ولكن فيلكس ( الحاكم ) سبق فعلم بهجومه وخرج لملاقاته بالفيالق الرومانية . حتى أن المصري هرب مع قليل من أتباعه لما نشبت المعركة ، ولكن الأغلبية هلكت أو أخذت أسرى " 7
" وفي السياق نفسه ظهر السامري ( سيمون الساحر ) وتلميذه ميناندرالعراف الذي كان سامريا ايضا ,أذاع أضاليله إلى مدى لا يقل عن معلمه سيمون ... وادعى أنه المخلص الذي أرسل من الدهور غير المنظورة لخلاص البشر .." 8 " هذه المحاولات الخلاصية المستمرة كانت تتم في إطار الديانة اليهودية وتطورها التاريخي الخاص ،وكان يسوع المسيح في بدء دعواه يقول ( لم أرسل إلا إلى خراف بيت اسرائيل الضالة) (متى 15ك4) 9 واجه المسيح ما واجه من اليهود ، "ونعتهم في غمرة ثورته بأولاد الأفاعي ،ودخل إلى الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم " مكتوب : بيتي بيت للصلاة يدعى ، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص " ( متى 21 : 13 ) " ولما أدرك المسيح أن اليهود ليسوا تربة صالحة للبشارة التي جاء بها ذهب عنهم ،واتجهت خطاه نحو ( الفداء الأعظم ) على خشبة الصليب ، فمات ثلاثة أيام - بحسب اعتقاد المسيحيين – ثم أمر بعد قيامته من الموت تلاميذه المعروفين في المصطلح المسيحي بالرسل ،وفي المصطلح الإسلامي بالحواريين ، أن يبشرواالأمم كلها بخلاص الإنسان ،وأن يمضوا إلى أنحاء المعمورة يكرزون ( يدعون يبشرون ) شرقا وغربا " وأن يعمدوا الأمم باسم الآب والإبن والروح القدس " 10 " ثم إن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله " متى : الفقرة الأخيرة .11 حسب هذه المقدمة ، احتمال أن يكون المسيح شخصية أنتجها المخيال الشعبي من مجموع المسحاء الذين ظهروا عبر قرون . فالوثائق التاريخية من خارج الأناجيل عن شخصية يسوع المسيح المفترض معدومة .
* انتشار المسيحية وبداية الصراعات حول طبيعة المسيح .
" انتشرت المسيحية انتشارا واسعا خلال القرن الثاني للميلاد ، إذ كانت الأحوال العامة العالمية مناسبة لانتشارها في صياغاتها المختلفة ،وفي القرن الثالث للميلاد بدأ التمييز بينها وبين اليهودية كديانتين مختلفتين . وفي القرن الثالث الميلادي ذاته ، بدأ الخلاف بين المسيحيين أنفسهم حول ماهية المسيح وطبيعته ، هل هو بشر نبي جاء بالبشارة أم هو الله بذاته نزل إلى الأرض حينا ، ثم عاد ثانية إلى السماء ،وكانت بأيدي الناس آنذاك أناجيل كثيرة ، ولسوف يكون لهذه الأناجيل الكثيرة قبل اعتماد الأربعة المشهورة وإلغاء ما عداها ،انعكاس مباشر على ( الصورة الحقيقية ) للسيد المسيح في أذهان المؤمنين به . " 12
" وقد تم اعتماد الأناجيل الأربعة وملحقاتها المعروفة بأعمال الرسل ، في مجمع نيقية الذي انعقد سنة 325 ميلادية . ولدينا من هذه الفترة شاهد معاصر هو المؤرخ يوسابيوس القيصري المتوفي 340 ميلادية ، الذي يقول في كتابه بعد ذكر الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل : "هذه هي الأسفار المقبولة ، أما الأسفار المتنازع عليها ، المعترف بها أيضا من الكثيرين بالرغم من هذا ، فمنها بين أيدينا الرسالة التي تسمى رسالة يعقوب ، ورسالة يهوذا ،وضمن الأسفار المرفوضة يجب أن يعتبر أعمال بولس ، وما يسمى بسفر الراعي ،ورؤيا بطرس ،يضاف إلى هذه ، رسالة برنابا التي لا تزال باقية ، وما يسمى تعاليم الرسل ، وإلى جانب هذا رؤيا يوحنا وإنجيل العبرانيين ، الذي يجد فيه لذة خاصة العبرانيون الذين قبلوا المسيح " 13 " وفي مرحلة تالية سوف يكون للتعبيرات المجازية الواردة في الأناجيل الأربعة المقبولة لدى المسيحيين ،كافة الأثر القوي في الجدل والإختلاف اللذين نشبا بين الكنائس حول جوهر المسيح وحقيقته ،وحول ماهيته وطبيعته ،وحول بشريته وألوهيته ( الناسوت واللاهوت ) ففي البدء انتشرت أناجيل كثيرة ، صار بعضها مشهورا حينا من الدهر ثم انطمس ، مثل انجيل المصريين ( ذي النسختين ، القبطية واليونانية ) وأناجيل الطفولة ،وإنجيل العذراء ،وكان بعضها منسوبا إلى تلاميذ المسيح ، لكنه يثير قلق الكنائس الكبرى ،مثل انجيل توما الذي تم اكتشافه مؤخرا منتصف القرن العشرين في مصر . والإنجيل الغنوصي المنسوب إلى يهوذا ( الإسخريوطي )الذي خان المسيح وأبلغ عنه ، أو هو الذي أطاع المسيح الذي أمره بأن يدل الرومان عليه ليقتلوه ،كي تكتمل الدائرة ويعود (الإبن ) إلى ( الآ ب) ويصعد الرب إلى السماء ."14 ويتطرق يوسف زيدان إلى أناجيل كثيرة أخرى ( عرفانية ) أو غنوصية غير انجيل يهوذا ،" ترسم صورة فلسفية للمسيح ،باعتباره وجودا خاصا ، أو حالة فريدة لكائن متأله ، يمكن عن طريق اتباعه والإقتداء به الوصول إلى الحقائق العليا بالتجرد عن ملذات الحياة والحسيات ،وهي الصورة النمطية التي كانت معروفة آنذاك للحكماء العرفانيين ( الغنوصيين ) الذين تطورت اتجاهاتهم الروحية بفضل الفلسفات الشرقية واليونانية ،كالفيثاغورية والأفلاطونية المحدثة ،وبفضل النزعات التصوفية التي كانت منتشرة بنواحي مصر ،وبأنحاء البلاد الواسعة المسماة بالهلال الخصيب ، أي الشام والعراق " 15 " عقب الإعتراف بالمسيحية واحدة من الديانات الرسمية للإمبراطورية الرومانية في مرسوم ميلانو الصادر سنة 313 م . .. كان لا بد من إرساء النظم . وتحديد الإعتبارت الكفيلة بالحفاظ على الديانة المسيحية لضمان استقرارها وبقائها وانتشارها ، وهو ماتم عمله بشكل تنظيمي عالمي (مسكوني ) في القرن الرابع الميلادي،خاصة في مجمع نيقية المسكوني الذي اجتمع فيه 318 أسقفا من أنحاء المسكونة ( حوض المتوسط والهلال الخصيب ) وتقرر فيه ما سوف يكون باسم قانون الإيمان ، وهو القانون الذي تعدل بعد ذلك واستكمل عدة مرات ،في مجامع كنسية تالية انعقدت بسبب ( الهرطقات ) متوالية الظهور ،ولكن الصيغة الأولى المشهورة باسم قانون الإيمان النيقي كانت تتضمن ما يلي :يسوع المسيح ابن الله الوحيد ، المولود من الآب قبل الدهور ، نور من نور ، إله حق من إله حق ، مولود غير مخلوق ، مساو للآب في الجوهر ، الذي به كان كل شيء ، الذي من أجلنا نحن البشر ، ومن أجل فلاحنا نزل من السماء ، وتجسد من الروح القدس ، ومن مريم العذراء ،وتأنس ، وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي ، وتألم ودفن وقام في اليوم الثالث " 16 " وكان من المنطقي أن ينتبه رجال الكنيسة آنذاك إلى خطورة الأناجيل الكثيرة المشوشة على قانون الإيمان القويم ( الأرثوذكسي ) الذي صيغ في مجمع نيقية المنعقد سنة 325 ميلادية ، فتشكلت بعد المجمع ببضع سنين ،وبالتحديد سنة 331 م.لجنة دينية دنيوية ( كنسية امبراطورية ) مهمتها التفتيش عن ،وإعدام الأناجيل الكثيرة الأخرى : متى ، لوقا ،مرقس ، يوحنا ،وهي الأناجيل التي حفظت واعتني بها وتم تداولها على نطاق واسع ،مع الرسائل المسماة ( أعمال الرسل ) ، فكان من ذلك ما سوف يعرف باسم العهد الجديد تمييزا له ودلالة على استكماله العهد القديم المشتمل على أسفار التوراة الخمسة ، وأسفار أنبياء اليهود الكبار والصغار ، فيكون من مجموع ذلك كله ما نعرفه اليوم باسم ( الكتاب المقدس "17 " غير أن الأناجيل المخالفة المختلفة التي سميت لاحقا أبوكريفا ظلت باقية بأيدي الناس ،وانفلتت نسخ عديدة نجت من أفعال الزمان وأفاعيل الإنسان حتى ظهرت بعد قرون طوال . فمن ذلك مجموعة الأناجيل التي اكتشفت بمصر في منتصف القرن العشرين ، وهي المعروفة اليوم بمخطوطات نجع حمادي ، وقد رأيت بعيني مؤخرا ( الكلام ليوسف زيدان ) أناجيل قديمة ( أبو كريفية )مترجمة إلى اللغة العربية ! وهي مخطوطات قديمة يعود تاريخ نسخها إلى قرابة الخمسمائة عام ." 18 ( هامش ص 73 ) يرى يوسف زيدان أن " الإيمان المسيحي ينطلق أولا من المسيح ويستقر أخيرا عنده ، بل ترتبط الديانة كلها بالمسيح ابتداء من اسمها ( المسيحية (المشتق من اسمه في كل اللغات .وعلى العكس من حال المسلمين الذين ينزعجون من تسمية دينهم باسم نبيهم مثلما يفعل بعض المستشرقين حين يسمون الإسلام بالمحمدية .. ينزعج المسيحيون من تسمية ديانتهم باسم آخر غير المسيحية ، كالنصرانية ، أو ديانة الثالوث ." 19
" المهم بدأ انجيل متى الذي هو أول الأناجيل الأربعة ترتيبا وأقدم الأناجيل الإزائية بحسب أشهر الآراء ،بذكر ميلاد يسوع المسيح ( ابن داود ابن ابراهيم ) ونسبه ومعجزة مولده وطفولته وهروب يوسف النجار به إلى مصر هو وأمه ، لأن هيرودس ملك اليهودية مزمع أن يطلب الصبي المسيح ليهلكه ،مع أن هيرودس الملك مات قبل ميلاد المسيح بأربع سنوات . ثم يستكمل الإنجيل بحسب متى الرسول تفاصيل عودة المسيح إلى الناصرة ، ثم لقائه في الاردن بيوحنا المعمدان الذي جاء يكرز في برية اليهود قائلا : توبوا لأنه اقترب ملكوت السماوات " وعلى هذا النحو، يستكمل إنجيل متى سيرة المسيح ووقائع حياته ومعجزاته وأقواله وأحكامه التي وضعها للناس ،ومكر اليهود به خاصة الفريسيين منهم ،من دون أي إشارة إلى الإلهيات التي هي أصول كل دين ،وكأن المسألة برمتها هي ( المسيح ) لا الله ، وكأنه هو هو ! 20 " ويختتم يوسف زيدان بحثه بالقول :" وعلى هذا النحو صار المسيح هو الديانة ذاتها ، فمن اسمه اشتق اسمها ،ومن مولده يبدأ كتابها ( الأناجيل ( ومن الإقرار بألوهيته يستهل قانون إيمانها الأول ،وشيئا فشيئا أصبح المسيح معادلا موضوعيا لله ،ثم غدا مع اجتهادات الآباء الأوائل ( الأرثوذكس ) هو الله الذي غاب ، وناب عنه المسيح . ولأن كل ما هو إلهي ( ثيولوجي ) قد أمسى متعلقا بالمسيح ، أي صار كريستولوجيا ، فإن المشكلة الكبرى في اليهودية ،( صفات الله ) لم تعد مطروحة للنظر ، وإنما صار الإيمان القويم ( الأرثوذكسي ) إيمانا بالمسيح الذي هو الله . وصار التشكيك في ألوهيته التامة يعني الكفر بعينه ، أو هو بحسب الإصطلاح المسيحي : هرطقة .: 21 *نهاية بحث زيدان . *إشارات المراجع كلها تعود للباحث والبحث نفسه دون أي تدخل مني .
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة (5)
-
تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( 4)
-
تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( 3)
-
تابع: ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة ( 2)
-
ألوهة المسيح وفلسفة الألوهة (1)
-
شاهينيات : في الخلق والخالق مرة أخرى!
-
آه على وطن !
-
التحالف بين يهوه ( الله ) والشيطان على أيوب !
-
لو أن المثقف راقصة !!* ( برسم السلطة الفلسطينية واتحاد الكتا
...
-
شاهينيات في الخلق والخالق ( وإن شئتم في المادة والطاقة )!!
-
تحولات الألوهة من الأنوثة إلى الذكورة !!
-
محمود شاهين يوقع أبناء الشيطان
-
شاهينيات : في الخلق والخالق والعقل البشري
-
ملكة السماء تعد الأديب بالنسيان
-
التحول من الدين فحسب إلى الثورة الدينية (دفاعا عن محمد ) (6
...
-
عن القتل والإكتئاب والبشر والغزاة !
-
الجميع فصاميون كما يرى العفيف الأخضر ( دفاعا عن محمد ) (5)
-
صدور رواية (أبناء الشيطان ) لمحمود شاهين
-
عقدة اوديب ( دفاعا عن محمد ) (4)
-
أبناء الشيطان (رواية قصيرة )
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|